الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

صورة الذات في شعر الماغوط



صورة الذات في شعر الماغوط
(دراسة موضوعاتية) -2
رمضان حينوني - الجزائر من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
التفاهة أو احتقار الذات :


من الطبيعي أن يكون التشرد و الخوف عاملين مهمين في الوصول إلى أهم ملمح في صورة الذات الماغوطية وهو التفاهة، وبهذا تكتمل أضلاع المثلث المأساوي، بحيث يؤدي كل منها إلى الآخر. فالتفاهة تؤدي إلى الخوف، و الخوف إلى التشرد، و التشرد إلى التفاهة ، و هكذا دواليك.



وإذا كان من عادة الإنسان أن يسعى جاهدا لتغطية عيوبه، ورفض أي شكل من أشكال الاحتقار التي قد يتعرض لها، فإن ما نجده في دواوين الماغوط الثلاثة (11) من قصائد تعبر عن تفاهة الإنسان في المجتمع لا يكاد يحصى. لهذا آثرت في هذا الجزء من البحث أن أقتطف بعض فقرات تجسد هذا الملمح بشكل واضح سافر، بدل عرض قصيدة بعينها.

ففي قصيدته(النخاس) (12) يلعب الشاعر دور بائع متجول بضاعته أشياء لا يمكن لأحد شراءها،إما لأنه لا يملكها أصلا مثل السماء الزرقاء والعواصف الثلجية، و إما لأنها مما ينفر منه الإنسان، و يسعى للتخلص منه مثل الرمد للأطفال أو التذمر للآباء !

ويمضي الشاعر في عرض البضاعة بنفس لا يتعب جامعا بين المادي والمعنوي، والمعقول واللامعقول، لنعرف في النهاية أنه في عجلة من أمره، وأنه يريد إنهاء صفقته لا ليسعد بربح أو يهنأ ببيع بل ليغرس في صدره شيئا ويموت.
هذه العبثية الصارخة ما هي إلا شكل من أشكال التعبير عن التفاهة، عن التيه والضياع وانحطاط القيمة، إذ يبدأ الماغوط نصه بقوله:

الاسم: حشرة
اللون: أصفر من الرعب
الجبين: في الوحل
مكان الإقامة: المقبرة أو سجلات الإحصاء
المهنة: نخاس

هذه البطاقة التعريفية واضحة الدلالة، صريحة اللفظ، فهو لا يعدو كونه شيئا خارج المجتمع، وخارج الحياة. وهي صورة تجمع التفاهة إلى الخوف من خلال صفرة الوجه والتشرد من خلال مكان الإقامة وهو المقبرة، وهكذا تبدو هذه الثلاثة المكونات الرئيسية في صورة الذات.

غير أن الملفت في شعر الماغوط أن التفاهة الشخصية التي يعبر عنها تجر معها أحيانا تفاهة لما يرتبط بها في ملمح انتقامي – على ما يبدو-. ففي معرض بيعه تمتد سلع البيع إلى أعزما يزين تاريخنا:

كل الفتوحات العربية
مقابل سرير
كل نجوم الشرق
مقابل عود ثقاب.

إن تفاهة الذات أدت إلى تفاهة الآخر، فردا كان أو جماعة؛ فكأن الشاعر يسقط حاله على محيطه، باعتبار أن هذا المحيط هو السبب في ما آل إليه. وهذه (حال متطورة لعدم التوافق وعدم السواء لانفصال الذات عن الفرد والمجتمع.)(13)

غير أن سخط المثقف على المجتمع الصغير أو الكبير يأخذ –عند شعراء كالماغوط- منحى بعيدا، فهو يتوغل في الإرث الحضاري وفي التاريخ، ولا يتوقف عند مجرد المكونات المادية، أو ما له علاقة بحياة الإنسان الضيقة. وعندما يركز الشاعر على الفتوحات العربية إنما يريد أن يعبر عما آل إليه المجتمع الكبير من صغار وضعة، يستشعرها الفرد من خلال ذاته أولا، ومن خلال علاقاته بالمحيط، ومقارنة هذا المحيط بغيره من المحيطات التي تبدو أكثر منه انسجاما وتحقيقا لأحلام الأفراد.

إن الإحباط الذي بدا من خلال المقطعين ليدعونا إلى التساؤل عما إذا كان الولاء للمجتمع ما يزال قائما عند الشاعر. لكن لا مفر لنا من ملاحظة، وهي أن سخط المثقف- كما هو عند الماغوط- سخط واع لا يهدف إلى الهدم إطلاقا. إنه ضرب من النقد العنيف الذي يحاول فضح الظواهر السلبية لإعادة النظر فيها وتصحيحها. ويذكرنا هذا الجزء من النص بـ(المهرج)، المسرحية التي استعاد فيها الماغوط شخصية صقر قريش، وبعثه إلى الحياة ليكتشف التحول العظيم للإنسان العربي، لكنه ينتهي به المطاف إلى أن يباع مثل أي تحفة أثرية إلى أعدائه الأسبان و بأبخس الأثمان. أما بائعه فهو ابن جلدته، والمنتظر منه الاحتفاء به وتمجيد بطولاته.

ويمضي الماغوط في التعبير عن التفاهة واحتقار الذات في قصائد أخرى كثيرة ؟ ففي(أغنية لباب توما )(15) يقول:
ليتني وردة جورية في حديقة ما
يقطفني شاعر كئيب في أواخر النهار
أو حانة من الخشب الأحمر
يرتادها المطر والغرباء.
...........................
أشتهي أن أكون صفصافة خضراء
قرب كنيسة
أو صليبا من الذهب على صدر عذراء

إن تركيز الشاعر هنا على الموجودات الجامدة، ورغبته أن يكون واحدا منها، لمظهر آخر من مظاهر التفاهة، حتى وإن كانت الأشياء هذه ثمينة ماديا أو معنويا. فمهما تكن قيمة هذه الموجودات، فإن حياة الإنسان هي الأهم. وعندما يفقد الإحساس بذلك لسبب أو لآخر تتجسد المأساة في أجلى صورها.

والنبرة نفسها نراها في(خطوات ذهبية)(16) فالشاعر ما زال يرغب في أن يكون غير ما هو عليه.. كأنما يريد أن يفر من ذاته، حتى وإن كان ما يؤول إليه عبودية:

آه كم أود أن أكون عبدا حقيقيا
بلا حب ولا وطن
لي ضفيرة في مؤخرة الرأس
وأقراط لامعة في أذني.

يبدو إذن أن الماغوط يتموضع في مثلث السلبية الذي أضلاعه متساوية، وزواياه متقابلة، ومتحدة ضده في آن. أينما اتجه في حلبته البائسة لا يجد غير الشكوى والأنين، والأوجاع والأمراض. إنه المحاصر بأحلامه وكوابيسه.. بتاريخه وحاضره، يحاول أن يتمرد على نفسه ومحيطه ويفشل، وكأنما كتب عليه أن يعيش كئيبا مهزوما، والدنيا من حوله لا تأبه إلا بعيشها وقوت يومها.

و ما أبعد الماغوط عن شعراء العنتريات و الفخر، أين هو من عنترة والمتنبي والحمداني، وأين هو من القباني ومفدي زكريا وكثيرين غيرهم،عرفناهم بفخرهم رغم ما طالهم من الغربة وضيق العيش، وكأنهم كانوا يكابرون ليقولوا إنهم أقوياء. أما الماغوط، فيبدو أنه لا يعرف في حياته إلا الضعف والاستكانة رغم جرأته وصراحته. كيف لا وهو المرعوب بالولادة، الخائف من كل شيء، حتى من آذان الحيطان.

ولئن كان هذا حاله، فالحق أنه خلف لنا شعرا معبرا أفضل تعبير عن واقع الحال في المجتمعات العربية والشرقية. ويكفي هذا رسالة من شاعر قتلته البساطة حتى أضحى شهيدها.

-----------------

أ- رمضان حينوني

ماجستير في النقد الأدبي الحديث


-----------------

الهوامش


:
http://www.alarabiya.net/programs/2004/07/26/5293.html
2 سنية صالح. طفولة بريئة وإرهاب مسن مقدمة لكتاب " أعمال محمد الماغوط ".7. دار المدى للطباعة و النشر. ط1. 1998.
3 د. مصطفى حجازي. الإنسان المهدور. المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء. ط 1. 2005
4 4 محمد الماغوط. مقابلة مع قناة العربية. م.س
5 وضع " أبراهام ماسلو" سلما للحاجات الإنسانية من خمس درجات، الأولى الحاجات الفسيولوجية أو الطبيعية ، و الثانية حاجات الأمن والحماية ، والثالثة الحاجات الاجتماعية ، والرابعة حاجات احترام الذات، أما الخامسة فهي حاجات تحقيق الذات.
6 أعمال محمد الماغوط. ص213. م. السابق
7 م. السابق.30
8 م نفسه. 42
9 نفسه. 47
10 مقابلة مع الجزيرة، ( الحوار بالدارجة ) الموقع:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/06835D87-79AF-4C2C-9F04-03C36CC5B920.htm
11 أعمال محمد الماغوط. 199
12 هي: حزن في ضوء القمر، والفرح ليس مهنتي، وغرفة بملايين الجدران.
13 أعمال محمد الماغوط. 201
14 محمد حسن جابر. الاغتراب الثقافي. بحث في ملف وورد، على موقع :
www.albirbro.com/rc/s1.doc
15 أعمال محمد الماغوط.18
16 م. السابق. 39

الموضوعـاتية عند بورديـو

-محمد ديلان
الموضوعـاتية عند بورديـو

يلاحظ أن أقوى نقد تعرضت له المنهجية الإثنوغرافية يكمن في مهاجمة تيار ما بعد الحداثة في الأنثروبولوجيا لتعبير "الملاحظة-المشاركة" وشكوكهم حول الاعتماد على هذه الوسيلة التي جرّدت الباحث من أي موضوعية في ممارسة بحثه وتحليلاته الميدانية.

البديل الذي طرحه "بورديو" هو منهج "الموضوعاتية بالمشاركة" Participant Objectivation، الذي يعني: كشف الآثار المتحيّزة التي تظهر في تحليلات الباحثين الاثنوغرافيين......ذكر ذلك "بورديو" في كتابه الموسوم "الإنسان الأكاديمي" Academics Homo ...... في هذا الكتاب ركّز "بورديو" على تحليل الإنجاز الثقافي للباحثين الفرنسيين من منظور الموضوعاتية على اعتبار أن هؤلاء الباحثين ينتمون إلى ثقافة معينة شكلّت على نحو ما خلفياتهم اللاشعورية والذي ظهر واضحاً في بحوثهم الوصفية والتحليلية.

ماذا تعني الموضوعاتية بالمشاركة؟...... ببساطة هي: تعمّق الباحث في تجاربه الاجتماعية السابقة لتحصيله العلمي وانعكاساتها اللاشعورية الذاتية على تفسيراته لما يدرس من جماعات وظواهر. أي أن الباحث يمكن أن يستفيد من تجاربه الشخصية السابقة وذلك بإخضاعها للضبط المنهجي على أساس أن الماضي الاجتماعي للباحث يمكن أن يولد منافع ابستمولوجية وظاهراتية للبحوث الميدانية.

إذن هو سلوك الباحث الاثنوغرافي في ممارسته للبحث الميداني، وهو سلوك يتقيد بوعي الباحث في عدم ممارسة اسقاطاته المعرفية المحلية الذاتية على سلوك وأفعال الآخرين الذين يدرسهم..... إنّ وعي الباحث بمشكلة "الإسقاطات السلوكية" تجعل منه على دراية بحيادية الممارسة البحثية...... كذلك أن الباحث يمكن أن يستفيد من خبرته في الحياة في معرفة طبائع السلوك وحقيقة الأفعال بالنسبة للمبحوث..... وهذه مسألة مهمة لأنها تخرج بنتائج أكثر صرامة وعلمية عن حقائق الظاهرة المدروسة..... بعيداً عن سياسات الإغراق في بحور التصنيفات والتشوهات العلمية التي تزخر بها معظم البحوث الأكاديمية.......

فالباحث مطالب هنا بمراقبة نفسه..... تحليل شخصية الباحث الاثنوغرافي نفسه..... الكشف بجلاء عن مضمون العلاقة الذاتية بالمبحوث..... هنا تواجه الموضوعاتية بعض التحديات ولكن لا بأس..... لنرى "بورديو" كيف يوسّع من مجال "الموضوعاتية"..... فهو يعتقد أن الذي يجب أن يخضع للموضوعاتية أيضاً –وهذا هو الأساس- العالَم الاجتماعي الذي صنع كلاً من الباحث الأنثروبولوجي وحقل الأنثروبولوجيا...... أي أن يتم التركيز على عالم تخصصهم المهني وهو الحقل الأنثروبولوجي الذي يعملون فيه بما ينطوي عليه من تقاليد وخصوصيات وعادات فكرية......

"بورديو" يدعو إلى تحرير الفرد الانثروبولوجي من التدخلات الخاصة والعقبات والانحيازات اللاشعورية في البنية التنظيمية للتخصص..... كذلك يدعو الى عدم إغفال القناعات والتفضيلات الشخصية للباحث الانثروبولوجي لأنها ليست مسألة تتعلق بشخصياتهم فقط وإنما هذه أمور تحتسب من خلالها الآثار العامة على موضوعية العلم نفسه كما يمثله الباحثون.....

فالموضوعاتية تهدف إلى تحقيق آثار علمية حقيقية كما إن عملية "الإصلاح الموضوعاتي" تتطلب منا مراجعة الكثير من الكتابات الاثنوغرافية المتحيزة وغير العقلانية التي حبلت بها كتابات الانثروبولوجيين الأوائل...... إذن الموضوعاتية هنا تحرير الكتابات الانثروبولوجية وجعلها أكثر تجرّداً في الفكر والممارسة، وهي بهذا المعنى تعني تحليل شخصيات الباحثين من خلال تحليل كتاباتهم عن طريق التحليل الدقيق والموضوعي لآرائهم وخلفياتهم الثقافية..... وبمعنى أخر: أن الموضوعاتية تعني ممارسة الباحث الاثنوغرافي في مراقبة نفسه ومعرفة نفسه بحيث عليه أن يمتلك المعرفة الملائمة عن تجاربه وخبراته الأساسية في الحياة..... لماذا؟......

لأن الباحث الذي يجهل معرفة نفسه ووضعه الاجتماعي سيكون عاجزاً –لا ريب- عن معرفة الآخرين..... فهو حتماً سينطلق من أمور مسبّقة ومسلمات ومسائل قبلية تفرض عليه نوعية أن يمارس في تحليله أفضلية للانطلاق هو يعتقدها، متخذاً عبر ذلك نموذجاً منطقياً محسوماً سلفاً...... إذن على الباحث أن تكون لديه رؤية شاملة لاكتساب مؤهلات الفهم الإنساني العالمي، وأن كل مجتمع أو شعب يتمتع برؤية منطقية وأصناف من الفكر مختلفة بحيث لا توجد أفضلية لرؤية على أخرى فكلها نماذج تعبر عن حقيقة الحياة الاجتماعية/الإنسانية.....

"بورديو" لم يسلم أحداً من نقده، فهذا "جيمس فريزر" مؤلف كتاب الغصن الذهبي Golden Bough نعته "بورديو" بالعرقية لتشويهه صورة الشعوب الأخرى غير الغريبة، فقد جرّدها "فريزر" من العقل والمنطق..... وعلى منواله أيضاً "ليفي برول" صاحب البحوث المتحيّزة بتعبير "بورديو".... وهذه البحوث بحاجة إلى تصحيح لكثير مما ورد فيها من أخطاء.....

ويرى "بورديو" أنه حتى ظاهرة الاختيار الموضوعي للدراسة كانت خاضعة لأهواء الإنتقائية التي كانت مثقلة كرواسب داخل المنظومة الفكرية التي صقل عليها الباحث الاجتماعي..... لماذا يفضّل البريطانيون المجتمعات الأفريقية ميداناً لدراستهم بينما يعكف الأميركيون على معرفة ودراسة المجتمعات الهندية (الهنود الحمر)؟...... نجد قليلاً فقط من اختار استراليا أو الاوقيانوس مكاناً للبحث والتنقيب الانثروبولوجي ولكن أيضاً هذه الدراسات لم تسلم من "الهشاشة" المنهجية وابتعادها عن عمليات الضبط المنهجي والسوسيولوجي.......

ويؤكد "بورديو" أن من أصعب الأشياء التي تواجه الباحثين هي: "فهم ما يلاحظون من أنشطة".... بمعنى: أن الصعوبة تكمن في عدم معرفة كيفية المواءمة بين تجربة الباحث العادية وبين حقيقة ممارسته غير العادية من خلال تجريد نفسه عن نفسه.....

هناك صراع في فهم وتفهّم التجربة الاجتماعية طرفيها هما: حياة الباحث العادية وقبل ممارسة التخصص العلمي الدقيق، والطرف الآخر: التجربة اللاحقة على التخصص العلمي..... بالتأكيد أن "بورديو" لا يريد إلغاء عمليات النقد السوسيولوجي النابعة من أفكار أكاديمية صرفة.... ولكنه يدعو إلى تأسيس تحرر في الفكر ينوء عن خرافة التحكم الموضوعي الأكاديمي بحيث ألاّ يسطر على أذهان الباحثين في تحليلهم وتفسيرهم للظاهرة الاجتماعية......

فالباحث مطالب –حسب بورديو- بالاحتفاظ بمنطق الممارسة الناتج من التجارب الاجتماعية المختلفة..... هنا الأستاذ الفرنسي يريد أن يقول: علينا التحرر من كل أفكار أو آراء ضلت عالقة بأذهاننا من مواقف مسبقة...... هذه خطوة أولى نحو مأسسة تجربة منهجية كفيلة بإعطاء نتائج أكثر ايجابية في التعامل مع الواقع الاجتماعي.....

"بورديو" يقول: على الباحث أن يسترشد بتجارب الطفولة السابقة ويستعين بها في فهم الراهن مما يبحث من ممارسات إلى جانب استثمارها لحماية نفسه من الوقوع في فخ التأويل العفوي الذي قد يتناقض والتحليل الموضوعاتي، ولتجنب ما قد يطرحه المخبر من معلومات غير دقيقة تحتاج إلى تمحيص وتصحيح.

ولكن "بورديو" عندما درس جماعات القبائل الجزائرية فوجئ بالتحولات التي تعرضت لها العشائر والقبائل والأقاليم والطبقات والأمم هناك بعيداً عن الصور الجامدة وغير المقنعة التي طرحها الباحثون الفرنسيون عنها في زمن مضى. إلى جانب ملاحظاته عن الشرف هناك وتأكيده ضرورة فهمه ليس عبر القواعد الشكلية الموضوعة لمسايرته بل ومن خلال الإحساس به كقوة تتفاعل مع الحس والعاطفة لدى السكان الأهليين......"أ.د. قيس النوري..... اتجاهات انثروبولوجية معاصرة..."

لنرتب أفكار "بورديو":

1-يرى أن الملاحظة بالمشاركة تعاني من "عيب منهجي"....السبب: أن الباحث لا يسلم من دوامة "التلفيق التحليلي" الصادر من قناعات شخصية/علمية/ أكاديمية/ عرقية/ دينية مسبقة..... فتجده –أي الباحث- يعمل على تفعيل إسقاطاته المعرفية على تحليلاته السوسيولوجية بما يتلاءم مع توجهاته الفكرية والتخصصية......هذه المشكلة تواجه الباحث الاجتماعي سواء كان جزءاً من مجتمع الدراسة أو غريباً عنه..... في الحالتين تفتقر هذه الوسيلة كأداة لتحقيق الضبطية المنهجية في عمليات الجمع والتحليل......

2-الموضوعاتية بالمشاركة أعمق منهجياً من الملاحظة بالمشاركة..... ولو دققنا النظر في مفهوم الموضوعاتية نجد أنه يحمل خاصية التشارك عن طريق الملاحظة وهذا يعني أن الإضافة المنهجية في الموضوعاتية تكمن في مراقبة الباحث لنفسه وتجريده لها من أي أملاءات مسبقة قد تؤدي إلى تشويه الصورة الاثنوغرافية الحية أو المعلومة الميدانية المستقاة من الواقع الاجتماعي...... هذا الحذر المنهجي ضروري عند "بورديو" لتنزيه البحث من أي شوائب يمكن أن تلحق به.

3-أن منهج الموضوعاتية بالمشاركة لا يحقق غاية العمل الأنثروبولوجي بتحقيق تجريد سليم للباحث وإنما مدار الاستعانة البحثية تكمن في تحصيل نتائج أكثر واقعية وعلمية من وسائل الضبط المنهجية الأخرى....

4-إن الموضوعاتية البورديوية تجعل آفاق النقد البحثي تطال حتى موضوعات دراسية كانت تعد مرجعيات للعلم الاجتماعي والانثروبولوجي في محاولة لاستئصال الأفكار المتحيّزة أو "الغرضية" التي كانت تمثل أهداف مشرعنة من قبل سياسات التخلف والاستيلاء......

