الخميس، 13 ديسمبر 2012

رياضة "الطبلة" في الشعر الأندلسي

رياضة "الطبلة" في الشعر الأندلسيفي عصر بني الأحمر
الدكتور صلاح جرّار/ الجامعة الأردنية
مقدمـة:
دعاني إلى إعداد هذه الدراسة داعيان: أولهما: الكشف عن رياضة أندلسية شاعت في غرناطة في عصر بني الأحمر (635هـ- 897هـ/ 1238م - 1492م) لم يرد لها وصفٌ إلا في عددٍ من قصائد الشعراء الأندلسيين، ولم يصفها أيٌّ من المؤرخين القدماء، ولم يدرُسْها أيٌّ من الدارسين المحدثين.
وثانيهما: أن الدارسين الذين درسوا الشعر في زمن بني الأحمر، أو درسوا شعر أي من الشعراء الذين وصفوا هذه الرياضة، تجنبوا التعرّض للأبيات التي تصف تلك الرياضة، لأن أحداً من هؤلاء الدارسين لا يستطيع أن يعرف صفات تلك الرياضة من خلال قصيدة بمفردها، إذ لا بد من جمع مختلف القصائد التي وصفت الرياضة وإخضاعها للمقارنة من أجل استجلاء صورة هذه الرياضة، وهو ما تهدف إليه هذه الدراسة. وأما من استوقفته هذه الرياضة من الباحثين فقد وقف حائراً بين يديها، كما فعل إميليو غارسيا غومس في كتابه "مع شعراء الأندلس والمتنبي"() حين قال: "إن هذه اللعبة غامضة"؛ وكما فعل محقق "أزهار الرياض" في تعريفه "الطبلة" بأنها بعض آلات الحرب()، معتمداً في ذلك على معجم دوزي.
وقد عثرتُ على ثماني مقطوعات شعرية متفرّقة في وصف هذه الرياضة، وردت كل مقطوعة منها ضمن قصيدة مطوّلة في وصف الاحتفالات التي كان يقيمها ملوك بني الأحمر في المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية المختلفة في غرناطة، وهذه القصائد لخمسة من شعراء غرناطة في عصر بني الأحمر. وقد جعلتُ هذه المقطوعات الثماني في ملحق في آخر هذه الدراسة، وجعلتُ لكل مقطوعة رقماً، وأشرتُ في أثناء الدراسة إلى كل مقطوعة برقمها.
وقد اختلفت المصادر الأدبية في اسم هذه الرياضة فبعضهم أطلق عليها اسم "الطّلْبة" وبعضهم سماها "الطَّبْلة" بتقديم الباء على اللام، وقد آثرتُ إرجاء البحث في اسمها إلى حين الانتهاء من التعرف على ملامحها وأصولها ومبادئها كما وردت في المقطوعات المذكورة، لأن معرفة مبادئ هذه الرياضة تساعد على معرفة سبب تسميتها. وتتناول هذه الدراسة، فضلاً عن ذلك صلة هذه الرياضة بغيرها من أنواع الرياضة السابقة واللاحقة.
مبادئ اللعب:
العناصر الأساسية في هذه الرياضة هي: الهدف، والرامي، وما يُقْذَف به الهدف. ويستطيع الباحث من خلال تأمل المقطوعات الشعرية التي تصف هذه الرياضة ومقارنتها بعضها ببعض، أن يستخلص صورة للهدف وطريقة نصبه في الهواء، وصفات العصيّ أو السهام التي كان يُقْذَفُ بها، وهيئة اللاعب الذي كان يقذف الهدف بالعصيّ، وشروط الفوز والخسارة، إلى غير ذلك مما يتصل بمبادئ اللعب وأصوله.
الهـدف:
يشكل الهدف أساس هذه الرياضة، وتتجه أكثر الأبيات التي تصف هذه الرياضة إلى وصف الهدف، فمثلما كان هذا الهدف محط أنظار الرماة والمتفرجين ومحط رحال العصيّ التي تُقْذَفُ نحوه، فكذلك نال النصيب الأوفر من اهتمام الشعراء الذين وصفوا هذه اللعبة؛ فأشاروا إلى المادة التي صُنع منها الهدف، وطريقة إعداده، ثم الصورة التي يصبح عليها بعد إطلاقه في الفضاء.
وتتفق القصائد التي تصف هذا الهدف، على أنه هدفٌ خشبيّ يُجعل في مكان مرتفع جداً من الفضاء، وهذا ما نصّ عليه لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة ونقله عنه المقري في نفح الطيب، حيث يقول ابن الخطيب في التقديم لإحدى قصائده: "وقولي في امتداح سلطاني لما احتفل لإعذار ولده، واستركب الفرسان لمزاملة الهدف الخشبي المتخذ في الجو المسمى بالطبلة ..." ().
ويشير ابن الخطيب إلى أنها مصنوعة من الخشب حيث يقول():
وطاعنةٍ نحْـرَ السُّكاكِ أعانهـا     على الكونِ عِرْقٌ واشجٌ ولحًى سبْطُ
(والسُّكاك: الجوّ، والعرق الواشج: المتداخلُ المتشابك الملتفّ، والسَّبْط: نقيض الجعد)().
فالهدف، على ذلك، مأخوذٌ من الشجر من ساقٍ قوية ملتفّة ذات لحاء أملس، ليساعدها ذلك على الانطلاق في الفضاء عند إرسالها فيه.
ويشير ابن زمرك الصريحيّ إلى هذا الأصل الخشبيّ للهدف، حيث يقول():

وقد أُرْضعَتْ ثَدْيَ الغمائم قبلها
فلمّا أُبينَتْ عن قرارة أصلها
بحجر رياض كنَّ فيه نواشيا
أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا

ويقول في قصيدة أخرى مشيراً إلى صلة الرحم بين الهدف والسهام التي تطلق عليه():

تراوغها طوْراً وطوْراً تضيفها
وبالأمس كانت بعض أغصان دوحها
فحنَّت إلى أوطانها وتسابقت
فسامٍ لأعلى مرتقاها ونازلُ
فنقّلها عنها على الرغم ناقِلُ
تعاود مسراها بها وتواصِلُ

ويقول ابن زمرك في المعنى ذاته في مخمسةٍ له():

وقد قذفَتْها للعصيّ حواصِبُ
تزاوَرَ منها في الفضـاء حبائـبُ قد انتشرَتْ في الجوّ منها ذوائبُ
فبينهمـا مـن قَبْـل ذاكَ مَناسِـبُ   
لأنّهمـا في الـروض قبـلُ تولَّـدا   
بناتٌ لأُمٍ قد حيين بروحها
فأقلامهـا تهـوي لخـطٍ بلَوْحهـا دعاها الهوى من بعد كتْم لبَوْحِها
فبالأمس كانت بعْضَ أغصانِ دوْحِها   
فعادت إليها اليوم مـن بَعْدُ عُوَّدا
وهذه الصلة بين الهدف الخشبي وبين السهام التي تطلق عليه، كما بينها الشعراء تؤكد أن الهدف كان يؤخذ من ساق الشجرة بينما كانت السهام تؤخذ من الفروع الصغيرة، فالعلاقة بين الهدف والسهام علاقة الأصل بالفرع وعلاقة الأم بأبنائها، فلذلك صوّر الشعراء إقبال السهام على الهدف بأنه كإقبال الأبناء على أمهم، ولذلك يصف ابن فركون هذه العلاقة بقوله():

تحنُّ إليها الذابلات فترتمي
فروعاً يرينا الأصل كيف اجتذابُها

وبعد أن يُسْتأصَلُ الهدفُ من سيقان الشجر محكمة الالتفاف والتماسك ملساء اللحاء، كانت تجعل على شكل أسطوانة ذات طول مناسب، فيُدَبَّبُ رأسُها ليساعدها على الانطلاق عالياً في الفضاء، وكانت تجوَّفُ بحيث تبقى كالأسطوانة الفارغة أو كالطبلة، وكانت الغاية من تجويفها أولاً لتخفَّ حركتها في الفضاء فتنطلق سريعاً، وثانياً لكي تحطّ السهامُ في جوفها عندما تصيبها. ولعلّ وصف لسان الدين بن الخطيب لهذا الهدف بقوله "وطاعنةٍ نحر السُّكاك"() يشير إلى كونها مدببة الرأس، أما تجويفها فتدلُّ عليه أبياتٌ كثيرة منها قول لسان الدين بن الخطيب():

تلقَّفُ حيّات العصيّ إذا هوت
فثعبانُها لا يستتمُّ له سرْطُ

ولا يستطيع هذا الهدف أن يتلقف العصيّ الصغيرة لولا أنه مجوّف ومفتوحٌ من بعض جوانبه، ولعلنا نستطيع من هذا البيت ومن خلال العلاقة النسبية بين الثعبان والحيات الصغيرة التي يبتلعها أو يسرطها أن نتصور العلاقة النسبية في حجم الهدف الخشبي والعصيّ (السهام) التي تطلق عليه، وأطوالها.
ويستطيع الدارس أن يتصور حجم ذلك الهدف قياساً على ما يستطيع تجويفه من استيعاب للعصي التي تطلق عليه، ويظهر مدى استيعاب الهدف للعصي من خلال البيت السابق:

تلقَّفُ حيّات العصيّ إذا هوت
فثعبانُها لا يستتمُّ له سَرْطُ

ومعنى ذلك أنه مهما دخل إلى جوف ذلك الهدف من العصي فإنه لا يكاد يمتلئ(*) ويقول ابن زمرك():

فخفَّتْ إليها الذابلاتُ كأنها
حكت شبهاً للنحل والنحلُ حوله
طيورٌ إلى وكْرٍ أطلْنَ تهاويا
عصيٌّ إلى مثواه تهوي عواليا

فهو يشبّه الهدف تارة بوكر الطيور الذي تُتابعُ الطيورُ الدخولَ فيه، وتارة بخليّة النحل، والعصيّ حوله كالنحل حوله خليّته.
ويقول ابن زمرك من مقطوعة أخرى مصوراً دخول العصيّ في الهدف():

وتنتابها هيفُ العصيّ كأنها
تراوغها طوراً وطوراً تضيفُها
سهامٌ وعاها للرميّة نابلُ
فسامٍ لأعلى مرتقاها ونازِلُ

ويقول ابن فركون يصف الهدف وهو يتلقف العصيّ():

كأن طيوراً في ذرى الجو حوَّمَتْ
تقيم إذا لاقى الأمانَ ارتياعها
وثابَتْ لأوكارٍ بهن وثابها
ورتبما عنها ثناها ارتيابُها

أما فتحات ذلك التجويف فيخيل لي أنها كانت جانبية، وهذا ينسج مع تشبيه الهدف بوكر الطيور وخلّية النحل والثعبان، ويساعد هذا أيضاً على بقاء العصيّ أو السهام داخل الهدف في حالة إصابته، فأما إن كانت الفتحة في طرف الأسطوانة الخشبية لما تمكن الرماة من إطلاق سهامهم عليه، ولما استقرت داخل الهدف بل ترجع إلى الأرض بفعل الجاذبية. ويستفاد من تصوير الشعراء للهدف أن هذه الفتحات صغيرة كالثقوب.
ويفهم من المقطوعات التي بين أيدينا أنّ الهدفَ كان يُدبّبُ من رأسه وتثقب حول الرأس المدبّب ثقوبٌ تجعله أشبه بالبرج الصاعد إلى السماء، ويصفُ ابن زمرك هذا الرأس المدبّب بقوله():

وحصنٍ منيعٍ في ذراه قد ارتقى
كأنّ بروج الأفق غارت وقد رأت
فَأنشأتَ بُرْجاً صاعداً متنزلاً
فأبعد في الجوّ الفضاءِ المراقيا
بروج قصور شِدْتهنّ سواميا
يكون رسولاً بينهنّ مُداريا

ويقول من مقطوعة أخرى():

وبرج منيف في ذراها قد ارتقى
لتُرْفَعَ منه للبروج الرسائلُ

ويقول من مقطوعة ثالثة():

ويا رُبَّ حصنٍ في ذراها قد اعتلى
بروج قصـور  شِدْتَهـا متطـوّلا أنارَتْ بُروجَ الأفْق في مظهر العُلا
فأنشـأتَ برجـاً صاعـداً  متـنزلا   
يكـون رسـولاً بينهـا متـردّدا
ولعلّ جعل الهدف على صورة البرج كان المقصود منه أن ينسجم وبعض الأهداف المتوخاة من هذه الرياضة، وهي التدريبات العسكرية، لأنّ إصابة هذا الهدف وهو على شكل البرج يسهل على الفرسان إصابة أبراج الأعداء في أثناء الغزوات والمعارك().
ويظهر أن الثقوب التي كانت تحيط برأس الهدف كانت مصدراً لذلك الزمر الذي كان ينبعث من الهدف أثناء صعوده في الفضاء، ولذلك يصف ابن زمرك هذا الزمر بقوله():

فلمّا أُبينَتْ عن قرارةِ أصلها
وعدَّتْ لقاءَ السُّحْبِ عيداً وموسماً
فأضحكت البرقَ الطروبَ خلالها
أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا
لذاك اغتدت بالزمر تلهي الغواديا
وباتَ لأكواس الدراري مُعاطيا

ويظهر أيضاً أنّ الهدف كان يضيّقُ من وسطه بحيث يبدو كأنّ خصراً. وقبل إطلاق الهدف إلى الفضاء كان يزيّن بالحلْي والقماش الملوّن، فيجعل له عند رأسه شبه التاج، وفي موضع العنق منه قماش، وفي موضع الخصر منه وشاح، وفي موضع القاعدة حليٌ كالخلخال، وبذلك فإنه كيفما تقلّب في الجوّ نتيجة ضربات السهام فإنه يظل رائق المنظر، وفي زينة الهدف يقول ابن زمرك():

تطورّ حالاتٍ أتى في ضروبها
فحِجْلٌ(*) برجْلَيْها، وشاحٌ بخصرها
بأنواع حَلْي تستفزُّ الغوانيا
وتاجٌ إذا ما حلَّ منها الأعاليا

ويقول في مقطوعة أخرى():

تطور حالاتٍ أتى في جميعها
فتاجٌ بأعلاها وشاحٌ بخصرها
بأوضاع حلْي وصفُهُ متغافلُ
وفي الساق منه قد أديرت خلاخِلُ

ويقول في مقطع من مخمسةٍ له():

وهل هي إلا هالةٌ حول بَدْرها
تطوّر أنواعـاً تشيـدُ بفخرهــا يصوغ لها حَلْياً يليق بنحرها
فحِجْــلٌ بـرجلَيْهـا بخـصرهـا   
وتـاجٌ بأعلى رأسهـا قد تنضّـدا
وقد أشار الشاعر ابن فركون إلى الحلي والقماش الذي يزين به الهدف فقال():

وصاعدة في الجو ألقت ذيولها
إذا ثبتت راق العيونَ ثباتُها
فراق بآفاق السحابِ انسحابها
أو انقلبت راقَ النفوسَ انقلابُها

فهي إذن بهذا الحلي وهذه الزينة تظلّ جميلة رائقة المنظر سواءً أكانت بوضعها الطبيعي أم انقلبت نتيجة ضربات السهام؛ وأن القماش يتبعها كالذيول.
إطلاق الهدف إلى الفضاء:
بعد أن كان الهدفُ يعدُّ على الصورة التي وصفناها ويُزَيَّن، كان يجري إطلاقه إلى الفضاء بحضور السلطان والمتفرجين والفرسان الذين يستعدون لإطلاق سهامهم نحوه. غير أننا لم نقف في الشعر أو غيره على وصفٍ للطريقة أو الأداة التي كان يطلق بها الهدف، أهو بالمنجنيق أم بآلة  قذف خاصّة أم بالحبال والبكرات، إلا أنّ ما تقدمّه المقطوعات التي بين أيدينا من وصفٍ لإطلاق الهدف يقتصر على وصف السرعة الخاطفة لانطلاقه وإلى شقّه لعنان السماء إلى الدرجة التي يكاد معها يغيب عن الأبصار؛ فهذا ابن زمرك يصف انطلاق الهدف قائلاً():

ومسافرٍ في الجوّ تحسبُ أنّه
يرقى إلى أوج السماءِ بسُلَّم

ويقول():

وطامحةٍ في الجوّ غير مطالةٍ
تمدُّ لها الجوزاء كفَّ مصافح
يردُّ مداها الطرفَ أحْسَرَ عانيا
ويدنو لها بدْرُ السماء مناجيا
  
ولا عَجَبٌ أنْ فاتت الشهب بالعلا
فبيْنَ يديْ مثواكَ قامت لخدمةٍ
وأنْ جاوزَتْ منها المدى المتناهيا
ومَنْ خَدَم الأعلى استفادَ المعاليا
 
ويقول():

وصاعدة في الجوّ ملءَ عنانها
طلعْتَ تحيّي البدْرَ منها بصعدةٍ
تُسامِتُ أعنانَ السَّما وتُطاولُ
عليها لواءُ الصُّبْح في الأفْق ماثِلُ

ويقول():

وذاهبةٍ في الجوّ ملءَ عنانها
يفوتُ ارتدادَ الطرْف لمحُ  عيانهـا وقد لفّعَتْها السُّحْبُ بُرْدَ عِنَانها
وختّمـت الجـوزاء سَبْـط  بنانِهـا   
وصاغـت لها حليُ النجـوم مقيّدا   
أراها عمودُ الصُّبْح عُلْوَ المصاعِدِ
وأوهمها قُرْبَ المدى المتباعِدِ

ويقول ابن فركون():

وصاعدةٍ في الجوّ ألقَتْ ذيولها
فراقَ بآفاقِ السحابِ أنسحابُها

ويقول ابن الحاجّ النميري():

وقد صَعَدَتْ في الجوّ آيةُ طبلةٍ
تحاكي عمود الفجر أسْفَرَ للسَّفْر

ويظهر أنّه بعد انطلاق الهدف في الفضاء بهذه السرعة وهذا العلوّ الذي يصفه الشعراء، تعود فتسبح في الفضاء بشكل منساب، ولهذا وصفها عبدالله بن لسان الدين بن الخطيب بقوله():

وساقيةِ العمادِ إذا أطلّت
إلى الأدواح تنسابُ انسيابا

ونجد إشارة في تخميس ابن زمرك قد تشير إلى ما يمكن أن يكون وسيلة لإطلاق الهدف إلى الفضاء، إذ يقول في وصف الهدف():

أراها عمودُ الصُّبْح عُلْوَ المصاعِدِ
ففاتته سبقاً في مجال الرواعد
وأوهمها قرب المدى المتباعِدِ
..........

فهل توحي كلمة الرواعد في هذا السياق، باستخدام المتفجرات أو الأسهم النارية في إطلاق الهدف؟! لا سيما أنّ بني الأحمر قد عرفوا البارود واستخدموا المدافع منذ سنة 724هـ/1323م في فتح حصن أشكر().
أما انسياب الهدف في الفضاء بعد نفاد حدّة انطلاقه، فربّما يكون مردّه إلى قطع القماش التي يزيّن بها، والتي قد تشكل له ما يشبه المظلّة أو المنطاد، ولذلك نجد لسان الدين بن الخطيب يشبه هذا الهدف بسفينة الفضاء حيث يقول في وصفها مخاطباً سلطانه():

أزرْتَ بها بحر الفضاءِ سفينةً
على الجوّ لا الجوديّ كان لها حطُّ

ومما مر من الأبيات التي تصف صعود الهدف إلى الفضاء يتبين أنه كان يثبت أحياناً في الفضاء أي يمشي بطريقة مستقرة منسابة، مما يدلّ على أن طريقة صناعة هذا الهدف مع الإضافات التي تلحق به كانت تمكنه من الاستقرار في الفضاء، مما يسهل مهمة الرماة الذين يطلقون الأسهم نحوه.
الرُّماة/ اللاعبون:
بعد أن كان الهدف يندفع إلى الفضاء كان الفرسان والرماة تتبعه بالعصيّ (السهام) بكثرة، بحيث تنهمر عليه العصيّ بكثافة تريد إصابته والدخول إلى جوفه، فبعض العصيّ تخترقه وتنزل في جوفه من فتحاته المختلفة وبعضها يخطئه فيعود إلى الأرض، وكلما رام ذلك الهدفُ هبوطاً حالت السهام دون الإذن له بذلك، وأبقته قائماً في الجو. وفي ذلك يقول ابن زمرك في وصف الهدف عندما يحاول الهبوط إلى الأرض():

رامَ اسْتراقَ السَّمْع وهو مُمَنّع
رجمتْهُ من شهبِ النصال حواصبٌ
فأصيبَ من قضب العصيّ بأسْهُمِ
لولا تعرّضُهُ لها لم يُرْجَمِ

ويقول():

وقد أعْرَبَتْ بالرَّفْع عن طيبِ فخرِها
متى نصبتها في الفضاءِ العواملُ

(والشاعر يستخدم هنا المصطلحات النحوية بقصد التورية في وصف ارتفاع الهدف في الجو وحيلولة السهام دون هبوطه إلى الأرض، فالعوامل في هذا البيت هي من جهة العوامل النحوية ومن جهة أخرى السهام).
ومثلما كانت بعض الرماة تصيب الهدف كان بعضها الآخر يخطئه، يقول ابن زمرك في وصف السهام():

فمن مثبتٍ منها الرميّة مدركٍ
ومن طائشٍ في الجوّ حلَّقَ وانيا

ويقول في وصف السهام():

ترواغها طوْراً وطوْراً تضيفُها
فسامٍ لأعلى مرتقاها ونازلُ

ويفهم من المقطوعات التي تصف هذه اللعبة أن الرماة كان يطلقون الأسهم على الهدف وهم ركوبٌ على الخيل، يدلُّ على ذلك قول عبدالله بن لسان الدين بن الخطيب():

تحفُّ بها خيولُ القوم منّا
فَتُرْسِلُ نحوها الجُرْدَ العِرابا

ويقول ابن الحاج النميري():

