السبت، 30 يوليو 2011

أنا والنار...!














أنـــــــــــا والــــــنــــــارُ كــــــلانــــــا كـــلُّـــنــــا يـــــقْــــــذِفُ جـــــمــــــرا
غـيــرَ أنَّ الـجـمـر مـنـهـا أحـــمــــرٌ والــنــفـــسُ حــــــــرّا
أحـتــســي مـنــهــا دُخــانـــاً ويــــــــــراهُ الـــــنــــــاسُ مُـــــــــــرَّا
إنَّ عـــيـــنـــي بـــالأمـــانـــي إنَّ عــيـــنـــي لــــــــن تــــقـــــرَّا
كــلـــمـــا جــــــــاوزتُ بــــحــــراً أُبْـــصِــــرُ الآمـــــــالَ بــــحــــرا
صارتَ الساعاتُ يوماً صـــــارتِ الأيــــــامُ شـــهـــرا
صــارت الأشـهـرُ عـامــاَ صـــارتِ الأعـــوامُ عــمــرا
أنـــــــــــا والــــــنــــــارُ كــــــلانــــــا كــــلـــــنـــــا يـــــكـــــتِـــــمُ سِـــــــــــــــرَّا

الخميس، 28 يوليو 2011

الرواية السعوديّة... من الستر إلى انفجار الصمت

الرواية السعوديّة... من الستر إلى انفجار الصمت



أحمد الجمَّال

على رغم صدوره في السعودية قبل نحو عام تقريباً، لم ينل كتاب «الرواية السعودية... حوارات وأسئلة وإشكالات» لمؤلفه الكاتب السعودي طامي السميري، حقّه من الاحتفاء على الساحة الأدبية والثقافية السعودية. وبدت المقدّمة التي صاغها الناقد الكبير د. عبد الله الغذامي تأكيداً على أن الكتاب بمنزلة خطاب سردي مصاحب، إذ قال، في لعبة حوار سردية حول السرد: «وأنا على يقين أن هذا الكتاب سيكون وثيقة أكاديمية سيأخذ بها أي باحث أو باحثة، لأنه يمثل شهادات مرحلية حية ومباشرة تنقل الحدث وتلاحقه في تضاعيفه الداخلية».



يرصد المؤلّف في كتابه العملاق، يقع في 523 صفحة من القطع المتوسط، تجارب عدد من مبدعي الرواية السعودية عبر مجموعة من الحوارات الصحافية، متسائلاً في مدخل الكتاب: «هل قادني الولع بالأسئلة إلى كل تلك الحوارات التي تكاثرت وتبعثرت حتى ضمها كتاب الرواية السعودية؟»، ويعود السميري ليجيب عن هذا التساؤل الذي يبحث بدوره عن إجابة لدى القارئ، فيقول: «لا أملك إجابات نقدية لهذا السؤال المرتد إليّ، فكل ما أستطيع قوله إنني تركت للقارئ في داخلي أن يجاهر بما يشعر به تجاه أي نص، لذا فقد كنت أنصت لكل من حاورتهم في هذا الكتاب من نقاد وناقدات، روائيين وروائيات، وكتّاب القصة القصيرة، محاولاً إدراك لذة نصوصهم الروائية. كيف تكتب وكيف تتشكل عوالمها وشخوصها».



عمل توثيقي



من هنا يتكشف للقارئ أن الكتاب لا يرصد حال الرواية في المملكة من واقع الحوارات التي أجراها السميري مع مبدعي الرواية فحسب، بل أيضاً تتسع رقعة الرصد لتتبع أيضاً آراء اختصاصيين في مجال النقد الأدبي والقصصي... وأشكال السرد كافة. لكنه يبقى في النهاية، وفق المؤلف، محاولة توثيقية يجد فيها الباحث والناقد صورة أمينة لمختلف الرؤى التي تمثل الوعي الروائي لدى كتَّاب الرواية، ويجد القارئ فيها ككتاب لذة ما بعد القراءة. يُشار إلى أن هذه الحوارات (عددها 51 حواراً) أجراها طامي السميري أثناء عمله الصحافي بين عامَي 2003 و2009.