5-الاستفادة من الماضي الشخصي للفرد الاجتماعي وتجاربه في الحياة وخبراته وأيام الطفولة وغيرها واستثمارها بطريقة غير منحازة في تعليل الظواهر الاجتماعية وتحليلها وفق أسس تتخذ من البناء والأمانة البحثية منطلقات لتجاوز الذاتية في التفسير الغائي والتي تميّز أغلب البحوث الاجتماعية راهناً.......

6-كذلك أن الموضوعاتية لا ترفض الخبرة التخصصية في العمل الأكاديمي وإنما تعلل استياءها فقط عندما يكون التخصص عاملاً في "تلاشي" مسببات الحرية البحثية أو التحليلية بناء على مبادئ تسير وفقها البحوث الأكاديمية..... بمعنى: أن العمل الأكاديمي كثيرا ما يعمل على تضييق الباحث وفرض مجموعة مسلمات أشبه بعملية "التداعي الاستمراري" الفض والمتكرر التي تسير عليه تلك البحوث.......

7-إن اكتشاف الباحث لذاته ومعرفته لنفسه مسألة ضرورية لعدم الوقوع في فخف التأويلات العفوية أو المقصودة.... وكلاهما يتمتعان بعيب أو قصور في عملية التأويل والتي تمثل محاولة من جانب الباحث في استخراج المقاصدية المفهومية للظاهرة الاجتماعية........

إذن الموضوعاتية: ملاحظة سلوك الباحث الاجتماعي ونقده أثناء عمليات التحليل والتفسير فضلاً عن سلوك المبحوث وهذا هو المائز الحقيقي بين مستوى "الملاحظة-المشاركة" و"الموضوعاتية-المشاركة" التي دعا اليها "بورديو" وحاول تطبيقها كمنهج جديد في مجال العلوم الاجتماعية........

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

الحقول الدلالية في لزوميات أبي العلاء المعري

الحقول الدلالية في لزوميات أبي العلاء المعري .. رسالة دكتوراه للباحثة رفيف هلال
الوحدة
ثقافة
الخميس 25 / 8 / 2005
هدى سلوم

تمت في كلية الآداب المناقشة العلنية لرسالة الدكتوراة التي أعدتها طالبة الدراسات العليا رفيف عبد القادر هلال بعنوان «الحقول الدلالية في لزوميات أبي العلاء المعري» بإشراف الأستاذين: د0 رضوان القضماني ود0 يعقوب بيطار , تقول الطالبة رفيف في بداية بحثها:

اكتسبت نظرية الحقول الدلالية أهمية متميزة قد تمثلت في إمكان انقسام أي لغة من اللغات إلى ما تعدد من المجالات وانطواء كل مجال على ما قل أو أكثر من الألفاظ التي ترتبط بأكملها بدلالة عامة تجمعها هذا وإن بدت الألفاظ داخل مجالها أو حقلها الدلالي متراوحة ما بين التشابه والتباين وما يؤول إليه هذا من منح كل لفظ بعده الخاص الذي يتميز به عن أبعاد الألفاظ الأخرى 0‏

هدف البحث:‏

بدأنا بحثنا بدراسة تمهيدية هدفنا منها توضيح هذه النظرية بكل أبعادها بعد جمع شتاتها مما تعدد من المؤلفات العربية والغربية مبتغين كشف ماهيتها أمام الكثيرين الذين يجهلونها لجدة مصطلحها وجعلها من ثم منطقاً للخوض في دراستنا التطبيقية التي أجريناها على ديوان اللزوميات للمعري :‏

أقسام البحث:‏

يشتمل البحث على دراسة تمهيدية بدأناها بالتعريف بالحقل الدلالي الذي وجدنا انه على الرغم من اختلاف صيغه ما بين اللغويين قد انتهى إلى نقطة واحدة تحددت فيما سبق توضيحه بداية , ثم انتقلنا إلى أنواع الحقول الدلالية التي تراوحت ما بين حقول الموجودات التي اهتمت بما هو مادي حسي وحقول المجردات التي اهتمت بما هو معنوي وحقول الأحداث التي اهتمت بما هو حركي , ثم تبينا العلاقات الدلالية التي يمكن أن تنشأ ما بين ألفاظ كل حقل وذلك من ترادف وتضاد واشتمال وعلاقة الجزء بالكل وتنافر , ونظراً لإيماننا بدور العرب القدماء في ابتكار الأصول الأولى لهذه النظرية وتقدمهم في ذلك على الغربيين الذين اقتصر دورهم على تسميتها وتحديد أبعادها , فقد ارتأينا أن نتوقف عند بعض تلك المؤلفات العربية القديمة التي من شأنها أن تثبت ذلك حين تم تبويبها وفقاً للمجالات المتعددة , وذلك كالغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام ومعجم الألفاظ لابن السكيت وفقه اللغة وسر العربية لأبي منصور الثعالبي , وبعد ذلك تبين جهود اللغويين المحدثين من غربيين وعرب وما حققوا من تطوير وتنسيق بعدما اقتبسوا وفق احتمال كبير من العرب القدماء الأسس المطلوبة 0‏

أما فيما يتعلق بالدراسة التطبيقية , فقد اشتملت على سبعة فصول مثل كل منها احد الحقول الدلالية التي اشتمل عليها ديوان اللزوميات وقد ضم الفصل الأول حقل الألفاظ الدالة على الإنسان والفصل الثاني حقل الألفاظ الدالة على الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات والفصل الثالث حقل الألفاظ الدالة على النبات والفصل الرابع حقل الألفاظ الدالة على الزمان والحياة والموت , والخامس حقل الألفاظ الدالة على الأرض والسادس حقل الألفاظ الدالة على السماء , والسابع حقل الألفاظ الدالة على الديانات 0‏

من نتائج البحث:‏

- أن تراوح الحقول الدلالية في أنواعها ما بين الموجودات والمجردات والأحداث يشكل انعكاساً للحياة بكل أبعادها التي تتنوع هي الأخرى وفقاً لهذه الأسس , إذ ما بدا الغربيون أنهم هم الذين ابتكروا نظرية الحقول الدلالية فإن العرب القدماء هم الذين سبقوهم إلى ذلك من اجل أن يقتصر دور الغربيين على تحديد مصطلحها وتنسيق أبعادها , ظهور النظرة التأملية الشاملة والعميقة لدى الشاعر إلى الحياة بما اختلف من مجالاتها ووضوح غنى لغته من خلال ارتباط ألفاظه في اللزوميات بما تنوع من الحقول الدلالية وكذلك من خلال استيفائه ما أمكن من الألفاظ المتعلقة بكل حقل وما يتفرع منه , اكتساب حقل الإنسان حيزاً واسعاً يقارب نصف هذا البحث على استيفاء الشاعر لما كثر من كلماته وتنوع على الأهمية التي شغلها الإنسان في الحياة بصورة عامة وفي منظور الشاعر بصورة خاصة وأكثر ما يلفت ضمن هذا الحقل هو التكرار المرتفع الذي سجلته كلمة « نفس » وذلك لانطوائها على منبعي الخير والشر في حياة الإنسان وكذلك لبقائها وخلودها بعد موت صاحبها ووصولها معه إلى الحياة الأخرى التي يتوق إليها الشاعر 0‏

كم يلاحظ التكرار المرتفع الذي سجلته الكلمات الدالة على البشر جميعا كالناس والعالم والأنام 0‏

وضمن حقل الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات فإن الشاعر حين أورد الألفاظ المتعلقة بما اختلف من الحيوانات دل على اهتمامه بشؤون هذه الكائنات بناء على فلسفته القائمة على الرفق بالحيوان والدعوة إلى عدم إلحاق أي أذى به 0‏

وضمن حقل النبات يتبين انه إذا ما تم التنويع في المفردات التي ينطوي عليها فإن كلاً منها لم يحقق نسبة تكرار وافية باستثناء كلمة إنبات التي دلت من خلال ارتفاع تكرارها على اهتمام الشاعر بهذا العنصر مادام يشكل احد رموز الحياة التي تشغل تأملاته وتفكيره 0‏

وضمن حقل الزمان والحياة والموت فإن اهتمام الشاعر بالمفردات التي ينطوي عليها تنويعاً وتكراراً لابد من أن ينم على مدى تشكيل هذه القضية لديه ذلك الهاجس الذي شغله بكليته ,الحياة التي يحياها ويدرك أنها مؤقتة لا جدوى منها والزمان الذي يعبر بغية انتهائه والموت الذي لابد من أن يصل إليه بعد ذلك ملبياً توقه إلى الحياة الأخرى الأبدية وضمن حقل الأرض فإن أكثر ما يلفت الانتباه هو اهتمام الشاعر الخاص بكلمة « ارض » نجد ذاتها وذلك لتشكيلها المرتكز الذي تقوم عليه الحياة بأكملها البشرية وغير البشرية , وضمن حقل السماء يتبين أن الشاعر حين استوفى ذكر الكلمات الدالة على الكواكب والنجوم والأبراج وان لم يكثر من تكرار معظمها عبر عن توقه إلى ذلك العالم العلوي المثالي الذي سيخلصه يوماً من العالم الأرضي أو مما يحمله من أعباء 0‏

وضمن حقل الديانات فإن أكثر ما يلفت هو تكراره المرتفع لكلمة « الله » خالق هذا الكون بقدرته الشاملة إضافة إلى تنويعه في أسماء الله وصفاته التي جاءت في تعددها وتنوعها تعبيراً عن تعدد قدرات هذا الخالق وتنوعها 0‏

الأحد، 11 سبتمبر 2011

قصيدة الأخطل في مدح يزيد بن معاوية مقاربــة أسلوبيــة

قصيدة الأخطل في مدح يزيد بن معاوية مقاربــة أسلوبيــة
الكاتب : منال المحيميد نشر : الخميس, 10-يوليو-2008 04:07 صباحا شاهده : 924


يعد الأخطل شاعر الهجاء الأول في عصر بني أمية ، خاض في شعره معارك قوليه كان المنتصر فيها على الدوام ، ويعد الأسبق على ناظريه جرير والفرزدق كما ورد في الأغاني.
وفي هذه القصيدة يمدح يزيد بن معاوية مشيرًا إلى ماكان من أمره مع الأنصار وتهديدهم له حين هجاهم .




التقديم :
يعد الأخطل شاعر الهجاء الأول في عصر بني أمية ، خاض في شعره معارك قوليه كان المنتصر فيها على الدوام ، ويعد الأسبق على ناظريه جرير والفرزدق كما ورد في الأغاني.
وفي هذه القصيدة يمدح يزيد بن معاوية مشيرًا إلى ماكان من أمره مع الأنصار وتهديدهم له حين هجاهم .
ويفتتح قصيدته بمدخل وجداني يخاطب طلَلَي حبيبتــه ، ويتمنى لهما السلامة من الزوال والعفا ، وبهذا نراه يسير على سند وتقاليد القصيد الجاهلي الذي يبدأ بالأطلال ثم وصف الراحلة بعدها الغرض الشعري، وهذا الملمح واضح في القصيدة . لكن ما يميز الأخطل أنه شاعر ساخر من الطراز الأول نجده يخاطب الأطلال ثم يبدي تعجبا ممزوجـا بسخرية إذ كيف لابنة هانئ التغلبي الفائقة الجمال تزوجت رجلا دميمـًا !!
وتنهض هذه القصيدة على عدة أقطاب قوليـــه منها : ( ذكر الطلل وصواحبــه ، وصف رحلته ووصف المطيــة ، المــدح ) ويجوز تقسيمها أغراضيًا على النحو التالي كما ورد في الديوان :
1- من البيت الأول إلى البيت الثامن يمثل الوقوف على الأطلال وصواحبه
_ألا يا اسـلمَـا عَلى التقادم والبلــــى *** بــدومة خبت ، أيـــهــــا الطـــــلَّـلانٍ
إلى : إذا قُـلتُ أنسى ودهنَّ ، تعرَّضَت *** حبائلُ أخرى من بني الـــــحَـلَـفانِ
2- من قوله : خليلي ليس الرأي أن تذراني *** بدوية ، يـــعوي بها الصـديان
إلى : إذا غشياني هيلت النفس منهما *** قعشريرة ، وازددت خــــوف جــنان
يشكل هذا المقطع وصف الرحلـــة .
3- من قوله : لما رأيت الأرض فيها تضايق *** ركبت على هول لغير أوان
إلى : تصكُّ الهوادي مَنكـبِيـــه ورأســه *** فبالدم ليتــا عنـقــــــــه خضـــلان
تمثل وصف المطيـــة .
4- من قوله : فلولا يزيد ابن الإمام ،أصابتني*** قوارع يجـــــــنيها على لساني
إلى : فأقسمت لا آتــي نصيبـــين طائعــًا ***ولا السجن ، حتى يمضي الحرمان
يشكل هذا القسم الغرض الشعري الأساس وهو مدح يزيد بن معاويــة .
5- من قوله : ليالي لا يجدي القطا لفراخه *** لذي أبهر ، ماء ولا بحفان .
إلى : إلى كل قيض من ضــئيل ، كأنما *** تفلق في أفحوصه صـدفان .
خص هذا المقطع بوصف القطــا .
6- من قوله : أتأني ، وأهلي بالأزاغب ، وأنه *** تتابع من آل الــــصريح ثماني
إلى : ولمّـا نــأى الـــغايـــات جـدَّا كلاهمــــــا *** فلا ورد ، إلا دون مــا يردان
يمثل وصف السبــــــــــاق .
ومن الأقطاب الدلالية الهامة في التحليل الأسلوبي المعجم الصرفي ، ونظام التمثيل ، والمعاجم الشعرية التي تمثل الاختيار مستمدة بلا شك من مخيال الشاعر هذه الأطر تسمح بتركيبها على القصيدة .
أولا المعجم الصرفي :
دبج الشاعر قصيدته بالأسماء المشتقــة على تنوعها ، وبالحروف ، وأسماء المعارف وتنوع الأفعال والجموع ، لكنه كثف المشتقات لما تسميز به من الثبات والدوام،في وصفه لرحلته وراحلّتــه ووصف القطا والسباق وهذا مرتكز التحليــل ،ومن الملاحظ كذلك اقتصاره على ذكر الصفات دون الموصوفات ، ومن الصيغ التي وردت :
1- اسم الفاعل : دائــم ، فصاحب ، ومن الرباعي : مـُـقعِــرا ، مُـفـرِك .
2- اسم المفعول : مصحوبــا .
3- صيغ المبالغة: على وزن فعيــل: قريع ، عسيـــــــــب .
وعلى وزن فعّـال : ، هجان ، الخوان.

4- الصفات المشبهة : ما جاء على وزن فعلان: الرسفان ، الدبران ، اللحظان ، الحجلان، خضلان .
وعلى وزن فعلاء : الملســاء ، الدهمـــــاء .
وعلى وزن فَعل : غول ، سبط ، هول .
على وزن أفعل : الأعور ، أبهر .
5- ومن الأوزان المختلفــة الدالـــــــة على الجموع :
- قواتله على وزن فواعل> جمع كثرة .
- حبــائل على وزن فعائل .جمع كثرة ..
-أعــاصيرعلى وزن أفاعيل ، منتهى الجموع .
6- ومن المصادر الخاصة كذلك اسم المرة : على وزن فَعلَــة = نَــومـَـةً
** ومما يلفت الانتباه الإغراق في تعريف الصفات مثل :
دائم العسلان ، كيس اللحظان ، هيلت النفس ، بنية عقر ، قريع هجان ، عاقبتها الكف ، سبط العسيب ، بملساء كسراة ، رياح السَّفا، تراب العف ، دلو الماتح ، تصك الهوادي ، بقايا المح. ضرحن الحصى الحمصي وفيه تخصيص التخصيص خص الحصى ولكن ليس أي حصى بل حصى الحمصي وهو اسم مكان ، ذرعن الأرض ، تمطرت الدهماء ، ثياب البربري .
• ثانيـًا: إن هذه المشتقات مثلت المعنى المراد خير تمثيل ، وحملت بين طياتها وسائل الإدراك الحسي من الإبصار والسماع ، واللمس ومنها على سبيل المثال :
1- تمنية وصال برة .
الحركــة : يصور لنا الشاعر كيف أنه يتمنى أن يصل \\"برة\\" حتى لو كلفه سير الليل كله مقيدًا بقوله (الرسفان وهو المشي في القيد ).
2- حكايته مع الذئب والغراب في الصحراء .
- يصور حركة الغراب حينما يباعد الذئب بجناحية وبحركاته التي تترواح بين الخطــو والقفز وفي ذلك إدراك بصري وحركي .
3- نــاقة الشــاعر .
- يصف لنا حركة ناقته التي تجتاز المسافات البعيدة بسرعة .
الحركة والرؤيـــة :
- تتبدى لنا رؤية ضربه المتوالي على الناقة بالسوط عندما يصيبها التعب فيكون مشيها كالتبغيل محركة ذنبها ذا الشعر المسترسل ، وهنا جمع بين حاستي البصر واللمس .
- ومن الحركات تصويره عصف الرياح الحـارة التي تذري التراب في الأرض المستوية
- حركة الأتان التسع التي يسوقها أمامه وإثارة التراب بحوافراها
- رؤية اصطدامها ببعض فكأنها الدلو بالبئر .
- إن المتقدمة من الأتن كانت ترتد عليه وتطعنه بقرونها ؛ حتى اصطبغ عنقه بالدم .
4-الإدراك البصري في عالم القطـــــا :
- صور مدى هزل القطــا وهنا إدراك بصري .
- حركة فرخاها تحت الظل كأنهن أفاني إدراك بصري .
5- الإدراك ( البصري ، والحركي ) في السباق:
-صور حركة الخيل في السباق فكأن ناقلا جيدًا ومصورا بارعــًا نراه صور شدة عدّو الخيل حتى أنها بدأت تقذف الحصى وتذريها في كل مكان .
- عندما اجتازت الخيل تسعين غلوة حتى سبقت الدهماء الصلتان الذي كان ينافسها في السباق
- تصويره لكثرة العرق المتصبب من الفرسين في أثنا عدوهما.
- ثياب الفارس تطير بقوة فكأنها الريح ، وهذه مبالغة من الشاعر لإثبات سرعة خيل يزيد بن معاوية .
* إن الإدراك الحسي بأنواعــه يقرّب الصورة من الاكتمال لتتحول من حروف مرسومة إلى مشهد حيّ نابض بالحركة ومن الملاحظ أن الحركة تعج بالقصيدة وهذا يدل على أن العربـي لا يستقر بمكان كثير الارتحال .
___________________________

ثالثـًـا: حفلت القصيدة القديمة بمعاجم شتَّى مستمدة من مخيال الشاعر ابن البيئـة منها :
1- معجم المرض : (محصوبـًا= أي مصابًا بداء الحصباء)، (مدنفـًا= أي مثقلا بداء المرض ، أو مشرفـًا على الموت من شدة المرض .)، (الجوى = تعني السقم )
(يشفّـه =يوهنه أو يضعفه) ،( الأين= التعب الشديد)،(صردان= أصابهما البرد)

2- معجم القبائل : (برة = المقصود برة بن هانئ التغلبي فائقة الجمال تزوجت رجلا دميمًا يدعى الأعوربن بيان التغلبي:
وكيف يداويني الطبيب من الجوى *** وبرة عند الأعور بن بيان . )
(سالم ,أبان = قبيلتان ، بنو سالم من بني النمر بن قاسط ، وبنو أبان تغلبيّون من بني ثعلبة ) (بنو الحلفان= تغلبيّون من بني ثعلبة ) .