وقد جالَ نقْعُ الخيل في جنباتها
كما جالَ في الأفكار معنًى من الشِعْرِ
ولكنّ ذلك لا ينفي وجود رماةٍ غير ركوب يطلقون العصيّ على الهدف، غير أن استعمال الخيل في هذه الرياضة قد يكون لكون هذه الرياضة لوناً من ألوان الفروسية، وربما للتمكن من إصابة الهدف الذي ينطلق بسرعة كبيرة لا تدركها إلا الخيل.
العصيّ/ السّهام:
أما العصيُّ أو السهام التي كان يطلقها الفرسان على الهدف، فقد ورد وصفها في عدة أبيات، ويستطيع الدارس من مجمل هذه الصفات أن يتبين أنها عصيّ رقيقة قصيرة ذات رأس معدني مدبب؛ فمما قاله لسان الدين بن الخطيب في وصف الهدف وهو يتلقف العصيّ():

تلقّف حيّاتِ العصيّ إذا هوت
فثعبانها لا يستتمُّ له سرْط

ويفهم من هذه الصورة أن العصيّ قريبة الشبه بالحيّات الصغيرة من جهة الطول والسمك والرأس المدبّب، وأن الهدف قريب الشبه بالثعبان الضخم الذي يبتلع الحيّات. وفي لسان العرب الثعبان: الحيّة الضخم الطويل، الذكر خاصة، وهو من أعظم الحيّات(). ويبدو أنّ الشاعر قد تمثل عصا سيّدنا موسى وهي تتلقف الأفاعي، وذلك في قوله تعالى: )وأوحَيْنا إلى موسى أنْ ألْق عصاكَ فإذا هي تلقَفُ ما يأفِكون(()، وقوله تعالى: )قال لهم موسى ألقوا ما أنتُم مُلْقون، فألقوْا حبالهم وعصيَّهم وقالوا بعزّة فرعونَ إنّا لنحنُ الغالبون، فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقَفُ ما يأفِكون(().
ولعل لهذا البيت صلة بقول بعضهم في الرماح: "خُلِقَتْ كالأراقم، لثغر الحلاقم"().
ومما قاله ابن زمرك في وصف الهدف والعصيّ معاً():

رام استراقَ السمْع وهو مُمَنَّعٌ
رجمته من شُهْبِ النصالِ حواصبٌ
فأصيبَ من قُضْب العصيّ بأسْهُمِ
لولا تعرُّضُهُ لها لم يُرْجَمِ

وصفة العصيّ في البيت الأول أنها قضبان خشبية ولكنها مدببة الرأس كالأسهم، وفي البيت الثاني أنها نصال، والنصال لا تكون إلا معدنية، والعصيُّ إذا كانت ذات نصال في رأسها، فإنها تصبح رماحاً، وشبّهها في البيت الثاني بالشهب لأن نصالها لامعة.
وفي موضع آخر يصف ابن زمرك هذه العصيّ بالذابلات حيث يقول():

فخفّت إليها الذابلاتُ كأنّها
طيورٌ إلى وكْر أطلْنَ تهاويا

والذابلاتُ جمع ذابل وهو الرمح ذو العصا الليّنة. وقد استعملت صفة الذبلات للعصيّ في أكثر من موضع من المقطوعات التي بين أيدينا(). وهي من أفضل صفات الرمح().
وفي مقطوعة أخرى يصف ابن زمرك العصيّ بالصَّعْدة، حيث يقول():

طلعْتَ تحيّي البدْرَ منها بصعدةٍ
وقد أعرِبْت بالرفع عن طيبِ فخرها
عليها لواءُ الصُّبْح في الأفُق ماثلُ
متى نصبتها في الفَضاء العوامِلُ

والصعدة في البيت الأول هي عصا الرمح إذا نبتت مستوية ولم تحتج إلى تثقيف(). وفي البيت الثاني استخدم كلمة "عوامل" في وصف العصيّ التي أبقت على الهدف منتصباً في الجو، والعوامل جمع عامل وهو رأس الرمح إلى قدْر الثلث منه().
ويقول ابن زمرك أيضاً():

وتنتابها هيفُ العصيّ كأنّها
سِهامٌ وعاها للرميّة نابلُ

ويفهم من هذا البيت، في صفة تلك العصيّ أنها ليست من النوع الغليظ، بل من النوع الرقيق وأنها رقيقة رقة السهام التي يقذفها الرماة بالقوس.
وعلى ذلك فان هذه العصيّ المستخدمة في قذف الهدف هي قضبان رشيقة رقيقة شبيهة بالسهام لها رؤوس مدببة تساعدها على اختراق الهدف. ولعلّ النوع المستخدم في هذه الرياضة هو ما يُعْرَف بالمزراق الذي "يُرمى به للطافة عصاه، وقد يكون سنانه مربعاً لطيفاً لخرْق الدروع وشبه ذلك"(). وعندما يصف لسان الدين بن الخطيب سلاح الجمهور الغرناطي في كتابيه "الإحاطة" و"اللمحة البدرية" يقول: وسلاحُ جمهورهم العصيُّ الطويلة المثنّاةُ بعصيّ صغار ذوات عُرًى في أوساطها، تدفَعُ بالأنامل عند قذفها، تسمى بالأمداس"(). وربما تكون هنالك صلة بين هذه العصي الصغار والعصي المستخدمة في رياضة الطبلة.
ورقة هذه العصيّ وقصرها وحدّة رؤوسها ولمعانها هو الذي كان يساعدها على الانطلاق بسرعة البرق في الجوّ واختراق هدفها، ولذلك يصفها ابن الحاج النميري بقوله():

وأنحوْا عليها بالعصيّ كأنّها
بروقٌ ولكنْ بالبروق غَدَتْ تُزْري

ولكثافة هذه العصيّ حول الهدف، ممّا يدلّ على كثرة اللاعبين، فقد شبّهها الشعراء بتشبيهات عدة، فتارة شبهوها بالطيور وتارة بالنحل وتارة بالأفاعي، وهاهو عبدالله بن لسان الدين بن الخطيب يشبهها بالفراش حول المصباح، قائلاً():

تحومُ بها العصيُّ فراشَ ليل
تروم بسمعه منه اقترابا

الفوز والخسارة:
أما أسس الفوز والخسارة في هذه اللعبة، فيمكنُ أن نستأنس في معرفتها بالتصور العام لهذه اللعبة فضلاً عن بعض الإشارات الواردة في مقطوعة ابن الحاج النميري() في وصف هذه اللعبة. ولعلّ إصابة الهدف بالسهام ودخولها في جوفه تعدّ مقياساً للفوز وأنّ عدم إصابة الهدف وابتعاد العصيّ عنه يعدُّ مقياساً لخسران جولة اللعب. ونجد ابن الحاجّ النميري في أبياته يقسم النتيجة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: إصابة الهدف وكسره، وبكسره تدخل العصا إلى جوف الهدف، ويعدّ ذلك فوزاً عظيماً، فيقول في وصف الهدف():

من الطبلات اللاءِ ما زال كسرها
لدى البطل الأحمى يعدُّ من الجبْرِ

والثاني: إصابة الهدف دون كسره ودون دخول السهم في جوفه، ويعدُّ ذلك نقطة لصالح الرامي، لكنها ليست في المستوى الأول، حيث يقول():

وضاربُها يومَ الوفودِ عقوقه
وإنْ كان لا يخفى يُعَدُّ من البر

وأما الثالث: فهو عدم كسر الهدف وعدم إصابته، وفي هذه الحالة يبدو الهدف وكأنه يزري بالعصيّ التي ترمى عليه، فيقول ابن الحاج():

وأنحوْا عليها بالعصيّ كأنّها
بروقٌ ولكنْ بالبروق غَدَتْ تُزْري

ولا شك أن إخفاق الرامي في إصابة الهدف هو دليلٌ على خسرانه الجولة، فقد اتضح لنا من خلال الأوصاف المذكورة لهذه اللعبة أن السبيل إلى إبقاء الهدف سابحاً في الفضاء دون هبوطه على الأرض هو الاستمرار في إصابته بالسهام، ومتى أخفقت السهام في إصابته هبط على الأرض ليعلن خسارة الرماة في تلك الجولة.
اسم هذه الرياضة:
اختلفت المصادر في اسم هذه الرياضة، فبعضها تسميها "الطّلبة"، وبعضها الآخر يسميها "الطّبلة"؛ فقد أطلق إسماعيل بن يوسف بن الأحمر على الهدف الذي يقذَفُ بالعصيّ اسم "الطلبة"، وذلك في تقديمه لقصيدة لسان الدين بن الخطيب()، حيث يقول عن تلك القصيدة: "وتشتمل على أوصاف من ذكر الحلبة التي أرسلها، والطلبة التي نصبها في الهواء للفرسان يرسلـون العصيّ إليهـا ..."() وفي تقديمه لقصيدة ابن زمرك() يقول إسماعيل بن الأحمر: إنّ الشاعر قد "أجاد في وصف الجند والجرد والطلبة وغرائب الأوضاع"().
أما لسان الدين بن الخطيب فإنه يطلق عليها اسم الطبلة، وذلك في تقديمه لقصيدته السابقة() حيث يقول مشيراً إلى سلطانه: إنه "استركب الفرسان لمزاملة الهدف الخشبي المتخذ في الجوّ المسمى بالطبلة"().
وفي رأيي أنّ الاسم الصحيح لها هو "الطّبْلة" وذلك لورودها في الشعر على هذه الصورة، فقد ذكرها ابن الحاجّ النميري في مقطوعته حيث يقول():

وقد صعدت في الجوّ آية طبلةٍ
... إلــخ
ويقول():

من الطبلات اللاء ما زال كسرها
لدى البطل الأحمى يُعَدُّ من الجَبْرِ

ولعلّ سبب الخلط في التسمية هو تقارب صورة الاسمين، واحتمال وقوع التصحيف عند إسماعيل بن يوسف بن الأحمر أو عند المقّري الذي نقل رواية إسماعيل بن الأحمر. وربما يكون سببُ الاختلاف في الاسم أنّ كلا الاسمين ينطبق على هذه الرياضة؛ فتسميتها بالطلبة منبثق من المعنى اللغوي للطلبة، وهو: ما طلبتَهُ من شيء(). والهدفُ في هذه اللعبة كان يُطلبُ بالعصيّ. وأما تسميتها بالطبلة فمنبثقٌ من صفتها، فهي كالطبلة في كونها قطعة خشبية مجوفة يخرج لها صوت كصوت الطبل حين تظفر بها العصيّ، ولستُ أستبعد شيوع الاسمين معاً بين أهل غرناطة، وأن يكون أحدهما قد أصابه القلب فتقدم أحد الحرفين (الباء واللام) على الآخر، كما يحدث كثيراً عند عوام الناس في كثير من الأسماء، وشاع الاسمان على هذا النحو، وساعد في شيوعهما مناسبة الاسمين للمسمى دون إخلال بصفته في الحالين.
التأثر والتأثير:
لم تتعرّض المصادر الأندلسية التي أُلفت قبل عصر بني الأحمر إلى هذه الرياضة، على الرغم من أن ألعاب الخيل والفروسية كانت الرياضة المفضلة لدى المسلمين في الأندلس وغيرها عبر عصور التاريخ الإسلامي لغايات الحرب، كما هو الحال عند الرومان الذين وقف الأندلسيون على تراثهم في الأندلس، فقد كانت الرياضة العسكرية تشكل جانباً أساسياً من برنامج تربية الشباب وكانت تتضمن تدريبه على الجري والوثب والسباحة ورمي الرمح والمبارزة، وكانت الفرسان تتدرب على القوس والنشّاب والركوب().
وفي رأيي أن هذه الرياضة عند الأندلسيين كانت نتيجة طبيعية لانتشار ألعاب الفروسية وتطورها والتعرف إلى قوانين الفروسية عند الأوروبيين، والمتتبع لتاريخ الرياضة عند المسلمين يجد صوراً مشابهة لرياضة الطبلة عند المماليك، ومن ذلك رياضة "القبق"، وهي عبارة عن خشبة ينصب في أعلاها جسمٌ أشبه بالقرعة العسلية، وكان المماليك يجعلون في وسطها طير حمام، ويسوقون ويرمونها في أيام المواسم والأعياد().
والذي يبدو لي أن رياضة "الطبلة" عند الأندلسيين ورياضة "القبق" عند المماليك هما من الأشكال المتقدمة لرياضة كرة السلة.
ملاحظات ختامية:
رياضة "الطبلة" عند الأندلسيين هي إحدى ألعاب الفروسية، كان من غاياتها التدرّب على الرماية من أجل الاستعداد للجهاد، شأنها في ذلك شأن رياضة الفروسية بمختلف أشكالها، وقد أشار ابن الحاجّ النميري إلى هذه الغاية من رياضة الطبلة وعناية سلطانه بها حيث يقول():

فذلك منه للجهاد تدرُّبٌ
سيسقي به الحزْبَ الذي دان بالكُفْرِ

ويقول ابن زمرك إن سلطانه قد كلّف الأدباء وصف هذه الرياضة وغيرها من الألعاب التي جرت في أحد احتفالات السلطان():

لمولًى تولاّه وأحكم رصفه
وكلَّف أربابَ البلاغةِ وَصْفَهُ

غير أن سلاطين غرناطة كانوا يرون أن وصف هذه الرياضة يليق بشعراء دون شعراء آخرين، فيحدثنا لسان الدين بن الخطيب أنّ سلطانه نهاه عن الهبوط إلى درجة وصف المناسبات التي وصف بها لعبة الطبلة، فعندما أورد قصيدته التي تتضمن وصفاً لهذه اللعبة قال: "وهي آخر الشعر في هذا الغرض، لخجل السلطان من تنزُّلي إلى ذلك  وتنزيهي() عنه تجلّة، أجلّه الله وكرّمه"().
وفي ظني أنه لولا تحرّج السلطان من استمرار ابن الخطيب في وصف هذه الرياضة لربما قدّم لنا ابن الخطيب تفصيلات أكثر عنها. غير أنّ القصائد التي عرضت لهذه الرياضة استطاعت أن تقدّم لنا مجتمعة بعض ملامح هذه الرياضة.
ويلاحظ في جميع المقطوعات التي وصفت هذه الرياضة أنّ أيّاً منها لم يكن مستقلاً منفرداً بوصف هذه الرياضة بل جاءت كلّ منها ضمن قصيدة مطوّلة في وصف جملة ألعاب احتفالية. ولم يستطع أيّ شاعر أن يعطي وصفاً دقيقاً لهذه الرياضة بل انصرف هؤلاء الشعراء إلى المبالغات والتشبيهات المختلفة التي تجعل التمييز بين الحقيقة والخيال أمراً عسيراً، ولذلك كلّ مقطوعة من هذه المقطوعات – على حدة - وكأنها لغز. ويلاحظ أيضاً أنّ جميع هذه المقطوعات جاءت متشابهة ومتأثراً بعضها ببعض في الألفاظ والصور والتشبيهات، مما لا يعطي لأي منها خصوصية بارزة في توضيح صورة هذه الرياضة أو حتى في تمييز أسلوب شاعر عن غيره، هذا فضلاً عن أن هذه المقطوعات تتسم بالتكلّف والخلّو من الحرارة والعاطفة والطبع كما يلاحظ أن جميع المقطوعات التي تصف هذه الرياضة تنتمي إلى عصر واحد وهو عصر بني الأحمر ولا سيما بعد النصف الثاني من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي.
بقي أن أقول إنّ هذه الرياضة ووصف الشعراء الأندلسيين لها تؤكد أن حلم أهل الأندلس باختراق الفضاء لم يبرح الخيال الأندلسي منذ أيام عباس بن فرناس الذي خاطر بمحاولة الطيران في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، حتى عصر بني الأحمر حيث يتبارى الشعراء في وصف المسافات التي أوغلت بها الطبلة في مدارج السماء، وحيث جهز الأندلسيون هذه "الطبلة" بكل ما يمكّنها من اختراق الفضاء لكي():

تمدّ لها الجوزاءُ كفَّ مصافحٍ
ويدنو لها بْدرُ السماءِ مناجيا


ملحق
المقطوعات الشعرية التي وصفت الطبلة
(1)
يقدّم لسانُ الدين بن الخطيب() لإحدى قصائده بقوله: "وقولي في امتداح سلطاني لما احتفل لإعذار ولده، واستركب الفرسان لمزاملة الهدف الخشبي المتخذ في الجوّ المسمى بالطّبلة ... وهي آخر الشعر في هذا الغرض لخجل السلطان من تنزّلي إلى ذلك، وترفيهي عنه تجلّة، أجلّه الله وكرمه لديه:

شَحَطَتْ وفودُ الليل بانَ به الوخْطُ
وعسكَرَهُ الزنجيُّ همَّ به القبط()

إلى أن يصل إلى وصف الطبلة فيقول():

وطاعنةٍ نَحْرَ السُّكاكِ() أعانها
تَلَقَّفُ حيّاتِ العصيّ إذا هَوَتْ
أزَرْتَ بها بحر الهواء سفينةً
على الكوْنِ عرْقٌ واشجٌ ولحًى سَبْطُ
فثعبانُها لا يَستتمُّ له() سَرْطُ
على الجو() لا الجوديّ كان لها حطُّ

(2)
قدّم الأمير إسماعيل بن يوسف بن الأحمر في كتابه "البقية والمدرك من كلام ابن زمرك"() لإحدى قصائد ابن زمرك() بقوله: "ومن ذلك ما أنشد في الصنيع الثاني المختص بعمّينا السيدين الأميرين سعد ونصر، رحمة الله عليهما، وأجاد في وصف الجُنْد والجُرْد والطّبلة وغرائب الأوضاع():

أللمحةٍ من بارقٍ متبسّمِ
أرسلْتَهُ دمعاً تضرَّجَ بالدمِ

ويقول في وصف "الطَّلبة"():

ومسافر في الجوّ تحسبُ أنّه
رام استراقَ السَّمْع وهو ممنَّعٌ
رَجَمَتْهُ من شُهبِ النصَال حواصبٌ()
يرقى إلى أوج السماءِ بسُلَّمِ
فأصيبَ من قُضْبِ العصيّ بأسهمِ
لولا تعرّضُه لها لم يُرْجَمِ

(3)
    يقول ابن زمرك من قصيدة مطوّلة في وصف بعض الاحتفالات، مطلعها():

سلْ الأفق بالزُّهْرِ الكواكبِ حاليا
فإنّي قد أودعتُهُ شرْحَ حاليا

يقول منها في وصف الطّبلة():

وطامحةٍ في الجوّ غير مُطالةٍ
تمدُّ لها الجوزاءُ كفَّ مُصافح()
ولا عَجَبٌ أنْ فاتت الشُّهْبَ بالعُلا
فبيْنَ يديْ مثواك قامت لخدمةٍ
وشاهدُ ذا أنّي ببابك واقفٌ
يردُّ مداها الطرْفَ أحْسَرَ عانيا
ويدنو لها بدْرُ السماءِ مُناجيا
وأنْ جاوَزَتْ منها المدى المتناهيا
وَمَنْ خَدَم الأعلى استفادَ المعاليا
وقد حَسَدَتْ زُهْر النجوم مكانيا

 
وقَدْ أُرْضعَتْ ثديَ الغمائم قبلها
فلما أُبينَتْ عن قرارة أصلها
وعدَّتْ لقاءَ السُّحْبِ عيداً وموسماً
فأضحكت البرْقَ الطروبَ خلالها
رأتْ نفَسها طالت فظنَّتْ بأنّها
فخفَّتْ إليها الذابلاتُ كأنّها
حكت شَبَهاً للنحل والنحلُ حوله
فمن مُثْبِتٍ منها الرمّية مُدْركٍ
وحصنٍ منيعٍ في ذراه قد ارتقى
كأنَّ بروجَ الأفق غارت وقد رأتْ
فأنشأْتَ بُرْجاً صاعداً متنزّلاً
تطوَّرَ حالاتٍ أتى في ضروبها
فحِجْلٌ برجليْها، وشاحٌ بخصرها
وما هو إلا طيْرُ سَعْدٍ بذِرْوةٍ
بحجر رياض كنَّ فيه نواشيا
أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا
لذاك اغتدتْ بالزمْر تُلهي الغواديا
وبات() لأكواس الدراريَ مُعاطيا
تفوتُ على رغم اللحاق المراميا
طيورٌ إلى وكر أطلْنَ تهاويا
عصيٌّ إلى مثواه تهوي عواليا
ومِنْ طائش في الجّو حلّقَ وانيا
فأبْعَدَ في الجّو الفضاءِ المراقيا
بروجَ قصورٍ شدتهنّ سواميا
يكون رسولاً بينهنَّ مُداريا
بأنواع حلْي تستفزُّ الغوانيا
وتاجٌ إذا ما حلَّ منها الأعاليا
غدا زاجراً من أشهب الصُّبْح بازيا

(4)
من قصيدة لابن زمرك في وصف إحدى الاحتفالات التي في عهد السلطان يوسف الثاني، ومطلعها():

نجومٌ أمدَّتْها بدورٌ كوامِلُ
لها النور من شمس الخلافةِ شاملُ

ومنها (في وصف الطلبة)():

وصاعدةٌ في الجّو ملء عنانها
طلعْتَ تحيّي البدْرَ منها بصعدةٍ()
وقد أعْرَبَتْ بالرفع عن طيبِ فخرها
يمدُّ لها الكفُّ الخضيبُ بساعد
وتنتابُها هيف العصيّ كأنّها
تراوغها طوْراً وطوْراً تضيفُها
وبالأمْس كانت بعْضَ أغصانِ دَوْحِها
فحنَّتْ إلى أوطانها وتسابقَتْ
وبُرْجٌ منيفٌ في ذراها قد ارتقى
تطوَّرَ حالات أتى في جميعها
فتاجٌ بأعلاها، وشاحٌ بخصرها
وما هو إلا قائمٌ مدَّ مُلْكَهُ
تُسامِتُ أعْنانَ السَّما وتُطاولُ
عليْها لواءُ الصُّبْح في الأفْق ماثِلُ
متى نصبتْها في الفضاء العَوامِلُ
ويشكي السماكَ الأعْزَلَ الرمح عامِلُ
سهامٌ وعاها للرميّةِ نابلُ
فسامٍ لأعلى مرتقاها ونازلُ
فنقّلها عنها على الرغم ناقِلُ
تعاودُ مسراها بها وتواصِلُ
لتُرْفَعَ منه للبروج الرسائِلُ
بأوضاع حلْيٍ وصفُه متغافِلُ
وفي الساقِ منه قد أديرت خلاخِلُ
إلى اللّه في البقيا لما صدَّ سائلُ