يتجلى للقارئ أن أمتع ما في الكتاب هو المقدمة التي صاغها الناقد د. عبد الغذامي، والتي لخّصت إلى حد كبير المضمون. يوضح الغذامي في هذا الصدد: «لقد كان من أوضح أسئلة الثمانينيات من القرن الماضي سؤال يتعلق بعدم ظهور الرواية في الأدب السعودي، في حين ظهرت القصيدة الحداثية ومنها قصيدة النثر، وظهرت القصة القصيرة بكل صيغها، كما ظهر النقد الحداثي وما بعد الحداثي بصيغه المتطورة ليس على مستوى الخطاب السعودي المحافظ تلقائياً وحسب، بل إنه نقد متجاوز لكل ما هو عربي وثقافي راهن في ذلك الوقت، ولقد كانت التشريحية والنقد النسوي والثقافي من أبرز ما ظهر منذ الثمانينيات وفيها ريادة عربية وتقدم معرفي متجاوز لشروط الخطاب المحافظ كله وبلا تحفظ. غير أن الرواية لم تكن هناك وهو ما اقتضى حينها طرح السؤال ومن ثم البحث عن أجوبة عنه».



السرد والفضح الجسدي



يمضي الغذامي في كشف مزيد من ملابسات حال الرواية السعودية ونمط الكتابة لدى مبدعيها، بشفافية لا تنقصها الجرأة في قياس الأعمال الإبداعية وفق قانونين متوازيين، إذا جاز التعبير، وهما قانون «المحافظة» وقانون «الستر»، فيقول: «كانت النظرة هي أن المجتمع المحافظ يأخذ نفسه بقانون الستر وأنه من العيب كشف الفضائح بينما الرواية فضائحية في طبعها، خصوصاً وقد استقر النمط الأوروبي، غير الشرقي، للرواية، وهي تقاليد كتابية تأسست في أوروبا تجعل الجسد مادة رئيسة للسرد، حتى بدا الأمر وكأنه لا مجال للرواية إلا إذا باحت وعرت المكتومات الجسدية والنفسية والروحانية. تلك هي صورة النص الروائي كما قدمته أوروبا التي احتلت الخطاب السردي منذ القرن الثامن عشر، وجاءت معها أميركا اللاتينية بخطابها الذي لا يرى فضائحية في الكشف عن الجسد وعرضه على ورقات النص، وجاءت الرواية العربية الحديثة أيضاً على هذا السياق مجارية النمط الشرقي للقص والحكي، ومع التدرج الحذر أولاً بلغت النصوص الروائية مبالغ غير متحفظة في صيغ الكشف والفضح حتى صار العرف وكأنه لا سرد من دون فضح جسدي».



يجنح الغذامي إلى أن هذا التعود في النمط السردي المتعري من الفضيلة أحدث تأثراً في كتابات المبدعين حول العالم، وإن كان تسبب في تحفظنا نحن على النصوص ومحاذرتنا منها، على أساس أن الكشف يؤدي إلى تسويق الفكرة وليس إلى معالجتها، «ومن شأن العقل المحافظ أن يرى الستر ويرى أن المشاكل إذا تركت للزمن فهو كفيل بمعالجتها، لذا فالسكوت عن المشاكل هو علاج لها، أما كشفها والحديث عنها فهو إشاعة لها كإشاعة المنكر».



أسماء مستعارة للبوح



بحسب الغذامي فإن هذا سبب قوي لتعطيل ظهور الخطاب الروائي، وكون الرواية مرتبطة بالجنس وبالكشف وكسر الحدود، وهو معنى ترسخ كإحدى أخطر علامات النص السردي الحديث، ما أدى إلى ظهور الحراسات الشديدة ضد هذا المعنى الحديث بما أنه معنى خطر في أي مفهوم محافظ، ونشطت الرقابة الذاتية وصار المرء بذاته يحاذر من ذلك، خصوصاً أنه يضع اعتباراً لموقعه الخاص بين أهله وذويه، لذا جرى ابتكار الأسماء المستعارة وما زال ذلك قائماً، رأيناه حتى مع روايات جاءت بعد شيوع الكتابة الروائية وتواترها عندنا كما في رواية «الأوبة» مثلاً وهي رواية لا يمكن لكاتبتها أن تتخلى عن اسمها الصريح لولا محاذير الرقيب الذاتي في داخل الكتابة وحساباتها الخاصة كموقع اجتماعي وعائلي خاص، ما يتعارض مع حالات البوح التي في النص.