3- معجم الحيوان ويندرج تحته معجم الطيور : (الصديان= الهام والبوم) ، (حبشي =غراب أسود)، (جمالية = الناقة القوية الشبيهة بالجمل) ، (القريع = الفحل من الإبل )، (ذو خصل : ذنبها - الناقة- طويل الشعر ،و سبط = السهل المسترسل و العسيب= منبت الشعر والحاذ= ظاهر الفخذ و الأنساء عروق في القخذين ، كل ماسبق في وصف الناقة)، (المقذ= الشّـعر وموضعه خلف الأذن ) ، (اللِّيت= صفحة العنق) ، (المسحل= الحمار والوحشي) ، (ملساء السراة = هي أتن الحمار الوحشي القصير الشعر) (القطا= ج القطاة وهي طائر في حجم الحمام يعيش في الصحراء) ، (المح = صفار البيض) (القيض= قشرة البيضة العليا) ، (الصدفان= الصدف أو غشاء اللؤلؤ) ، (الصريح= فرس ليزيد بن معاوية ) ، (الدهماء= اسم فرس)،(الصلتان= اسم فرس)

4- معجم السّير : (الرسفان = المشي بالقيد )، (العسلان=سير الذئب ) ، (حضراني =دنوا مني) ، (الحجلان= نوع من السير) ، (غول النجاء= أي إنها تقطع _الناقة_ المسافات البعيدة بسرعة فائقة) ، (راوحت=ازدادت في سيرها) ،(التبغل= نوع من السير يشبه عدو البغال) (الخطران: التمايل والتباهي )، (أضر= دنا دنوًا شديدًا)،(هاجها=طردها) (الندفان= نثر التراب أو إثارته بحوافرها) ، (تصدع= أي تتصدّع وتتفرق) ، ( يصكها= يضربها بقوة) ، (درجت= مشت قليلا) ، (تفلق = تشقق) ، (السبق= السباق)، (ضرحن الحصى = رمين الحصى ) ، (ذرع = اجتاز)،(الورد السير السريع)


5- معجم الكهانة: (زجرت الطير = بمعنى تكهّنت مصيرك ، أوطالعت بختك)

6- معجم الفلك : (الضيقة = منزلة القمر إذا حلًّ بين نجمين وهي طالع نحس ) (النجم =تعني هنا الثريَّا ) ، ( الدبران = من منازل القمر ، وقيل منزل القمر في برج الثور.)
7- معجم الأرض: (دومة خبت = اسم موضع ) ، (الدوّيّة الفلاة الخالية التي لايُـسمع فيها إلاّ دويّ الريح ) ،(القفرة=الفلاة الخالية )، (الصحصح= الأرض المستوية)،(المتان=الأرض الغليظـة) ،(القف= ماغلظ من الأرض)،(نصيبين=بلدة في الشام ) ،( ذو أبهر وحفان= موضعان) ، (الأفحوص= موضع البيض) ، (الأزاغب= موضع لبني تغلب) ،(معتق= اسم جبل) ، (الحمصي= اسم مكان)
8- معجم الماء: الوشلان= مثنى الوشل، وهو الماء يسيل من صخرة أو جبل)
9- معجم أدوات الحرب: (عَـضـبٌ= سيف قاطع ) ، (السوط= أداة من حبل أو جلد تضرب بها الدواب ، أو يُجلد بها بعض المذنبين أو المتهمين) ،(القسي=ج قوس) ،
10المعجم الحضاري: (بنية عقر= أي الحصن أو القصر)، (الصحف= الرسائل ) ،
11معجم النبات: ( الإهان = الغصن الخالي من الثمر)،(الأفاني= نوع من النبات قصير القدّ يعلو عن الأرض مقدار شبر)
12-معجم المناخ ويندرج تحته معجم الرياح : (تيقضت =أ شتدّة حرها)، (وقدة وعكان = شدّة الحرواتقاده) ،(رياح السفا=الرياح الحارّة التي تذري التراب)،(الأعاصير = الريح القوية) ، ( الزفزف = الريح السريعة الباردة ) ، ( الزفيان= الريح التي لا تبقي ولاتذر)
13-معجم الأشهر : (الحرمان= أي شهرا رجب وشعبان) ،
14-معجم المحافل : ( محفل = مجتمع الناس)
** من الملاحظ أن القصيدة تشبه إلى حدّ كبير القصائد الجاهلية ، تحفل بمعجم الحيوان بشكل ظاهر ، والحركــة ، التي تعج بها ، كلها تؤكد على أن الشاعر ابن بيئتــــه يصور كل ما تقع عليه عينــه ويصوغ منها مادة شعرية تتشكل في الأغراض التي تكون القصيدة .
____________________________
رابعـًـا : نظــام التمثيـــل:
يقوم التصوير في القصيد القديم في الغالب على قاعدتين هما ( التناسب ، والقلب ) ومنها :
(أ)-قانون التناسب :
1مناسبة هامة مطيتة العظيمة والحصن أو القصر أو حتى كالفحل الذي يضرب في الإبل الكريمة(جُمالية غـُول النجاء كأنها *** بنية عقر أو قريع هجـان ) والطريف هنا استخدامه أكثر من تشبيـه للناقة لم يكتف بتشبيهها بالبناء الحصين بل شبهها كذلك بالفحل الكريم القويّ ؛حتى ترسخ في ذهن المتلقي مدى قوة تلك الناقة .
2-المناسبة بين ذنب الناقة ذو الشعر المسترسل الطويل الذي يبدو على فخذيها والغصن الخال من الثمر.( بذي خُـصل سبط العسيب ،كأنه *** على الحاذِ والأنساء غصن إهان ) .
3-جمع الشاعر بين صورة الحيوان والطبيعة لما بينهما من تناسب فنراه يصور شدة تعب راحلّتـه والعرق المتصبب من خلف أذنها على عنقها وكأنه ماء يسيل من صخرة أو نحوها .فــة .
4- الطريف في هذا البيت أنه جمع صورتين وبينهما تناسب ؛ أولا :شبه الأتان التي يسوقها ومناسبته للضرائر، ثانيـًا: هذه الأتان ضامرة البطن فكأنها القسي
(فصاحب تسعًــا ، كالقسي ، ضرائرًا *** يثرن تراب القف بالندفــــــان ). .
5- التناسب بين تمايلها (الأتان) وتصادمها واصطدام الدلو بجوانب البئر عندما يستقى منها الماء.
( تصدع أحيانـًـا ، وحينــًا يصكها *** صـــك دلـــو المـــاتح الرجـــوان)
6- التناسب بن هزل القطا جراء بحثها عن الماء في أماكن بعيدة والأفاني .
( يـُقـلص عَـن زغب صغارها ، كأنها *** إذا درجت تحت الظلال ، أفاني ) .
7- المناسبة بين المح الذي درجت منه الفراخ والحص المنتشر في بيت القيان .
( كأن بقايا المح من حيث درجت *** مفرك حـُـــــــص في مبيت قيان )
8- التناسب بين خروج الفراخ من بيضها واللؤلؤ الذي يشق الصدف .
( إلى كل قيض من ضئيل كأنما *** تفلق في أفحوصه صدفان ) .
9- التناسب بين كثرة العرق المتصبب من الفرسين أثناء عدوهما واستحمامهما ثمأصابتهما بالبرد ( كأنهما لما استحما ، وأشرفا *** سليبان من ثوبيهما صردان )
10 التناسب بين تطاير ثياب الفرس جراء سرعة الخيل والريح الشديدة.
( ب)قانون القلب :
الصورة الأقرب لقانون القلب في هذه القصيدة هي تشبيهه صحبة الذئب والغراب وحضورهما عند الشاعر إذا وضع زاده فكأنهما ضيفا يكرمهما من باب الاستعارة ..
(ج) الجمع بين الصفات والأحوال :
من الأساليب البارزة لتحقيق التوظيف في النص استعمال أسلوب الشرط والظرف باطراد ، وهذه السمة ظاهرة في هذه القصيدة منها :
1- الشاعر يكرم ويطعم ولا يشتاق لمن يكرمه في حال اقتربا الغراب والذئب منه وقت طعامه .( إذا حضراني عند زادي ، لم أكن *** بخيلا ، ولا صبًا إذا تركاني )
2- يسرع الغراب ويلتقط الطعام لحدة بصره إذا ألقى الشاعر شيئا من زاده .
( إذا ابتدرا ما تطرح الكف ، فاته *** به حبشي كيس اللحظـــــــــان )
3- يغشى الشاعر الخوف والقشعريرة متى ؟ إذا أقترب الغراب والذئب منه .
( إذا غشياني هلت النفس منها *** قشعريرة ، وازدر تخوف جنــــــان )
4- يشبه مشيّ دابته –الناقة- بسير البغل السريع ليس في كل الأحول ! بل عندما تتعب ويضربها مرة بعد أخرى بالسوط .
( إذا عاقبتها الكفُّ بالسوط راوحت *** على الأين والتبغيل بالخطــــــران \\")

5- يشبه صغار القطا الهزيلات من الجوع بالأفاني نوع من النبات قصير القـدّ
متى تشبهها ؟ إذا كانت هزيلة وتمشي وحيدة تحت الظلال .
(يـُـقلص عن زعب صغارِ ، كأنها *** إذا درجت تحتَ الظـّلال ، أفـانــــي) .

6- يصور الشاعر كثرة العرق المتصبب من الفرسين فكأنهما يستحمان في حالة واحدة ؛ أثناء عدوهما في السباق .
( كأنهما لمّـا اسـتحمّا ، وأشـــرفا *** ســــليبان من ثوبــــيهما صــــردان)

عبدُ السلام المســـدّي

عبدُ السلام المســـدّي ساعياً نحو تأسيس أسلوبية عربية جديدةٍ
التاريخ: 11-2-1429 هـ
الموضوع: ثقافية


فريد أمعضشـو لقدِ انفتح النقد المغاربي المعاصر على النقد الغربي ،بوضوح، منذ أواسط القرن المنصرم؛ فاستفاد من مناهجه العلمية و من آلياته القرائية

في مقاربة الظاهرة الأدبية المتّسمة بتعقدها، و استثمر ما قدّمه نقاد الغرب من مفهومات و مصطلحات نقدية في الاشتغال على النصوص على اختلاف ألوانها. و من المناهج النقدية التي ولجت ساحة النقد المغاربي في العقود الماضية، و وُجد من ناقدينا مَن روّج لها و طبّقها في تحليل الخطاب الأدبي و معالجته نجد الأسلوبية. و ممَّن تأثر بها كثيرا في أبحاثه نلفي الناقد التونسي الكبير الدكتور عبد السلام المسدّي الذي كتب جملة دراساتٍ في هذا الإطار تنظيراً و/أو تطبيقاً، منها كتابُه ذو الطابع التنظيري "الأسلوبية و الأسلوب" (1977)، و كتابه ذو الطابع العملي الإجرائي "قراءات مع الشابي و المتنبي و الجاحظ و ابن خلدون" (1981)، و كتابه "النقد و الحداثة - مع دليل ببليوجرافي" (1983) الواقع في خمسة فصول - و التي هي ،في الأصل، أبحاث و مقالات نشرها صاحبها قبْلاً أو شارك بها في مناسباتٍ علمية-، و الجامع بين النظري و التطبيقي. و لم يكتفِِ المسدي في كتاباته هذه بتطبيق مبادئ الأسلوبية ،كما لدى الغربيين، في مقاربة النص الأدبي العربي القديم و الحديث، بل إنه اجتهد و قدّم جملة من الإضافات النوعية المهمة، رغم المآخذ المسجَّلة عليها من قبل عدد من الدارسين. و لإبراز ذلك و تجليته، نقف ،تحديداً، عند رابع فصول كتابه "النقد و الحداثة" الذي أفْرده المسدي لقراءة قصيدة أحمد شوقي (ت1932م) الرائعة "وُلد الهدى". فقد استهله بإثبات نصّ القصيدة كاملاً (131 بيت)، ثم أعقبه ببيان منهاجه في التناول و طريقته في التحليل التي يعتزم سلوكها في تشريح هذه القصيدة. و نفهم منها جلياً أن منطلقاته المنهاجية في الدراسة نصّانية في المحلِّ الأول، تقوم على تجريب الأسلوبية بوصفها منهجاً نقدياً حَداثياً أثبت فعاليته الإجرائية في مُدارسة عددٍ من النصوص لدى الغربيين و غيرهم. وأشار الباحث إلى أن الأسلوبية سلكت في تطورها ونموها سبيلين متوازيتين؛ هما: سبيل الاستقراء (الأسلوبية التطبيقية)، وسبيل الاستنباط (الأسلوبية النظرية). وإذا كانت وجهات النظر موحدة-نسبيا- في الأسلوبية النظرية، فإنها في الأسلوبية التطبيقية تتجاذبها عدة مشارب أوجزها المسدي في منزعين بارزين اصطلح على تسميتهما " بأسلوبية التحليل الأصغر" و" أسلوبية التحليل الأكبر"، أو "بأسلوبية السياق"و "أسلوبية الأثر"... إن مجال الأسلوبية السياقية هو الحدث الفردي في النص، ومناطها الواقعة الفنية في إطارها الضيق؛ لذا، يسميها المسدي باصطلاح" أسلوبية الوقائع". على حين أن الأسلوبية الأثرية تحرص على استكشاف الظاهرة الفنية من خلال المثال الذي يمثلها في الأثر الذي ترد فيه، لذا، يسميها المسدي "أسلوبية الظواهر". ويخلص المسدي من ذلك كله إلى صوغ منهج شخصي يطلق عليه اسم " أسلوبية النماذج"؛ وتندرج -هي الأخرى- تحت راية الأسلوبية التطبيقية، وتقوم بين طرفي الأسلوبيتين التطبيقيتين المتقدمتين. يقول عنها الرجل:" وإذ قد بان أن مرامنا هو كشف النموذج الأسلوبي من خلال النموذج النصاني فلنسَمِّها "أسلوبية النماذج" حيث تقوم معدلا تطبيقيا بين أسلوبية الوقائع وأسلوبية الظواهر، فتكون بذلك "أسلوبية النص" مثلما كانت الأخريان "أسلوبية السياق" و"أسلوبية الأثر". وستكفل إمداد جهاز الأسلوبية النظرية بمكتسبات مدققة يستخلص منها روادها مقومات الثبات وحوافز التعديل وستعين المنظرين على تجميع النماذج الإبداعية فيستكنهون حقائق الإبداع ويمسكون بزمام أدبية الخطاب الفني عسى أن يقبضوا يوما على أعنة أدبية الأدب بإطلاق"1. وفي ضوء هذا التأسيس المنهجي الشخصي، أخذ المسدي في معالجة أسلوب نص شوقي. يتبع الناقد الأسلوبي في قراءته للنص خطْوات منهاجية عدة، أولاها الحدْس أو الإحساس الباطني، الذي يتيح له معاينة ظاهرة لسانياتية لافتة للنظر، واتخاذها مجالا لقراءته2. مؤدى هذا أن منهاج التحليل الأسلوبي انتقائي، يركز على سمة لغوية ذات قيمة أسلوبية، فيعمد إلى مدارستها. لقد اختار الباحث أن يعالج قصيدة شوقي انطلاقا مما أسماه "التضافر الأسلوبي". و"مفهوم التضافر عند المسدي قريب إلى حد ما من مفهوم "النظم" عند الجُرْجاني".3 إن قيام الناقد بعملية استقراء أولي لأشكال الصوغ الإبداعي في القصيدة الشوقية المدروسة، سمح له بالتوقف عند أربعة أنماط انتظامية تحكم أسلوبها. أولها نمط التفاصل، والذي تأتي الخصائص الأسلوبية بموجبه متمايزة تتباين في مواطنها على السلسلة الأدائية في ضرب من التخالف الموضعي. وثانيها نمط التداخل، وتتوارد فيه الأجزاء في تواتر دوري. وثالثها نمط التراكب، ويقتضي توزع المجموع إلى طوائف ترتصف فيها الأجزاء بكيفية متناظرة تتقابل فيها الصور بشكل متتال. ورابع الأنماط التضافر، وهو" أن تنتظم العناصر انتظاما مخصوصا يسمح باستكشافها طبق معايير مختلفة بحيث كلما تنوعت مقاييس الاستكشاف حافظت العناصر على مبدأ التداخل"4. وقد خلص المسدي - بعد طول تأمل ومدارسة للقصيدة- إلى أن هذه القصيدة منبنية على النمط الانتظامي الرابع الذي اغتدى" "مفتاح سرها الشعري"5. وحاول الباحث توضيح ذلك من خلال أربعة معايير استكشافية. فأما أولها فهو معيار المفاصل الذي يقتضي توالج مواطن الانتقال من وحدة دلالية إلى أخرى. وبموجبه، توصل المسدي إلى تقسيم نص شوقي تقسيما ثُمانيا باعتبار الجانب التيماتي (thématique)، وترتبط هذه الأقسام أو اللوحات وفق سبعة مفاصل. على أن الملاحظة البارزة التي سعى الباحث إلى إثباتها هي وجود تضافر على مستوى هذه المفاصل. وأما ثانيها فهو تضافر المضامين داخل قصيدة شوقي، ويتمثل ثالث هذه المعايير بتضافر القنوات، ويقصد به المسدي إلى "مجاري الأداء الإبلاغي مما يتخذه الشاعر مرتكزا حواريا يصنع به التواصل حيث لا تواصل"6. وفي هذا النطاق، يتحدث الرجل عن المفارق التضافرية الرابطة بين الوحدات النصية في القصيدة المعالَجة، وعن كيفية انتقال شوقي من شحنة إخبارية إلى أخرى (الضمائر، أسلوب الالتفات، تغيير الدلالة...). ويعد تضافر الأبنية النحوية والتركيبية المعيار الاستكشافي الرابع الذي اعتمده المسدي لتسويغ انبناء نص شوقي على نمط التضافر الأسلوبي، وبواسطته درس الناقد مظاهر التوازي النحوي والتركيبي، وأصناف الجمل التي ترين على أسلوبية النص. ويخلص المسدي -بعد هذا كله-إلى تأكيد أهمية المنهاج الذي ركبه وفعاليته الإجرائية (أسلوبية النماذج)، وإلى أن " إبداعية أي نص أدبي لا يفسرها إلا الاهتداء إلى النموذج الأسلوبي الثاوي وراء بنيته الصياغية والذي يستصفى من خلال مراتب البناء بدءا بالأصوات والمقاطع والألفاظ وختما بالمضامين الدلالية بعد المرور بالتراكيب النحوية المعقدة"7. وينهي المسدي مقاربته التحليلية القيمة لمطولة شوقي بسرد الخلاصات التي توصل إليها. يقول: "لقد رأينا كيف انبنت قصيدة" ولد الهدى "على نموذج أسلوبي مداره ظاهرة التضافر التي تحققت في المفاصل والمضامين، وأجريت في القنوات الأدائية، ثم تشكلت في البناء التركيبي. فجاء النص نسيجا لحمته الائتلاف، وسداه الاختلاف. فلا التكثيف بمفض إلى الإشباع ولا الإطراء ببالغ حد الرتابة. فإذا التضافر صورة للتعدد في صلب الوحدة، وإذا به مفتاح تنكشف به إبداعية الشعر في إحدى اللوحات الروائع التي خطتها ريشة أمير الشعر
.

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

الهجاء في شعر حسان بن ثابت - دراسة اسلوبية -شاطرالمزيد

الهجاء في شعر حسان بن ثابت - دراسة اسلوبية -شاطرالمزيد


-------------------------------------------------------------------------------


الهجاء في شعر حسان بن ثابت - دراسة اسلوبية
الباحث: أ / سالم عبود مبارك غانم
الدرجة العلمية: ماجستير
الجامعة: جامعة حضرموت
بلد الدراسة: اليمن
لغة الدراسة: العربية
تاريخ الإقرار: 2008
نوع الدراسة: رسالة جامعية

الملخص :

تناول الدرس الأسلوبي لشعر الهجاء عند حسان دراسة هذا الخطاب بمستوياته الثلاثة ، الدلالي، والتركيبي، والإيقاعي فانتظمت هذا الدراسة في ثلاثة فصول ، تسبقها مقدمة وتتلوها خاتمة :

- المقدِّمة :

تناولتْ خمسة عناصر أساسية هي: أهمية الموضوع ، ودواعي اختياره ، والمنهج المتبع في البحث ، وخطة مباحثه ، ومصادره ومراجعه .

- الفصل الأول:

درس المستوى الدلالي للنص الهجائي عند حسان ، وضمَّ خمسة مباحث هي:

الدلالة عبر الزمن

الدلالة عبر المكان

الدلالة عبر التكرار

الدلالة عبر التقابل

الدلالة عبر التوازي

وقد درس الدلالة عبر ظاهرتي (الزمن ، والمكان) وكشف عن العلاقات الدلالية بين ألفاظ كل ظاهرةٍ منهما بعضها مع بعض ، وبينها وبين السياق الذي جاءت فيه ، متأملاً إنتاجها الفني في النص على مستوى الدلالة والإيحاء ، ثم درس الدلالة عبر(التكرار، والتقابل ، والتوازي) وتبين من خلالها عمق العلاقة والصلة بين هذه الظواهر الثلاث ، ودورها الفني في إبراز بلاغة النص ، وإسهام كل ظاهرةٍ منها منفردة أومجتمعة في تكثيف دلالة النص وتعميق معانيه.



- الفصل الثاني:

درس المستوى التركيبي لهجاء حسان ، وتناول فيه أبرز مظاهر التركيب والترتيب فيه ، فتناول أسلوبية الانزياح في صياغة خطابه ، من خلال مبحثين أساسيين ، الأول: الانزياح في أساليب تركيب الكلام ، وتمثل في أربع ظواهر أسلوبية هي :

التقديم والتأخير .

الذكـر .

الحـذف .

التقييـد .

وقد تناول البحث في إطار (التقديم والتأخير) أسلوبية حسان في مظهرين آخرين من مظاهر خطابه ، هما التزامه الترتيب الأصلي للجملة ، وابتداؤه الكلام بالنكرة من غير مسوغ ، وفي كل هذه الأساليب تعرَّفَ البحث أسلوبية هذه التراكيب ، وأثر اختيار الشاعر لها في إنتاج دلالة النص ، وتعزيز خطاب الهجاء . والمبحث الآخر : الانزياح في أساليب إنشاء الكلام ، وتمثل أيضاً في أربع ظواهر بلاغية هي :

الأمـر .

الاستفهام .

النـداء .

النهـي .

وقد تبينت من خلال هذه الظواهر نزعة حسان في استعمال هذه الأساليب بعيداً عن دلالاتها الوضعية في اللغة ، إلى دلالاتٍ بلاغية أخرى أفادت سياق النص ، وأثرت معناه ، وفي المبحثين كليهما ظهرت أسلوبية الانزياح في النص بدلالات مجازية ، حققت للنص معاني ، وللمعاني لطائف .