(5)
يقول ابن زمرك في تخميس له يصف فيه صنيعاً لبعض أمراء بني الأحمر، مطلعه():

أرقْتُ لبرْقٍ مثل جفني ساهرا
فأضحك زهرُ الروضٍ منه أزاهرا ينظّم من قطْر الغمام جواهرا
وصبـح حكـى وجه الخليفـة باهرا   
تجسَّـم من نور الهدى وتجسّـدا
ويقول منه في وصف الطلبة():

وذاهِبةٍ في الجّو ملء عنانها
يفوتُ ارتدادَ الطرْفِ لمحُ عَيانهـا وقد لفّعَتْها السُّحْبُ بُرْدَ عَنانِها
وختَّمَـتِ الجـوزاءُ سَبْـطَ  بنانِهـا   
وصاغتْ لهـا حلْيُ النجوم مُقَيَّـدا   
أراها عمودُ الصُّبْح عُلْوَ المصاعِدِ
ففاتتْهُ سبقـاً في مجـال  الرواعِدِ وأوهما قربَ المدى المتباعِدِ
وأتحفتِ الكـفَّ الخضـيبَ  بساعِـدِ   
فطوَّقتِ الزُّهْرَ النجـومَ بها يـدا   
وقد قذفَتْها للعصيّ حواصِبُ
تزاور منهـا في الفضـاء حبائبُ قد انتشَرَتْ في الجوّ منها ذوائبُ
فبينهمــا مـن قبـل ذاكَ مَنَاسِـبُ   
لأنهما في الـروض قبلُ تولّـدا
 
بناتٌ لأمٍ قد حيين بِرَوْحها()
فأقلامُهـا تهوي لخـطٍ  بلوْحِهـا دعاها الهوى من بعد كتْم لبوْحِها
فبالأمْس كانت بعضَ أغصانِ  دوْحِها   
فعادت إليها اليومَ من بعْدُ عُـوَّدا   
ويا رُبَّ حِصْنٍ في ذراها قد اعتلى
بروجُ قصـورٍ شِدْتَهـا متطـوّلا أنارت بروجَ الأفق في مَظْهر العُلا
فأنشـأتَ برجـاً صاعـداً  متنَـزّلا   
يكـون رسـولاً بينها متـردّدا   
وهل هي إلا هالةٌ حول بدرها
تطوَّرُ أنواعـاً تشيـد بفخرهــا يصوغ لها حَلْيـاً يليق بنحرها
فحجلٌ برجليهـا وشـاحٌ بخصـرها   
وتاجٌ بأعلى رأسها قد تنضّـدا   
أرادَ استراقَ السَّمْع وهو ممنّعُ
وأصغـى لأخبـار السَّما يتسمَّـعُ فقام بأذيال الدجى يتلفَّعُ
فأتبعـه منهــا ذوابــلُ شــرَّعُ   
لتقذفه بالرجْـم() مثنًى وموْحَـدا   
وما هو إلا قائمٌ مدَّ كفَّهُ
لمولـى تـولاه وأحكـم رَصْفَـهُ ليسألَ منْ ربّ السمواتِ لُطْفَهُ
وكلَّفَ أربـابَ البلاغـةِ  وَصْقَــهُ   
وأكـرمَ منه القانـتَ المتهجّـدا   
ملاقي ركْبٍ من وفودِ النواسِمِ
مختّـم كـلٍّ بالنجـوم العواتــم مقبّل ثغرٍ للبروقِ البواسِمِ
مبلّغ قصـدٍ من  حضـور المواسِـمِ   
تجدّده مهمـا صنيعٌ تجـدّدا
(6)
أنشد أبو الحسين بن فركون() السلطان يوسف الثالث قصيدة في سنة 818هـ/1415م بمناسبة ولادة ابن للسلطان وإعذار أخوين لذلك المولود، ومطلع القصيدة():

سل البان عنها أين بانت ركابها
ولمْ رفُعَتْ فوقَ المطيّ قبابُها

ومن أبيات هذه القصيدة في وصف رياضة الطبلة():

وصاعدةٍ في الجوّ ألقت ذيولها
تحنُّ إليها الذابلاتُ فترتمي
إذا ثبتت راقَ العيونَ ثباتُها
كأنّ طيوراً في ذرى الجوّ حوّمَتْ
تقيمُ إذا لاقى الأمانَ ارتياعُها
إذا أخطأ الخطيُّ يهديه خطُّها
إذا اعتمدتْ قوسُ السماءِ عمودَها
فراقَ بآفاق السحابِ انسحابُها
فروعاً يرينا الأصل كيف اجتذابُها
أو انقبلت راقَ النفوسَ انقلابُها
وثابِتْ لأوكارٍ بهنّ وِثابُها
ورتّبما عنها ثناها ارتيابُها
وما كان يأبى أنْ يُصِيبَ صوابُها
لرمْيٍ فسَهْمُ السَّعْدِ يدنيه قابُها

(7)
من قصيدة لابن الحاجّ النميري()، مطلعها():

أتتك وقد هزَّ الدجى مضجع الفجْرِ
بكأسين من ريقٍ بَرُودٍ ومن خَمْرِ

يصفُ جانباً من إحدى احتفالات الغني بالله محمد الخامس، قائلاً():

وقد صعدت في الجوّ آيةُ طبلةٍ
وأنحوْا عليها بالعصيّ كأنّها
من الطبلاتِ اللاءِ ما زال كسرُها
وضاربها يومَ الوفودِ عقوقه
فذلك منه للجهاد تدرّبٌ
وقد جال نقعُ الخيْل في جنباتِها
تحاكي عمودَ الفجْر أسْفَرَ للسَّفْرِ
بُروقٌ ولكنْ بالبروقِ غدت تُزْري
لدى البطل الأحمى يعدُّ من الجبْرِ
وإنْ كان لا يخفى يُعَدُّ من البرِّ
سيسقي به الحزبَ الذي دانَ بالكفرِ
كما جال في الأفكار معنًى من الشعرِ

(8)
من قصيدة لعبدالله بن لسان الدين بن الخطيب() في إعذار ابن للسلطان محمد ابن يوسف بن نصر الغنيّ بالله محمد الخامس، مطلعها():

أثرْها عزمةً تنفي الركابا
وإنْ دمَيتْ لها العيْنُ انسكابا

يقول في بعض أبياتها في وصف الطبلة():

وساقيةِ العمادِ إذا أطلَّتْ
تحومُ بها العصيُّ فراشَ ليل
تحفُّ بها خيولُ القوم منّا
عجائبُ أبدعَتْ علياك فيها
إلى الأدواح تنسابُ انسيابا
تروم بسمعِهِ منه اقترابا
فَتُرْسِلُ نحوها الجرْدَ العِرابا
ومثلك يبدعُ الأمْرَ العجابا

الجمعة، 30 نوفمبر 2012

الصورة الفنية في الشعر العربي

الصورة الفنية في الشعر العربيالطيب عبدالرازق النقر عبدالكريم

توطئه:إنّ الشعر العذب الذي يشنَّف الأسماع، ويُسكر الألباب، ويأخذ بمجامع القلوب، هو الشعر الذي يموج موجاً بالصور الشعرية الحافلة التي تشكل نواة القصيدة، فالشاعر المتصرف في فنون الشعر و الذي يتسم شعره بدقة المعاني، ولطافة التخيل وملاحة الديباجة، هو الشاعر الذي يدمغ شعره المهفهف في دخائل كل نفس، ويوطد دعائم أبياته المطهمة العتاق في مدارج كل حس، والأشعار التي تفتقد لهذه الصور البديعة يتخطفها الموت، ويكتنفها الظلام، ولا يترنم بها الناس في دروب الحياة ومتعرجاتها. لأجل ذلك أضحت الصورة الشعرية هي جوهر الشعر وأساس الحكم عليه، ولقد اهتم النقاد بجانب التصوير منذ قديم الأزل، وقدموا جهودهم في هذا الصدد، وإن اقتصرت جهودهم على حدود الصور البلاغية كالتشبيه والمجاز ولم تتعداها لتشمل الصور الذهنية ،النفسية، الرمزية، والبلاغية، التي تتبلور وتتناغم في وجدان الشاعر. ولعل الحقيقة التي يجب عليّ بسطها هنا أن الصور التي يعدها أصحاب الحس المرهف أغلى من أقبية الديباج المخوص بالذهب ليست قاصرة على الشعر بل نجدها منثورة في حوايا النثر، والتفاتات أذهان كُتابه.معنى الصورة:عادة\"تستعمل كلمة صورة للدلالة على كل ما له صلة بالتعبير الحسي، وتطلق، أحياناً، مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات\". والصورة في مجملها تعتبر وسيلة الشاعر أو الأديب\"في نقل فكرته وعاطفته معاً إلي قرائه أو سامعيه. ويقاس نجاح الصورة في مدى قدرتها على تأدية هذه المهمة، كما إن حكمنا على جمالها أو دقتها يرجع إلي مدى ما استطاعت الصورة أن تحققه من تناسب بين حالة الفنان الداخلية وما يصوّره في الخارج تصويراً دقيقاً خالياً من الجفوة والتعقيد فيه روح الأديب وقلبه\".نشأة الصورة كمفهوم وصلتها بالنقد الأدبي عند العرب:الصورة قبل أن تندرج كمفهوم تلوكه الألسن، وتتعاوره الأذهان في ميادين النقد الأدبي والنظرية النقدية، كانت قد استحوذت على اهتمام فلاسفة الغرب القدامى على شاكلة ((افلاطون)) التي ابتدأت في عهده، واستقام ذكرها مع ((أرسطو)) وأعتبرها ركناً أساسياً في ثنائية الصورة أو المبدأ، والمبدأ أو الماهية و\"هو أمر أفضى إلي ظهور نظرية العلل الأرسطية:الصورية والفاعلة والمادية والغائية.إذ تقف العلة المادية وحدها بإزاء، العلل الأخرى التي تندرج كلها في ضرب من الصور الخالصة، والبحث في هذه القضية، أدى إلي ظهور ((مبدأ الفاعلية))، الذي أصبح، في القرون الوسطى، موضوعاً اشتغلت فيه وعليه، الفلسفة السكولانية الغربية.ثم استأثر الأمر، باهتمام ((كانت)) الذي بحث بعمق، في أمر التمييز بين:جوهر المعرفة ومادتها من جهة، وتجلياتها الصورية من جهة ثانية. وبذا انتقلت مقولة ((الصورة)) من حقل ((الميتافيزيقيا)) وما يتصل بها في الفلسفة القديمة، إلي حقل ((المعرفة)) وفي ضوء هذا التحديث، دخلت الصورة في صلب التفكير المعرفي في العصر الحديث. ووجد هذا ((المفهوم)) صداه في الدراسة الأدبية، سواء ما كان منها بلاغياً أو أسلوبياً، أم كان بنائياً أو دلالياً.وكان النقاد العرب القدماء؛ مثل:الجاحظ وقدامة بن جعفر وعبدالقاهر الجرجاني وابن الأثير والقرطاجي، قد انصرف جزء كبير من اهتمامهم في أمر الصورة\". إذن الصورة سقطت للعرب بمعناها الفلسفي عبر الفلسفة الإغريقية،\"وبالذات الفلسفة الأرسطية. حيث دعم الفصل بين الصورة وهي الشكل والهيولي وهي المادة.فالمنضدة هيولاها الخشب والغراء، وصورتها هي التركيب المخصوص الذي تألف به الخشب والغراء حتى ظهرا على هذا الشكل. ونجد أن طائفة المعتزلة قد استسقت فلسفتها من الفكرة القائمة على الفصل بين اللفظ والمعنى في تفسير القرآن الكريم. وسرعان ما انتقل هذا الفصل بين اللفظ والمعنى إلي ميدان دراسة الشعر، الذي هو رافد من روافد تفسير القرآن. فلم يساووا بين التعبير الشعري والتعبير في غيره من الحديث فحسب، بل ساووا بين فن الشعر نفسه وبين أي صناعة من الصناعات اليدوية، تحت مثال ((المنضدة)) المشهور، الذي ضربه أرسطو مثلاً للفرق بين الصورة والهيولي\".إنّ الشاعر حينما تتدفق شاعريته وتنثال عليه المعاني سهواً ورهواً ويبدأ في نظم القريض إنما يريد أنّ يعبر عن شيء قد استبدّ في ذهنه وربض في دواخله، ولأن الشاعر يتخير تعبيره وينتقي ألفاظه، ويتنزه بها عن التعابير الممجوجة التي يتفوه بها ملايين البشر،يأتي تعبيره مغايراً لتلك التعبيرات التي يجود بها الشخص العادي، تعبير أكبر من أن يتسامى في ابتداعه شخص ناضب القريحة، صلد الذهن، تعبير يبهر العيون، ويسحر الأفئدة،كلام فني انسجمت قطعه وحسُن توزيعه، وألفاظ أتأدت حركاتها، واتزنت كلماتها، جُمل مُرصّفة تضفى على النفس ما يضفيه شدو القيان، وهزج المزامير، جُمل مترعة بالصور الشعرية الخلابة، صور \"تصور الانفعال وتنقل إحساس المعبّر وذبذبات نفسه نقلاً أميناً، وعلى الشاعر أن يُحسن اختيار صوره وعرضها بما يناسب طبائع الناس وأمزجتهم، وأن يجعل هدفه نقل العاطفة والفكرة في صوره لا أن يجعل همه إتقان اشعره وجودة رصفه وإحكامه فليس الفن سوى التكافؤ الكامل بين العاطفة التي يحسها الفنان وبين الصورة التي يعبر بها عن هذه العاطفة\". إذن الشعر في كنهه صور تعبر عن مخاض عاشه الشاعر، فنحن حينما نعثر على صورة من تلك الصور، فإننا حتماً نعثر من خلالها على شرخ أدمى قلب الشاعر، أو لوعة أوهت كبده، أو حسرة سحّت جفونه، أو سعادة ردت له الروح، وجددت في أوصاله الحياة\"وترتبط لغة الشاعر بعمق التجربة التي يعيشها. فقد تأتي صريحة يرسم من خلالها الصورة، وقد تتفاوت في مواقع البلاغة، فتختلف بين الإيجاز والإطناب مما يجلب للقارئ اللذة أحياناً، والسآمة أحياناً أخرى\". على ضوء ما تقدم نستطيع أن نجزم بيقين لا يخالجه شك أو تخامره ريبة أن الصورة الشعرية هي\"جوهر الشعر وأداته القادرة على الخلق والابتكار، والتحوير والتعديل لأجزاء الواقع، بل اللغة القادرة على استكناه جوهر التجربة الشعرية وتشكيل موقف الشاعر من الواقع، وفق إدراكه الجمالي الخاص\". ولعل مما لا يند عن ذهن أو يغيب عن خاطر أن الصورة الشعرية ليست شيئاً طارئاً، بل وجدت منذ أن وجد الشعر على ظهر البسيطة ولكنها تختلف وتتفاوت بين شاعر وآخر، كما أن ملامح الصورة تتنوع بتنوع اللغات والمجتمعات. وراضة الشعر أصحاب الملكات الشعرية هم الذين لم يتركوا شيئاً إلا وسددوا إليه سهامهم وأضفوا عليه قبساً من حمم قريحتهم الملتهبة، وخلعوا عليه من أحاسيسهم المرهفة وخيالهم الخصب وميضاً يبدد عتمة الحياة، وميض يمسح الكرى عن الجفون، والقذى عن العيون، ويُبصّر أصحاب الخاطر المكدود الذين يكابدون غصص الحرمان، بمواطن الحسن، ومنازل الجمال، على قلتها وضآلتها حتى يتقلبوا في أعطافها، وينالوا من ألطافها، تلك المواطن التي يمر عليها أصحاب الجفن القريح، والجرح الدامي دون أن ينبسوا ببنت شفة في الإفصاح عنها،\"فكثير من الأشياء المألوفة تناولها الشعراء فصوروها بأقلامهم تصويراً يجعلنا نحس بجدة هذه الأشياء كلما قرأنا صورهم، وكأن هذه الأشياء المألوفة نعرفها لأول مرة، الأمر الذي قاد النقاد للقول بأن أكثر الصور إمتاعاً هي التي تكون الصورة الشعرية فيها حاضرة في أذهان معظم الناس. و رغم أن المعاني عامة لدى جميع الناس ومنهم الشعراء، ولكن العبرة في مدى قدرة الشاعر على صوغ هذه المعاني في ألفاظ وقدرته على تصويرها\". كما إن \"بناء الصورة الفنية لا يتم فقط بإدراك المشابهة القائمة بين بعض الأشياء كما يحدث للإنسان العادي، بل لا بد من عبقرية الشاعر التي تتعمق في إدراك هذه العلاقة، فلا يكتفي بالنظرة المجملة، بل يلحُّ على النظرة المفصلة التي تتجاوز المألوف، سعياً وراء النادر والغريب، فالصورة المجملة العجلى هي نظرة الإنسان العادي التي غالباً ما تتسم بالبلادة والإهمال، في حين أن النظرة المفصلة هي نظرة الإنسان التي تتسم بالذكاء المستيقظ للأفكار والصور. ولذلك نجد الشاعر، بخلاف الإنسان العادي، يدقق ويتأمل، ويقدم التشبيهات والاستعارات والتمثيلات الدقيقة، ويوقع الائتلاف بين المختلفات\".فالألم الذي يصلي الضلوع، ويضرم الأنفاس، شائع الآن، ومنغصات العيش، وغصص العمر، ومكدرات الحياة، طعنت بسيفها المصقول حتى من لم يصدع بكلمة بعد، أو يتفوه بحرف، ولكن البوح عن الداء والشقاء أمر لا يتسنى إلا للشعراء الذين يجلوا أبكار المعاني، ويروضوا القوافي الصعبة. و\"يكمن الفن الحقيقي للشاعر في صنعته الشعرية في شقيها المعنوي واللفظي، والشاعر المحنك هو الذي يترك للألفاظ عنان الزخرف والتنميق فتطغى على بقية عناصر صنعته الفنية، ولكن حاجته إلي هذه الزركشة تعد أمراً ضرورياً إذا ما نجح في استخدامها عنصراً مساعداً، يساعده على خلق الصورة الشعرية، أو يزيد من تأثيرها في المتلقي\". وللصور الشعرية أشكال متباينة، ونماذج متعددة،وهي تختلف من فترة إلي أخرى فلقد تطورت عبر القرون والحقب،\"وفق التطور العام لنظرية الفن السائدة، ويظهر هذا التطور في علاقة طرفي الصورة، فقد تكون علاقة تهتم بالشكل الخارجي والعلاقات المنطقية بين الأشياء كما يقول الشاعر:أنظر إليه كزورق من فضة قد أثقله حمولة من عنبرفالعلاقة تهتم بالشكل الخارجي للقمر وتأتي بصورة شعرية تشابهه في المظهر. وقد تهتم الصورة الشعرية بعلاقة الانصهار بين طرفيها، ةتنحت من الطرفين صورة واحدة يتجلى ذلك في علاقة التشخيص مثلاً كما يقول الشابي عن الشعر:أنت يا شعر فلذة من فؤادي تتغنى وقطعة من وجوديوالصورة الشعرية الناجحة يتبادل طرفاها التأثير والتأثر حتى يخلق معنى جديداً ليس معنى كل طرف على حدة\".الصورة الشعرية عند النقاد العرب القدامى:نحن إذا بحثنا عن هذا المصطلح في أمهات الكتب القديمة الجامعة لشتيت الفؤائد، وأمعنّا في البحث بكل ما تدخره قوانا هذا من جهد لذهب مجهودنا أدراج الرياح، وخرجنا صُفر اليدين نجرجر أذيال الخيبة، فمصطلح الصورة بهذه الصياغة الحديثة، لا وجود له في\"الموروث البلاغي والنقدي عند العرب، ولكن المشاكل والقضايا التي يثيرها المصطلح الحديث ويطرحها موجودة في الموروث، وإن اختلفت طريقة العرض والتناول، أو تميزت جوانب التركيز ودرجات الاهتمام\". ولعل أبرز النصوص التراثية التي يقترب مفهومها من مفهوم الصورة في عصرنا الحديث، هو النص الذي أدلى به أمير البيان، وعميد كُتاب الضاد على مر العصور، الجاحظ أمضى الكُتّاب سليقة، وأعذبهم لفظاً، وأغزرهم مادة، فلقد قال:\"إنما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير\". فلقد قرن الجاحظ القصيدة في هذا النص بالصورة وهو تشبيه شائع في عصور مختلفة، منذ هوارس، حتى قيل:الرسم شعر صامت والشعر صورة ناطقة. ويبدو أن الجاحظ يقصد بالتصوير صياغة الألفاظ صياغة حاذقة تهدف إلي تقديم المعنى تقديماً حسياً وتشكيله على نحو صوري أو تصويري، ويعد تصوير الجاحظ خطوة نحو التحديد الدلالي لمصطلح الصورة لا سيّما أن الجاحظ لم يقرن مصطلحه بنصوص عملية تضئ دلالته فضلاً عن تعلق مفهومه بالثنائية الحادة التي شغلت نقادنا القدامى القائمة على المفاضلة بين اللفظ والمعنى طبقاً للمفهوم الصياغي، أو الصناعي، للشعر\". و سعى الناقد أبي هلال العسكري الخبير في محاسن الكلام ومساوئه أن يحدد معالم الصورة ومكانتها في الصياغة الإبداعية بين اللفظ والمعنى، أو الصورة والمادة، ومن ثم الوصول إلي رؤية ثابتة في مقياس التمييز بين أساليب الصياغة الجمالية فرأى قدامة:\"إن المعاني كلها معروضة للشاعر، وله أن يتكلم فيما أحب وآثر، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، إذ كانت المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة والشعر فيها كالصورة، كما يوجد في كل صناعة، من أنه لا بدّ فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصورة فيها، مثل الخشب للنجارة، والفضة للصياغة\".\"فالصورة، إذاً، طبقاً لتحديده، الوسيلة أو السبيل لتشكيل المادة وصوغها شأنها في ذلك شأن غيرها من الصناعات، وهي أيضاً نقل حرفي للمادة الموضوعة:المعنى، يحسنها ويزينها ويظهرها حلية تؤكد براعة الصائغ من دون أن يسهم في تغيير هذه المادة أو تجاوز صلاتها أو علائقها الوضعية المألوفة. وقيل إن هذا الفصل بين المادة والصورة ناشئ من تأثير الفلسفة اليونانية. وما حدده قدامة من مفهوم للصورة لا يخرج عن الإطار الذي وضعه الجاحظ بل يعتبر امتداداً له ولم يضف إليه ما يقربه من حدود المصطلح\".إنّ النقاد العرب في حقيقة الأمر لم يكن جهدهم منصرفاً لوضع المصطلحات الأدبية، ولكن السعي لتأطير ذلك الفن الراقي بتقويم خطل الشعراء، وتبصيرهم بمواطن الزلل والهفوات في اشعارهم، ولكن النقاد القدامى الذين لا يصوبون سهام التجريح إلا لمن حاد عن المنهج الذي وضعوه، وافياً في موضوعه، مقنعاً في أدلته في ذلك العهد، نجد أننا الآن رغم إكبارنا إياهم، وهيامنا بمؤلفاتهم التي ما هانت أو ذلت يوماً علياً، رغم كل هذا الحب والتبجيل، نضعهم مكرهين خلف أقفاص الاتهام، ونوجه لهم التهم الفواجر تهمة تلو أخرى، رغم أن جلنا يود أن يعيش في سجية الماضي، أول هذه التهم هي تعطيلهم لخاصية الخيال الذي يسمو به العمل الفني ويحلق به في مدارات يستعصى العقاب الطرير في الوصول إليها،لقد كان أسلافنا قدامى النقاد لا يحفلون بالخيال ويسيئون الظن به،\"إذ كانوا يعدونه صنعة من الصناعات ينبغي أن تخضع لقوانين العرض والطرب كأي سلعة أخرى، فراحوا يقيدونه بقوانين صارمة تضمن للشاعر عدم كساد سلعته، قال صاحب ((البرهان في علوم القرآن)) قدامة بن جعفر:((وينبغي لمن كان قوله الشعر تكسباً لا تأدباً أن يحمل إلي كل سوق ما ينفق فيها، ويخاطب كل مقصود بالشعر على مقدار فهمه، فإنه ربما قيل الشعر الجيد فيمن لا يفهمه فلا يحسن موقعه منه، وربما قيل الشعر الداعر لهذه الطبقة فثرت فائدة قائله لفهمهم اياه)). ومن الواضح مجافاة الفهم لروح الفن في الشعر، والنظر إليه من معيار أنه مصدر كسب لجلب المال.كما أنهم جعلوا أساس التفاضل بين الشعراء في\"شرف المعنى وصحته وجزالة الألفاظ واستقامته، وسلموا قصب السبق لمن وصف فأصاب، وشبه فقارب، وبده فأغزر ولمن كثرت سوائر أمثاله، وشوارد أبياته ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة ولا تحفل بالإبداع والاستعارة\". وهكذا كان اهتمام نقاد العرب القدماء موجهاً إلي صحة المعنى وقوة اللفظ ووضوح التشبيه وتحدده، وإلي الشعر الذي يحوي حكماً، أما الاستعارة والخيال فندر أن وجهوا عنايتهم لها، وقد قال ابن رشيق القيرواني:\"والعرب لا تنظر في أعطاف شعرها بأن تجنس أو تطابق أو تقابل فتترك لفظة للفظة، أو معنى للمعنى، كما يفعل المحدثون، ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته، وبسط المعنى،وإبرازه وإتقان بنية الشعر وإحكام القوافي، وتلاحم الكلام بعضه ببعض\". وحتى في الحالات التي يستخدم فيها الشاعر الاستعارة، اشترطوا القرب والمداناة والشبه بين المستعار والمستعار له.كما اهتم نقاد العرب بوضوح التشبيه اهتماماً كبيراً، كما اهتموا بوضوح المعنى ولزوم بعده عن الغموض والإبهام\".الصورة الشعرية في النقد الحديث:بون شاسع وفراسخ وأميال بين الصورة الشعرية في القرون المندثرة وبين الصورة في عصرنا الحديث، فالصورة في عصرنا الحالي تتجاهل كل مباحث البلاغة العربية ومقاييسها ويعتمد في تقييمه للعمل الأدبي على مقاييس وموازين جديدة تقوم على أسس نفسية غالباً، ومصطلح الصورة الشعرية معناه:جميع الطرق الممكنة لصناعة نوع التعبير الذي يُرى عليه الشيء مشابهاً أو متفقاً مع آخر، ويمكن أن يتركز ذلك في ثلاثة أصناف هي التشبيه والمجاز والرمز، ويهتم النقد الحديث بالخيال اهتماماً كبيراً بل يجعله الأساس لكل صورة أدبية، ويترك للشاعر الحرية في الانطلاق كيف يشاء دون تقييد أو حصر، كما يهتم النقد الحديث بالعمل الأدبي الذي يتكون من صور جزئية متماسكة متكاملة، ويعتمد في تقييم هذه الصور على مقاييس نفسية ووجدانية. ويكثر الشاعر الحديث من تتابع الصور، كثرة تفوق ما هو مشاهد في الشعر القديم، وجميع هذه الصور تشرئب لنيل غاية بعينها وهي التأثير في نفس المتلقي وتمكين المعنى الذي يرومه الشاعر في نفسه، وأن يترك في نفسه انطباعاً جميلاً لا يمحوه تعاقب السنون، فالصورة في الشعر الحديث هي مناجاة للنفس، ومحاورة للضمير، وتأثير في الحواس، ويجب أن يحرص كل شاعر أن تصاحب قصيدته متعة تحبب إليها الأسماع ولا تكون مجرد كلمات جوفاء، ولا تعتبر القصيدة ناجحة إلا إذا كانت مترعة بالشحن العاطفية في جزئية من جزئياتها، فالعاطفة هي التي تهب للحدس تماسكه ووحدته، ولا يعتبر الحدس حدساً إلا لأنه يمثل عاطفة ملتهبة، كما أن نقاد العصر الحديث اجتمعت كلمتهم على أن جمال الصور ليس دقتها أو مطابقتها للواقع، ولكن بمقدار الانفعال الطاغي الذي يربض هائجاً في داخلها، وإذا كانت الصورة لا قيمة لها بدون عاطفة فالعاطفة لا معنى لها بدون صورة، فالعاطفة بدون صورة ضريرة عمياء، والصورة بدون عاطفة خالية جوفاء، كما ينبغي أن تكون العاطفة صادقة وليست زائفة وأن يكون دافع هذه العاطفة صحيحاً وليس أمراً مصطنعاً، كما يشترط في العاطفة ثباتها وعدم تقلصها.ولأن العاطفة تعتبر أهم ما في الصور الأدبية يجب على الشاعر أن يشرح خواصها وينقل تأثيرها وروعتها بلفظ يأسر القلوب، ويفتن الوجدان، لأن اللفظ هو البنية الأساسية لأي عمل أدبي، وبمقدار ما ينجح الشاعر في تخير اللفظ المناسب الملائم للمعنى بقدر ما يقدم فناً أدبياً يسمو به فوق ذرى المجد. والظاهرة الأخرى التي يشترط النقد الحديث توافرها في الصورة هي الايحاء، فالصور الايحائية أبعد تأثيراً في النفس وأكثر علوقاً في القلب من الصور التقريرية الوصفية، وهي أبعث بالتالي على المتعة والإحساس بالجمال، كما يشترط النقد الحديث ويلح في الإشتراط على توفر الوحدة المهيمنة على جميع الصور التي تبدت في القصيدة، فصور الشاعر ينبغي أن تتم في نطاق وحدة معينة لا تكون متنافرة لا رابط بينها\".خاتمة:إنّ الصورة الشعرية ليست مجرد زخارف أو ألوان زاهية ترصدها العيون، وتتطلع إليها الأفئدة، أو مجرد صور تلقائية من صور التعبير تضج به حركة القصيد، ولكنها العمود الرابط الذي يجمع بين جزئيات مادة الشعر، وينبغي لهذا الرابط أن يتسم بالرقة والجمال والصدق لأنه لب العمل الفني الذي يظل حاضراً في معظم أذهان الناس إذا توافرت فيه عوامل النجاح وإذا كان صاحبه ينشد من وراءه أن يحظى بشيء من التقدير والإعجاب. ولقد توصلنا من خلال هذا البحيث أن الصور الشعرية ليست قاصرة على الشعر وحده بل هي مبعثرة في حوايا النثر وإن ارتبطت أكثر بالشعر ولازمته ملازمة الفصيل لأمه. وأيضاً توصلنا أن الصور الشعرية لم تعد تقتصر على ضروب البلاغة ومجافاة الخيال ووأده وحبس أنفاسه كما كان موجوداً في السابق، ولكنها انطلقت لفضاء أرحب، وحرية لا تحدها حدود، أضاعت هذه الحرية في وجهة نظري القاصرة الهالة التي كانت تصاحب الشعر وتجعل من أحرفه ترانيم مقدسة، وجعلت أصحاب الغثاثة والهزال ينظمون سخافاتهم على معاني سقيمة، وقوالب مبتذلة.الطيب عبدالرازق النقر عبدالكريمولاية النيل الأزرق-الدمازين