القصيبي يفجّر الصمت



تبدو رواية «شقة الحرية» لغازي القصيبي خير نموذج استند إليه الغذامي في شرح وجهة نظره النقدية عن تحول الرواية السعودية من عصر «الستر» إلى زمن الكشف و{انفجار الصمت»، ذلك حين قال: «لقد كان التحول من وقار التحفظ والستر إلى خطاب الفضح فجائياً وغير متوقع التوقيت ولا المصدر، وقد جاء ذلك من أبعد المصادر، حيث ظهرت رواية «شقة الحرية» لغازي القصيبي، وهي عن الطلبة المبتعثين إلى القاهرة في زمن الخمسينيات والستينيات، وفيها كشف وفضح غير موارب، وهنا جاءت مفعولية النص حيث إن المؤلف ينتمي طبقياً ورسمياً واجتماعياً إلى أعلى الطبقات وأشدها حرصاً على إسمية الإسم، وبما أن الوجيه غازي بسنه ومقامه ومركزيته يضرب بالرقابة بكل صنوفها عرض القلم فهذا صار إغراء لشباب كان يحلم بكتابة نفسه وحياته وانطباعاته في نصوص سردية، وليس عندهم أي شيء من قيود المجتمع كما كان عند القصيبي، وإذا تحرر المقيد الأكبر فإن الشباب الحر أكثر رغبة في هذا التحرر، ومن هنا جاءت الرواية وانفجر الصمت».



يتابع الناقد: «لسوف نرى هنا أن مجتمعنا في 10 سنوات مرّ بتحولين ثقافيين مهمين، أحدهما تجرؤ الكتاب والكاتبات على البوح وكسر شروط الرقيب الرسمي والذاتي حتى صار المخجل غير مخجل والممنوع مباحاً والمكنون مفضوحاً، والتحول الثاني، وهو الأخطر، أن المجتمع برموزه وحراسه صار يسلم بهذا المتغير ويقبل بمفاهيمه ومجازية السرد، مثلما كان القبول قديماً بمجازية الشعر، ولم يكن أحد يؤاخذ شاعراً على قول قاله أو صورة رسمها في كلماته، والذي كان يعذر الشاعر ولا يلومه صار أولاً يلوم السارد ويحاسبه، ثم ما لبث أن عامل السارد معاملة الشاعر ورفع اللوم عن الخطابين، وهنا جرى ترسيم موقع إبداعي- مجازي للسرد في مجتمعنا ولم يعد الحدث بالخبر المفجع».



الإنترنت يواجه الرقيب



يلخّص الغذامي ما آل إليه وضع الرواية السعودية في الحوار الذي أجراه معه طامي السميري وصدر به الكتاب حينما سأله: «إلى أين تتجه الرواية السعودية»، فأجاب الغذامي: «من الصعب أن نحدد اتجاه الرواية، ثمة اتجاهات عدة. نحن أمام ما يمكن أن نتصور أنه يشبه «تسونامي» أو موجات بحر اندفعت في لحظة واحدة بعد انحباس. كانت الأسئلة في السبعينيات والثمانينيات، هل ستظهر رواية سعودية؟ ولم لا تظهر رواية سعودية؟ والإجابات عن تلك الأسئلة كثيرة، وفجأة انفجر الموقف، هذا الانفجار تصاحب مع أنماط جديدة لوسائل الاتصال، الفضائيات والإنترنت، ولو قست زمنياً تجد تجاوراً تاماً بين الفضائيات والإنترنت والرواية. ثلاثة أشياء وقعت في وقت واحد، ما يعني أن الإنترنت والفضائيات صارت مجالاً للنشر غير المراقب، وصار فيه مجال لتجاور الرقيب».



** منشور في صحيفة "الجريدة" في 23 يناير/ كانون الثاني 2011

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...