- الفصل الثالث :

درس المستوى الإيقاعي للخطاب الهجائي عند حسان ، مبيناً علاقة الإيقاع بعذوبة النص الشعري ، وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الوزن والإيقاع ، ثم تناول أبرز عناصر الإيقاع ومظاهره (الخارجية والداخلية) ، فتناول في درس الإيقاع الخارجي : خصائص الأوزان المستعملة ، وقرأ إحصاءاتها ، ثم رصد بعض تغيُّرات هذه الأوزان المتمثلة في الضرورات الشعرية ، وتبين دلالاتها، وحاول بعد ذلك أنْ يتعرّف ماهية العلاقة بين الوزن والعاطفة الإنسانية، ثم درس القوافي وأنماطها ، وأنواع حروف الروي فيها ، ومخارج تلك الحروف ، وقرأ خصائص استعمالاتها ، راصداً بعض مظاهر القافية العامة كـ(الإقواء، والإيطاء، والتضمين) ، فتعرّف وجودها في نص حسان ، وارتباطها بالهجاء ودلالاته ، وكيف تغدو هذه المظاهر أسلوباً قبل أنْ تكون عيباً للقافية ، وتناول في درس الإيقاع الداخلي أربعة مظاهر إيقاعية عامة ؛ وجدها البحث ظاهرة بارزة في شعر حسان وهي:

1- إيقاع الحرف: وتمثل في خمسة مظاهر أسلوبية إيقاعية جسدت جرس الحروف عند حسان هي: إشباع حركة حرف الروي ، وتكرار الحرف ، والمجانسة بين الحرف المتكرر والروي ، وتكرار الحروف بوصفها أدوات ربط نَغَمي ، وتكرار حروف المد واللين.

2- إيقاع الألفاظ : وتمثل أيضاً في خمسة مظاهر أسلوبية إيقاعية هي: تكرار اللفظ وهندسته الصوتية ، والتصدير، والتذييل ، والتقابل ، والاشتقاق والمجانسة .

3- إيقاع الجمل .

4- إيقاع التقسيم والمناسبة الصوتية .

وفي الجملة جاء درس الإيقاع تتويجاً لدراسة الكلام الشعري ، ومميزاً له من غيره من الكلام المنثور أوالمنظوم .

- الخاتمة :

اشتملت على أهمَّ النتائج التي انتهى إليها البحث .

*

تجلت في هجاء حسان خصائص كثيرة ، مثلت مثيراتٍ أسلوبية ومتغيرات دلالية ، أظهرها منهج الدراسة لهذا الشعر، بوصف الشعر أسلوباً وبناء ، وبوصف الأسلوبية ممارسة وإجراء ، حيث تُعبِّر اللغة ، ويبرز الأسلوب .
*

على المستوى الدلالي ظهرت في النص علاقاتٌ دلالية بين الألفاظ أنفسها ، وبين الألفاظ والسياق ، وتنوعت دلالات تلك العلاقات حتى جاء البيت الواحد بدلالات متنوعة في كل ظاهرة .
*

جاء الزمن عند حسان زمناً حسياً ، نَدَرَ فيه البعد النفسي والمعنوي للزمن ، فقد جاء بدلالات متعددة ؛ لم تخرج عن دلالة الوقت والزمن ، إلا أنََّها ليست كما هي في الوضع اللغوي له ، وإنَّما جاءت أغلب ألفاظه تدل على الزمن المطلق ، المبهم غير المحدد .
*

ظهر المكان عند حسان واقعياً جغرافياً ، لكنه ارتبط مع السياق بتعالقٍ دلاليٍ ؛ جعل منه مكاناً شعرياً أيضاً ، فكانت كل الأمكنة التي جاء بها حسان أعلاماً لها حيزٌ مكاني في الواقع إلا أنه ربطها فنياً ؛ فجاءت تندرج تحت ثماني حالاتٍ لشعرية المكان في النص ، فظهر المكان يدل على العَلَمِيّة والشعرية في آنٍ واحدٍ معاً .
*

تتضافر في نص حسان ثلاث ظواهر أسلوبية هي: ( التكرار والتقابل والتوازي ) ، فيأتي التكرار قائماً على التقابل، أو يأتي التقابل مبنياً على التكرار محدثاً للتوازي، أو يأتي التقابل يُحدث توازناً في النص، فيسهم هذا التضافر في تعزيز دلالة النص ، وتكثيف إيحاءاته.
*

أظْهَرَ التكرار بأنواعه المختلفة ، وأشكاله المتعددة ؛ نزعةً أسلوبية في شعر حسان ، حتى تكاد لا تجد قصيدةً أو مقطوعةً إلا وفيها نوعٌ من التكرار أو أكثر، إلا أنَّ هذه الظاهرة وإنْ بَدَتْ أكثر حضوراً في النص ، فإنَّ الحضور الدلالي للتقابل كان أكثرَ كثافةً وعمقاً .
*

أظهرت دراسة المستوى التركيبي انزياحات الصياغة في التركيب والترتيب عن المألوف المعتاد ، فجاء التقديم والتأخير، والذكر، الحذف ، يعزز الدلالة ، ويرتبط في النص بمعاني الهجاء والتهكم . وظهر فيها (التقديم والتأخير) ظاهرةً شائعة ؛ تعددت أشكالها وتنوعت دلالاتها ، حتى جاء نمط التقديم الواحد بدلالات متعددة ، كالتحقير، والتحسر، والديمومة، والشمول ، وغيرها من الدلالات الأخرى .
*

وجد البحث في التزام الشاعر بالترتيب الأصلي للجملة، وفي ابتدائه بالنكرة من غير مسوِّغ، دلالاتٍ متعددة ، كشفت عن أسلوبية استعمال هذين المظهرين في صياغة الشعر وتركيباته.
*

أظهر البحث في هجاء حسان ظاهرة جديدة على مستوى التركيب والصياغة ، هي ظاهرة (التقييد) ، التي لفتت نظر البحث ؛ فوجد في بعض الأبيات تقييداً لفظياً ؛ يتقيد به المعنى في النص ، فيرتبط بقيدٍ لفظي يتوقف فيه الجزء الأول من الكلام على جزء آخر منه، أو يتعلق تقرير المعنى في النص على هذا القيد المذكور فيه ، فيكسبه زيادةً في المعنى تُفيده دلالة التقييد في الكلام ، فيظهر للمتلقي – من خلال السياق - وعي الشاعر وقصده في إبراز المعنى بهذا القيد ، وإرادته له ، وقد جاء على نوعين : تقييد بجملة الاعتراض ، وتقييد بغير الاعتراض .
*

في أساليب إنشاء الكلام وجد البحث انزياحات متعددة تجلت في أربعة أساليب بلاغية ، هي الأمر، والاستفهام، والنداء، والنهي، فجاءت في النص بغير دلالاتها التي وضعت لها في اللغة ، عدا أسلوب (النهي) فإنَّه وإنْ مارس إنتاج دلالات أخرى ؛ فقد بقي محتفظاً بمعناه الأصلي الموضوع له في اللغة (طلب الكفّ عن الفعل) ، فأفادت جميعها بلاغة النص ، وكثَّفت دلالاته
*

في المستوى الإيقاعي أبَرزَ إيقاع النص الشعري تناغماً وموسيقا ، تناغمت فيه موسيقا (الوزن والقافية) مع موسيقا (الألفاظ والتركيبات) ، وظهرت في استعمال حسان للأوزان والقوافي والروي خصائص حسانية ، وسماتٌ أسلوبية ، كشفت عنها قراءة إحصاءات هذه المظاهر الإيقاعية ، منها الإكثار من استعمال القافية المكسورة بنسبة (53.3%) من إجمال أشعار الهجاء ، ومنها الإكثار من استعمال حروف ( الراء ، والدال ، واللام ، والباء ، والميم ، والعين ) روياً لأشعاره حتى بلغت نسبة استعمالها (80.5%) من إجمال أشعار الهجاء ، وهي نسبة تزيد عن نسبة استعمال القافيتين الأُخْرَيَيْنِ (المفتوحة والمضمومة) مجتمعتين ، ومنها أيضاً اشتراك هذه القوافي الثلاث في حرفٍ واحد هو (اللام) ومنها أيضاً الإكثار من استعمال حروف الأسنان .
*

الإيقاع نظام ، والموسيقا هي نِتاج هذا النظام ، وقد جاء نظام الإيقاع في شعر حسان إيقاعاً للبيت الشعري بأكمله ؛ موسيقاً ونغماً ، يتوزع على عناصر البيت كافة ( الصدر، والحشو، والعجز ) ، وقد تمظهر ذلك من خلال مظاهر إيقاعية كثيرة تمثلت في : التكرار بأنواعه المختلفة ، وإشباع حركة حرف الروي ، والمجانسة بين الحرف المتكرر والروي ، والتقابل والاشتقاق والمجانسة ، فضلاً عن إيقاع الألفاظ والجمل ، والتقسيم ، والمناسبة الصوتية ، وغيرها من المظاهر التي أسهمت في التشكيل الإيقاعي للنص.
*

بتأمل الهندسة الصوتية للتكرار يتجلى لنا انتشار هذه الظاهرة عند حسان في أجزاء البيت الشعري وعناصره كافةً، مما يوحي لنا أيضاً بنزعة الشاعر نحو هذه الظاهرة واهتمامه بها.
*

إنَّ في ضرورات الشعر ، أوعيوب القافية والوزن عند حسان أسلوباً فنياً ، وجد البحث له دلالات وإيحاءات ، خدمت دلالة الهجاء ، وعمّقت سياقه ، فلم تعد تلك المَواطن مجالاتٍ لنقد الأدب والشعر ، بقدر ما هي مجالاتٍ لنقد النحو والصرف .
*

من خلال ما تقدم يمكن القول بأنَّ ما قيل في التقليل من شاعرية حسان ، أو ضعف شعره في الإسلام ؛ يثبت الأسلوب خِلافه ، فشعرٌ ذو علاقات دلالية ، وتراكيب بلاغية ، وانزياحات أسلوبية ، وموسيقا نَغَمية ، من أين نحكم عليه بالضعف ، وكيف ؟ ولماذا لا نقول – في ضوء منهج هذه الدراسة – إنَّ الخلل ليس في شعر حسان ، وإنَّما في إبداع من يقرأ أساليب هذا الشعر ، و يتأمل خصائصه ، ويستخرج ظواهره ومظاهره .




Abstract :



The researcher studies the stylistic aspects in the satirical poetry of Hassan in the connotative, the syntactic, and the rhythmic levels. The study consists of an introduction, three chapters and a conclusion.



Introduction:

It deals with five essential elements: the importance of the subject, the justifications of choosing it, the research approach, the areas of study plan, and the references.

Chapter One:

It studies the connotative level of the satirical text; it has five major topics:

1. Connotation through time

2. Connotation through place

3. Connotation through repetition

4. Connotation through juxtaposition

5. Connotation through parallelism

The chapter studies the connotation through the phenomena of (time and place); it discloses the connotative relationship between each phenomenon utterances; context and its reflection on the text through connotation and suggestiveness. It studies connotation via (repetition, juxtaposition, parallelism).Thus, the depth of contact between the three phenomena is highlighted; its artistic role in text eloquence prominence; besides, the contribution of each phenomenon or all phenomena in the condensation of text connotation and the depth of its meanings.

Chapter Two:

It studies the syntactic level in Hassan's satire. It discusses the major structures and their sequences, extra-position in the formation of his discourse. It has been conducted via two major issues:

First: Extra-position of speech structure styles that has been manifested in four stylistic phenomena:

1. Initiation and postponement

2. Stating

3. Omission

4. Commitment

The researcher discusses "the initiation and postponement" style in two other discourses of his discourse manifestation, his commitment to the original arrangement of the sentence, initiating his discourse with indefinite word – without justification. In these styles, the research identifies the style of these structures; the impact of such a choice on producing text-connotation, reinforcing the satirical discourse.

Second: Displacement of Speech Composition Styles that has been manifested in four pithy manifestations:

1. Imperative

2. Interrogative

3. Calling

4. Negative imperative.



It has become clear through these phenomena that Hassan has a tendency to use these forms with disregard of their connotation placement in language, but to other connotative pithiness that serve the context of the text and enriched its meaning. In both issues, the extra-position style in the text has appeared in the metaphorical connotations that have semantically added to the text meaning.

Chapter Three

It discusses the rhythmic level of Hassan's satirical discourse, the relationship between the rhythm and the aestheticism of the poetic text, the agreement and disagreement between the rhyme and the rhythm .It deals with the major elements of rhythm and its manifestations( internal and external). In the external rhythm, these areas have been investigated: the characteristics of the used rhymes, their statistics and the changes of the rhymes in accordance with the poetic necessities and their connotation: the relationship between the rhyme and the emotions, the types of poetic meters, the types of the rhyme scheme, the pronunciation effects, and their usages. Some rhythmic patterns are dealt with such as : (Igua, Ieta and tadhmim). The researcher discusses the existence of these patterns and their relationship to satire and its connotations and when they become stylistic devices rather than defective usages. Besides, four prominent rhythmic patterns are found to be a dominant feature in Hassan's poetry:

1. The rhythm of the letter

2. The rhythm of the utterance

3. The rhythm of the sentence

4. The rhythm of division and voice occasion.

The researcher elaborates on these rhythmic patterns to disclose Hassan' satirical poetic style.

Conclusion

It contains the findings of the research.

المقاربة السيميوطيقية: النظرية والتطبيق / جميل حمداوي

المقاربة السيميوطيقية: النظرية والتطبيق / جميل حمداوي
د. جميل حمداوي
تمهيــــد: يقوم النموذج السيميوطيقي على دراسة النص أو الخطاب من الظاهر أولا، ومقاربته على مستوى السطح ثانيا، وتحليله على مستوى العمق ثالثا، وذلك بتقطيع النص إلى مقاطع سردية مرقمة بشكل متسلسل،

أومعنونة بتيمات دلالية ووحدات وظائفية في شكل تواردات تشاكلية. وبعد ذلك، يتم تقطيع المقطع السردي إلى ملفوظات سردية متعاقبة في شكل جمل وعبارات سردية، فيتم دراستها على ضوء المكون السردي من جهة، والمكون الخطابي من جهة أخرى. ومن ثم، ننتقل إلى المستوى الدلالي والسيميولوجي بدراسة السيمات النووية والسيمات السياقية، وتحديد التشاكل السيميولوجي والدلالي. وبعد ذلك، يبين المستوى المنطقي، وذلك بتحديد المربع السيميائي، واستخلاص علاقاته الثاوية، واستجلاء عملياته المضمرة.إذاً، ماهي مبادئ المقاربة السيميوطيقية نظريا وتطبيقيا؟ وماهي الخطوات المتبعة لتطويق المعنى وشكلنة الدلالة؟

1- بنيـــة التجلــي:
يتكون النص في منظور المقاربة السيميوطيقية من ثلاث بنيات متكاملة: بنية التجلي(النص الظاهر)، والبنية السطحية، والبنية العميقة. ومن ثم، تعنى البنية الخارجية أو بنية التجلي بدراسة العتبات الموازية(العنوان- الأيقونات- الهوامش- المقدمات- الإهداء-المقتبس- كلمات الغلاف...) ، وتقطيع النص على ضوء مجموعة من المعايير السيميائية، وذلك كالمعيار المكاني Toponyme، والذي يتمثل في تحديد الفضاءات المكانية المدمجة (بكسر الجيم) Englobant ، والمدمجة (بفتح الجيم) Englobé. وهناك المعيار الزمني، والذي ينقسم إلى لحظات زمنية محورية: قبل- أثناء- بعد. وهناك أيضا المعيار السردي، والذي يتمثل بدوره في ثلاث لحظات سردية: الاستهلال والعقدة والانفراج. وهناك كذلك المعيار الفاعلي Actoriel، والذي يحدد الفواعل والعوامل والشخوص الرئيسية والمساعدة سواء أكانت فردية أم جماعية ، والتي لها دور بشكل من الأشكال في تأزيم الحكي أو تشكيل السرد. بله عن المعيار الأسلوبي، والذي يقوم على استحضار السجلات اللغوية والروابط والصياغة الأسلوبية والتعبيرية التي لها أهمية في بناء النص وشكلنته . ولا ننسى أيضا المعيار البصري أو الطيبوغرافي، والذي يهتم بتقطيع النص إلى جمل وفقرات محددة على ضوء علامات الترقيم أو اعتمادا على ثنائية الفراغ والامتلاء، أو استعانة بثنائية البياض والسواد. وثمة المعيار الدلالي أو الموضوعاتي القائم على استخلاص التيمات والموضوعات. و في الأخير، يمكن الحديث عن معيار التشاكل السيميولوجي أو الدلالي، والذي يرتكز على استخلاص مجموعة من التواردات التكرارية شكلا ودلالة .
وعلى أي حال، تحوي بنية التجلي ثلاثة مكونات أساسية إلى جانب العتبات، وهي المكان والزمان والفاعل. ومن هنا، ينقسم المكان إلى مجموعة من الفضاءات السيميائية، مثل:
1- المكان الأصل، وهو مكان الأنس أو المكان الحميمي.
2- مكان الاختبار الترشيحي أو المكان المجاور للمكان المركزي.
3- مكان الاختبار الحاسم أو ما يسمى باللامكان عند كريماص.
وعلى مستوى بنية الزمن، يمكن الاعتماد على تحليلات جيرار جنيت Gérard Genette) )،وذلك بالتركيز على المدة، والترتيب، والتواتر، والاندماج واللاندماج الزمني. ويمكن ، على مستوى الشخصية أو الفاعل، الاستفادة من تعليمات فيليب هامون Philippe Hamon.

2- البنيــــة السطحيــــة:
تستند البنية السطحية إلى مكونين أساسيين: المكون السردي، والمكون الخطابي. يدرس المكون الأول الأفعال والحالات والتحولات، ومنطق الجهات، والبنية العاملية. في حين، يدرس المكون الخطابي الصور من جهة ، ويقارب الحقل المعجمي والحقل الدلالي والأدوار التيماتيكية التي يقوم بها الفاعل من جهة أخرى.

أ- المكـــون الســـردي:
بادئ ذي بدء، يقوم المعنى في النص أو الخطاب على الاختلاف. بمعنى أن المقاربة السيميوطيقية تحاول أن تستكشف بنية الاختلاف ، وذلك عن طريق وصفها ومدارستها والتعرف عليها. ومن ثم، فعلينا دائما داخل المكون السردي أن نحدد مختلف الاختلافات والتعارضات الضدية الموجودة بين العناصر السردية. فحينما نريد دراسة تطور الشخصية مثلا، علينا أن نبرز مختلف حالات هذه الشخصية، وذلك من خلال تقابلها وتعارضها وتضادها داخل السياق النصي أو الخطابي. وبالتالي، فلا معنى بلا اختلاف، وهذا يذكرنا بالاتجاه التفكيكي عند جاك دريدا (J.Derrida) الذي يؤمن كثيرا بفلسفة التفكيك و الاختلاف.
زد على ذلك، فالسردية (la narrativité)هي مجموعة من الحالات والتحولات التي يتعرض لها عنصر ما داخل نص أو خطاب ما. بمعنى أن السردية هي بمثابة تعاقب حالات وتحولات داخل سياق خطابي ما، تكون مسؤولة عن إنتاج المعنى. ومن هنا، فالتحليل السردي هو الذي يهتم برصد تلك الحالات والتحولات داخل النص السردي. ومن هنا، فالمقاربة السيميوطيقية تدرس النصوص السردية التي تتعاقب فيها الأفعال والحالات والتحولات.