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

الأساطير في الآداب الأوربية والعربية

المقالات الأساطير في الآداب الأوربية والعربية! مصطفى عوض الله بشارة التفاصيل نشر بتاريخ السبت, 17 آذار/مارس 2012 08:32 من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان نعمة العقل السليم الذي يرشده إلى عبادة الخالق عز وجل، ويتدبر به أحواله في الدنيا بالفهم السديد الرشيد، والوعي بما يكتسبه من علومٍ ومعارف شتى يرتقي بها إلى آفاقٍ سامقةٍ من حضارة ونهضةٍ وتطور وقد هيأ الله تعالى للعقل الإنساني أجنحة يحلق بها في أودية الأحلام والخيال متى شاء التحليق والتهويم في عوالم رحبةٍ غير مرئية في الواقع ولكنها تبرق في الذهن كطيفٍ عابرٍ خلاب!وما فتئ الإنسان عبر العصور والأجيال المختلفة يبحث عن الجديد المفيد من المخترعات التي كانت حتى بالأمس القريب أشبه بالأسطورة والأحلام، فأضحت اليوم بحمد الله تعالى حقائق علمية نافعة معروفة لا سيما في مجال الاتصالات والكمبيوتر والليزر والأقمار الصناعية والعديد من المخترعات الحديثة الأخرى! وعن الأساطير في العصور القديمة: لقد نوقشت كثيراً ظاهرة الأسطورة في أوساط العلماء والفلاسفة. ومن خلال آرائهم وملاحظاتهم، تبلورت أربع نظرياتٍ في أصل الأسطورة لخصها لنا المؤرخ الباحث «توماس بولفنش» في كتابه «ميثولوجيه اليونان وروما»: (MYTHOLOGY OF GREECE AND ROME) حيث يقول في النظرية الأولى إنها حكايات أسطورية مأخوذة من الكتاب المقدس مع الاعتراف بأنها غُيِّرت أو حُرِّفت. ومن ثم كان «هيرقل» اسماً آخر لشمشون، والمارد ديو كاليون ابن بروميثوس الذي أنقذه زيوس وزوجته من الغرق فوق أحد الجبال هو مشهد أقرب إلى مشهد سفينة نوح مع اختلاف الظروف والأسباب بينهما. والنظرية الثانية «تاريخية» تشير إلى أن أعلام الأساطير كانوا فعلاً أحياءً وحققوا سلسلة من الأعمال العظيمة وبمرور الأيام أضاف إليهم خيال الشعراء ومؤلفو الحكايات ما وضعهم في ذلك الإطار الخيالي العجيب! ونظرية الأساطير الثالثة «رمزية» تشير إلى أن كل أساطير القدماء لم تخرج عن أن تكون في شتى أشكالها الفلسفية والأخلاقية والتاريخية مجرد مؤشرات رمزية و«مجازات» فهمت على غير وجهها الصحيح، أو فهمت حرفياً دون النظر إلى ما تنطوي عليه الأسطورة من رمزية! وكمثالٍ للرمزية في الأساطير ما يقال عن أن «سانورن» يلتهم أولاده! وقد أخذ الإغريق هذه الأسطورة بمدلولها الظاهر السطحي وإذا «كرونوس» أي «الزمن» يأكل كل شيء يوجد! والأسطورة الرابعة «طبيعية» بمقتضاها تشخص عناصر الكون من هواءٍ ونار وماء، أو تتحول إلى كائناتٍ حية أو تختفي وراء مخلوقاتٍ خاصة، أي بمعنى وجود كائنٍ روحي معين في البحر وفي أي مجرى ماء! وخلاصة القول عن الأساطير إنها كانت في العصور الأولى للبشرية ثمرة جهود الإنسان في فهم طبيعة الكون وفي تسمية ظواهره وتحديد أماكنه. وثمة تقارب والتحام بين الحكاية الشعبية «الخرافية» والأسطورة، فكلتاهما تتألفان من شخوصٍ حقيقية أو خيالية وأفعالٍ خارقة تخرج عن طبيعة البشر، إلا أن الحكاية الشعبية «الخرافية» قد تتعرض من حينٍ لآخر للإضافة أو التعديل! وفي الأدب اليوناني القديم يعتبر البطل الأسطوري «أخيل» من أشهر أبطال الياذة هوميروس. وكان فارساً مقداماً شجاعاً تمكن من قتل عدوه «هكتور» في حصار «طروادة». وكان البطل الأسطوري «أخيل» قد أخذ حصانه وحماية لجسمه من الموت عدا «كعب» رجله الذي أمسكت به أمه عندما غسلت جسده في نهر «سيتز» ولذا، فقد خاض البطل أخيل كثيراً من المعارك الحربية ولم يصبه أذى! وعندما أدرك الأعداء موضع الضعف فيه، صوبوا سهماً مسموماً إلى كعب رجله، فأرداه قتيلاً! ومؤلف هذه الملحمة الأسطورية الشاعر اليوناني «هوميروس» الذي عاش في القرن التاسع قبل الميلاد، ومن مؤلفاته أيضاً «الأوديسة» و«الأغاني الهوميرية». وقد أثرت مؤلفات هوميروس تأثيراً قوياً على الشعر اليوناني القديم. ومشاهد أسطورية في مسرحيات يونانية عدة مشاهد أسطورية نجدها ماثلةً أمامنا في مؤلفات الشاعر اليوناني القديم أرستوفانيس «386» قبل الميلاد (ARISTO PHANES). وللشاعر أرستوفانس مسرحيات: «الغيوم» و«العصافير» و«الزنابير» و«الضفادع». وهي مسرحيات شعرية تدور أحداثها مع الشخصيات الرئيسة في مشاهد خيالية أسطورية، وقد صور «أرستوفانس» بعض المشاهد في العالم الآخر «بعد الموت» لمحاكمة فلاسفة عصره والحكام والشعراء حيث يصدر عليهم أحكاماً حسب أعمالهم في الدنيا، إما بالإقامة الطيبة في «النعيم» أو بالعذاب في نار «الجحيم»! وهذه المسرحيات الشعرية كتبها أرستوفانس قبل مئات السنين من ميلاد السيد المسيح عليه السلام. وعن الأسطورة في الأدب العربي: لقد اشتهرت في أوساط الشعراء العرب قديماً أسطورة «الجن» الذي يوحي للشعراء أشعارهم! وفي هذا الصدد، نجد بعض القصص في الأدب العربي تروى عن علاقة الجن بالإبداع الشعري! وأن لكل شاعرٍ في ذلك الوقت تابعاً من الجن يلقي على لسانه الشعر! وتحددت الأسماء لهؤلاء الجن، فكان «مسحل السكران» شيطان الأعشى ولافظ بن لاحظ شيطان امرئ القيس وهادر شيطان النابغة الذبياني وهذا على سبيل المثال لا الحصر! «حي بن يقظان» أسطورة ابن طفيل ابن طفيل «أبو بكر محمد» = «1100م ـ 1185م» = عالم مسلم، ولد في «غرناطة» وتوفى في مراكش، وقد اهتم في حياته بالطب والفلك والرياضيات والفلسفة والشعر. وفي قصته الأسطورية «حي بن يقظان» استخدم أسلوب القصص الخيالية الرمزية لتجسيد أفكاره العرفانية، وقد سبقه إلى ذلك الكثيرون أمثال ابن سينا، والفارابي وإخوان الصفاء. وقصة «حي بن يقظان» الأسطورية لابن طفيل أرويها للقراء بإيجاز: حيث يقول الأديب المفكر ابن طفيل عن أم الطفل «حي بن يقظان» إنها كانت أختاً لملكٍ طاغية تخشى أن يصيب طفلها بأذى جسيم، فقذفته في أليم وجرفه المد إلى جزيرةٍ أخرى حيث التقطته ظبية كانت قد فقدت ابنها فحنت عليه وألقمته حلمتها وأرضعته لبناً سائغاً حتى ترعرع في تلك البيئة الحيوانية، وقد أحس حي بن يقظان في أعماقه بحنانٍ نحو الظبية لأنها أرضعته لبنها وعطف عليها كما يعطف الإنسان على أمه! وما زال «حي بن يقظان» على تلك الحال مع الظباء يحكي نغمتها بصوته، ويحكي جميع ما يسمعه من أصوات الطير وسائر الحيوانات، ولولا تقليده لتلك الأصوات لنشأ أبكم! وفي هذه القصة الأسطورية كثير من المواقف والمشاهد الرائعة التي لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعاً. ويقول الأديب المصري الكبير أحمد أمين عن قصة «حي بن يقظان» لابن طفيل: إن القالب القصصي الذي اتخذه ابن طفيل سبيلاً لعرض آرائه الفلسفية، سبق أن درسها المفكر «غرسيه غومس» دراسة علمية عميقة شاملة، ذهب فيها إلى أن الهيكل العام لقصة «حي بن يقظان» مأخوذ من قصة: «الصنم والملك وابنته» وهي إحدى الأساطير التي نسجت حول شخصية الإسكندر الأكبر! مصطفى عوض الله بشارة من المراجع: «الأساطير» د. أحمد كمال زكي وكتاب «الأسطورة في الأدب» شمس حجاجي.

الاثنين، 16 أبريل 2012

الأسلوبية: مفهوماً ونظرة تطبيقية


عبد الكريم عبد القادر عقيلان

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:

فهذا بحث متواضع، يتناول موضوع الأسلوبية، من حيث مفهومها وعلاقاتها بالعلوم الأدبية واللغوية الأخرى، ويظهر أهميتها في دراسة النص الأدبي.



وقد اخترت هذا الموضوع بعد فترة تأمل في المناهج النقدية الحديثة، فما وجدت نفسي إلا وهي تختار هذا الموضوع بصورة تلقائية، شعرت بعد الشروع في البحث أن الاختيار قد جاء مع الموضوع الذي تحبه نفسي، خاصة وأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم اللغة وبعلم البلاغة، اللذين أحبهما حباً كثيراً، وأظن أن كل من يدرس اللغة العربية، لا بد له من أن يحب هذين الاتجاهين.



وقد جعلت هذا الموضوع في ثلاثة مباحث:

الأول: الأسلوبية، المفهوم وإشكاليته، فذكرت فيه التعريف اللغوي، والاصطلاحي، وتعرضت لمفهوم الأسلوبية بادئاً بالمفهوم عند القدماء، والمحدثين من العرب، احتراماً للدور العربي في البلاغة العربية، وكونه أساساً لما يتداول الآن في الأسلوبية، مع عدم تنكر للسانيات الغربية وأثرها في بلورة المفهوم والمصطلح.



الثاني: الأسلوبية وتعالقاتها. حيث تعرضت لذكر العلاقات القائمة بين الأسلوبية وكل من: النقد وعلم اللغة، والبلاغة. وبينت أهم الفروق والجوامع المشتركة بينها وبين تلك العلوم، وتوضيح مدى الفائدة التي يجنيها كل علم من علاقته بالآخر، وطرق البحث المترتبة على تلك العلاقة.



الثالث: تناولت فيه إحدى الظواهر التي تهتم الأسلوبية بدراستها، ألا وهي: ظاهرة الانحراف، فتعرضت إلى التعريف بهذه الظاهرة، وبيان الأسس التي تعتمدها في الدراسة النصية، والجدوى من دراسة الانحراف في النصوص الأدبية، وأعقبت ذلك تطبيقاً متواضعاً على نص أدبي وهو قصة أدبية من تأليف القاص الأردني (نعيم محمد الغول) بعنوان "وجوه تلتقي" ضمن مجموعته القصصية "جرح كالنهر" التي نشرها سنة 2004م.



وقد لمحت في هذه القصة كثرة الانحرافات، فقررت اعتمادها كنص أطبق الدراسة عليه، حيث يصلح لمثل هذه الدراسات، وتحديداً انحراف التعبير في القصة.



وقد عدت أثناء إعداد هذا البحث إلى مراجع عدة، وأهم هذه المراجع: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث لإبراهيم عبدالجواد، وكتاب عبد السلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، وكتاب يوسف أبي العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق، وكتاب عدنان علي رضا: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية.



وفي الحقيقة، أنه لم تواجهني صعوبات تذكر أثناء إعداد البحث، غير أن ما يمكن الإشارة إليه، هو في كون البحث قد استغرق مني وقتاً طويلاً أتى على بعض ساعات النوم التي كنت أعتادها قبل الشروع فيه. ولا أتذمر من هذا بل لأشير إلى أن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك. وقد كنت مستمتعاً أثناء ذلك.







وأحب أن أهدي هذا البحث إلى كل محب للعلم والتعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين









كتبه/ عبدالكريم اعقيلان













المبحث الأول


الأسلوبية

مع المفهوم:

المفهوم في اللغة:

الأسلوبية مصدر صناعي من الأسلوب. وجذر هذه الكلمة الثلاثي هو: سَلَبَ، وحتماً لا يعنيني في هذا البحث الخوض في المعاني، التي تندرج تحته، بقدر ما يعنيني منها ما هو متصل بمفهوم الأسلوبية المعاصر، في الاستخدام النقدي الحديث. ولا بأس من الإشارة إلى المعنى الأول، الذي يوحي به الجذر في لغة العرب، ومفاده: انتزاع الشيء وأخذه والاستيلاء عليه([1]). وفيه أيضاً معنى ما يكون على الإنسان من اللباس([2]). وتأتي كلمة أسلوب بمعنى السطر من النخيل، " وكل طريق ممتد فهو أسلوب"([3]). والأسلوب هو الفنّ، "يقال: أخذ فلان في أساليب من القول، أي: أفانين منه"([4]).