- الأفعـــال والحالات والتحـــولات:
قبل كل شيء، علينا التمييز في هذا الصدد بين الحالات والتحولات، حيث تتحدد الحالات بوجود فعل الكينونة أو فعل الحالة( كان الكاتب حزينا- لم يكن الكاتب حزينا)، أو بوجود فعل التملك (يمتلك الكاتب سيارة ثمينة- لايملك الكاتب سيارة ثمينة). أما التحولات فتتحقق بوجود فعل" الفعل"(اشترى الرجل أشياء ثمينة).
ومن هنا، فالتحليل السردي يقوم على التمييز بين ملفوظات الحالة وملفوظات الفعل، وذلك من خلال التوقف عند الكلمات والمفردات والعبارات والجمل في صيغها التعبيرية المختلفة داخل النص أو الخطاب السردي المعطى. ولايتم هذا على مستوى نص التجلي الظاهري(niveau de la manifestation)، بل على المستوى المشيد أو المؤسس بنيويا(niveau construit).
هذا، ويتكون ملفوظ الحالة من الذات (sujet) والموضوع(Objet). وبينهما علاقة عاملية. ويعني هذا أن الذات ليست شخصية، وليس الشيء شيئا، بل هما أدوار وعوامل أو ما يسمى بالأدوار العاملية(actants ou rôles actantiels). وقد يكون ملفوظ الحالة متصلا أو منفصلا على النحو التالي:
1- (الذات ٨ الموضوع). ويعني هنا علاقة الاتصال بين الذات والموضوع.
2- (الذات ٧ الموضوع). ويعني هنا علاقة الانفصال بين الذات والموضوع.
ويكون التحول بدوره منفصلا ومتصلا على الشكل التالي:
1- (الذات ٨ الموضوع)← (الذات ٧ الموضوع)؛
2- (الذات٧ الموضوع)← (الذات٨ الموضوع).
يلاحظ في المثال الأول أن هناك تحولا من ملفوظ الحالة المتصل إلى ملفوظ الحالة المنفصل.أما في المثال الثاني، فنجد تحولا من ملفوظ الحالة المنفصل إلى ملفوظ الحالة المتصل. وقد يكون ملفوظ الحالة مركبا، كأن يكون هناك موضوع واحد بالنسبة لفاعلين وعوامل متعددين. ففي قصة " الرجل ذي الدماغ الذهبي" لألفونس دوديه ، يلاحظ أن هناك مقطعين سرديين، في المقطع السردي الأول: يملك الرجل الذهب، في حين لايملك الآخرون شيئا. أما في المقطع السردي الثاني، لقد أصبح الرجل الغني فقيرا، حيث خسر كل نقوده، لأنه صرفها على والديه، وصديقه، وزوجته. ومن هنا، نرمز للشخص الأول بالفاعل الأول، ونرمز للأشخاص الآخرين بالفاعل الثاني على الشكل التالي:
حالة المقطع الأول:(ذ 1 ٨ مو)
(ذ2 ٧ مو)
أو:( ذ 1 ٨ مو٧ ذ2)
حالة المقطع الثاني: (ذ 1 ٧ مو)
(ذ2 ٨ مو)
أو:( ذ 1 ٧ مو٨ ذ2)
ومن هنا: ف (ذ3)  ] ( ذ 1 ٨ مو٧ ذ2) = ( ذ 1 ٧ مو٨ ذ2)]
ويلاحظ أن هناك تنافسا حول الموضوع المرغوب فيه من قبل عاملين: عامل يخسر ذهبه، وعامل يستفيد من ذهب العامل الأول.أي: إن هناك ربحا وخسارة.
وعليه، فمن الأفضل – منهجيا- أن يصنف السيميوطيقي مختلف ملفوظات الفعل، فيرتبها بشكل متسلسل سواء أكانت متصلة أم منفصلة، فيبين ملفوظات الحالة البسيطة وملفوظات الحالة المركبة.

- منطـــق الجهـــات أو الصيغ:
لا يمكن للمرسل أن يكلف الذات أو الفاعل الإجرائي بتنفيذ الفعل، وإقناعه بأداء المهمة، والتعاقد معه على إنجاز الفعل، إلا إذا توفر ذلك الفاعل على مجموعة من المؤهلات الكفائية، كالمعرفة، والقدرة، والإرادة، والوجوب. وهذه المؤهلات ترد في شكل أفعال وساطية، مثل:
1- الفتى يحب أن يتصدق بماله.
2- الفتى يريد أن يتصدق.
3- الفتى يجب عليه أن يتصدق.
4- الفتى يقدر على التصدق بماله.
تتوسط الفاعل الإجرائي مجموعة من أفعال الوساطة التي تساهم في تعزيز تجربة الترشيح والتأهيل، لكي يخوض الفاعل الإجرائي والفاعل الوساطي تجربة الاختبار والإنجاز من أجل تحقيق الموضوع المرغوب فيه .
ومن هنا، فقد ميز كريماص بين أربعة أنواع من الملفوظات: الملفوظ السردي البسيط، والملفوظ الصيغي( يريد- يجب- يقدر- يعرف)، والملفوظ الوصفي (ملفوظ الحالة) سواء أكان ذاتيا (بفعل الكينونة) أم موضوعيا(بفعل التملك)، والملفوظ الإسنادي الذي يحدد علاقة الذات بالموضوع.

- البرنامــــج الســـردي:
المقصود بالبرنامج السردي(ب. س) تعاقب الحالات والتحولات التي تقوم على أساس علاقة الذات بالموضوع ، وذلك مع ذكر تحولاتها المختلفة والممكنة. ويعني هذا أن البرنامج السردي يحوي مجموعة من التحولات المبنية والمرتبة. أي : إنها مرتبة بطريقة سببية منطقية ، ومتسلسلة بشكل تعاقبي ممنهج ومنظم بدقة وصرامة. لهذا السبب، نستخدم مصطلح البرنامج. ومن ثم، فهدف التحليل السردي هو أن يصف تنظيم البرنامج السردي، وكيفية اشتغاله، والتعرف على طبيعة تسلسله المنطقي والسببي، وطريقة تنظيمه هيكليا وبنيويا.
هذا، ويتضمن البرنامج السردي (ب.س) أربع محطات أساسية متكاملة ومتضافرة سببيا ومنطقيا، وهي: التحفيز أو التطويعmanipulation ، والكفاءةcompétence ، والإنجازperformance، والتقويم أو التمجيد évaluation. كما يتكون من ثلاثة اختبارات: اختبار ترشيحي يدور حول الفاعل والمرسل، واختبار رئيسي يحصل فيه الصراع الفاصل بين الفاعل الإجرائي والفاعل المضاد، والاختبار التمجيدي تقع خلاله معرفة البطل الحقيقي ومكافأته.

- الإنجــــاز:
نعني بالإنجاز كل عملية إجرائية يقوم بها الفاعل الإجرائي، وذلك بإنجاز تحويل لحالة ما. وهنا، نتحدث طبعا عن دور عاملي، لا عن شخصية ما. ومن ثم، يتم التمييز بين فاعل الحالة والفاعل الإجرائي الذي يرتبط بعملية الفعل. وهنا، نتحدث عن ملفوظ الفعل. ونمثل لهذا بالطريقة التالية:
ف (ذ)  ](ذ ٧مو) = (ذ٨ مو)]
وبتعبير آخر:
فاعل (الذات)  ](الذات ٧الموضوع) = (الذات٨ الموضوع)]
ويعني هذا أن الفاعل الإجرائي يقوم بتحويل حالة الانفصال إلى حالة اتصال، والعكس صحيح كذلك.فحرف الفاء يشير إلى الفاعل، أما السهم المشبع بالسواد، فيشير إلى ملفوظ الفعل. وهذا العمل يطبق على مختلف الملفوظات الموجودة في النص ، ولاسيما التي تسمى بملفوظات الحالة.

-الكفــــاءة:
يقصد بالكفاءة السيميائية داخل البرنامج السردي مجمل الشروط الأساسية والضرورية لتحقيق الإنجاز الفعلي. ويعني هذا أن الفاعل الإجرائي لا يمكن أن يقوم بأدواره الإنجازية، إلا بالاعتماد على مجموعة من المؤهلات الضرورية سواء أكانت مؤهلات عقلية معرفية أم مؤهلات جسدية أم مؤهلات أخلاقية. ومن ثم، فالفاعل الإجرائي هو الذي يتمثل الواجب، ويمتلك الإرادة والقدرة ومعرفة الفعل المرشح له لأدائه ممارسة وتطبيقا. ومن هنا، ترتكز الكفاءة على أربعة مؤهلات صيغية: المعرفة، والقدرة، والإرادة، والواجب. وينبغي أن نشير هنا إلى أن الموضوع نوعان: الموضوع الرئيس(objet principal) المتعلق بموضوع القيمة، والموضوع الوساطي، أو ما يسمى كذلك بالموضوع الجهي(objet modal) المتعلق بموضوع الوساطة أو الجهة. ويعني هذا أن هناك إنجازا رئيسيا وإنجازا وساطيا أوجهيا أوكيفيا.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى وجود أنواع ثلاثة من الذات: ذات افتراضية وموضوع افتراضي، وذات محينة وموضوع محين، وذات متحققة وموضوع متحقق." إنها ثلاث حالات سردية، الأولى منها سابقة على اكتساب الكفاءة، والثانية تنتج عن هذا الاكتساب، والأخيرة تعين الذات، وقد قامت بالعمل الذي يصلها بموضوع القيمة، ويحقق بذلك مشروعها."
وعليه، فالبرنامج السردي يقوم في جوهره على الإنجاز باعتباره مرحلة ضرورية لتحويل الحالات إلى أفعال إجرائية. ومن ثم، فالإنجاز الإجرائي يستلزم منطقيا عملية الكفاءة، فلا يتحقق الإنجاز في غياب الكفاءة والمؤهلات الضرورية. كما أن الفاعل الإجرائي يخضع لتحفيز من قبل المرسل، مع إقناعه منطقيا ووجدانيا بإنجاز مهمة. وأثناء أداء مهمته، سيخضع عمل الفاعل الإجرائي للتقويم والتقييم، وتأويل عمله وسلوكه إن كان ذلك إيجابيا أو سلبيا. وبالتالي، تسمى أخر مرحلة من مراحل البرنامج السردي بمرحلة التقويم أو التعرف. وهنا، يحضر المرسل كفاعل التأويل (agent d’interprétation) ليقوم مهمة الذات البطلة.

- التحفيــــز:
نعني بالتحفيز أو التطويع حمل الفاعل الإجرائي على تنفيذ مهمة ما على ضوء المؤهلات والإمكانيات المتوفرة لدى الفاعل الذات، وغالبا ما يكون التحفيز أو التطويع من قبل المرسل إقناعا وتأثيرا وشرحا. وتكون بين المرسل والفاعل الإجرائي عمليات تعاقدية سواء أكان " العقد إجباريا (contrat injonctif)، كأن يجبر المرسل المرسل إليه بقبول المهمة، وتكون العلاقة هنا علاقة رئيس بمرؤوس. وقد يكون العقد ترخيصيا (contrat permissif)، كأن يخبر المرسل إليه المرسل بإرادته للفعل (الإرادة المنفردة)، فيكون موقف المرسل القبول والموافقة، وفي هذه الحالة يعزم تلقائيا على الإنجاز والفعل. وقد يكون العقد ائتمانيا(contrat fiduciaire) يقوم فيه المرسل بفعل إقناعي يؤوله المرسل إليه، فإن كان الفعل الإقناعي كاذبا يكون الفعل التأويلي واهما مثلما يحدث غالبا عندما يخدع البطل. وبالنسبة لهذا الصنف من العمليات التعاقدية يقبل المرسل إليه خطاب المرسل، ولا يشك في صحته في جميع الحالات. والرسالة هنا تكون دائما ذات طبيعة كلامية ، وتظهر هنا القيمة الإنجازية للخطاب."
وهكذا، نستنتج بأن التحفيز هو أول محطة في البرنامج السردي، وبواسطته يتحقق الإنجاز والتقويم.

- التقويــــم :
يأتي التقويم داخل البرنامج السردي بعد الاختبار الترشيحي، والاختبار الحاسم، والاختبار الممجد الذي تقع فيه معرفة البطل الحقيقي، ومكافأته إيجابا أو سلبا. ويعني هذا أن التقويم مبني على معيار الصدق والكذب، والتركيز على الفعل التأويلي وفعل المعرفة. ويعني هذا أننا نصدر أحكاما على فعل الفاعل الإجرائي على ضوء معرفة ما قام به من مهمات: فهل ماقام به هو عمل صادق أو كاذب أو واهم أو بقي سرا من الأسرار؟!! أي: نتحدث هنا عن البعد المعرفي من خلال تقويم نتائج الأفعال على ضوء معيار الصدق والكذب. (صدق الحالات أو كذبها أو وهمها أو خفاؤها).
هذا، ويخضع التقويم للعلاقة التعاقدية المبرمة بين المرسل والذات البطلة . فالعقد" المبرم منذ البداية بين المرسل والمرسل إليه- (الذات) يوجه المجموع السردي، وباقي الحكاية يبدو ،إذاً، كتنفيذ له من قبل الطرفين المتعاقدين، ومسار الذات - الذي يشكل مساهمة المرسل إليه- يكون في نفس الوقت متبوعا بالتقويم التداولي (المكافأة) والمعرفي (الاعتراف) من قبل المرسل.
ونتيجة لذلك يكون عمل الذات مؤطرا بمقطعين تعاقديين: إقامته وإجازته واللذان يتبعان هيئة عاملية غير الذات: نقول بأنه يوجد بداية هيئة إيديولوجية للإعلان عن الحدث وفي النهاية هيئة جيدة لتفسيره ومماثلته مع الكون القيمي الذي تتحكم فيه."
ويعني كل هذا أن التقويم هو تثمين لعمل الذات البطلة وتمجيد لمهماتها، أو قد يكون قدحا مشينا في ما قامت به من أفعال وأعمال لا ترضي المرسل على ضوء ما تم إبرامه من عقود مشتركة.

- ملاحظات تتعلق بالبرنامج السردي:
يلاحظ من كل هذا أن محطات البرنامج السردي (التحفيز- والكفاءة- والإنجاز- والتقويم) مترابطة سببيا ومنطقيا، فكل محطة تؤدي إلى محطة لاحقة بشكل تراتبي وممنهج. و ينبغي على الباحث السيميوطيقي، عند استحصال محطة واحدة من البرنامج السردي، أن يبحث عن باقي المحطات السردية الأخرى، فيستكملها بشكل كلي وشامل حتى تتضح الرؤية السردية والوصفية. ويمكن توضيح البرنامج السردي في هذه الخطاطة التالية:

التحفيز-manipulation الكفاءة
compétence الإنجاز performance التقويم sancation
الحث على الفعل تأهيل الفعل تنفيذ الفعل الحكم على الفعل
علاقة المرسل بالفاعل الإجرائي علاقة الفاعل الإجرائي بالعمليات التأهيلية أو الوساطية أو الجهية علاقة الفاعل الإجرائي بمواضيع القيمة - علاقة المرسل بالفاعل الإجرائي.
- علاقة المرسل بفاعل الحالة.

وهكذا، يتبين لنا ، مما سبق ذكره، بأن أول خطوة سيميوطيقية نبدأ بها هي التحليل السردي، من خلال الاستعانة بلغة وصفية تنتمي إلى النحو السردي، وذلك بالتركيز على المكون السردي، وتتبع الخاصية السردية ، ومدارسة الأفعال والحالات والتحولات، ومدارسة البرنامج السردي عبر محطاته الأربع: التطويع، والكفاءة، والإنجاز، والتقويم. وقد بينا أن الكفاءة تتضمن أربعة مؤهلات أساسية، ألا وهي: الواجب، والإرادة، والقدرة، والمعرفة. وهنا، يمكن الحديث عن جهات الإمكان (الواجب والإرادة)، وجهات التحيين والتنفيذ(القدرة والمعرفة). وبما أن الفاعل نوعان: فاعل الحالة والفاعل الإجرائي، فإن الموضوع بدوره نوعان: موضوع القيمة، وموضوع الجهة. ويمكن كذلك الحديث عن البرنامج السردي المضاد الذي يقوم به البطل أو الفاعل المعاكس أو الذات المضادة لتقويض البرنامج السردي الذي يقوم به الفاعل الإجرائي من أجل تحصيل الموضوع المرغوب فيه.
وعلى أي حال، فالتحليل السردي يقوم على مبدأين أساسيين، وهما: مبدأ التقابل أو التضاد المبني على المحور الاستبدالي أو البراغماتي (محور التعويض والانتقاء)، ومبدأ التعاقب أو التتابع أو التسلسل القائم على المحورالتركيبي (الترابط المنطقي).

- البنيـــة العامليـــة:
ترتكز البنية العاملية على ثلاثة محاور أساسية، تتمثل في محور التواصل، والذي يشمل المرسل والمرسل إليه، ومحور الرغبة ، والذي يتضمن الذات والموضوع ، ومحور الصراع ، والذي يتقابل فيه المساعد والمعاكس.
ومن المعلوم أن العامل هنا لا يعني الشخصية فقط، بل هو مفهوم شامل قد يعني المؤسسات والقيم والأفكار والفضاءات والأشياء والحيوانات وغيرها من المفاهيم المجردة، كالسعادة، والجهاد، والإسلام...
وتتسم البنية العاملية بكونها بنية عامة ومجردة يمكن تعميمها على الكثير من الظواهر والنصوص والخطابات، وترتبط هذه البنية العاملية بشكل وثيق ومتصل بالبرامج السردية التي تنبني عليها القصة. ومن هنا،" فإن البرامج السردية هي وحدات سردية تنبثق عن تركيب عاملي قابل للتطبيق على كل أنواع الخطابات."
وتتوضح البنية العاملية بشكل جلي من خلال هذا المثال التبسيطي الذي يوضح مسار الرسالة النبوية الشريفة:
ذات = الرسول (صلعم)
موضوع = نشر الرسالة
المرسل = الله
المرسل إليه = الإنسانية كافة
المساعد = المهاجرون والأنصار
المعاكس = الكفار
وإليكم مثالا آخر يتعلق بفتح الأندلس:
ذات = طارق بن زياد
موضوع = فتح الأندلس
المرسل = الجهاد
المرسل إليه = المسلون
المساعد = الإيمان والتقوى والجيش البربري
المعاكس = لذريق وجيوشه.

ولايمكن الحديث عن البنية العاملية إلا في علاقة مع الأفعال والحالات والتحولات والبرنامج السردي في شكل تصور كلي ورؤية شاملة.

ب- المكــــون الخطابــــي:
يدرس المكون الخطابي كل ما يعلق بالتيمات الدلالية ووحدات المضامين، وذلك بالانتقال من الصورة أو الليكسيم إلى المسار التصويري ثم إلى التشكلات الخطابية ، وذلك " وفق سلسلة من الإرغامات التي يفرضها الإطار الثقافي العام الذي أنتج داخله النص السردي."

- الصـــورFigures :
الصور هي مجموعة من اللكسيمات التي ترد داخل النص أو الخطاب، وقد تتحدد بدلالاتها المعجمية أو بدلالاتها السياقية. ويعني هذا أن الصورة " تحتوي عموما على مضمون ثابت يحلل إلى عناصره الأولية. قد تبرز انطلاقا من نواة المضمون، أنواع أخرى من التحقيقات، وذلك من خلال الاستعمالات المختلفة للصورة. نطلق مصطلح المسار السيمي على الإمكانات المحققة. بناء على ما تقدم، تعتبر الصورة وحدة من المضمون الثابتة والمحددة بواسطة نواتها الدائمة حيث تتحقق الافتراضات بشكل متنوع حسب السياقات.
ينبغي أن نعتبر الصورة كتنظيم للمعنى الافتراضي المحقق بشكل متنوع حسب السياقات. هذا يقودنا إلى تصور الصورة في جانبيها التاليين:
- المعجم: يمكن أن تحدد كل الدلالات الممكنة للصورة وكل مساراتها الممكنة كمجموعة منظمة من المعاني.هذا العمل موجود في قاموس اللغة، والصورة هنا يتم فهمها من المنظور الافتراضي.
- الاستعمال: تحدد الصورة حسب الاستعمال الذي يمارس على الملفوظات والخطابات التي تستغل جانبا من الجوانب الممكنة للصورة. الصورة هنا يتم فهمها في الجانب المحقق.هكذا، نرى أن الجانب الافتراضي يحيل على الذاكرة، والجانب المحقق على الخطاب."
ويعني هذا أن هناك الصورة المعجمية القاموسية المبنية على الذاكرة اللغوية، والصورة الدلالية السياقية المبنية على الاستعمال والتحقق النصي والسياقي. وبتعبير آخر، هناك ما يسمى بصورة التعيين(صورة الكلمة التقريرية الحرفية المباشرة) وصورة التضمين(صورة الكلمة الموحية الاستعارية والمجازية).

- الحقـــل المعجمي:
يعتمد الحقل المعجمي على استخلاص الوحدات الدلالية التي تنتمي إلى معجم معين، وذلك بالتركيز على الأفعال والأسماء والعبارات والملفوظات التي تشكل معجما معينا، مثل: معجم الصحة (الطبيب، المريض، الأدوية، فحص، أجرى عملية...)، ومعجم الرياضة( كرة القدم، يلعب، العدو الريفي..)، ومعجم الطبيعة (الليل، والنهر، والمساء، والرعد، والمطر...)...ويعني هذا أن :" نقوم باستخراج المفردات التي تبدو لنا أساسية في إبراز الدلالة بعد قراءة النص عدة مرات، نضعها في جداول مجمعة وفق مقولات دلالية معممة إلى أقصى حد ممكن، ودقيقة بقدر الإمكان في تعيينها للمعنى الإجمالي المستفاد من النص. سوف يكون مفتاحنا في مثل هذه العملية مبدأ التشابه والتخالف. يقوم المبدأ الأول على علاقة انضوائية، بينما يتأسس المبدأ الثاني على تعارضات نسبية. تجدر الإشارة إلى أن تحديد المعنى المتعلق بكل مفردة مستخرجة من النص يتم وفقا لدلالتها في السياق النصي."
هذا، وما يلاحظ على الحقل المعجمي أنه حقل قاموسي ليس إلا، بمعنى أن الكلمات تحدد من خلال معانيها اللغوية كما وردت في المعجم أو القاموس اللغوي بأبعادها الحرفية والمباشرة.

- الحقــــل الدلالي:
يتحدد الحقل الدلالي ، وذلك بعد استكشاف الحقول المعجمية، بدراسة الكلمات في سياقاتها النصية والخطابية، بعيدا عن التفسيرات المعجمية والقاموسية، بمعنى أن دلالات الكلمات تستكشف داخل سياقاتها النصية والذهنية والتأويلية والثقافية. وبتعبير آخر، فبعد الانتهاء من تصنيف مجموع المفردات المستعملة وفق مقولات دلالية متسعة(حقول معجمية) تضم كل منها مجموعة من المفردات والعبارات ، ننتقل إلى الملفوظات السياقية الخاصة التي تشكل الحقل الدلالي(معجم المعاني). وبطبيعة الحال، يستند الحقل الدلالي مثل الحقل المعجمي إلى مجموعة من العلاقات كالتضاد والاختلاف والترادف...

- الأدوار التيماتيكيـــة:
يقصد بالأدوار التيماتيكية مجموعة من الوظائف السردية التي يقوم بها الفاعل التيماتيكي ، وهي أدوار اجتماعية وثقافية ومهنية وأخلاقية ونفسية واجتماعية. وتقوم هذه الأدوار كذلك بتفريد الممثل، وتشخيصه إنسانيا باسم العلم الخاص، في حين يبقى العامل كائنا عاما ومجردا . ومن المعلوم أن الفاعل يشتغل على مستويين ، المستوى الخطابي باعتباره فاعلا أو ممثلا يؤدي أدوارا تيماتيكية، أو على مستوى البنية التركيبية أو السردية باعتباره عاملا يؤدي مجموعة من الأدوار العاملية. ويعني هذا أن هناك نوعين من الأدوار: أدوار معجمية غرضية يؤديها الفاعل على مستوى الخطاب، وأدوار عاملية يؤديها العامل على مستوى المكون السردي أو التركيبي. وفي هذا الصدد يقول جوزيف كورتيس:" إن الممثل لايختزل في المكون الخطابي فقط: فباعتباره داخلا في الحكاية فإنه يأخذ وضعه في التنظيم التركيبي أيضا. في هذا الأفق، يظهر الممثل كمجال لالتقاء وارتباط البنيات السردية والبنيات الخطابية للمكون النحوي والمكون الدلالي، لأنه مكلف في نفس الوقت على الأقل بأداء دور عاملي وعلى الأقل بدور غرضي يدققان كفاءته وحدود فعله أو كينونته.إنه في نفس الوقت مجال لاستثمار هذه الأدوار ولكن أيضا لتحويلها."
هذا، وإذا كانت البنية التركيبية بنية عامة ومجردة وكونية، فإن البنية الخطابية خاصة. ويعني هذا أنه يتم :" الانتقال من البنيات السردية كهيكل عام ومجرد، إلى ما يشكل غطاء لهذه البنيات السردية ويمنحها خصوصيتها وتلوينها الثقافي، أي البنيات الخطابية، وذلك وفق المبدإ القائل بتبعية المكون الخطابي للمكون السردي."
ويعني هذا أننا ننتقل من بنية التعميم والتجريد، وذلك مع بنية العوامل والمكونات السردية، إلى بنية التخصيص مع الفاعل وأدواره الغرضية.

3- البنيـــة العميقــــة:
تنبني البنية العميقة من جهة على دراسة السيمات النووية السيميولوجية ودراسة السيمات السياقية الدلالية، والتركيز على التشاكل الدلالي والسيميائي. ومن جهة أخرى، تدرس البنية العميقة ما يسمى بالمربع السيميائي أو النموذج الدلالي والمنطقي التأسيسي.

أ- المستـــوى الـــدلالي:
ينبني المستوى الدلالي على دراسة المكونات الخطابية على مستوى البنية العميقة، وذلك من خلال التركيز على السمات السيميولوجية والسيمات الدلالية، ودراسة التشاكل الدلالي والسيميولوجي على حد سواء.

- السيمات السيميولوجية:
نعني بالسيمات السيميولوجية تقسيم اللكسيمات السياقية إلى مجموعة من المقومات أو السمات الجوهرية والعرضية التي تتكون منها الصورة الدلالية أو السياقية، كما كان يفعل رومان جاكبسون (R.Jackobson) مع الأصوات ، وذلك باستعمال الموجب والسالب، كما يتضح لنا ذلك بجلاء في مثالنا هذا: " الرجل ينبح".
-" الرجل":/ حي/+/مذكر/+/عاقل/+/بالغ/
- " ينبح":/فعل/+/ صوت/+/حي/+ /يسند إلى حيوان/-/عقل/
وهكذا، فقد فككنا الصورتين أو الليكسيمين إلى مجموعة من السمات النووية أو المقومات الجوهرية والعرضية. وبالتالي، فهما يتشاركان في صفة الحياة، ويختلفان في الكثير من الصفات المميزة، وخاصة صفة العقل.

- السيمات الدلالية:
نعني بالسيمات الدلالية المقولات التصنيفية أو المقولات الفكرية والكونية الخارجية التي تحدد مجموعة من السيمات السيميولوجية أو النووية. وتحيل هذه السيمات المقولاتية التصنيفية على القيم الكونية والإيديولوجيا النصية. ففي المثال السابق، يمكن الحديث عن مقولتين: /إنساني/ +/حيواني/. ويمكن الحديث في أمثلة نصية أخرى عن الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والأخلاقي والجنس، وغير ذلك من مقولات فكرية تصنيفية يستوجبها التحليل السيميائي للسيمات النووية والسياقية.

- بنيـــة التشاكــل:
يقصد بالتشاكل مجموعة من السيمات السياقية أو الكلاسيمات المتكررة والمترددة بشكل متواتر داخل خطاب أو نص ما، وهو الذي يحقق انسجام النص، ويزيل عنه غموضه وإبهامه الدلالي. ويعني هذا أن التشاكل بمثابة تكرار لوحدات دلالية ومعنوية وتيماتيكية تشكل أهم تمفصلات النص .أي: إن التشاكل هو قطب دلالي متداخل ومتقابل. ومن هنا، فالتشاكل نوعان: تشاكل دلالي وتشاكل سيميائي. فالتشاكل السيميائي هو الذي يقوم على تواتر السيمات النووية أو المقولات النووية، مثل:
- صورة" الفرح"
- السيمات النووية: /إحساس/+/شعور/+/الرضا/+/ إيجابي/+/فعالية/
في حين يقوم التشاكل الدلالي على المقولات التصنيفية أو التصنيفات المادية الكونية أو التصنيفات الفكرية والذهنية الفلسفية الخارجية أو تواتر المقولات الكلاسيماتيكية، مثل:
/اقتصادي/+/ إنساني/+/طبيعي/+/جنس/...

ب- المستـــوى المنطقــي:
يتمثل المستوى المنطقي من التحليل السيميائي بكل جلاء في المربع السيميائي، و الذي يعد بمثابة جهاز منطقي صرفي يحوي مجموعة من العلاقات المنطقية المضمرة، كعلاقات التناقض، وعلاقات التضاد، وعلاقات التضمن. وهذه العلاقات هي التي تحرك النص فعلا على مستوى الظاهر والسطح. ومن هنا، يسمى المربع السيميائي بمربع الصدق.

-المربع السيميائي:
تنبني البنية العميقة من جهة على دراسة السيمات النووية السيميولوجية ودراسة السيمات السياقية الدلالية، والتركيز على التشاكل الدلالي والسيميائي. ومن جهة أخرى، تدرس البنية العميقة ما يسمى بالمربع السيميائي أو النموذج الدلالي والمنطقي التأسيسي. ويسمى كذلك بمربع الصدق، والذي يستلزم مجموعة من العلاقات التقويمية كالصدق والكذب والوهم والسر، بالإضافة إلى التحكم في ثنائية الكينونة والظهور. ويعني هذا أن المربع السيميائي هو الذي يحدد علاقات النص الصادقة والكاذبة والواهمة والسرية.
هذا، ويقوم المربع السيميائي على استكشاف البنيات الدلالية البسيطة المولدة لمختلف التمظهرات السطحية للنص. كما يتضمن المربع السيميائي علاقات التضاد وشبه التضاد، وعلاقات التناقض، وعلاقات التضمن والاستلزام اتصالا وانفصالا. ويشكل المربع السيميائي كذلك جملة من الأزواج الدلالية البسيطة التي تشكل العالم الدلالي الإنساني.وبالتالي، " فالمربع السيميائي ليس إلا البنية الأصولية للدلالة حين تستعمل كشكل لتنظيم الجوهر الدلالي"
وهكذا، يمكن تصور المربع السيميائي :" كمعطى ثابت منظم على أساس العلاقات الأصولية (تضاد- تناقض- تضمن). لكن يمكن تصور الدلالة ككيان متحرك ينتج عنه توليد المعاني وتحريك المربع السيميائي. فالتناقض كعلاقة شكلية أو منطقية (على مستوى الصرف) تصلح لبناء أزواج دلالية متناقضة العناصر يصبح عملية قصصية أو دلالية (على مستوى التركيب) يترتب عنها نفي عنصر وإثبات أو إقرار عنصر آخر(هو في الواقع نقيض العنصر المرفوض أو المنفي). وإذا طبقت هذه العملية على مربع علامي مشحون بالقيم ينتج عنها حتما نفي بعض الدلالات الواردة وإبراز دلالات أخرى بصيغة الإيجاب والجزم.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات نستطيع أن نضع لبنة أولى لتعريف علم التركيب القصصي، إذ يتمثل هذا الأخير في تحريك المربع السيميائي وفي تغيير المعاني المدرجة ضمن محاوره."
هذا، ويهدف المربع السيميائي إلى تقديم صورة العالم ضمن شبكات دلالية إيديولوجية قائمة على التعارض والاختلاف، وتتحدد إيديولوجيا النص من الداخل النصي لا من خارجه، وذلك عبر استخلاص التشاكلات الممكنة والبنيات الدلالية البسيطة الثاوية في المربع السيميائي. بمعنى أن تحريك المربع السيميائي :" يكون بتوجيه العمليات في إطار سلاسل منطقية تنتج عنها إيديولوجية النص.أي تغيير المضامين والقيم حسب علاقات ومسار معين.
وخلاصة القول: إن النحو الأصولي يرتكب من صرف أصولي يقوم على المربع السيميائي ذي العلاقات الثابتة، ومن تركيب أصولي يقوم بتوجيه وتنظيم العمليات المغيرة للمضامين الأولى سواء بالنفي أو بالإقرار، بالفصل أو بالضم. وبما أن هذه العمليات الموجهة تحدث في إطار المربع السيميائي فهي من جراء ذلك قابلة للتوقع وللإحصاء ، وبالإضافة إلى شكلها الموجه تكون هذه العمليات منظمة في سلاسل ومكونة لسياقات يمكن تقسيمها إلى وحدات تركيبية. وعلى هذا الأساس اهتم كريماص بتصنيف الملفوظات السردية، ثم عمل على إبراز حقيقة الوحدة أو المقطوعة السردية."
وعليه، فالمربع السيميائي بنية دلالية منطقية تقع في المستوى العميق، وهو بمثابة نموذج تأسيسي ينظم دلالة النص والخطاب سطحا وعمقا.

4- المسار المنهجي للتحليل السيميوطيقي:
تعتمد المقاربة السيميوطيقية تطبيقا وممارسة على مجموعة من المراحل المنهجية المتكاملة فيما بينها، ويمكن تحديدها في الخطوات التالية:
-تحديد المقاطع والمتواليات السردية:تتحدد المقاطع السردية بواسطة مجموعة من المعايير السيميائية، كالمعيار الحدثي، والمعيار البصري، والمعيار الفضائي، والمعيار الأسلوبي، والمعيار الدلالي...وبعد ذلك، يتم تقسيم المقاطع إلى ملفوظات الحالة وملفوظات الأفعال، وترصد مختلف التحولات التي تستند إليها مختلف البرامج السردية الموجودة في النص،وذلك في علاقتها بالبنية العاملية والبنية التيماتيكية، وصولا إلى البنية العميقة حيث التشاكل والمربع السيميائي. ومن المعلوم أن كل مقطع سردي يقوم على مقياسين: مقياس وظائفي(مجموعة متكاملة من الأحداث)، ومقياس أسلوبي وتعبيري.
- تحليل مظهر الخطاب: تدرس مختلف التمظهرات الأسلوبية على مستوى سطح النص، كدراسة العتبات والبنية الفضائية، ودراسة الشخصيات، ودراسة اللغة والأسلوب.
- تحليل المكون السردي: يعتمد على دراسة الأفعال والحالات والتحولات اتصالا وانفصالا، والتركيز على البرامج السردية تحفيزا وكفاءة وإنجازا وتقويما.
- تحليل البنية العاملية: يتم التركيز هنا على عناصر التواصل العاملي (المرسل والمرسل إليه، والذات والموضوع، والمساعد والمعاكس)، والاهتمام بمختلف العمليات التعاقدية الموجودة بين المرسل والمرسل إليه، واستكشاف محاور البنية العاملية (محور التواصل ومحور الصراع ومحور الرغبة).
- تحليل المسار الغرضي: يرتكز المسار الغرضي أو المسار المتعلق بالأغراض على إبراز المعاني والأدوار الدلالية والأحداث وفق المسار السردي(قبل(الوضعية الافتتاحية) – وأثناء (اضطراب وتحول وحل)- وبعد (وضعية نهائية)) . ويمكن تقسيمه إلى محاور متداخلة كالمحور المعجمي، والمحور الدلالي، والمحور السيميولوجي، ومحور التشاكل. وكل هذا من أجل الحصول على صورة العالم.
- التحليل المنطقي: يعنى بتحديد البنية الدلالية المنطقية العميقة للنص أو الخطاب، وذلك من خلال التركيز على المربع السيميائي وعملياته وعلاقاته الدلالية والمنطقية .

تركيب واستنتاج:
وهكذا، نصل إلى أن المقاربة السيميوطيقية هي منهجية تحليلية تقوم على لعبة التفكيك والتركيب، وتبحث عن المعنى وراء بنية الاختلاف، وتحاول تصيد الدلالة سطحا وعمقا،مرورا بالتمظهرات النصية المباشرة. ويلاحظ أن التحليل السيميوطيقي مثل النحو الكلي يبحث عن البنيات المنطقية والدلالية البسيطة التي تولد مختلف النصوص والخطابات اللامتناهية العدد، وذلك بالانتقال من بنية العمق إلى بنية السطح، وذلك عبر مجموعة من التحويلات الصرفية والتركيبية والدلالية القائمة على الحذف والتوسيع والاستبدال والزيادة ...ومن هنا، فلابد للمحل السيميائي أثناء تطبيق المنهج السيميائي أن يراعي مجموعة من الخطوات المحورية، والتي يمكن حصرها في مرحلة التحليل السردي، ومرحلة التحليل العاملي، ومرحلة التحليل الغرضي (الحقل المعجمي، والحقل الدلالي، والأدوار المعجمية، والتشاكل بنوعيه: الدلالي والسيميولوجي)، ومرحلة التحليل المنطقي، وذلك بتشغيل المربع السيميائي.

د. جميل حمداوي

في تحليل القصيدة-مقال مترجم من الفرنسية بتصرف

في تحليل القصيدة

مقال مترجم من الفرنسية بتصرف



حسين عتروس - ليون

إن منهجية التحليل المقترحة ليست بالطبع الوحيدة في تحليل النص الشعري لكنها تمنح مزية الإسماع إلى لغة الشاعر. ما يجب علينا علمه أن الشاعر يستعمل لغة فريدة ليست لها أية علاقة بلغة النثر. إني أعتقد أنه من المناسب احتراما للشاعر أن نحلل هذه اللغة، و بعد ذلك نستطيع أن نكتشف المعاني المختلفة للقصيدة. إني عادة ما أقول مازحا أن الشاعر ليس لديه شيء يقوله بداية... لأن الشاعر إذا كان مقصده التبليغ قبل كل شيء لكفته ذلك لغة النثر...

المقال يتضمن قسمين، القسم الأول يعطينا مقاربة نظرية للطريقة المستعملة، أما القسم الثاني فإنه يسمح لنا بتطبيق المبادئ النظرية من خلال قصيدة للشاعر " بول فارلان " .

النظرية:

أ‌) مقدمة إلى مبدأ التكافؤ-1-:

1) نلاحظ أن اللغة الشعرية تعتمد في أغلب الأحوال على آلية الإعادة . النص الشعري يبنى في الحقيقة على عدد من التكرار الذي يمكننا أن نطلق عليه ( التكافؤ أو التعادل). و لكن لا ينبغي أن نخطئ في معنى كلمة )تكافؤ) و التي مرجعيتها لا تعود فقط على العناصر المتطابقة و لكن أيضا على بعض التشابهات. فمعنى كلمة( التكافؤ) لا تعني دائما التطابق في معنى نظام (التكافؤات)،

كما نلاحظ كذلك كلمات لها معان متضادة(نتكلم إذن عن تضاد دلالي-سميائي-) -2-

2) ما يمكننا أن نجده:

-تكافؤات بكل الإعتبارات :

بداخل البيت الشعري: مثلا إذا اكتشفنا كلمة (شمس) معادة مرتين أو في بيت شعري آخر الكلمتين (أحمر) و (أزرق) فإنه يمكننا في كل مرة الحديث عن تكافؤ. في الحالة الأولى يتعلق الأمر بإعادة للكلمة نفسها( خط دلالي-3- هو الصفاء). و في الحالة الثانية نكتشف كلمتين عندهما خط دلالي واحد ألا وهو اللون.

من بيت شعري إلى آخر: مثلا إذا اكتشفنا كلمة (ليل) في البيت الأول وفي البيت الثالث نكتشف كلمة (ظل) هنا كذلك نتكلم عن التكافؤ وخصوصا عن تضاد دلالي-سميائي- ) و في هذه الحالة يكون الخط الدلالي الجامع بينهما هو الظلام).

من مقطوعة-4- إلى أخرى: مثلا إذا اكتشفنا كلمة (شفاه) في المقطوعة الأولى ثم كلمة (عيون) في المقطوعة الثانية ومرة أخرى تعود كلمة شفاه في المقطوعة الثالثة فإننا نتكلم دائما عن التكافؤ

( فالكلمات الثلاث لها خط دلالي واحد هو أجزاء الجسم).

-تكافؤات على كل المستويات:

.صوتية-5- باعتبار الصوت

. وزنية باعتبار الوزن

.نحوية و صرفية

.دلالية معجمية-6-

ب) أربع حالات للتكافؤ:

1)علاقة التكافؤ على المستوى الصوتي:

إنه من البديهي أن المظهر الصوتي ليس له أثر كبير في عالم النثر، لكننا في الشعر نلحظ بروز هذا المظهر جليا للّغة من خلال نظام التكرار. هذا التجلي الصوتي على مستوى داخل الحقل الشعري يسحر الأذن( نتذكر هنا أناشيد الطفولة). نلاحظ كذلك في بعض الحالات أن هذه التكافؤات الصوتية يمكن أن يكون لها تورط على مستوى المعنى.

من الناحية العملية ذلك يعنى أن نقوم برصد كل المظاهر المتعلقة بالصوت من قافية ( شكل القافية أو نوعها)، الروي المستعمل و كل الأشكال الصوتية المتكررة و منها مثلا الروي الداخلي ]أو بمعنى آخر ما استعمله أبو العلاء في لزومياته أو ما كان في فن الموشحات حين نجد قافية أو رويا يعاد بين الصدر و العجوز في منتصف الشطر أو يكرر في عدة أبيات بعد ذلك[ أو بكل بساطة كلمتان لهما نفس الإنتهاء الصوتي...

و بعد ذلك نقدر هل هذه التكافؤات الصوتية لها علاقة بالمعنى مؤثرة فيه وبهذا هل كلمتان على نفس الإنتهاء الصوتي يمكن أن يقيما علاقة دلالية بينهما؟...

أؤكد أن تحليل القصيدة على المستوى الصوتي حساس للغاية، لأنه ينبغي أن نتجنب كل الإنحرافات البارزة على مستوى المعنى الذي يمكننا أن نعطيها لبعض الأصوات.

بكل اختصار من الأولى أحيانا عدم تأكيد حماقات، و الإقتصار على رصد و ملاحظة هذه الأصوات دون إلصاقها بمعانٍ محددة ]من ذلك مثلا جعل مد ألف عنوانا للسوائل أو دليلا على كلمة ماء ![ !

2)علاقة التكافؤ على مستوى الوزن و البحر:

]علاقة التكافؤ في الشعر العربي على مستوى الوزن محددة على مستويين

مستوى البحر ومستوى التفعيلة، المشكل منته في الشعر الموزون من العمودي و الحر أما قصيدة النثر فلا تخضع لهذا التحليل. لكن رغم ذلك نجد أن اختيار الوزن أحيانا له دلالات معنوية، بينما أنه بإمكاننا استكشاف التكافؤات التي يمكن أن تتواجد مثلا برصد حركة التفعيلة و ما تحملته من تغيرات فإذا جاءت التغيرات متوافقة بين بيتين قد يكون لهما تقارب أو تضاد معنوي، كما يمكننا رصد عدد المتحركات و عدد السواكن بين الأبيات للبحث عن هذه العلاقة التكافئية…[

3) علاقة التكافؤ على مستوى المعجمي و الدلالي :

ثلاثة أوجه في هذا القسم

- كلمة تعاد مرة أو مرات مثل حبّ

- معاني متكررة مثل بحر، محيط ...