ومما سبق يظهر كيف تحمل كلمة أسلوب في ذات استعمالها عند العرب، قديماً، معنى الفنّ، أو ما يكون متعلقاً باللغة، من حيث التفنن في إظهارها بسماتٍ تكون أدعى للقبول، وأشد تأثيراً في السامع.

ولا عجب في ذلك، إذ عُرف العرب بفصاحتهم وبلاغتهم وحرصهم على انتقاء الألفاظ والمعاني في كل ما يصدر عنهم ، ولعل ظاهرة عبيد الشعر، تعد دليلاً على ذلك. والأكبر منه هو نزول القرآن الكريم متحدياً إياهم بأن يأتوا بمثله، فجاءهم الله تعالى بمعجزة تناسب المقام الذي كانوا عليه من حيث اللغة الفصيحة، والبلاغة المليحة.

المفهوم في الاصطلاح النقدي الحديث:

يقدم كثير من العرب الذين كتبوا في الأسلوبية تعريفهم لها مرتبطاً بالنظر إليها من خلال الزاوية الغربية([5]). إذ يُنظَر إلى الأسلوبية على أنها علم مستحدث ارتبطت نشأته الحقيقية بالدراسات اللسانية اللغوية، وهي الدراسات اللغوية اللسانية التي ظهرت بوادرها في مطالع القرن التاسع عشر([6]). يقول إبراهيم عبد الجواد:" والدافع الحقيقي لنشأة الأسلوبية يكمن في التطور الذي لحق الدراسات اللغوية، وتكاد الدراست العربية تجمع على أن نشأة الأسلوبية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا التطور، وتعده أساس الدراسات الأسلوبية. وإذا آمنا بأن الأسلوبية جاءت وليد التطور الذي لحق العلوم الثلاثة: النقد والبلاغة واللغة، فإننا نؤكد أن نشأة الأسلوبية لغوية، ولا سيما التطور في مجال الدراسات الأدبية"([7]). ويرى أحمد درويش أن كلمة (أسلوبية) قد وصلت إلى معنًى محدد في أوائل القرن العشرين، وهو تحديد مرتبط بشكل وثيق بأبحاث علم اللغة([8]).

وأرى بعد هذا، أن التسليم بتأثير التطور الذي حصل على الدراسات اللغوية، لا ينفي أن تكون ملامح الدراسات الأسلوبية قد كان لها جذورها في الدراسات العربية وإن لم تحمل هذا الاسم. وقد اتجه باحثون عرب إلى صميم التراث العربي لاستنطاق النصوص التراثية بمفهوم الدراسات الأسلوبية من قبيل الإقرار بالبعد التاريخي لها، "وتأكيد أصالة البحث الأسلوبي عند العرب، والكشف عن صلة الرحم بين الأصالة والحداثة"([9]) ، وأتوا بنتائج إيجابية.

المفهوم العربي:

اتجه البحث في مفهوم الأسلوبية في تراث العرب القديم اتجاهين([10]):

· الاتجاه الأول:

- طريقة بحثهم: "تتبع ما أمكن من التراث؛ للنظر في آرائهم المتفرقة، وتحديد مفهوم الأسلوب عندهم".

- رواد الاتجاه:

الباحث
دراسته
السنة

محمد الهادي الطرابلسي
مظاهر التفكير الأسلوبي عن العرب
1978م

شكري محمد عياد
مفهوم الأسلوب بين التراث النقدي ومحاولات التجديد
1980م

محمد عبدالمطلب
مفهوم الأسلوب في التراث
1987م


· الاتجاه الثاني:

- طريقة بحثهم: "الكشف عن النظرية الأسلوبية في كتاب ما، أو مؤلف ما" من التراث القديم.





- رواد الاتجاه:

الباحث
دراسته
السنة

عبدالسلام المسدي
المقاييس الأسلوبية في النقد الأدبي من خلال "البيان والتبيين" للجاحظ
1976م

شكري محمد عياد
البلاغة العربية وعلم الأسلوب
1985م

نصر حامد أبو زيد
مفهوم النظم عند عبدالقاهر الجرجاني، قراءة في ضوء الأسلوبية
1984م




ولا يتوقف الجهد العربي في البحث في التراث القديم عند الأسماء التي ذكرها إبراهيم عبدالجواد في كتابه([11])، ولعله اكتفى بذكر هذه الأسماه على سبيل التمثيل لا الحصر. فهناك دراسات أخرى لأعلام كان لهم بصمات واضحة حول إجلاء الدور العربي القديم في موضوع الأسلوبية، وإن كانت دراسات بعضهم قد احتوت على إشارات منثورة في مؤلفاتهم. ومن هؤلاء([12]):

الباحث
دراسته
السنة

مصطفى صادق الرافعي
إعجاز القرآن والبلاغة النبوية
(ت:1937م)

عباس محمود العقاد
مراجعات في الآداب والفنون
(ت:1964م)

أمين الخولي
فن القول
1947م

أحمد حسن الزيات
دفاع عن البلاغة
(ت:1968م)

أحمد الشايب
الأسلوب





وقد كانت أطروحات الأدباء والنقاد القدامى حول الأسلوب في معرض حديثهم عن القضايا النقدية والبلاغية وقضية إعجاز القرآن الكريم، ولا يعني هذا أنهم تعرضوا إلى كل القضايا الأسلوبية " إنما هي معالم واضحة، لها دور… في تاريخ الدراسات الأسلوبية"([13]).







مختارات من آراء العرب في الأسلوبية:

الأسلوبية عند القدامى:

إن المفهوم الذي استقر عليه مصطلح الأسلوبية وبهذه الصيغة اللفظية، " لم يظهرإلا في بداية القرن العشرين، مع ظهور الدراسات اللغوية الحديثة، التي قررت أن تتخذ من الأسلوب علماً يدرس لذاته، أو يوظف في خدمة التحليل الأدبي، أو التحليل النفسي، أو الاجتماعي، تبعاً لاتجاه هذه المدرسة أو تلك"([14]) .

ولا يمنع ذلك أن أسجل ما توصلت إليه الدراسات العربية حول الأسلوب عند القدماء. حيث أشارت إلى مجموعة من القضايا فيما يتعلق بالأسلوب([15]) :

- " لم يستعمل مصطلح (أسلوب) في كتاب ” البيان والتبيين” للجاحظ، واستعمل مرة واحدة عند عبدالقاهر الجرجاني، وفي عديد من المرات عند حازم القرطاجني في كتابه ”منهاج البلغاء وسراج الأدباء” "([16]).

- استقرّت كلمة الأسلوب في صيغتها الاسمية في ” لسان العرب” لابن منظور، وفي فصل ”صناعة الشعر” من مقدمة ابن خلدون، وتحددت للأسلوب في هذين المصدرين بعض معالمه اللغوية والاصطلاحية المهمة([17]).

- " نظر العرب إلى الأسلوب من زاوية المظهرالذي يخرج فيه، أو الذي يتوهم خروجه فيه، كذلك. فعدوه: الضرب من القول، أو الطريقة، أو المنوال، أو القالب، وهذه النظرة نجدها مثلاً عند عبدالقاهر الجرجاني وابن خلدون"([18]).

- " نظر بعض الأدباء بين تعدد الأساليب والافتنان فيها وطرق العرب في أداء المعنى، بحيث يكون لكل مقام مقال، فتعدد الأساليب راجع إلى: اختلاف الموقف- وطبيعة الموضوع- ومقدرة المتكلم وفنيته"([19]).

- " لم يَثبُت النقادُ القدامى على اتجاه واحد في تحديد معنى الأسلوب. فقد ربطوه مرة بالناحية المعنوية في التأليفات، وربطوه مرة ثانية بطبيعة الجنس الأدبي، ومرة ثالثة بالفصاحة والبلاغة"([20]).

- " تحدث النقاد العرب القدامى عن الانحرافات السياقية، مثل: التقديم والتأخير والحذف والتكرار، والالتفات"([21]).

- بالرغم من عدم وجود مصطلح الأسلوب بصيغته هذه لدى الجاحظ، إلا أن نظريته القائمة على مبدأ اختيار اللفظ، قد توافقت مع طروحات المحدثين من الغربيين حول الأسلوبية. فهي تتوافق مع ما يسميه الأسلوبيون: "الانتطام النوعي"، وهو ما يعب عنه الجاحظ بقوله:" لا يكون الكلام يتسحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أقرب من معناه إلى قلبك"([22]).

الأسلوبية عند المحدثين:

سار النقاد العرب المحدثون في المنهج الأسلوبي، وقد تعرفوا على الأسلوبية الغربية، فكان توجههم نحو القديم محاولة لاستكشاف معاني الأسلوبية الحديثة في الطرح القديم، وهذا أجده في كثير من تعبيرات النقاد المحدثين، حين يشيرون إلى صورة أسلوبية اصطلاحية في القديم، فإنهم يقولون على سبيل المثال:"وهذه النظرية تجد ما يقابلها في أسس النظرية الأسلوبية الحديثة"([23]). وأحسب أن هذا الطرح يشير إلى أن هؤلاء النقاد، إنما كان سعيهم في سبيل إثبات أصالة الدرس الأسلوبي العربي، وليس مجرد أن يكون درساً تابعاً للغرب، أو خالياً من المضامين النقدية.([24])



· أحمد الشايب:

عرف الشايب الأسلوب تعريفات مختلفة، دارت حول محاور ثلاثة: فن الكلام، وطريقة الكتابة، والصورة اللفظية التي نعبر بها عن المعاني([25]). ويلاحظ أن تعريفه جمع بين الفن والطريقة والصورة، وهي عناصر تشرك في تفاعلها عناصر ثلاثة، هي: المنشئ للأدب، والمتلقي له، والأدب نفسه([26]).



عبدالسلام المسدي:
عرّف الأسلوبية انطلاقاً من محاور ثلاثة: المخاطِب(صاحب الأدب)، والمخاطَب(متلقي الأدب)، والخطاب(النص الأدبي). وقد كان تعريفه منطلقاً من تعريفات الغربيين للأسلوب. فقد كانت تعريفاته للأسلوبية محالةً إلى مصادرها الغربية ورجالها الذين عرّفوها. وينطلق في ذلك انطلاقاً لسانياُ وأدبياً كمنطلقه لتعريف الأسلوبية([27])، حيث جاء تعريفها لديه بأنها: "علم تحليلي تجريدي، يرمي إلى إدراك الموضوعية في حقل إنساني عبر منهج عقلاني يكشف البصمات التي تجعل السلوك الألسني ذا مفارقات عمودية"([28]). وكما يُلاحَظ على الصيغة التي صاغ بها المسدي تعريفه، فإنها مليئة بالزخم المعرفي والعمق الفلسفي، ما يستوجب البحث عن معجم يفسر كل كلمة في التعريف([29]).



· منذر عياشي:

" الأسلوبية علم يدرس اللغة ضمن نظام الخطاب، ولكنها- أيضاً- علم يدرس الخطاب موزعاً على مبدأ هوية الأجناس؛ ولذا، كان موضوع هذا العلم متعدد المستويات، مختلف المشارب والاهتمامات، متنوع الأهداف والاتجاهات"([30]). وبالرغم من الملاحظة الظاهرة على تعريف العياشي للأسلوب مركزاً على عنصر الخطاب، إلا أنه لا ينفي تعدد مستويات الأسلوبية.

وإنني إذ أكتفي بهذه الرؤى العربية، لا يفوتني أن أشير إلى أن الرواد العرب في تعريفاتهم كانوا يقتربون من الطرح الغربي، بصورة توحي بتبنيه، ولا يعيبهم هذا في شيء، بل كانت ثقافتهم واطلاعهم على ما استجد في الساحة الغربية على مستوى الدراسات اللغوية، واللسانية، والصوتية، والنقدية، حافزاً إلى العودة إلى التراث العربي الأصيل، انطلاقاً من الحس المرهف، الذي تلمّس في هذا الوافد الجديد، روح الآباء والأجداد، الذين أرسوا دعائم علوم اللغة، والبلاغة، وإن لم يسجلها التاريخ المعاصر باسمهم. فكان الجهد في البحث في بطون التراث مجدياً، حين أثبتت الدراسات وجود ملامح الدرس الأسلوبي عند النقاد العرب القدامى.

والموضوعية العلمية تستوجب أن يعطى كل ذي حق حقه؛ وعليه فلا بد من ذكر الجهود الغربية في مجال علم الأسلوب، أو الأسلوبية، فالتاريخ لا ينكر تضلعهم في الأبحاث الأسلوبية، وقد كانت مؤلفاتهم، ومنشوراتهم رافداً ومرجعاً من مراجع الدراسات الأسلوبية.

*****



المفهوم الغربي:

يأتي مفهوم الأسلوبية عند الغرب ومعه صراع إشكالية التعريف؛ وذلك بسبب "مدى رحابة الميادين التي صارت هذه الكلمة تطلق عليها"([31]). حيث قدمت إحدى النشرات "الببليوغرافية" حول الدراسات الأسلوبية في ميدان اللغات الرومانية ما يقرب من (ألف وخمسمئة) عنوان([32]).

ويضاف إلى أسباب صعوبة تحديد مفهوم الأسلوب عند الغرب، أن الباحثين قدموا هم أنفسهم تعريفاتهم للأسلوب بصورة متباينة، تجاوزت الثلاثين تعريفاً، في بعض الأحيان([33]). بالإضافة إلى كون بعض الدراسات الغربية، لا تكشف بطبيعتها عن مفهوم الأسلوب، بل يُترَك ذلك للدارس ليستخلصه من خلال جملة من المعطيات، التي يشتمل عليها المنهج المتبع في تحليل الخطاب الأدبي([34]).

وإن كانت الأسلوبية في لفظها الأجنبي هي "Style"، وهي مشتقة من الأصل اللاتيني الذي يعني: القلم([35])، فإن طبيعة الفلسفة الغربية هي التي ساهمت في نشوء التباين في الموقف التعريفي للأسلوبية.

فقد ورد في الموسوعة الفرنسية "Encyclopoedia Universalis" أنه: " يمكن استخلاص معنيين لكلمة أسلوب، ووظيفتين: فمرة تشير هذه الكلمة إلى نظام الوسائل والقواعد المعمول بها، أو المخترعة، والتي تستخدم في مؤلف من المؤلفات. وتحدد- مرة أخرى- خصوصياته، وسمة مميزة، فامتلاك الأسلوب فضيلة". وأضافت الموسوعة: "إننا إذا أولينا الاهتمام بالنظام وقدمناه على الإنتاج، فإننا نعطي الأسلوب تعريفاً جماعياً، ونستعمله في عمل تصنيفي، ونجعل منه أداة من أدوات التعميم. أما إذا كان الأمر على العكس من ذلك، وأولينا انتهاك النظام، والتجديد، والقراءة اهتمامنا، فإننا نعرف الأسلوب، حينئذٍ، تعريفاً فردياً، ونسند إليه وظيفة فردية. ولكن، كل هذا يقودنا إلى التفكير فيه، كذلك، على أنه سمة مميزة ونظام بآنٍ"([36]).

ومما طرحته الموسوعة الفرنسية، ينبغي التفريق إذاً بين أمرين: الأول علم الأسلوب، والثاني الأسلوبية. وهذا الطرح دفعه مدى عمق الإشكالية التعريفية لمفهوم الأسلوب، حتى تعمقت النظرة فيه، ما أدى إلى تحوله من مجرد جزء يعمل لحساب علوم أخرى، إلى أن بات علماً له نظرية ابيستيميولوجية تحدد أصوله العلمية، ونظريته المعرفية.

ويمكن اختصار التفريق بين الأمرين من خلال أن علم الأسلوب يبحث في الأصول المتبعة في الدراسات الأسلوبية، بينما تمثل الأسلوبية المنهج التطبيقي الذي يسير وفق ما أصله علم الأسلوب([37]). وهذا يشابه تماماً ما يعرف في الدراسات الشرعية، إذ يوجد علم أصول الفقة، وعلم الفقة.

وقد أحس شارل بالي باحتمال الخلط بين المفهومين، ففرق بينهما على النحو الآتي([38]):

فأما الأسلوب: " تفجر الطاقات التعبيرية الكامنة في صميم اللغة بخروجها من عالمها الافتراضي، إلى حيز الموجود اللغوي". أي: الأسلوب هو الاستعمال ذاته. وأما الأسلوبية: فتهدف إلى "إقامة ثبت لجملة من الطاقات التعبيرية الموجودة في اللغة بقوة ".([39])



وهذا التفريق بين المصطلحات، هو كما ذكرت، جاء نتيجة الصراع على تعريفات هذا العلم الجديد، في استقلاله كعلم له أركانه وأصوله، القديم في تطبيقاته وملامحه في الدرس العربي القديم.

*****

الزوايا التي نظر منها الغرب إلى المفهوم:

تعددت الجهات التي نظر منها الغرب إلى مفهوم الأسلوب. وقد أجمل عبدالسلام المسدي هذه الجهات، وجعلها تدور في فلك ثلاثة محاور([40]):

ý المحورالأول: تعريف الأسلوب من خلال صاحبه:

· دور الأسلوبية في هذا المفهوم:

" الأسلوبية تدرس هنا، في التحليل الأسلوبي، معتقد الكاتب، ونظرته إلى القضايا، وانفعالاته. وهذا التصور هو الأسبق والأوسع انتشاراً"([41]).

· المفاهيم المنبثقة من هذه الزاوية:

v المفهوم الأول: الأسلوب هو" قوام الكشف لنمط التفكير عند صاحبه"([42]).

v المفهوم الثاني: " الأسلوب هو الإنسان عينه"([43]).

v المفهوم الثالث: الأسلوب هو:" اختيار أو انتقاء يقوم به المخاطِب لسمات لغوية معينة، تفرض التعبير عن موقف معين"([44]).

· أهمية المفهوم: " هذا المنحنى في تحديد ماهية الأسلوب هو بمثابة المعيار الدلالي لمحتوى الرسال المبلغة"([45]) وقد علل أحمد الشايب هذا المعيار حيث عدّ أنّ " الصورة اللفظية التي هي أول ما يُلْقى من الكلام، لا يمكن أن تحيا مستقلةً، وإنما يرجع الفضل في نظامها اللغوي الظاهر إلى نظام آخر معنوي، انتظم وتألّف في نفس الكاتب، أو المتكلم؛ فكان بذلك أسلوباً معنوياً، ثم تكون التأليف اللفظي على مثاله، وصار ثوبه الذي لبسه، أو جسمَه، إذا كان المعنى هو الروح"([46]).









· رواد هذا المفهوم الغربيون:

كانت هذه النظرة وليدة نظرية "بيفون، Buffon"([47])، التي تنص على أنّ:" المعاني وحدها هي المجسمة لجوهر الأسلوب. فما الأسلوب سوى ما نضفي على أفكارنا من نسق وحركة"([48]). وأكّد فلوبير([49]) هذا التوجه، منطلقاً من نظرية بيفون. ونرى هذا التصور عند بروست([50]) ومونان([51]). وكانت نظرية ستاروبنسكي، حيث حدد ماهية الأسلوب بكونه اعتدالاً وتوازناً بين ذاتية التجربة ومقتضيات التواصل([52]).

الدراسات العربية التي سارت على هذا المفهوم:
دراسة يوسف اليوسف، في كتابه: "مقالات في الشعر الجاهلي".
فقد انطلق في قراءته لمعلقات الشعر الجاهلي من ثنائية "الصورة والأسلوب"، وانتهى إلى " نقض ما درج عليه كثير من النقاد، من أن الصورة إقحامٌ خارجي على الشعور، يمكن أن يظل قائماً داخله ومستقلاً عنه معاً، أو يمكن أن يختفي بتواجده فيه، حتى وإن ذاب داخل أليافه وخلاياه"([53]). ويقرر اليوسف في النهاية أن:" الصورة كفلذةٍ شعورية تغدو مرآةً تقتنص فيها الحاجة التي يتمثلها الشعور، إلى حد أنها تُكوِّنُهُ، وتحليلها إذن، أسلوب لغرز الذات واستبارها؛ لأن الشاعر يفض ذاته عبر الصورة"([54]).



دراسة لطفي عبدالبديع، في كتابه: "التركيب اللغوي للأدب".
حيث قرر " بعد تحليل نوعية العمل الأسلوبي، أن الخصائص الأسلوبية في الخطاب ليست صيغاً تاليةً يؤتى بها للتزيين والتحسين، وإنما هي جوهرية، لا تتحقق المادة الإنشائية إلا بها. فالأسلوب، أو ما يسميه بـِ "اللغة الشعرية" ليس من قبيل المعاني الثانوية، التي تطرأ على المعاني الأُوَل، ولا من قبيل " الأفكار، التي تهبط على الألفاظ كما تهبط الروح إلى الجسد"([55]).



ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك دراسات عربية حديثة نهلت من هذا الموفهوم، وجاءت في اتجاهها متوافقة مع الطرح الغربي في هذا المضمار. فأذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر، دراسة أحمد الشايب " الأسلوب" التي تعد أول دراسة عربية في الأسلوب([56]). كما وردت إشارات في كتب مثل: " في فلسفة النقد" لزكي نجيب محمود، و" اللغة والإبداع" لشكري عياد، و غيرها.([57])

*****







ý المحور الثاني: تعريف الأسلوب من خلال متلقيه:

· دور الأسلوبية في هذا المفهوم:

تبحث الأسلوبية في هذا المضمار عن القوة الناتجة من الأسلوب، حيث تشكل ضاغطاً على المتلقي فتحرّك نوازعه.([58]) أي: البحث عن المواطن التي تؤثر في المتلقي، وإبراز التأثيرات المحتملة فيه.

v مفهوم الأسلوب من هذه الزاوية:

ينظر إلى الأسلوب من هذه الزاوية على أنه قوة ضاغطة على المتلقي، وتحلل هذه القوة إلى جملة من العناصر، أبرزها فكرة التأثير، وفكرة الإقناع، وفكرة الإمتاع([59]).

· أهمية المفهوم: يظهر هذا المفهوم دوراً كبيراً للمتلقي كركيزة من ركائز عملية التوصيل للإبداع الفني. فأصبح المتلقي ذا رتبة رفيعة المستوى توازي رتبة المبدع للنص الأدبي.([60])

· الرواد الغربيون لهذا المفهوم:

كان من أصحاب هذا الرأي([61]) ريفاتير([62])، وهو أبرز رواد هذا الاتجاه([63])، وأندريه جيد([64])، وستاندال([65]). ورومان جاكبسون([66]).