- علاقة دلالية بين كلمات مختلفة مثل ضوء، نور، شمس...

4) علاقة التكافؤ على المستوى النحوي و الصرفي :

التكافؤات النحوية و الصرفية قد تحيلنا كذلك على بعض العلاقات الدلالية

-التكافؤات التركيبية والموضعية:

. طبيعة الكلمة من جانبها النحوي( فاعل، صفة، مفعول به...)

. تراكيب الجمل: إسمية، فعلية ، ]تفيد الإستفهام أو التقرير أو التوبيخ أو الخبر[...

-التكافؤات المرفولوجية أو الصرفية :

- طبيعة الكلمة من جانبها الصرفي و من حيث دلالتها العامة على الفعل أو الإسم أو الحرف و كذلك دلالتها على الزمن و الجنس و العدد

ملاحظة:

بالطبع هذا النوع من التحليل يبقى قاصرا دون ملاحظة الصور البلاغية و الجمالية للأسلوب وهذه بعضها : التشبيه، المجاز، الكناية ، الطباق،] أنواع الإلتفات[... و غيرها...

التطبيق: قصيدة "ظل الأشجار في النهر الضبابي"-7- لبول فارلان-8-

ملاحظة أولية:

عمليا أقترح دائما تحليلا على درجتين، الأولى تعتمد على ملاحظة اللغة عبر التكافؤات الأربع التي رأينا مع دراسة لنظام الأسلوب في النص الشعري و الصور البلاغية فيه ثم في الدرجة الثانية نقترح تأويلا دلاليا للقصيدة من خلال ملاحظاتنا الأولى للغة الشاعر فنحن إذن ننطلق من اللغة لنصل في النهاية إلى معاني القصيدة.

القصيدة:



ظل الأشجار في النهر الضبابي

يموت مثل الدخان

بينما في الهواء من بين التشابكات الحقيقية

تشكو الحمائم.

كم أيها المسافر هذا المنظر الشاحب

جعلك شاحبا أنتَ نفسك

فحزينة تبكي في الأسقف الكثيفة الأوراق

أحلامُك الغرقى

1- علاقة التكافؤ على المستوى الصوتي: ] يلاحظ المحلل [هنا عدة تكرارات لبعض الحروف و المقاطع الصوتية لبعض الكلمات – الفرنسية- داخل المقطوعتين ثم ينتقل إلى الدرجة الثانية وهي

2-علاقة التكافؤ على المستوى الوزني: تكرار التفعيلة في البيت السابع على نسق واحد، وهو البيت الوحيد الذي نجد فيه هذا التناغم و لذلك لا يمكن أن نتحدث عن علاقة تكافؤ.

نلاحظ أن الأبيات الآحاد هي على وزن " الألكسندران"] أحد أوزان الشعر الفرنسي[، أما الأبيات الزوجية] أي الواقعة ضمن الترتيب الزوجي لعدد أبيات القصيدة[ هي من وزن " هِبتاسيلابيك"

كما نلاحظ أن الأبيات الزوجية تميل نحو أطروحات نوعا ما تشاؤمية: يموت، تشكو، الشاحب، الغرقى.

كما يمكننا أن نجد مفارقة بين البيتين الأوليين من الآحاد و البيتين التاليين لهما على المستوى الزمني بين المضارع في" تموت" و " تشكو" و الماضي في " جعلك ". فالبيتان الأوليان لا يحيلان إلى أي شخص أما الأخريين فلهما إحالات إلى كاف المخاطب و ضمير "أنت".

-3علاقة التكافؤ على المستوى المعجمي و الدلالي:

- تكرار كلمة: شاحب، تكرار هذه الكلمة مرتين يوضح العلاقة القوية بين المنظر الطبيعي الخارجي و الإبتآس الداخلي للشاعر .

- كلمات ذات معنى واحد: غير موجودة بالنص

- علاقات دلالية بين كلمات مختلفة:

.ظل، نهر، التشابكات، الكثيفة الأوراق: فإن الخط الدلالي الجامع بينها هو الطبيعة

.تموت، الغرقى: الخط الدلالي الجامع بينهما هو الموت

.النهر، الغرقى: الخط الجامع بينهما هو الماء

.الهواء، الأسقف: الخط الجامع هو العلو

. ظل، شاحب، الدخان: هذه الكلمات الثلاث تحيل على حاسة البصر

.دخان، شاحب: هاتان الكلمتان تستوجبان عدم وضوح أطر الأشياء( فالمنظر الطبيعي يبرز غير واضح الأطر).

.ظل، حقيقية: هاتان الكلمتان تمنحان تعارضا دلاليا بين المنعكس و الملموس...

-4علاقة التكافؤ على المستوى النحوي و الصرفي

بالطبع على مستوى هذه العلاقة لا يمكننا التطرق إلى كل المظاهر النحوية و الصرفية. يتعين علينا إذن استخراج العناصر الأكثر أهمية.

أ‌- التكافؤات التركيبة:

. وظائف الكلمة

. بناء الجمل

لا نجد شبه الجملة إلا في الأبيات ذات الوزن " ألكسندران": " في النهر الضبابي"، "من بين التشابكات الحقيقية"، "في الأسقف الكثيرة الأوراق".

فشبه الجملة الثالثة هو إعادة لشبه الجملة الثانية، كما نلاحظ وقوع العامل بين الفعل و الفاعل في شبه الجملة الثالثة لأجل خلق جو من الكآبة. ونلاحظ أن التركيب الأخير كان ينبغي له أن يجيء كالتالي:

"كأحلامك الغرقى

التي تبكي فوق الأسقف الكثيفة الأوراق ".

كما أن شبه الجمل هاته لها مكان ترتيبي واحد في البيت الشعري حيث ترد لتختمه، أما من الناحية النحوية و الوظيفية فهي متغيرة...

ب-التكافؤات المرفولجية " الصرفية ":

. طبيعة الكلمة

. التكافؤ المعتمد على الصيغ الصرفية المتعلقة بالزمن و النسبة و الجنس و العدد.

-ليس هناك أي تلميح لضمير المتكلم أو المخاطب في المقطوعة الأولى عكس ما نجده في المقطوعة الثانية " ك" و " أنت".

- في المقطوعة الأولى نجد زمن الأفعال من المضارع بينما هو في المقطوعة الثانية من الماضي، هذا الإنتقال إلى الخطاب و من المضارع إلى الماضي له علاقة بعمق و كثافة التعبير

-نجد المفرد يهيمن في الأبيات: 1-2-5-6-

- ونجد الجمع يهيمن في الأبيات: 3-4-7-8

كما نلاحظ أن الأفعال تميل إلى إيجاد عناصر تعيين إذا نظرنا إلى فواعلها: الظل يموت/ الحمام يهدل/ الأحلام تبكي.

ملاحظة:

من ناحية الأسلوب و البلاغة نلاحظ الصور التالية

- الظل يموت: مجاز] استعارة[

- الظل يموت مثل الدخان: تشبيه

- المنظر الطبيعي شاحب: مجاز ] استعارة[ جمع بين الإنسان والطبيعة، المسافر يرتسم بالطبيعة

- أحلامك تبكي: مجاز] استعارة [ تجمع ضياع الأماني بالسائل.

- الأحلام غرقى: مجاز] استعارة [ تجمع الحزن بموضوع السائل.

التأويل الدلالي للنص

في البدء: يرتسم منظر طبيعي

. ففي البيتين الأولين تبرز حاسة البصر، كما نلاحظ صورة الإنعكاس إلى التحت

] الأسفل [الشجرة تنعكس في النهر.

في البيت الثالث و الرابع يبرز صوت مملكة الحيوان "الحمائم تشكو" ( وفي هذه المرة نتواجد في الأعالي( داخل ديكور غير واضح المعالم، الأشياء تفقد دسامتها كل هذا متبوع بواقعية ذلك المنظر " التشابكات الحقيقية"

. أما البيتين التاليين فيبرز من خلالهما معنى السمع

بكل اختصار في المقطوعة الأولى يرسم الشاعر مناظر طبيعية في حاضر لا زمني ليس له علاقة بالأشخاص.

ثانيا: في المقطوعة الثانية تتحول المناظر نفسها و تتأول تأويلا يعود على دواخل الشخص، فمناظر الطبيعة تتحول لتعبر عن حالة شعورية بداخل الشخص.

المنظر الطبيعي الذي تكلمنا عنه في المقطوعة الأولى" شاحب" و انظر إلى المسافر كذلك هو

" شاحبا"

فالمنظر الطبيعي يعكس إلى المسافر صورة مؤسفة، تحيله على حقيقة صورته نفسه.

فحاسة البصر و درجة المستوى التحتي تبرز هنا من جديد. و في الأعالي نسمع من جديد صوت

" تبكي" هذا الصوت الذي يحيلنا على الحمائم من المقطوعة الأولى

باختصار:

العالم الخارجي ( المنظر الطبيعي من المقطوعة الأولى) قد تحول إلى مرآة للعالم الداخلي ( حين الإنتقال إلى المقطوعة الثانية)

فكلا المقطوعتين أنتج لنا نظام هذه الثنائيات: الواقع و السراب، التحت و الفوق، المسافر الذي يرى انعكاسه على الماء، المفرد و الجمع. كل ذلك من خلال مكان وزمان محملين بالإرتفاع و الدوار...

الهوامش:

· النص المترجم بكامله على الرابط التالي:

http://www.webzinemaker.com/admi/m6/page.php3?num_web=8526&rubr=2&id=245429، بتاريخ 05/فيفري/2005

وهو من إنجاز: الفرنسي" جان بيار لوكلار" (أستاذ اللغة الفرنسية و كاتب). نفس المرجع

*كل الكلام الذي هو بين هاتين القاطعتين [….]هو للمترجم



· بعض المصطلحات اللاتي تعرضنا لها من خلال الترجمة

-1-التكافؤ: ÉQUIVALENCE

- 2- تضاد دلالي: oppositions sémantiques

-3- خط دلالي: sème

-4- مقطوعة: strophe

-5- دلالية معجمية: lexico-sémantique

-6- صوتية: phonique

-7- القصيدة من ديوان الشاعر "رومنسيات بدون كلام" المطبوع إلكترونيا باللغة الفرنسية على هذا الرابط

http://www.florilege.free.fr/verlaine/romances_sans_paroles.html

-8- بول فارلان: شاعر فرنسي 1844/1896 من أنصار نظرية الفن للفن، و عدّ رئيسا للمدرسة التشاؤمية...( المرجع: المعجم الأنسكلوبيدي بالفرنسية، لاروس بورداس عام 2000 صفحة 1641

التداولية والنظرية النقدية"

"التداولية والنظرية النقدية"




د. معن الطائي




تهدف هذه الدارسة الى بحث امكانية توظيف التداولية منهجا للتحليل النقدي للنص الادبي يقوم الى جانب المناهج النظرية النقدية التي تتخذ من النظريات اللسانية الحديثة منطلقا لمرجعيتها المعرفية والاجرائية في تحليلها للنص.كما وتسعى الى الكشف عن الامكانيات التأويلية التي من الممكن ان يتيحها لنا التحليل التداولي ومدى فاعليته في اضاءة مستويات جديدة من النص الادبي لم تتمكن الدراسات الاسلوبية والشكلية والبنيوية من الوصول اليها ، ثم تحديد الفضاء المعرفي الذي من الممكن ان تكتسب فيه التداولية اهمية خاصة داخل النظرية النقدية لما يعرف بما بعد- البنيوية.

لقد كان للتطورات الحاصلة في حقل الدراسات اللسانية اثراً حاسماً على تبلور ما يعرف الان بالنظرية النقدية الحديثه. حيث حدثت القطيعة مع المناهج النقدية التقليدية مثل الرومانسية والانطباعية والطبيعية بدعوى تجاهلها لموضوعها النقدي، وهو النص الادبي، وانشغالها بعناصر واشكاليات خارج نصيه مثل السيرة الذاتية و الدراسات النفسية والاجتماعية.

لقد كان الحدث الاهم تاريخياً هو نشر دراسات العالم اللساني دي سوسير عام ( 1916) تحت عنوان (محاضرات في اللسانيات العامه) والتي ساهمت في وضع اسس نظرية جديدة للدراسات اللسانية، ثم توالى في الثلث الاول من القرن العشرين ظهور مدارس نقدية تعتمد على دراسة العناصر الداخلية للنص الادبي واقصاء اي حقائق خارجية. أهتمت تلك المدارس بالمستوى اللساني للنص على اعتبار انه المستوى الوحيد الذي من الممكن اخضاعه لشروط الدراسة العلمية المنهجية التحليلية والوصول الى نتائج يمكن التحقق منها علمياً واجرائياً والركون الى مصداقيتها. اذ ظهرت دراسات المنظرون الروس مثل (فكتور شكلوفسكي) و (بوريس اخنباوم) و (يوري تاينانوف) فشكلت اساس المدرسة الشكلية الروسية في الربع الاول من القرن الماضي. وفي الحقبة نفسها ظهر (النقد الجديد) في امريكا على يد عدد من النقاد الاكادميين امثال (كلينث بروك) و (روبرت مارن) و (جون بورسر) و (الن تيت). وقد كان لمؤلفات الناقد الانكليزي اي.أ. رتشاردز اثراً كبيراً على نقاد مدرسة النقد الجديد او ما يعرف بالنقد النصوصي، خصوصاً كتابه (معنى المعنى) المنشور عام (1922) بالاشتراك مع الناقد سي. كي.اوغدن. وشكلت حلقة براغ نقطة تحول هامة عن الاسلوبية والشكلية الروسيه. فقد انتقلت دراسات هذه الحلقة من مستوى الجملة او الوحدات الصغرى للمظهر الاسلوبي الفردي الى مستوى البنية الكلية التي تتضمن مستوياته التركيبية والصوتية و الدلالية.

وابرز ما اتفقت عليه تلك المدارس النقدية هو التركيز على دراسة (الادبية)، وهي مجموعة العناصر الشكلية الداخلية التي تجعل من نص معين نصاً ادبياً. وقد شاع مصطلح (الشعرية) بدلاً من الادبية بتأثير مباشر من كتابات (رومان ياكبسون)، وعرفت دراسته (بعلم الاسلوب الشعري ) التي تسعى الى اكتشاف قوانين النصوص الادبية على نحو عام (1). وخلال اكثر من نصف قرن من الزمان تزايدت الاتجاهات النقدية ذات المرجعيات الاسلوبية والشكلية والبنيوية وتراكم عدد كبير من الدراسات المهمة التي اخذت تشكل ارثاً علمياً رسم حدود واضحة لمقاربات نصوصية تحليلية وطرح اشكاليات جديدة دفعت بالجدل النقدي نحو درجات اعلى من العلمية والموضوعية. ولعل من ابرز الاسماء التي حققت لنفسها حضوراً متميزاً في هذا المضمار ، بالاضافه الى الاسماء المذكوره سابقاً، (جان كوهين) و (ميشيل ريفارتير) و (ستانلي فيش) و (رولان بارت) و (تودوروف) و (يوري لوتمان) و (ماكاروفسكي) و (جوليا كريستيفا).

وعلى الصعيد النظري استثمرت المدارس النقدية الحديثة التطورات الحاصلة على دراسة الجملة اللسانية بمستوياتها التركيبية والصوتية والدلالية. فقد تجاوزت الدراسات اللسانية الحديثة، من دي سوسير و بلومفيد الى تشومسكي، دراسة (المعنى) في الجملة بسبب عدم امكانية اخضاعه للدراسة العلمية الموضوعية كباقي العناصر الشكلية التركيبية للجملة، كما يقول تشومسكي(2). وعلى غرار تقسيم دي سوسير، اللساني الشهير، اللغة الى مستويين هما لغة ((Lang و كلام ( (Parl، قسم تشومسكي الدرس اللساني الى القدرة ((Competence والاداء ((Performance. وتمحورات دراساته العلمية حول المظهرالمادي للجملة ودراسة اللغة دراسة علمية بحته تتميز بالتجريد الشديد وتحليل المستويات التركيبية وكذلك اقسام الدماغ البشري التي تتدخل في عمليات فهم وانتاج الفعاليات اللسانية باعتبارها جزءاً من (القدرة). والتزم البنيويون الأمريكيون بهذا المستوى من الدراسات اللسانية وهو ما يعرف (بعلم القواعد التوليدية).

ومع ان معظم العلماء اللسانين قد اكدوا على دراسة المستويات المحسوسة المتجسده في اللغة، الا انهم لم يقصوا (المعنى) كمستوى متحقق من مستويات الجملة. فقد اشار اليه دي سوسير في دراساته، وجعله الفيلسوف الامريكي بيرس (1839-1914) مدخلاً لدراسته (علم العلامات)، وكذلك فعل العالم (بنفنست). وأقر تشومسكي بوجود مستويين متمايزين للجملة وهما (البنية السطحية) او الظاهرة التي تشير الى المستوى التركيبي او النحوي لها و(البنية العميقة) والتي ترتبط بالمعنى والدلالة. وكمحصلة للدرس اللساني النظري الحديث طرأ تحول جوهري على النظر الى (اللغة) وآليات دراستها وتحليلها. فأصبحت (اللغة) عند سوسير ولغويي براغ والبنائيين الامريكيين (هي نظام من العلاقات، او بمعني ادق مجموعة من الانظمة المترابطة فيما بينها، اذ لا تتمتع العناصر، الا صوات والكلمات، بأية قيمة مستقلة خارج علاقات التعارض او الترادف التي تربطها بالعناصر الاخرى، فيظهر هذه النظام النحوي المضمر في كل لغة من اللغات وعند كل المتكلمين بهذه اللغة) (3).

ومع سعي المدارس النقدية الحديثة في مطلع القرن الماضي نحو مقاربة علمية ومنهجية للنص الادبي، تحول الاهتمام الى دراسة النص باعتباره محصلة نظام من العلاقات المتشكلة في بنية ذات طبيعة شمولية. وقد اتفقت هذه المدارس ضمنياً على ان ( المادة الوحيدة التي يطرحها النص الشعري للتحليل هي لغته. هي وجوده الفيزيائي المباشر على الصفحة او في الفضاء الصوتي، ومن هنا كانت الامكانية الوحيدة لتحليل الشعريه في النص هي اكتناه طبيعة الماده الصوتية و الدلالية، اي نظام العلامات، وهي جسده وكينونته الناضجة والتي هي شروط وجوده ايضا)ً(4).

وتميزت مقاربة الدراسات التي قام بها نقاد المدرسه الشكلية والروسية للنصوص الادبية باهمال (المعنى) على غرار ما قامت به الدراسات اللسانيه، مثل تحليل رائد المدرسه الشكلية (شكلوفسكي) لنصوص ادبية متنوعة ومتباينة (كدون كيشوت) و (هاملت) ورواية الكاتب الانجليزي لورنس ستيرن (ترسترام شاندي)(5). واجرائياً اهتمت المدرسة الشكلية بدراسة ما يعرف (بالأنزياح الأسلوبي)، وهو عبارة عن خرق لمعايير الأستخدام الدلالي للكلمات التي ترد في لغة الحديث اليومي. ويؤكد علماء النحوعدم جواز حدوث الأنزياح على مستوى قواعدي او نحوي لانه خروج على المعيارية النحوية للغة. أما الأنزياح الدلالي فهو كسر شبكة العلاقات التقليدية التي تنشأ بين الكلمات خلال عملية استخدامها العادي ووضعها ضمن شبكة علاقات جديدة خاصة بالنص الادبي. (وقد حدده جان كوهين بانه انحراف عن معيار، هو قانون اللغة الاعتيادية او المألوف، يحمل قيمه جماليه... فهو خطأ ولكنه كما يقول برونو"خطأ مقصود")(6). ان المدرسة الشكلية بتأكيدها على مفهوم (الانزياح) والقيمة الجمالية، تشتغل على المستوى الدلالي من مستويات التحليل اللساني للجمله وليس النحوي أو التركيبي، ومنظورها الدلالي للكلمات يقوم على اساس انها علامات لا تعني شيئاً بذاتها وليس لها اهمية او دلالة خارج حدود شكبه العلاقات الداخلية التي تنشأ بينها داخل الجملة او النص الادبي.

وظل مفهوم الدراسات الاسلوبية والشكلية مقتصراً على تحليل المميزات الاسلوبية للنص عن طريق دراسة الجملة. وحتى دراسات الناقد (ميشيل ريفاريتر) الاسلوبية الحديثة في سيميائيات الشعر لم تتجاوز المظاهر التركيبية و النحوية والدلالية للنص الادبي.

ان ظهور مدرسة براغ وطرح ياكبسون لمفهوم (الشعرية) قد ساعد على الانتقال من مستوى الجملة الى مستوى البنية، فبينما اقتصرت الاسلوبية والتشكلية على المستوى الفردي للتجربة الادبية والبعد الدلالي متداخلاً مع التأثير الانفعالي في نفس المتلقي، قامت حلقة براغ، والدراسات البنيوية من بعدها، بالانتقال الى المستوى النحوي العلائقي والنزوع نحو البنية كنظام شمولي من العلاقات الداخلية بين عناصر النص الادبي، وبذلك ظهرت سلسلة من الدراسات التي تبحث في المستوى الهيكلي العام لنوع معين من النصوص الادبيه، ولعل اوضح مثال على ذلك النوع من النشاط النقدي النظري الدراسات النقدية السردية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الماضي.