ý المحور الثالث: تعريف الأسلوب من خلال النص:

· المفاهيم المنبثقة من هذا المحور:

v المفهوم الأول: " الأسلوب هو الاستعمال ذاته"([67]).

v المفهوم الثاني: الأسلوب توافق عمليتين: اختيار المتكلم لأدواته التعبيرية من الرصيد المعجمي للغة، ثم تركيبه لها تركيباً تقتضي بعضه قوانين النحو، وتسمح ببعضه الآخر سبل التصرف في الاستعمال. أي: " تطابق لجدول الاختيار على جدول التأليف"([68]).

v المفهوم الثالث: " الأسلوب انحراف عن نموذج آخر من القول، ينظر إليه على أنه نمط معياري"([69]).

· الأساس النظري الذي اعتمد عليه هذا المفهوم:

" ينطلق هذا المذهب من مفهوم اللغة عند سوسير. فسوسير قسم اللغة إلى قسمين: اللغة في حالة السكون، قبل الاستخدام، واللغة في حالة الاستخدام. وفي حالة الاستخدام تنقسم اللغة إلى قسمين: الخطاب العادي، أو النفعي، والخطاب الأدبي، الذي يحمل الأسلوب"([70]). وهذا الطرح الذي قدمه سوسير، من تفريق بين اللغة كنظام علم، واللغة كأداة مستعملة بين الأفراد، أدى إلى القول بأن اختلاف السمات الأسلوبية إنما يرجع إلى اختلاف استعمال الأفراد للغة([71]).

· دور الأسلوبية في هذا المفهوم:

" الأسلوبية تدرس هنا، العلاقة بين الوحدات المختلفة للنص: النحوية، والصرفية، والمعجمية، التي تشكل البنية العامة للنص"([72]).

· رواد هذا الاتجاه من الغربيين: بما أن هذا الاتجاه قد حصر اهتمامه بالنص، وعده معزولاً كل العزل عن الكاتب، فقد حدد غايته في أن يكون اتجاهاً وصفياً. فذهب في طريقين: الطريق الشكلي، الذي يحصر النص في لغة، ولا يفصل بين الشكل والمضمون. وهؤلاء هم من يطلق عليهم الشكليون([73]).

ورائد المدرسة الشكلية هو: رومان جاكبسون، الذي وضع نظريته اللسانية، التي حدد فيها ست وظائف للكلام منطلقاً من نظرية الاتصال، أو الإخبار، ومن جهاز التخاطب الذي يتألف من ستة عناصر، يؤدي كل منها وظيفته([74]):

المرسل ß وظيفته: التعبير المرسَل إليه ß وظيفته: الفهم

السياق ß وظيفته: المرجع الوسيلة ß وظيفتها: النقل

الرمز ß وظيفته: تأكيد التطابق بين طرفي التخاطب الرسالة ß وظيفتها: الإنشاء والشعر

أما الطريق الثاني فهو الطريق البنيوي، الذي حمل اسم الأسلوبية البنيوية، التي تنطلق من إيمان بأنّ الأسلوب: " تضمين (Connotaion) بمعنى: أن كل سمة لغوية، تتضمن في ذاتها قيمة أسلوبية معينة، وأنها تستمد قيمتها الأسلوبية من بيئة النص، وهذه القيمة قابلة للتغيير بتغير البيئة التي توجد فيها([75]).

ولعل رولان بارت([76]) هو الرائد البنيوي النقدي، غير أنه ليس الوحيد في هذ المضمار، حيث وجدت دراسات في الأسلوية البنيوية متعددة منها: كتاب ريفاتير" مقال في الأسلوبية البنيوية" .

وقد ترجم عبدالسلام المسدي منتخبات من تعريف الأسلوب تضمنت جملة من التعريفات كان من بينها ما يلتقي مع الاتجاه الأسلوبي البنيوي في كتابه: "الأسلوبية والنقد الأدبي، منتخبات في تعريف الأسلوب" حيث عرفها عند كثيرين منهم: جورج مونان، وشبيتزر، وستاروبنسكي، وغيرهم.([77])

· دراسات عربية في هذا المفهوم:

· دراسة عدنان حسين قاسم " الاتجاه الأسلوبي البنيوي في نقد الشعر العربي([78]):

حيث تحدث في كتابه هذا عن نشأة النقد الأسلوبي البنيوي وتطوره مع تطبيقات على نماذج من الشعر العربي. ([79])



· دراسة كمال أبو ديب " الرؤى المقنعة". من نشر الهيئة المصرية العامة(1986م)

· دراسة فؤاد منصور" النقد البنيوي الحديث". من نشر دار الجيل، بيروت(1985م).

ويضاف إلى جملة هذه الدرسات، ما قدمه عبدالسلام المسدي، وأحمد درويش، وصلاح فضل، وكتبهم على التوالي: "الأسلوب والأسلوبية"، "الأسلوب والأسلوبية"، "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته". حيث قدمت في هذه الدراسات ملامح الأسلوبية البنيوية، مع إبراز روادها وطرق دراستها.([80]).



وبعد:

فمن الملاحظ على ما قدم من تعريفات لمفهوم الأسلوب، والأسلوبية، أنه من المفاهيم الإشكالية، التي لم تقف عند نقطة محددة، يتفق على كونها حد علم الأسلوب. حتى كان من الغربيين من أطلق فيها عبارة تصف المدى الذي تشكل منه ذلك الإشكال. حيث قال ريتشارد برافو: " إن الأسلوبية محيرة، مراوغة، كثيرة الغموض والمزالق، سريعة الإفلات من اليد"([81]).



ولكن، من الملاحظ أيضاً، أن ذلك لم يكن ليشكل عائقاً أمام الدراسين. بل، انطلقت أقلامهم تبحث في الأسلوبية، تأصيلاً، وتنظيراً، وتطبيقاً على نماذج من الأدب. وقد اشترك العرب والغرب في هذه الخاصية. وإن كان الدور الغربي هو الذي حفز مثل هذا النوع من الدراسات، بل وكانت حصيلة نظرياتهم اللغوية وما توصلوا إليه في مضمار اللسانيات، كان لذلك أثره الفاعل في توجيه الدراسات الأسلوبية، التي تنوعت بحسب الاتجاهات الغربية، وروادها.



*****









المبحث الثاني











الأسلوبية وتعالقاتها

تمهيد:

اتضح في المبحث السابق أن حدّ الأسلوبية لا يقف عند نقطةٍ معينة. وهذا يعكس، دون شك، مدى وقوعها تحت تعالقات، فرضت عليها الخضوع لشروط معينة، والعمل بطريقة معينة أيضاً.

والملاحظ على الأسلوبية، أن جملة علاقاتها تتركز في ثلاث نواحٍ هي:

· العلاقة مع اللغة (علاقة نشأة).

· العلاقة مع النقد (علاقة أدوات عمل).

· العلاقة مع البلاغة (علاقة توأمة وأصالة).

ويمكن القول إن الأسلوبية قد جاءت " نتيجة الإحساس بضرورة تطوير الدراسات النقدية والبلاغية واللغوية التي سبقت النشأة الحقيقة" لها.([82])



وفيما يلي إشارات حول هذه الروافد، التي تتصل بعلم الأسلوب، الذي حصل على استقلاله، مع استمرارية إقامته للعلاقات الدبلوماسية عالية المستوى بهذه الروافد، جعلت منه مرتبطاً بها بما يشبه الإتحاد الكونفدرالي السياسي.



أولاً: الأسلوبية واللغة([83]):

يمكن القول إن علاقة الأسلوبية بعلم اللغة هي علاقة منشأ ومنبت. ولا يعني هذا عدم استقلال علم الأسلوب، بل الأقرب أن يُعدّ علماً مساوقاً لعلم اللغة، يهتم بعناصرها، وإمكانياتها التعبيرية. وقد طرح بعضهم أن يكون لعلم الأسلوب أقسام علم اللغة نفسها.

وقد أدى الارتباط التاريخي، بين علم اللغة وعلم الأسلوب، ببعض المؤرخين، إلى الوقوع في الخلط بينهما، حين عدوا كل دراسة تتناول المظاهر الأسلوبية اللغوية بأنها من الأسلوبية. إذ لا يعني هذا الالتقاء في التاريخ والأدوات، أن يكون هناك التقاء في مجالات العمل بحيث ينتفي معه التفريق بين العلمين. بل إن علم اللغة هو علمٌ له حدوده ومعالمه، كما لعلم الأسلوب حدوده ومعالمه، فلا بد من أن يحافظ كلا العلمين على ذلك التمايز، الذي يسمح لروادهما التنافس كل في مجاله، وإثراء الساحة العلمية بالبحوث المتنوعة.

أهم الفروق بين الأسلوبية وعلم اللغة([84]):

يمكن أن توضع أهم الفروق بين علم اللغة وعلم الأسلوب في اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن علم اللغة يدرس ما يقال، أي: مكونات الكلام الملفوظ. بينما تدرس الأسلوبية الكلام من حيث كيفية قوله، فتصف وتحلل القول بناءً على ذلك.

الاتجاه الثاني: يقدم علم اللغة الأدوات اللازمة للكاتب أو المتكلم، ليفصح عن فكرته، من ألفاظ وتراكيب وطرق بناء هذه الأدوات. أما الأسلوبية فتقدم عنصر الاختيار الذي يحدد ما يصلح وما لا يصلح من التعابير أو التراكيب، ليصل بالمستخدم للغة إلى نوع معين من التأثير في المتلقي، مع ضرورة احترام المتفق عليه بين العلماء من مدلولات لفظية وقواعد صرفية ونحوية وبيانية([85]).

دور علم اللغة في نشأة الأسلوبية الحديثة:

" الدافع الحقيقي لنشأة الأسلوبية يكمن في التطور الذي لحق الدراسات اللغوية. وتكاد الدراسات العربية تجمع على أن نشأة الأسلوبية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا التطور، وتعده أساس الدراسات الأسلوبية"([86]).

والتطور الذي حصل في البحث اللغوي طال أمرين([87]):

التطورالأول: ظهور علم الفيولوجيا المقارنة، الذي ربط اللغة بالفكر والإنسان، ونظر نظرة تاريخية مقارنة، حاول من خلالها اكتشاف خطوات التطور في اللغة (الهندوأوروبية) الأصلية، فنقل اهتمامهه من مادية اللغة وتحليل عناصرها، إلى الاهتمام بتاريخ الكلمة من حيث نطقها ومعناها، وصور استعمالها المختلفة في العصر الواحد. ودون أدنى شك يظهر كيف لهذا التطور الدرسي اللغوي، أن تجد الأسلوبية فيه متسعاً من البحث وإثبات الوجود.

وبقيت في هذا التطور فجوة تكشف عن صور متباعدة الأجزاء في اللغة، فكان تاريخ كل كلمة منفصلاً عن الكلمة الأخرى، حت كان التطور الثاني، الذي جاء به العالم السويسري (سوسير).





التطور الثاني: جهود فرديناند دي سوسير:

· التفريق بين اللغة والكلام([88]):

اللغة: "هي النظام الذي استقر ورسخ بنوع من الاتفاق الاجتماعي بين أفراد الجماعة المعينة، يتفاهمون فيما بينهم من خلالها".

الكلام: "هو صورة اللغة المتحققة في الواقع في استعمال فرد معين في حالة معينة، وهذا الاستعمال يطابق النظام العام (اللغة) في صفاته الأساسية، ولكنه يختلف في تفصيلاته من فرد إلى فرد، ومن حالة إلى حالة".

ويظهر مما سبق كيف أحيا سوسير روح الاهتمام بحال المتكلم، وحال المخاطب، في استخدام اللغة التي تناسب المقام لكليهما. بل كيف يمكن أن تكون اللغة المستخدمة صورة تعكس روح صاحبها وتميز الفرد ومجتمعه وعصره. وما من شك، فإن هذا التوجه الذي طرحه سوسير، قد أدى دوره في نقل الاهتمام اللغوي إلى صورة وجدت الأسلوبية معها مكانها الذي تنمو فيه وتزدهر.

ولم يكن عطاء سوسير متوقفاً على هذا الطرح بل جمع إلى جانبه عدة طروحات كان لها أثرها في الدرس الأسلوبي. ومنها:

· التفريق بين الدال والمدلول:

فهو يرى أن "العلامة اللغوية ذات طبيعة مركبة. وهي مكونة من اتحاد (الدال)، أي: الشكل الصوتي الذي يشار به إلى المعنى، و(المدلول)، أي: المعنى أو المفهوم نفسه"([89]).

· أبعاد الدرس اللغوي:

وقد جعل الدرس اللغوي يدور في فلك بعدين أساسيين([90]):

البعد الأول: الدراسة التزامنية أو الآنية (الساينكرونية): " التي تعالج فيها اللغات بوصفها أنظمة اتصال تامة في ذاتها، في لحظة معينة من الزمان، وتتجلى اللغة، في هذه الحالة، في هيئة نظام منسوق يعيش في الوعي اللغوي لمجتمع ما".

البعد الثاني: الدراسة التعاقبية أو التاريخية (الدياكرونية): " التي تعالج فيها، تاريخياً، عوامل التغيير التي تخضع لها اللغات في مسيرة الزمن. فهي تعنى بالظواهر اللغوية غير المختزنة في الوعي اللساني لهؤلاء المتكلمين أنفسهم".

· محاور ارتباط الإشارة اللغوية([91]):

المحور الأفقي: وهو المحور النظمي، " الذي تنتظم عليه الوحدات اللغوية؛ لتؤلف سلسلة معينة من الكلام في مقاطع وكلمات وجمل".

المحور الراسي: وهو المحور الاستبدالي، " الذي تنتظم عليه العلاقات بين كل إشارة من الإشارات الموجودة في المرحلة الكلامية، والإشارات الأخرى، التي تنتمي إلى اللغة نفسها. وهي علاقات تربط في ذهن المتكلم والسامع بين الإشارات التي تنتمي إلى نمط واحد، وتقوم بوظيفة لغوية مشتركة، ومن ثم يمكن أن يحل بعضها محل بعضها الآخر، في سياق السلسلة الكلامية، نفسه، دون أن يطرأ خلل على النظام النحوي".



كيف استفادت الأسلوبية من الطرح اللغوي الذي قدمه سوسير؟([92])

يمكن اختصار الفائدة التي جنتها الأسلوبية من الطرح الذي قدمه سوسير، كما يأتي:

- استفادت الأسلوبية من مفهومي: الآنية والتعاقبية، وهما بعدا الدراسة اللغوية، كما حددهما سوسير، حيث وُظـِّـفا في الدراسات النقدية الأسلوبية. فأصبح بالإمكان معهما، إصدار حكم كامل على الإنسان الفرد في أعماله الأدبية المستقلة، وفي الوقت نفسه، إعطاء صورة مادية صحيحة للتطور التاريخي.

- " كما استغل الأسلوبيون مفهومي: الدال والمدلول". حيث نُظِر إلى " الظاهرة اللغوية على نها رمز، وأن هذا الرمز يتألف في ذاته من عنصرين" : أحدهما: المفهوم أو المدرك الذهني، والآخر: الصورة الصوتية. وقد أضاف الأسلوبيون وظيفة للدوال تتعدى توصيل المفاهيم. إذ وجدوا أن الدوال لا تنقل المفاهيم فحسب، بل يدخل في نطاقها تداعي المعاني والشحنات العاطفية، والانسجام المتزامن. فالمدلول لا يعزل عما يلتحم به في السياق.



ولا تقف الفائدة، التي استفادتها الأسلوبية من علم اللغة، عند هذا الحد. بل، هناك الكثير. يبقى المجال واسعاً أمام البحوث والدراسات الجديدة. ففي كل يوم تظهر فائدة، والعلم لا يعرف طريقاُ محدوداً، والباب مفتوح أمام الدارسين، وينتظر من يطرقه.



مستويات التحليل الأسلوبي القائم على اللغة([93]):

1. المستوى الصوتي:

- ويرتكز على: الوقف- الوزن- النبروالمقطع- التنغيم والقافية.

- يمكن في هذا المستوى دراسة الإيقاع والعناصر التي تعمل على تشكيله، والأثر الجمالي الذي يحدثه. كما يمكن دراسة تكرار الأصوات والدلالات الموحية التي تنتج.

2. المستوى التركيبي:

- يدرس فيه: الجملة والفقرة، والنص، من خلال الاهتمام بـِ: البنية العميقة والبنية السطحية- طول الجملة وقصرها- الفعل والفاعل- الإضافة- التقديم والتأخير- المبتدأ والخبر- التذكير والتأنيث- البناء للمعلوم والبناء للمجهول- الصيغ الفعلية- وغيرها.

3. المستوى الدلالي: ويدرس فيه:

- الكلمات المفاتيح- الكلمة والسياق- الاختيار- الصيغ الاشتقاقية- وغيرها.

4. المستوى البلاغي: ويدرس فيه:

- الإنشاء الطلبي وغير الطلبي- الاستعارة وفعاليتها- المجاز العقلي والمرسل- البديع ودوره الموسيقي- ونحو ذلك.

*****



ثانياً: الأسلوبية والنقد الأدبي:

يُعرّف النقد بالمفهوم الدارج بأنه: " فن تقويم الأعمال الأدبية والفنية وتحليلها تحليلاً قائماً على أساس علمي" ([94]). وتلتقي الأسلوبية مع النقد فكرة معالجة النص الأدبي، من خلال عناصره ومقوماته الفنية والإبداعية، متخذة من اللغة والبلاغة جسراً تصف به النص الأدبي.([95])

وبالنظر في مفهوم النقد، فإنه يتضمن موضوع الحكم على العمل الأدبي، حيث يستشف ذلك من معنى التقويم. أما الأسلوبية فإنها لا تُقْدِمُ على الحكم على العمل الأدبي، وإنما تركز جهودها على البحث عن أسس الجمال المحتمل قيام الكلام عليه.([96])



وأما النقد، فيعتمد في عمله بالإضافة إلى عنصر الجمال، عنصر الصحة اللغوية. وهذا يجعل من الأسلوبية تمثل حلقة وصل بين اللغة والنقد.([97])

وقد كانت النظرة إلى العلاقة بين الأسلوبية والنقد الأدبي في ثلاثة اتجاهات([98]):

الاتجاه الأول: يرى أن الأسلوبية تختلف عن النقد، لكنها ليست بديلاً عنه.

- أساس هذه النظرة: في أن النقد فهم شامل، بينما الأسلوبية محدودة الاتجاه. حيث يعد النقد في نظرهم ذا نظرة فاحصة، ويستخدم جميع الأدوات الفنية: كاللغة والذوق الفني والصياغة، ثم يحكم بعد ذلك بالجودة أو الرداءة بناءً على المعطيات القائمة بين يديه. أما الأسلوبية فهدفها جماليّ بحت لا ترتقي إلى فكرة الحكم على العمل الأدبي بالجودة أوالرداءة.

الاتجاه الثاني: أشار إلى نقد الأسلوب، فعد النقد قد استحال فرعاً من فروع علم الأسلوب، يمده بالتعريفات والمعايير الجديدة.

الاتجاه الثالث: وهو اتجاه يعترف بمنهجية كل من النقد والأسلوبية. فيرى العلاقة بينهما جدلية، حيث يستطيع كلا المنهجين أن يمد الآخر بخبرات متعددة، استقاها من مجال دراسته. ويؤكد على بروز العلاقة بينهما حين يشترك المنهجين في معالجة النص من خلال: الوصف- التحليل- والتفسير، فيتعدى النقد إلى الحكم والتقييم، بينما تكتفي الأسلوبية بالكشف والتقرير. ولا ينفي هذا الفائدة التي يجنيها النقد من تحليلات الأسلوبية.



ويمكن القول بعد هذا: إن الأسلوبية " لا تطمح إلا أن تكون رافداً موضوعياً يغذي النقد، فيمده ببديل اختباري، يحل محل الارتسام والانطباع؛ حتى تسلم أسس البناء النقدي. فالأسلوبية إذن، دعامة آنية حضورية في كل ممارسة نقدية"([99]).



*****



ثالثاً: الأسلوبية والبلاغة:([100])

مع ظهور مبحث الأسلوبية على الساحة النقدية، لم تفتأ الدراسات العربية تبحث في الصلة بين هذا الوافد الإسميّ، الذي يحمل في ثناياه ملامح البلاغة العربية الممتدة الجذور في أعماق التاريخ، ويصحبها ذلك الوهج المشتعل من كبار النقاد والأدباء العرب، الذين زخرت المكتبة العربية بكتبهم المصدرية والمرجعية في فنون البلاغة وأفنانها، ولا زالت مناراً للبحث البلاغي الأسلوبي.

وتكاد الدراسات العربية تجمع على وقوع الصلة بين الأسلوبية الحديثة والبلاغة القديمة. إلا أن الدارسين العرب كانوا في هذا الباب على عدة اتجاهات([101]):

الاتجاه الأول: نظر إلى الأسلوبية والبلاغة من خلال الفروقات التي لمحها فيها. فاعتمد أن البلاغة كانت قد توقفت في نموها وتحجرت في قوالبها، ولم تحاول الوصول إلى بحث العمل الأدبي كاملاً.

وقد تمثل هذا الموقف في عدة دارسين عرب، كان من أبرزهم، محمد عبدالمطلب، في كتابه" البلاغة والأسلوب". وكانت الفروق التي لاحظها على العِلْمَيْن كما يأتي:

1. مبدأ الحكم.

2. الموقف من الإبداع.

3. الموقف من الشكل والمضمون.

أما من حيث مبدأ الحكم، فكانت البلاغة، بحسب هذا الاتجاه، تعتمد أنماطاً مسقبة، وتصنيفات جاهزة تحكم من خلالها، بينما تتحدد الأسلوبية بقيود المنهج العلمي الوصفي.

وفي الموقف من الإبداع، هدفت البلاغة إلى خلق الإبداع، من خلال وصاياها التقييمية، في حين اكتفت الأسلوبية بالسعي نحو تعليل الظاهرة الإبداعية بعد أن يتقرر وجودها.

وأما الموقف من الشكل والمضمون، فكانت رؤية هذا الاتجاه تنظر إلى أن البلاغة اعتمدت الفصل بين الشكل والمضمون، بيمنا رفضت الأسلوبية هذا الفصل.

الرد على هذا الاتجاه:

لم تكن هذه الآراء لتترك دون نقد. فإنه إن ترك أمر مبدأ الحكم والموقف من الإبداع ليكون مقبولاً في أحد نواحيه، إلا أن الموقف من الإبداع والموقف من الشكل والمضمون لم يرق لبعض النقاد. حيث تعرض إبراهيم عبد الجواد لهذا الرأي فقال:

" ويعد هذا التشخيص صحيحاً إذا ثبت لدينا أن البلاغة العربية فصلت بين الشكل والمضمون، وأن المنهج الوصفي كان غائباً عنها، أو إذا قصرنا دراستنا على كتاب بلاغي واحد تتجلى فيه هذه المفارقات. وقد ثبت أن البلاغة لا تنظر إلى الشكل في معزل عن المضمون، كما أنها لا تسعى إلى تعليل الظاهرة الإبداعية، على الرغم من أنها تتصف في الغالب بصفة المعيارية"([102]).

وأياً كانت المواقف النقدية من هذا الاتجاه، إلا أن ظهور اتجاهٍ مغاير له أمر حتمي، وقد تجلى هذا عملياً في الاتجاه الثاني.

الاتجاه الثاني: وهو اتجاه سجل فيه شكري عياد روح الأصالة، التي تمتد جذور الأسلوبية الحديثة فيها لتضرب في أعماق البلاغة القديمة. فنظر إلى الدرس البلاغي القديم على أنه درس خصب، ساهم دون شك في وضع المبادئ الأساسية لعلم الأسلوب العربي.

وهنا، حاول شكري أن يكشف عن أوجه التلاقي بين تصور اللغويين الغربيين للغة وبين الدرس البلاغي العربي. فربط بين نظرة دي سوسير للغة وتعريف الجرجاني للبلاغة([103]). وكانت فكرة العلاقات القائمة بين المحور الرأسي والمحور الأفقي حاضرة في شقها الأفقي. حيث تأتي بتعريف الجرجاني على أنها " تآخي معاني النحو بحسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام" وجاءت في تعريف السكاكي بأنها:" معرفة خواص التراكيب"([104])

فعلى هذه الشاكلة، اندفع شكري عياد يكشف عن وجوه التلاقي بين الدرس الأسلوبي والبلاغة العربية، وإن فرق بينهما في بعض القضايا.

أما نقاط الالتقاء، فكانت على النحو الآتي:

1. أهمية الموقف.

2. طرق التعبير.

3. الهدف.

حيث يهتم الأسلوبيون والبلاغيون بمراعاة مقتضى الحال. وقد لعبت الظروف الفكرية التي أحاطت العصر القديم والعصر الحديث، في اختلاف التركيز بين العلمين في هذا المجال. حيث كانت البلاغة تركز على عقلية المخاطب؛ نظراً لخضوع البلاغة في ذلك الوقت لسيادة المنطق على التفكير العلمي، وإن وجد عندهم مادةٌ أدبية تهتم بالناحية الوجدانية للمخاطب. بينما كانت الأسلوبية قد نشأت في عهد علم النفس، الذي انتشر في شتى المجالات؛ لذلك وُجِد الموقفُ عند الأسلوبين أشدَّ تعقيداً منه عند البلاغيين.([105])

أما طرق التعبير، فهو موقف ناتج من سابقه. إذ يفترض كلا العلمين أن هنناك طرقاً متعددة للتعبير عن المعنى، وأن القائل أو الكاتب يختار إحدى هذه الطرق بما يراه مناسباً للموقف في رأيه([106]).

وفيما يتعلق بهدف الأسلوبية والبلاغة، فقد قرره شكري عياد مشتركاً، إذ يسعى كلا العلمين إلى تقديم " صورة شاملة لأنواع المفردات والتراكيب، وما يختص به كل منهما من دلالات، وهذا نفسه هو ما يصفه علم البلاغة" ([107]).

وقد كشف شكري عياد عن بعض المفارقات بين البلاغة والأسلوب، فيما يتعلق بأصول كل علم. إذ اعتقد أن أصل البلاغة لغوي قديم، وأصل الأسلوب لغوي حديث، فصبغت هذه الأصول البلاغة بالمعيارية، والأسلوب بالعلمية الوصفية.([108])

وربما كانت هذه الملامح نذيراً لظهور اتجاهٍ ثالثٍ ينطلق من مفهوم المعيارية والوصفية.

الاتجاه الثالث: وهو توجه يرى البلاغة أكبر من الأسلوبية، وهي اتجاه من اتجاهي البلاغة: المعيارية والتقريرية العلمية، بينما تتصف الأسلوبية بالتقريرية العلمية دون المعيارية. فنادى أصحاب هذا الاتجاه إلى عدم " إقامة علاقة خلافية بين البلاغة والأسلوبية، إلى درجة التناقض، أو إقامة علاقة سلالية، بحيث تُرى الأسلوبية مرحلةً تاليةً للبلاغة"([109]).



وبعد هذا العرض لمختلف الآراء، فإنني أرى أنه مهما كانت الطروحات السابقة صائبة في بعض أوجهها، أو في جميعها، إلا أنه لا يمكن أن تنتفي تلك الصلة الواضحة بين الأسلوبية والبلاغة العربية، وأن المحاولات العربية التي تناولت مسح التراث العربي القديم، أو تناولت جزءًا منه، أو تعرضت له بأضواء الدراسات الغربية، فإن ذلك لا يزيد العلاقة بين العلمين إلا قوة وصلابةً، وأنه كلما أجريت دراسات جديدة حصلنا على نقاط التقاء وأهداف مشتركة بين الأسلوبية والبلاغة، مع التأكيد على الحدود التي ميزت العلمين كل في زمانه وعصره، فيمكنني القول بعد ذلك: بأن الأسلوبية هي بلاغة حديثة.



المبحث الثالث



الانحراف: ظاهرة

تمهيد:

في هذا المبحث أقدم تعريفاً عاماً بإحدى الظاهر الأسلوبية. وقد جاء هذا المبحث بعد العرض الذي قدمته حول الأسلوبية بشكل عام.



التعريف بظاهرة الانحراف:

يعد هذا المصطلح إشكالياً، من حيث إطلاق المسميات عليه. فمنهم من يسميه الابتعاد، ومنهم من يسميه النشاز، وكذلك الانحراف. "([110]).

ومن ناحية المعنى، فإنه، "يكاد الإجماع ينعقد على أن الانزياح: خروج عن المألوف أو ما يقتضيه الظاهر، أو هو خروج عن المعيار؛ لغرض قصد إليه المتكلم، أو جاء عفو الخاطر، لكنه يخدم النص بصورة أو بأخرى، وبدرجات متفاوته"([111]). ويمكن القول باختصار: إن الانحراف هو مقابل المجاز في البلاغة.



أساس بروز ظاهرة الانحراف في الأسلوبية:

" إن أساس هذا الاتجاه هو علم اللغة. وقد تلتقي عدة اتجاهات في هذا الأساس، وتختلف في السبيل" " وهذه النظرة تعد بمثابة رد فعل جاد من المناهج اللغوية على تيارات، أو … اتجاهات انطباعية سادت ساحة النقد الأدبي، أو كادت تسوده" ([112]).



متطلبات دراسة الانحراف:

يفترض هذا المفهوم توفر أمرين في الدراسة الأسلوبية، وهما: تحديد المقياس الذي يقاس به الانحراف، والثاني: تحديد المعيار الذي تقاس عليه درجة الانحراف. إذ ينظر إلى الأسلوب " على أنه انحراف عن النمط المعياري، أي: مخالفة الطريقة العادية أو المتوقعة في التعبير"([113]).



فأما تحديد المعيار، فإنه يشمل جانبين، من جوانب اللغة([114]):

الجانب الأول: معايير الاستعمال الفعلي للغة. وهذا يتطلب من القارئ معرفة شمولية بهذه المعايير.

الجانب الثاني: معايير النظام اللغوي. وهذا يتطلب أيضاً أن يعرف القارئ النظام اللغوي حتى يستطيع تحديد الإنحراف.

وأما المقاييس التي يمكن الكشف بها عن الانحراف في النص الأدبي، فيمكن اعتبار مقياسين منها:

المقياس الأول: الحس اللغوي لدى المتلقي. " وبهذا فإن معيار الانحراف فضفاض غير محدد، إذ يختلف الحس اللغوي عند المتلقين باختلافهم أصلاً"([115]).

المقياس الثاني: مبدأ البنية العميقة والبنية السطحية. وأساس هاتين البنيتين نظرية النحو التوليدي، التي " تفترض وجود بنيتين لكل عبارة لغوية: بنية ظاهرة تسمى البنية السطحية، وبنية غير منطوقة ولا مكتوبة، تمثل الهيكل الأساسي لتلك البنية تسمى بنية عميقة. ويميز بين بنية الجملة العميقة والجملة السطحية في أن الأولى هي البنية المجردة الضمنية، التي تعين التفسير الدلالي. وأما الثانية فهي ترتيب الوحدات السطحية الذي يحدد التفسير الفونتيكي، الذي يرد إلى شكل الكلام الفعلي الفيزيائي، وإلى شكله المقصود والمدرك"([116]).



الفائدة من دراسة الانحراف:

يمكن القول، "إن تعيين الانحرافات أو مراقبتها تصبح من أهم عناصر الدراسة الأسلوبية"([117]) ويمكن إيجاز الجدوى من دراسة الانحراف على النحو الآتي([118]):

1. يمكن عن طريقها استخدام الظواهر الفنية للأداء التركيبي، والوصول إلى نتائج محددة من خلال رصد كيفية الأداء ونظام التركيب اللغوي للجمل.

2. قد يتحول الانحراف مع مرور الزمن إلى ما يسمى بـ "الانحراف المطلق"، أي: قد يصبح ما هو مجازي حقيقياًً، كما يصبح ما هو حقيقي مجازياً. وهذه صورة لافتة للنظر، وقد عُلّلت بكثرة الاستهمال، الذي يجعل من الانحراف حقيقة عرفية.

3. رصد ظواهر الانحراف في النص يمكن أن تعين على قراءته قراءة استبطانية تبتعد عن القراءة السطحية والهامشية.

4. تأتي أهمية دراسة النحراف أيضاً من أهميته ذاته، على صعيد المبدع والنص والمتلقي([119]):

أ‌. بالنسبة للمبدع:

يجسد الانحراف قدرة المبدع على استخدام اللغة وتفجير طاقاتها وتوسيع دلالاتها، وتوليد أساليب وتراكيب جديدة لم تكن دارجة أو شائعة في الاستعمال.

ب‌. بالنسبة للنص:

يقدم الانحراف للنص أبعاداً دلالية وإيحائية، تجعل من لغته موجهاً ومثيراً و سلطاناً مؤثراً في المتلقي. كما تظهر أهميته في تلك التعبيرات الجديدة، والعلاقات اللغوية التي تخالف ما تربى عليه الذوق، أو ما تأسس في معرفة الإنسان الأولية.

ت‌. بالنسبة للمتلقي:

فإنه يخضع بسبب الانحراف إلى سلطان الدهشة والمفاجأة والغرابة، التي تعرض فيها الصور والحقائق. ويمكن القول إن التأثير الذي يتعرض له المتلقي يأتي من الجديد الذي تعكسه ظاهرة الانحراف الذي يساعد على ترسيخ الروح الشعرية في النصوص، وهي بدورها تثير من خلال دلالاتها الكامنة والمشحونة أثراً كبيراً في نفس المتلقي.



ويمكن القول، إن دراسة الانحراف تعكس سعة الأفق التي يتمتع بها الدارس وتؤثر على مداركه إيجابياً. ويظهر من خلالها صورة إبداعيةً تضاف إلى إبداع صاحب النص. بل ربما يقدم النص بصورة جديدة لم يكن مبدعه يفكر في ذلك الأمر حين كتبه أو نظمه. وربما كانت فكرتي هذه متأثرةً بالتطور الذي شهدته الساحة النقدية وظهور المناهج النقدية الحديثة التي تؤمن بالبنية المفتوحة للنص. وهذا مبحث دراسي مستقل بحد ذاته يكفيني في هذا المقام الإشارة إليه.



وفي ما يأتي، أقدم دراسة تطبيقة، لنص نثري، أتناول فيه أبرز الملامح الانحرافية وطريقها لأداء المعنى والمغزى الذي يطرحه النص.



*****

الانحراف: تطبيق

تمهيد:

اخترت لتطبيق دراسة الانحراف قصة من إحدى المجموعات القصصية للكاتب الأردني "نعيم الغول" وهي مجموعة " جرح كالنهر" وقد نشرت في عام ألفين وأربعة للميلاد، وعنوان القصة "وجوه تلتقي". وفيما يأتي موجز عام قبل الخوض في الدراسة.

تعريف بالكاتب([120]):

نعيم الغول، القاص والمترجم الأردني، حاصلٌ على درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية. عُرفَ بالكتابة الإلكترونية، وفن القصة القصيرة جداً(Very short story)، كما عرف بالترجمة الموزعة على عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية.

اعتمد في قصصه على إثرائها بالمفردات المعجمية. وأولى مجموعاته القصصية، "حالة موت" وتبعتها "جرح كالنهر" وهي التي اخترت منها قصة "وجوه تلتقي" قيد الدراسة. وثالث المجموعات القصصية "سلم التحدي".

تحليل قصة: وجوه تلتقي

جو النص:

تتناول هذه القصة حالة اجتماعية وسياسية ونفسية، تعيشها فتاة اسمها جميلة على أعتاب التخرج في المرحلة الثانوية الأخيرة (التوجيهي). فيصور الكاتب لحظات متفرقة من حياتها في فترة وجيزة تعدى من خلالها في مخيلة الفتاة حاجزَ الزمان والمكان.

انطلقت الفتاة في تفكيرها من الحاضر، واستشرفت المستقبل أول ما انطلقت، فوجدت في الماضي ذكريات جعلتها تقارن بين حاضرها وماضيها، في ظل استشراف مستقبلها. ورافقها الكتاب مطارداً، وأخبار أحبتها وأهلهم في الضفة الغربية، تؤرقها، فكان هذا بمثابة عصف ذهني أرهق الفتاة وهي في مثل هذا السن وهذه المرحلة ما جعل تفكيرها يتشتت هنا وهناك. وجابت بتفكيرها الأمكنة والجبال والسهول والبحيرات، حتى اختلط عليها، أو كاد، الأمر فزارها طيف أحبتها يوجهها، ويوقظها من الانفصام الذي تعرضت له وأخرجها من واقعها، فأيقنت أن مفتاح المستقبل لا يتأثر سلباً بالماضي، كما لا تزيده معطيات الحاضر إلا قوة وصلابة.

فعادت الفتاة إلى الكتاب الذي هربت منه وهي تظن أنه يلاحقها ليخنقها، فوجدت فيه مصداق ما تنبأ به المتنبي حين قال: " وخير جليس في الزمان كتاب". فكانت العودة بروح اطمأنت بها إلى أن صنع المستقبل يبدأ بخطوة في الزمن الماضي، وتأمل في الزمن الحاضر ومغالبة على ظروفه، وتسلح بمعرفة تنير ما يستجد في أيام الزمان، وتحيل الخوف إلى أمان.

الدراسة:

يمكن تقسيم القصة إلى مجموعة من اللوحات، تمثل كل لوحة فيها لحظة زمانية ومكانية، تسلم نفسها إلى اللوحة التي تليها، بصورة مترابطة، استخدمت فيها خاصية الاستدعاء، أو تداعي المعاني، في جزئيات الصورة وفي الترابط العام بين اللوحات.

اللوحة الأولى:

" نادتني الشرفة حين أحست بالوحدة، فخرجت إليها أطارحها الملل الذي عشش في صدري من طول التحديق في المقررات الدراسية…".

تبدأ القصة في غرفة جميلة المتصلة بشرفة المنزل الخارجية. ويبدأ الحدث الأول فيها بـِ (النداء). وهو أسلوب كان الاستعمال المألوف له في العادة أن يصدر من كائن حيٍّ، باختلاف الأصوات والهيئات التي يمارس بها. غير أنه في هذه اللوحة صدر من جمادٍ، ليس له من صفات الأحياء شيء، وهو شرفة المنزل، تلك الجزئية التي يُمكن أن تبنى في أي جهة من جهات المنزل، لتكون متنفساً يخرج إليه أهل البيت للترويح عن أنفسهم.

وهذا ما حصل مع (جميلة)، أن خرجت إلى (الشرفة)، ولكنها خرجت تلبية لدعوة (الشرفة)، في توافق زمني للملل في نفس (جميلة)، وفي (الشرفة)، التي حدث لها انتهاكٌ، خرقَ السنن الكونية، ما أدى بها إلى أن تحمل من الصفات ما يقربها من صفات البشر، فها هي تشعر بالملل، والوَحدة، ثم تنطق فتنادي لكي تؤنس نفسها.

وإن كانت اللوحة الأولى لاتظهر سبب ملل (الشرفة)، إلا أنها أظهرته لدى (جميلة). وهو أيضاً ربما لا يكون مكتمل الصورة، إذ تظهر جزئية الملل بسبب (طول التحديق في المقررات المدرسية). ويدفعني إلى هذا القول قول (جميلة) :"وسحب تتلبد في رأسي"، فهو مع خروجه عن المألوف في جعل رأس (جميلة) كالسماء التي تتلبد فيها السحب، ما يدفع إلى التساؤل عن طبيعة هذه السحب؟ وقد تمثلت (جميلة َ) حالة ٌ من الشرود الذهني، وهروب نفسي، يصور مدى الضغظ الذي تعاني منه، طالبة في مرحلة (التوجيهي). وسيظهر السبب مكتملاً في اللوحات القادمة.

ويمكن القول، إن هذه اللوحة، تمثل ملخص القصة وأحداثها الرئيسة، حيث استطاع الكاتب من خلالها اختزال الزمان والمكان والشخوص والأحداث، لكنه ترك فهم المغزى سابحاً في ثنايا العبارات والتصويرات الفنية، ليضفي نوعاً من التشويق وإثارة النفس للاستمرار في قراءة أحداث القصة.

ومن صور الانحرافات الأسلوبية في هذه اللوحة:

عبارة الكاتب
المدلول
الاستعمال المألوف

نادتني الشرفة
سعي جميلة للترفيه
النداء يكون من الأحياء

الملل عشش في صدري
الضجر من كثرة الدراسة
العش للطيور

سحب تتلبد في رأسي
هموم كثيرة
السحب تتلبد في السماء

العام الدراسي يجثم على صدري
دراسة الكتاب المنهجي كله لتقديم الامتحان فيه
العام الدراسي زمان معنوي والجثوم حركة من الذات لا المعنى




اللوحة الثانية:

" وارتطمت بسمعي أصوات في الشارع قذفتها حناجر أطفال يلهون، فاستوقفتني…هاهم يمرحون ويلعبون دون هموم الدراسة"

صورة الشارع ينتشر فيه "أطفال يلهون" رافعين أصواتهم باللهو. وقد عبَّر الكاتب عن إطلاقهم تلك الأصوات بقوله" قذفتها". وهو استعمال خارجٌ عن المألوف، الذي يستخدم لفظة (القذف) مع القنابل أو الحجارة، ونحو ذلك. وإن كان لهذا الاستعمال مغزًى، فقد كانت هذه الأصوات (المقذوفة) سبباً في انصراف ذهن (جميلة) نحو الشارع، لترى فيهم ذلك الفراغ الذي يجعلهم يلهون ويلعبون بينما تقف هي مترددة في اتخاذ قرار يجعلها تسرّي عن نفسها، أو تخرج بنفسها للترفيه أو تخفيف أعباء الدراسة. فهي وإن خرجت إلى الشرفة، فقد خرجت بنداء (الشرفة) لها، وإن التفتت إلى الشارع فقد التفتت بسبب أصوات الأطفال في الشارع، التي "ارتطمت" بسمعها، فهي عاجزة عن أن يكون سلوكها الترويحي صادراً من ذاتها، فهي تخشى على نفسها وعلى مستقبلها، الذي تقف الآن، على أعتابه.

ويدخل على شريط هذه اللوحة، صورة أخرى تعالت فيها الأصوات أكثر فأكثر، وتمثلت في تلك الأفراح وما يصاحبها من سيارات تطلق منبهاتها الصوتية، وما يصحبها من مكبرات للصوت تنقل الأهازيج التي تغنى في الأفراح عادةً. وقد عبر الكاتب في هذه اللوحة عن هذه الصورة باستخدام كلمات من الاستعمال الشعبي مثل" فاردة عرس".

كانت هذه الصورة سبباً استدعت من خلاله (جميلة) ذكريات لها في موطنها وموطن أبيها وعائلتها الأول وهو (السلط). فجاء الاستدعاء ليستذكر فكرة انتقال عمل والدها من (السلط) إلى (عمان)، من خلال فاردة العرس، التي تحمل معاني الارتباط بين الزوجين، وما يكون في عادة بعضهم من الزواج باثنتين، فشبهت الانتقال كأنه انتقال من حب امرأة إلى حب امرأة أخرى، تطور إلى الارتباط، كناية ً عن الإقامة الدائمة، التي جعلتها تعيش في مدينة (عمان).

والكاتب في هذه اللوحة يطلق من خلال شخصية (جميلة) عقد مقارنة بين أفراح أهل القرى، وأفراح أهل المدن، وهي لفتة اجتماعية في هذه القصة.

ويمكن استخراج أبرز الانحرافات الأسلوبية في هذه اللوحة كما يأتي:

عبارة الكاتب
المدلول
الاستعمال المألوف

ارتطمت بسمعي أصوات
مفاجأة الأصوات لارتفاعها
الارتطام يكون بين المجسمات

يوم الحشر التربوي
امتحان الثانوية العامة
يوم الحشر(القيامة)

وحش آخر العام
نتائج الثانوية العامة
الوحش حيوان

عانقته عمان
قبول عمان الأب للعمل فيها
المعانقة حركة بين شخصين




اللوحة الثالثة:

" …ارتفع داخل منزلنا صوت آخر..صوت التفاز، الذي اضطر أبي لأن يرفعه ليعلو على صوت "الزوامير" والطبول والزغاريد. كان يتابع مسلسلاً بانتظار نشرة الأخبار…كنت تجدينه يقول لهذا: "هش" ولذاك: "ولا صوت" ولأمي: "هاه؟ طيب، بعدين بعدين". ولم أكن أعطي التلفاز بياض عيني، فهذا يعني تبخر دقائق أنا في حاجة مساة إليها…".