فقد وجد نقاد السردية، وهي فرع من فروع الشعرية، ان هناك تماثلاً بنيويا بين عناصر النص وعناصر الجملة على المستوى التركيبي(7). وقاموا بدراسة (الخطاب السردي)، وهو يقوم على اقصاء اي مستوى من مستويات (المعنى) او المضمون وتحليل هيكلية البناء السردي شكلياً والكشف عن طبيعة العلاقات الداخلية التي تربط بين عناصر السرد، فاطلق على هذه النوع من الدراسات (بالسردية اللسانية) و أهم ممثليه جيرار جينيه و رولان بارت و تودوروف. وقد ظهر حقل مقابل من الدراسات السردية حاول اعادة الاعتبار الى اهمية الدلالة والمعنى بالاضافة الى التحليل النبائي، ويعرف هذا الاتجاه (بالسردية السيميائية)، و يهتم هذا التيار (بسردية الخطاب، من خلال عنايته بدلالاته، قاصداً الوقوف على البنى العميقه التي تتحكم به، ومتجاوزاً المستوى اللساني المباشر. ويهدف هذا التيار الى تقديم قواعد وظائفيه للسرد. ومن ابرز اقطاب هذا الاتجاه (فلاديمير بروب) و (كلود بريمون) و(غريماس)(8). وبذلك يكون من اهم اهداف الدراسات السردية بشقيها، البنيوي و السيميائي، هو الكشف عن مجموعة القوانين العامة التي تتحكم بانتاج الجملة وهي ما يعرف (بقواعد اللغة).

وبذلك تكون المدرسة الاسلوبية والشكلية والبنيوية قد تحركت وبشكل متناظر مع اتجاهات البحث اللساني بين المستويات المختلفة للجملة التركيبي والصوتي والدلالي. غير ان كل تلك المناهج اللسانية والنقدية لم تستطع تجنب الأشكالية الأهم في الحديث عن علاقة الدلالة بالسياق.

لقد اقصت الدراسات الحديثة اللسانية والنقدية السياق من دراستها لمستويات الجملة.وقامت بعزل الجملة او النص عن السياق ووضعها بين اقواس نظرية تمهيداً لتحليلها علمياً. ومع تراكم الدراسات وتنوع مجالاتها اللسانية، وصل البحث العلمي الى الضفاف نفسها التي غادرها من بدايه القرن الماضي. ولكنه اصبح الان يتمتع بمعرفة منهجية واسعة وعميقة وشاملة تمكنه من استثمار انجازاته المعرفية في فهم الاشكالية التي تواجهه. اصبح من الواضح ان على المنهج النقدي واللساني الحديث ان يخوض في مستوى جديد من مستويات الجملة وهو مستوى حاسم على صعيد تحديد الدلالة وفهم تحولاتها وتغيراتها. هذا المستوى الجديد هو الذي يطلق عليه (التداولية).

في الستينيات من القرن الماضي تسارعت التطورات الحاصلة في مجال الدراسات اللسانية وطرحت فكرة امكانية دراسة (المعنى) في اطار نظرية لغوية شكلية. ولقد أنجزت البدايات على يد الفلاسفة وليس علماء اللغة. فقد شكلت دراسات (أوستن) 1962 و (سيرل) 1969 نقطة تحول هامة. ومع بداية السبعينيات من القرن الماضي بدأ العلماء اللغويون أمثال (لاكوف) و (فرث) و (هاليدي) التوسع بدراسة اللغة منتقلين من العناصر النحوية و التركيبية في الجملة الى دراسة المعنى و السياق. ثم توالت الابحاث مع (جرايس) 1975 و (جيوفري ليتش).

الاشكالية من الناحية اللسانية كانت في أمكانية ادخال دراسة (المعنى) في حقل الدراسات اللغوية الحديثة بشكل عام. وبعد أن قبل تشومسكي، من خلال دراسته، للغموض و المرادفات في اللغة، ادخال و دراسة المعنى كجزء من البنية اللغوية الاساسية للجملة، لم يعد بالامكان تجاوز السياق، وبذلك قادت الدراسات المتعلقة بالمعنى أو مايعرف بعلم المعاني (Semantics) الى الدراسات التداولية (Pragmatics)(9).

لقد وضع تشومسكي أساس المدرسة البنيوية الأمريكية وشكلت أعماله أقوى الخطوط الدفاعية النظرية لتلك المدرسة التجريدية. غير أن الكثير من الدراسات بدأ بالظهور مهاجما و ناقدا لتصورات تشومسكي اللسانية. فقد نقضت الدراسات السوسيولسانية (Sociolinguistics مفهوم الناطق المثالي للغة ( Ideal Native Speaker). و أكدت الدراسات السايكو- لغوية ((Psycholinguistics على عملية التطور في اللغة، على العكس مما ذهب اليه تشومسكي، ورفضت نظريات تحليل الخطاب و تحليل النص التقيد بقواعد الجملة عند تشومسكي. بينما أظهر تحليل المحادثات اللغوية اهمية البعد الاجتماعي في دراسة اللغة.

وجاءت الدراسات التداولية لتبتعد كثيرا عن نظريات تشومسكي من خلال دراسة المعنى المتداول في الجملة بدلا من المعنى المجرد للمفردات المكونة للجملة. ويفترض العالم اللساني (ليتش) أن دراسة النحو ( النظام الشكلي المجرد للغة) و التداولية (دراسة اللغة على أساس ا لتداول او التخاطب) هما حقلان متكاملان في الدراسات اللغوية وليسا متعارضين تماما (10).

ويعتمد التفسير التداولي على المظاهر الأتصالية للغة، فبينما تكون التفسيرات النحوية شكلية أساسا تتحرك التداولية على المستوى الادائي ( (Functional للجملة. ويعرف (المعنى) في التداولية بالأحالة على المتكلم او مستخدم اللغة، بينما يعرف (المعنى) دلالياً عند المدارس الشكلية و البنيوية على أنه احدى خصائص الجملة في لغة معينة و بصورة مجردة عن اي موقف معين او متكلم او مستمع (11).

وهذا التطور التداولي (للمعني) لا يفترض تلازما بين (الشكل النحوي لمنطوق ما وما يحققه من حدث كلامي. فالجمل المتماثلة نحوياً يمكن ان تعبر عن احداث كلام متعددة وبالمقابل، فحدث كلام معين يمكن تحقيقه في اكثر من شكل).على حد قول هايمز. و بذلك يصبح المعنى كامناً في السياق التداولي وليس خصيصة داخلية للجملة. ولتوضيح ذلك يتساءل العالم الرياضي واللساني الشهير(فيثغشتاين) (هل بأمكاني ان اقول bububu وانا اود القول انه اذا لم يكن الجو ماطرا، فأنني ساخرج في نزهة) ويجيب: "داخل اللغة وحدها نستطيع التعبير عن شيء من خلال شيء اخر" (12). ان التداولية تتجاوز محددات الدلالة الى دراسة مدى امكانية الكشف عن قصدية المتكلم من خلال احالة الجملة الى السياق التداولي لمعرفه مدى التطابق او اللاتطابق بين دلالة الجملة لسانياً وظروف السياق، ومثلما درست النظريات اللسانيه السابقه مستويات الجملة التركيبية والصوتية والدلالية للكشف عن مجموعه القوانين العامه التي تتحم بتحديد دلالة المنطوق سياقياً. وقد حاول كل من (جرايس)و (ليتش) وضع قواعد للتأدب والمخاطبه والمحاورة مستمدة من السياق الاجتماعي والثقافي وتتجسد لسانياً من خلال المنطوق. وان أي خرق أو كسر لمجموعة القوانين السياقية ينتج عنه عدم التماثل بين المنطوق والسياق، وهو ما يسمى بانعدام الملائمه السياقيه. ان ما يحدث في حالة غياب الملائمة السياقيه وهو (خطأ تداولي)، وهذا الخطأ لا يخرق قوانين صوتية او نحوية او دلالية وانما يحصل نتيجة خرق احدى مبادئ محددات السياق الاجتماعية والثقافية. وحتى يتوافر عنصر التطابق بين المنطوق والسياق يجب تأمين عدة شروط تعطي للمنطوق قوته الادائية. فالكلام بالنسبة للتداولية ليس مجموعة جمل متراصفة مع بعضها ولكنه (حدث)، والتداولية بذلك تنقل حقل دراستها من القدرة (Competence) الى الاداء (Performance) بحسب تقسيم تشومسكي. ويرى (سيرل) ان اللغة سلسلة احداث في العالم وكان أول من وضع ما يعرف (بافعال لكلام) (Speech Acts) وتحدد نظرية افعال الكلام ثلاثة مستويات لكل منطوق؛ وهي (فحوى الكلام) (locution) ومقصد الكلام (Illocution) (اثر الكلام) (per locution). وكل منطوق مهما كان يتحدد بهذه المستويات الثلاثه والسياق الذي يحيط بها. ولتوضيح ذلك يورد العالم اللساني (ديفيد كريستال) المثال الاتي في موسوعته: ( اذا نطلق احدهم بجملة "اغلق الباب" فهذا يجب ان يتضمن على صعيد السياق أن الشخص المتكلم أعلى مرتبة من المستمع، وأن الباب في الغرفه مفتوح اساسا، وأن المستمع بوضع جسدي يمكنه من القيام بفعل غلق الباب)(13). اذ أن خرق أو غياب أي واحدة من تلك المحددات السياقية سيحدث حالة من اللاتطابق بين المنطوق والسياق ومن ثم يحدث ما يمكن تسميته (بالأنزياح السياقي) فمثلا في حاله التطابق السياقي يصبح المنطوق (أغلق الباب) جملة فعية أمرية عادية ، وفي حالة كون:

أ- المتكلم اقل مرتبة اجتماعية او تراتبية معينة من المستمع فعندها تصبح جملة اغلق الباب ذات مقصدية خاصة تشير الى خرق في قواعد التأدب وتدل على نوع من الأهانه أو التحقير.

ب- الباب مغلق اساسا من قبل لحظة النطق بالجملة، عندها يشير الخرق السياقي الى انحراف في دلالة الجملة نحو قول ذي مقصديه مغايره لغلق الباب. وقد يكون مقصد المتكلم "اغلق الموضوع"او "توقف عن الحديت بهذا الموضوع" مثلاً.

جـ- المستمع في وضع لا يسمح له بالقيام بفعل غلق الباب، فقد يكون مقيداً او لا يستطيع التحرك لسبب ما. عندها ايضاً يشير اللاتطابق الى خرق سياقي او انحراف يتمثل في وجود مقصدية مغايرة لدلالة المنطوق الحرفية.

وهنالك جمل لا تكتسب دلالتها الا من خلال مكانة الشخص المتكلم، مثل اعلان الحرب او اقامة صلاة او الحكم على متهم، وعند غياب الشخص المناسب اجتماعياً او دينياً او قانونياً او سياسياً يصبح المنطوق مفرغاً من الدلالة.

ان كل ما سبق ذكره عن التداولية في هذه الدراسة كان قد ورد في العديد من الدراسات والكتب اللسانية سواء باللغة الانكليزية او العربية، وان كان حقل التداولية ما زال يعد حقلاً جديداً على صعيد الدراسات اللسانية العربية. غير ان ما تحاول ان تنفرد به هذه الدراسة هو كيفية نقل آليات التحليل التداولي من المستوى اللساني او المجرد الى المستوى الادبي. يوجد هناك عدد من الدراسات في اللغة الانكليزية، و ان كان محدودا جدا، قد تطرق لتطبيقات التداوليه على النصوص الادبيه (14)، وقام النقاد واللغويون في تلك الدراسات بتطبيق نظريات التواصلية اللغوية والوظائفية (Communicative and Functional)على النص السردي وعلى مستوى الجملة. اما ما تقترحه هذه الدراسة فهو الانطلاق من نفس مبادئ (الشعرية) كما جاءت عند جان كوهين، وهي عبارة عن (خصيصة علائقية، أي انها تجسد في النص لشبكة من العلاقات التي تنمو من مكونات اولية سمتها الاساسية ان كلا منها يمكن ان يقع في سياق اخر دون ان يكون شعرياً، لكنه في السياق التي تنشأ فيه هذه العلاقات، وفي حركته المتواشجة مع مكونات أخرى لها السمة الاساسية ذاتها يتحول الى فاعلية خلق شعرية)(15).

ابتداء تقر الدراسة بوجود شبكة علاقات داخليه بين عناصر النص، الذي يعادل الرسالة او(فحوى الكلام) (locution)، غير ان هذه الرسالة لا تحمل اي (معنى) محدد بذاتها الا بعد موضعتها في سياق تداولي يتضمن المتكلم (المؤلف) او المستمع(المتلقي)، وبذلك يتوافر العنصران الاخران (مقصد الكلام) (Illocution) وأثر الكلام (Per locution).

ويبدأ التحليل التداولي نقدياً من البحث عن حالة لا تطابق بين المنطوق و السياق او مايعرف بغياب المواءمة. وهي هنا ان وجدت تمثل (انزياحا سياقيا) (Contextual Deviation) يماثل (الانزياح الدلالي) الذي تدرسه الدراسات الاسلوبية والشكلية على انه خطأ مقصود ذو قيمة جمالية فائضة. وبذلك يصبح (الانزياح السياقي) مصدر (الفجوه:مسافه توتر) على حد وصف الناقد الدكتور كمال ابو ديب، ويمكن ان يصبح الانزياح السياقي مؤشراً لقياس مدى الشعرية في النص الادبي تماما مثلما يكون الانزياح الدلالي مؤشراً جمالياً.

ومثلما اكد هايمز على عدم الترابط الشرطي بين التركيب النحوي للمنطوق ومايحققه من حدث كلامي، نستطيع القول ان الأدبية او الشعرية (ليست خصيصة في الاشياء ذاتها بل في تموضع الاشياء في فضاء من العلاقات. بدقه اكبر:لا شيْ يمتلك الشعرية، ماهو شعري هو الفضاء الذي يتموضع بين الاشياء)(16). اي بدلاً من اي يكون النص شعرياً يصبح السياق التداولي هو الشعري. وبهذا يكون حتى الانزياح الدلالي الذي ركزت عليه الدراسات الاسلوبية والشكلية كمعطى جمالي ليس خصيصة داخلية في النص. فتحديد جمالية النص يخضع لمعيارية ذوقيه ذات مرجعيات اجتماعيه وثقافيه وفرديه. وهذه المعيارية تتشكل في كل عصر بشكل مختلف ومن اتخاذ التحليل التداولي منهجياً نقدياً تطبيقياً يمكن ان نعيد ادخال السياق الى التحليل النصوصي وذلك بعد ما تم اقصاءه من النظرية النقدية للنقد الجديد والدراسات الشكلية والبنيوية لوقت طويل. فقد اطلقت عليه الشكلية الروسية (ميتافيزيقيا النص) واستبعدت امكانية دراسته دراسة علمية موضوعية. كما ويمكن ردم الفجوه القائمه بين النقد النصوصي والنقد السياقي.اي بين الشكلية والبنيوية وبين الدراسات الماركسية والتاريخية الجديده والتحليل النفسي.

وقد يتبادر الى ذهن القارئ ان وجود مثل تلك المدارس النقدية السياقية التي تؤكد على الظروف التاريخية والاجتماعية والنفسية لا يدع جديداً امام التحليل التداولي، اذ ان تلك المناهج النقديه قد سبقت التداولية بالتأكيد على السياق بوقت طويل، غير ان الجديد الذي تطرحه التداولية باستخدامها منهجاً نقدياً هو دراسة السياق انطلاقاً من التحليل اللساني للنص.

فالتداولية لا تتجاوز مبدأ دراسة المظهر الفيزيائي للنص الذي يتجسد من خلال اللغة، ولكنها تتحرك الى مديات ابعد من الدلالة المباشرة للكلمات المكونة للمنطوق. اي ان التحرك التداولي ينطلق من النص لسانياً الى الكشف عن الانساق الثقافيه والفكريه التي تشكل سياق النص.

وتقترح هذه الدراسه كذلك امكانيه اشتغال التحليل التداولي ضمن الفضاء النقدي المعرفي الخاص (بالنقد الثقافي). اذ ان التداولية تهتم بالكشف عن قصدية المتكلم ، كما سبق ان ذكر، وفي حالة دراسة النص الادبي فان المؤلف يحل محل المتكلم في السياق التداولي. وتقوم الدراسات التداولية النقدية باعادة الاعتبار ( لقصدية المؤلف) كأحد اهم منطقات التحليل التداولي. ان التأمل المعرفي لما هية (قصديه المؤلف) يحيلنا الى (منطقة الوعي) عنده كفرد عاقل يقوم بانجاز فعل(وهو انتاج النص الادبي). وقد اكدت الدراسات الايديولوجية والماركسية الجديدة والمادية الثقافية والتاريخانية الجديدة والنسوية جميعها على اشكالية مركزية، وهي خضوع وعي الفرد في مجتمع معين وفي لحظة تاريخية معينة لسلطة الخطاب المؤسساتي والذي يمارس هيمنة تتمثل في سلطة الاقصاء والتهميش لبعض المقولات والمبادئ والانساق الفكرية والثقافية التي تعارضه. واذا سلمنا بذلك ندرك ان مصطلح (قصدية المؤلف) يصبح محدوداً جدا من الناحية الثقافية وان الخطاب الثقافي المهيمن او الانساق الثقافية العامة تصبح هي المؤلف الحقيقي. ويشير الدكتور الغذامي الى دور الخطاب المؤسساتي في (ترويض الجمهور ودفعهم الى القبول بالانساق المهيمنه والرضى بالتمايزات الجنسية والطبقية) (17). ان التطابق او الانسجام بين المنهج النقدي التداولي والنقد الثقافي لا يقتصر على صعيد التحليل النظري المنطقي ولكن يتعداه الى المصطلحات المستخدمه نفسها. (فسيرل) يعتبر اللغة سلسلة احداث. اي ان الجملة هي حدث كلامي. بينما يعرف النقد الثقافي النص الادبي على انه حادثة ثقافية (18). للنص اثر فاعل على المستوى الثقافي و الذهني للمتلقي يمثل ما يسمى (اثر الكلام) (Per locution)، بينما تتجاوز مقصدية النص القصدية المباشرة للمؤلف (Illocution)، اذ يكون وعي المؤلف جزءا من الوعي الجمعي لطبقته ومجتمعه الواقع تحت هيمنة خطاب مؤسساتي ما، كما أكد ميشيل فوكو.

ومما سبق يمكننا ان نقترح باطمئنان الفضاء النقدي الثقافي مجالا لاشتغال اليات التحليل النقدي التداولي للنص. وبذلك يمكن للتداولية مساءلة النص الادبي تماما كما تصور الناقد المابعد-بنيوي (جوثان كلر)(19). أي ان بامكاننا احلال التحليل التداولي كآلية منهجية علمية محل التأويل المضاعف عند (كلر) لضبط عملية التأويل الحر والاعتباطي مع التمتع بنفس الفاعلية على مساءلة النص الادبي والانتقال من المستوى الدلالي المقيد للتأويل الطبيعي الى مستوى السياق الثقافي والتاريخي والاجتماعي.





المراجع:

ا- د. بشرى موسى صالح :"المرآة والنافذة"، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2001، ص16.

2- Geoffrey n. Leech: "principles of pragmatics", Longman 1983, p1

3- نصر حامد ابو زيد وسيزا قاسم (اشراف): "مدخل الى السيميوطيقيا- مقالات مترجمة ودراسات"، دار الياس العصريه- القاهرة، ص354.

4- كمال ابو ديب: "في الشعريه"، مؤسسة الابحاث العربية، ط/لبنان 1987، ص 15

5-Fredric Jameson: "The prison-house of Language", Princeton university press, Princeton n.j.1972, p71

6-د. بشرى موسى صالح: "المرآة والنافذة"، ص13.

7-Roger Fowler: "Linguistics and the Novel", Routledge 1985, p123

8- د. عبدالله ابراهيم:"المتخيل السردي:مقاربات نقديه في التناص والرؤى والدلالة"، المركز الثقافي العربي ط/،199 ،ص 146

9-, p2. "Geoffrey. N. Leech: "Principles of Pragmatics

10-Ibid, p5

11- Ibid, p6

12- أمبرتو ايكو: "التأويل بين السيميائيات والتفكيكيه"، ترجمة سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي ط/2000 ،ص187

13-David Crystal:" Cambridge Encyclopedia of language", p121

14-راجع مثلا:

- Teun A. Van Dijk: "Pragmatics of Language and Literature".

- Richard J. watts: "The Pragmalinguisic Analysis of Narrative Texts"

15- كمال ابو ديب: "في الشعرية"، ص14

16- نفس المصدر، ص58

17- د. عبدالله الغذامي: "النقد الثقافي ، قراءة في الأنساق الثقافية العربية"، المركز الثقافي العربي ط/2001، ص 22.

18- نفس المصدر ص 56

19- أمبرتو ايكو: "التأويل بين السيميائيات والتفكيكية"، ص179.


 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...