ومرة أخرى، تنتقل (جميلة) نحو غرفة معيشة الأهل، ولكنها لا تنتقل بذاتها بل بسمعها، دفعها إلى ذلك مجيء صوت أعلى من الأصوات السابقة التي جذبتها لحظات معدودة عادت بها إلى ذكريات موطنها الأول(السلط).

تظهر في هذه اللوحة، صورة العائلة الأردنية في غرفة المعيشة، وكيف يكون حالهم عند نشرة الأخبار ومتابعة المسلسلات. وقد عبر الكاتب عن ذلك باستخدام عبارات من الاستعمال الشعبي الدراج من مثل: "الزوامير"، "ولا صوت" ، "هاه؟ طيب …."، . إن مثل هذا الاستعمال يعطي الوصف والسرد شيئاً من الواقعية في التصوير، بالإضافة إلى المغزى الذي يختفي وراء هذه العبارات التي تمهد إلى ربط هذه اللوحة بفكرة قادمة، وهي الإحساس بمجريات الأحداث على أرض الضفة الغربية المحتلة، التي تعاني الاحتلال، وأهلها الذين يعيشون عليها هم أيضاً يتكلمون بمثل هذه الألفاظ، وهذه العبارات، ففي ذلك إشارة إلى وحدة الشعبين (الأردني، والفلسطيني) وحدة لا تقف عند حدود اللغة المشتركة، ولا الثقافة المشتركة، بل هي وحدة ترتبط برباط المصير المشترك.

وامتد الكاتب بتوظيف شخصية (جميلة) وإخراجها، مرةً أخرى، ولكن هذه المرة، ليست من دائرة الزمان الحاضر إلى الماضي، كما كان في خروجها إلى التفكير عن أفراحها في ماضيها أيام (السلط) ، بل باستخدام دائرة الزمان الحاضر مكانه، إلى الزمان الحاضر في مكان آخر، طافت به على الأرض، لتؤكد على مدى الصلة بين الشعبين: (الأردني والفلسطيني) حتى على صعيد الجبال والسهول، والقرى والمدن، والضخور والقلاع.

فكانت هذه المعاني قد وظفت باستخدام الانحرافات الأسلوبية بشكل قدم المعنى شيقاً يحتاج إلى نوعٍ من التفكير في ما وراء الألفاظ للوصول إليه. فقد عبّر الكاتب عن الضفة الغربية والضفة الشرقية، باستخدام مفهوم "الرئة" فكانت الرئة الشرقية والرئة الغربية. وهذا التعبير يربط بين الرئتين بغير الرباط الجغرافي الذي يربط الضفتين، بل هو ارتباطهما برباط الجسد الواحد، والجهاز الحيوي في دخل الجسد الواحد، وهو جهاز التنفس، الذي يمد جميع أجهزة الجسم بمادة "الأكسجين" الضرورية لتغذية الدماغ وبقية أعضاء الجسم.

إن هذا الترابط الذي يصعب فكه، يدفع إلى التفكير في ارتباط (الشرفة) بالبيت الكبير الذي تعيش فيه (جميلة). وربما يقود هذا التفكير إلى فهم طبيعة السبب الذي أدى بـِ(الشرفة) إلى الشعور بالوحدة، والملل. ويمكن استشفاف تلك البقعة من الأرض على الضفة الغربية، التي تعاني من مرارة الاحتلال. وكما هو ملاحظ أن عنصر هذه اللوحة الثالثة، كان قد وجد في اللوحة الأولى، وهذا المعنى يمثل ارتباط اللوحات ببعضها، لتشكل صورًا مترابطةً ارتباط الجزء بالكل. وقد أبدع الكاتب في طرحه. وسيظهر في اللوحات الأخرى ما يشكل الارتباط أيضاً باللوحة الأولى.

ومرة أخرى، تظهر(جميلة) وقد استمعت إلى نشرة الأخبار، رغماً عنها. ويظهر ذلك من خلال تعبير الكاتب بقوله على لسان (جميلة): "وفجأة ثقبت مسامير آذاننا (دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي تفرغ أحمالها على مخيم جنين…) أذناي وصوت المذيع…". إنها لا تزال تعيش لحظات التردد والخوف على المستقبل، إذ تتساءل عن متابعة شاشة التلفاز أهي نوعٌ من الترف؟ وهذا هو من إفرازات المجتمع الحلي، الذي يعبئ الطالب، أو الطالبة، في المرحلة الثانوية، على أنه في فترة ينبغي أن لا يمارس فيها أيّ نوعٍ من أنواع الترف أوالترفيه. وهذا إنما يأتي من الضغط الاجتماعي على الطالب بحيث يمنع نفسه ويحرمها من ذلك التنفيس. أما العادة فإن الترويح عن النفس ضروري، ولكن بقدر.

وقد عبر الكاتب عن هذا المعنى بصورة فائقة الدقة والعمق، إذ الوصول إليه يجيء من تحليل التحركات التي قامت بها (جميلة)، فإنها ظهرت في القصة، جميعها، تأتي كردات فعل، وردات فعل لأصوات، كان انتقال (جميلة) في استجاباتها بحسب الصوت الأعلى. فصوت الأطفال، أضعف من صوت "الزوامير" والطبول، وصوت التلفاز، اعتلى على صوت "فاردة" العرس. وهكذا. وقد انتقلت (جميلة) في تفكيرها، تحت ضغط ما سمعته في التلفاز، إلى التفكير في صديقة أختها (راضية) واسمها (هناء)، وهي من جنين. ولعل استدعاء التفكير فيها، واضح المصدر، إذ يتجلى في أخبار جنين والاحتلال الإسرائيلي، التي يبثها التلفاز.

ويمكن ذكر بعض الانحرافات الأسلوبية في هذه اللوحة على النحو الآتي:

عبارة الكاتب
المدلول
الاستعمال المألوف

الأخبار تسحبه بعيداً
شدة تركيزه فيها
السحب يكون من الأجسام

تبخر دقائق
ضياع الوقت
التبخر للماء

التلفاز يصمت
الانتقال بين البرامج
التلفاز لا يملك إراد ة ليصمت

شيء ما يتحرك في المسامات المفدونة وراء جلدي يقول لي: إنك جرحت
الشعور بالآخرين والإحساس بمعاناتهم
الجلد لا يتكلم




اللوحة الرابعة:

" لكن هناء جاءت بعد يومين. برناديت تسندها بذراع لفته على كتفها. كان سواد ملابسها يسبقها إلى عيونها. بحثتُ عن رقصة الأمل في وجهها، فوجدتها رقصة ً إيمائية كالحة. الأسئلة الحائرة الحبيسة في حلوقنا تلقفت ردها:" جئت أودعكم..لاأظن أنني سأركم بعد اليوم" قالت: إن والدها توفي برصاصة من اليهود، وهم يطاردون بعض الشبان….".

ربما كانت هذه اللوحة بارزة في عنصر اللون الذي استطاع الكاتب أن يعبر عنه بصور جذابة، انحرفت فيها الاستعمالات اللغوية، لتكون أقوى دلالة ً. فهناك سواد العين يشير إليه من خلال سواد الثياب. واختلاط الدمع بكحل العين يشير إليه من خلال تعبيره:" من عينيها هبط نهر..وسوده القهر". ولا يخفى ذلك الانحراف الأسلوبي في إحالة هذه التصويرات بعضها إلى بعض.

وقد استُدعيت هذه اللوحة، وهي مجيء (هناء) وصديقتها (برناديت) وهما من بنات الجامعة الأردنية مع (راضية)، استدعيت من خلال أخبار جنين. وهو استدعاء لغوي، يضاف إلى جملة الاستدعاءات اللغوية السابقة. وهذا الاستدعاء يمثل الرابط الذي ينقل القارئ من لوحة إلى أخرى، بحيث يشعر القارئ بتلك الانسيابية التي تتمتع به أحداث هذه القصة. وتشكل عنصراً يوحد الجزء مع بقية الأجزاء، فتظهرالقصة مرة أخرى ذلك الجسد الواحد، كما أن في مضمونها تمثيل للجسد الواحد بين شعبين.

وأضيف في هذه اللوحة، عصرٌ آخر، يقدم رسالة إلى العيش الكريم السلمي بين القاطنين على جغرافية واحدة ، وهذا العنصر يتمثل في مسمى الصديقة الثانية لـِ(راضية) وهو:"برناديت" التي تمثل رمز الطائفة المسيحية، التي تعيش مع المسلمين في تودد وتراحم، وتشعر بشعورهم، وتعاني بمعاناتهم؛ لتكتمل صورة التوحد الجغرافي، والثقافي، والسياسي، والاجتماعي، واللغوي، في هذه القصة. فيقدم الكاتب بالإضافة إلى الإبداع الفني والتصويري، رسالة تحمل معنى الوَحدة بجميع عناصرها، التي تشير إلى أن التعايش المنشود يكون بين من يقطن على جغرافية، له حق تاريخي في الإقامة عليها، وليس مجرد دخيل اغتصب أرضاً وأصبح ينادي أهل المنطقة للتعايش معه.

وأرى في اللوحات الأربع السابقة، أنها كانت تتمثل في مكان، وزمان، وصاحبتها الأحداث، التي صدرت بأفعال حقيقية، بينما تخلل كل لوحة ولوحة، لوحات ذهنية خيالية، كانت تتجلى في مخيلة (جميلة).

ومع استمرار الضغط النفسي على جميلة، وازدياد الخروج بالعقل عن الواقع، جاءت أكثر اللوحات التالية خيالية ذهنية، يمكن عدّها صدًى تردد بفعل الأحداث الحقيقية التي تمركزت في ذهنها، حتى باتت الشخصيات التي كان لها تأثير في نفس (جميلة) تظهر بوجهها فقط. وباتت تقدم النصح والتوجيه لـِ(جميلة).

ويمكن القول: إن كل الأحداث السابقة كانت تسير في خط متوازٍ لم يحدث أي انقلاب في تفكير (جميلة) ولم يساهم في تخفيف الضغط عليها، حتى جاءت (الزيارة المفاجئة) من (هناء) وصديقتها (برناديت) صاحبتي أختها (راضية) في الجامعة، وما كان فيها من خبرين نزلا كالصاعقة على (جميلة). الأول خبر (مقتل) والد (هناء) على يد الاحتلال، والثاني كونها مضطرة للعودة إلى جنين بسبب ذلك؛ ولذلك يمكن أن يقال عن هذا (الحدث) بأنه (عقدة القصة). فبعد ذلك نحت الأحداث منحىً ليس كالمنحيات السالفة. وذلك بطرق الاتصال مع العالم خارج غرفتها، وكذلك بطريقة التفكير التي اختارت (جميلة) أن تفكر بها عن ماضيها وأمام حاضرها ونحو مستقبلها.

فقد بدأت وجوه الأحبة تظهر أمام مخيلة (جميلة) وتحادثها، وتتبادل معها الحديث، عمّا يؤرقها من أحوال الناس الذين تحبهم وترتبط بهم. فكان الوجه الأول هو وجه (هناء) مع أنها لم تكن صديقتها، بل هي صديقة أختها (راضية). ثم تكررت زيارة وجه (هناء) و(راضية) و(برناديت). والعجيب أن هذه الوجوه كانت تظهر أمام عيني (جميلة) وهي تحمل بين دفتيها (صديقها) الذي ما انفك يطارحها وذهنها مزدحم الأفكار والهموم.

إن أهمية تلاقي الوجوه في هذه القصة تنبع من كون هذا الحدث (لقاء الوجوه) كان الوسيلة- بينما كانت (الزيارة المفاجئة) هي نقطة التحول- في تغير طريقة تفكير (جميلة). فقد دارت حوارات من خلال هذه اللقاءات (الوجهية) عملت على تحليل الأزمة التي تعاني منها (جميلة)- إن صح التعبير- وتوضيح المسؤوليات التي تقع على عاتقها، وما هو مطلوب منها في المرحلة الحالية التي هي فيها، وهي كونها طالبة في الثانوية العامة.

فليس الأمر كما اعتقدت (جميلة) في السابق عن مسألة متابعة أحداث العالم السياسية، أو متابعة أحوال الناس الاجتماعية، ونحو ذلك من أنها قد تكون ترفاً (بالنسبة لطالبة توجيهي) بل على العكس. فالإنسان يجب أن يشعر بأخيه الإنسان سواءً ارتبط مصيره بمصيره أم لم يرتبط. ولكن! إذا كان للمرء هدف اللقاء بالأحبة من جديد، ووضع بصمة في تاريخ نهضة البشرية، ينبغي أن يبذل جهده في المهمات المطلوبة منه في المرحلة التي يعيش فيها، دون أن يحمل نفسه أعباءً ومسؤوليات أكبر من حجمه، ترهق من هم أكبر منه.

وهذا ما خلصت إليه الحوارات المباشرة بين وجوه الأحبة (هناء) و(برناديت) و(راضية) مع (جميلة) من خلال هتاف مباشر من (وجه هناء) يقول: " لا ..لا تتوقفي ..أكملي مشوارك الذي بدأتِ. إن نجاحك وتفوقك هما الخطوة التي ستجمعنا معاً. لن يجمعنا الجهل والتخلف يا جميلة".

ومع البشارة التي فتحت بارقة أمل أمام (جميلة) من أن أهل (العرس) قرروا اصمات (الأبواق) و(الزغاريد) وتحويل (فاردة العرس) إلى (موكب جليل صامت) تضامناً مع أهل (الضفة) الغربية، عادت (جميلة) إلى (صديقها) الذي لم يكن يلاحقها ليؤذيها أو ليحرمها مما تريده، وإنما كان صادقاً في صداقته، حيث كان يريد منها أن تعبئ نفسها بالعلم، لتتسلح به فتكون قادرة على أن تقف بجانب أحبتها وتعينهم على ما يصيبهم من نكبات، وتكون بقربهم في كل حين. فلم تأبه بعد ذلك أن تغرق نفسها في أحضان صديقها، كأنها تستدعي قول القائل:(وخير جليس في الزمان كتاب).



وبعد فقد كانت هذه القصة مليئة بالانحرافات الأسلوبية، التي تنوعت حتى أضافت إلى المعاني التي قدمتها روعة في العرض، وزيادة في التشويق في الوصول إلى الفكرة، واستيعاب المضمون.

الخلاصة:

قدمت في الصفحات الماضية نظرة في مفهوم الأسلوبية، تعرضت خلالها إلى إشكالية المفهوم، التي بدأت منذ أن طرح المفهوم ذاته في الاستعمالات الأدبية والنقدية.



وقد ظهر مفهوم الأسلوبية في بداية القرن العشرين، لكن ذلك لم يكن ليمنع الدارسين العرب من البحث عن جذور هذا العلم، الذي لمحوا فيه البلاغة العربية القديمة، وقد تنوع اتجاه الباحثين العرب في طريقة البحث في القديم عن الأسلوبية.



ولا ينفي ذلك حقيقة تأثير الدراسات اللسانية الحديثة بقيادة سوسير، في نشأة الدراسات الأسلوبية، ثم جاء دور بالي ليضع الأسس الأسلوبية الأولى واكتمال المفهوم.



وعثر في الأسلوبية الغربية، واعتمد ذلك لدى الدارسين العرب، على ثلاثة اتجاهات في دراسة الأسلوبية، هي من خلال: المبدع، والمتلقي، والنص. وتخلل هذه الاتجاهات مفاهيم متنوعة، اضطلع بها رواد الأسلوبية، معتمدين على مبادئ فلسفية، وأخرى فكرية، وفنية، ولغوية.

ولم تكن الأسلوبية في نشأتها، فرداً في ساحة الدراسات الأدبية والنقدية، بل فرضت الظروف عليها أن تكون ذات علاقات متشعبة مع عدة علوم نقدية وأدبية ولغوية، هي: علم اللغة، والنقد، وعلم البلاغة. وهي في تلك العلاقة أفادت وتفيد في اتجاهاتها، أخذاً وعطاءً.



والأسلوبية في حقيقتها، تضمنت عدة مفاهيم واحتوت عدة مناهج وطرق في البحث تنوعت حتى إنها اشتركت معها في الاسم فوجدت الأسلوبية البنيوية، والأسلوبية الدلالية، والأسلوبية التركيبية، ولعل هذه الاتجاهات هي نتاج العلاقات القائمة بين الأسلوبية وغيرها من العلوم.



وأعتقد أن من أهم الظواهر الأسلوبية الجديرة بالدراسة والاهتمام هي ظاهرة الانحراف، فهي تضيف إلى النص، وإلى المتلقي، كما تفيد الدراس الأسلوبي إذ تشكف مستوى ثقافته وإبداعه في قراءة النص. والدراسات الحديثة كفيلة بالانتقال بالأسلوبية إلى عالميةٍ تربط الإنسان برباط الأسلوبية الإنسانية، إن صح التعبير.



قائمة المصادر والمراجع:

· الكتب:

1. ابن منظور، محمد بن مكرم. لسان العرب المحيط، دار الجيل، بيروت، 1988م.

2. أبو العدوس، يوسف. الأسلوبية: الرؤية والتطبيق، دار المسيرة، عمان- الأردن، 2007م.

3. الجاحظ، عمرو بن بحر. البيان والتبيين، تحقيق: عبدالسلام هارون، مصر، ط3، 1968م.

4. خليل، إبراهيم محمود. في اللسانيات ونحو النص، دار المسيرة، عمان- الأردن، 2007م.

5. خليل، إبراهيم محمود. النقد الأدبي الحديث: من المحاكاة إلى التفكيك، دار المسيرة، عمان- الأردن، ط2، 2007م.

6. ربابعة، موسى سامح. الأسلوبية: مفاهيمها وتجلياتها، دار الكندي، إربد، 2003م.

7. السيوفي، مصطفى محمد وغيطاس، منى. النقد الأدبي الحديث، 2006م.

8. الطرابلسي، محمد الهادي. قضايا الأدب العربي: مظاهر التفكير الأسلوبي عند العرب، مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، الجامعة التونسية، 1978م.

9. عبابنة، سامي. التفكير الأسلوبي: رؤية معاصرة في التراث النقدي والبلاغي في ضوء علم الأسلوب الحديث، عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي، عمان/إربد- الأردن، 2007م.

10. عبد الجواد، إبرهيم. الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث، وزارة الثقافة، عمان- الأردن.

11. عبد النور، جبر. المعجم الأدبي، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1984م.

12. عياد، شكري. اللغة والإبداع: مبادئ علم الأسلوب العربي، 1988م.

13. عياد، شكري. مدخل إلى علم الأسلوب، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، 1982م.

14. عياشي، منذر. الأسلوبية وتحليل الخطاب، مركزالإنماء الحضاري، 2002م.

15. الغول، نعيم محمد. جرح كالنهر، 2004م.

16. فضل، صلاح. علم الأسلوب: مبادئه وإجراءاته، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1985م.

17. مجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط، دار الدعوة، استانبول، ط2.

18. المسدي، عبد السلام. الأسلوب والأسلوبية: نحو بديل ألسني في نقد الأدب، الدار العربية للكتاب، ليبيا/ تونس، 1977م.

19. المسدي، عبدالسلام. الأسلوب والأسلوبية، دار الكتاب الجديدة، ط5، 2006م.

20. النحوي، عدنان علي رضا. الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية، دار النحوي للنشر والتوزيع، 2003م.

21. اليوسف، يوسف. مقالات في الشعر الجاهلي، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1975م.





الدوريات:

· درويش، أحمد. الأسلوب والأسلوبية، مدخل في المصطلح وحقول البحث ومناهجه، فصول، المجلد الخامس، العدد الأول، 1984م، ص61.





الإنترنت:

· موقع القصة السورية: www.syrianstories.com




--------------------------------------------------------------------------------


([1]) المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية: دار الدعوة: استانبول: ط2: مادة (سلب).

([2]) لسان العرب المحيط: ابن منظور: دار الجيل: بيروت: 1988م: مادة (سلب).

([3]) المصدر نفسه.

([4]) المصدر نفسه.

([5]) انظر: يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: دار المسيرة: عمان-الأردن: 2007م: ص27.

([6]) شكري عياد: اللغة والإبداع: مبادئ علم الأسلوب العربي: 1988م: ص33.

([7]) إبراهيم عبدالله عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: وزارة الثقافة: عمان- الأردن: ص21-22.

([8]) أحمد درويش: الأسلوب والأسلوبية، مدخل في المصطلح وحقول البحث ومناهجه: فصول: المجلد الخامس: العدد الأول: 1984م: 61.

([9]) إبراهيم عبد الجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص47.

([10]) المصدر نفسه: ص47.

([11]) كتابه: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث.

([12]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص24 وما بعدها.

([13]) المصدر نفسه: ص11.

([14]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص39. وانظر: الأسلوب والأسلوبية، مدخل في المصطلح وحقول البحث ومناهجه: ص61.

([15]) مثل دراسة محمد الطرابلسي، وشكري عياد، وغيرهما.

([16]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية ، الرؤية والتطبيق: ص23. وانظر: إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص48 وما بعدها. وانظر: محمد الهادي الطرابلسي: قضايا الأدب العربي، مظاهر التفكير الأسلوبي عند العرب: مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية: الجامعة التونسية: 1978م: ص262.

([17]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية ، الرؤية والتطبيق: ص23.

([18]) المصدر نفسه: ص23.

([19]) المصدر نفسه: ص23.

([20])يوسف أبو العدوس: الأسلوبية ، الرؤية والتطبيق: ص24.

([21]) المصدر نفسه: ص24.

([22]) عمرو بن بحر الجاحظ: البيان والتبيين: تحقيق: عبدالسلام هارون: مصر: ط3: 1968م: ج1: ص14.

([23]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص64.

([24]) سيأتي الحديث عن الالتفات العربي إلى المفهوم الغربي للأسلوب عند الحديث عن عنه تحت عنوان : المفهوم الغربي.

([25]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص26. وانظر كتاب : الأسلوب، لأحمد الشايب.

([26]) سيأتي لاحقاً الحديث عن هذه العناصر الثلاثة، عند تناول مفهوم الأسلوبية الغربية. وهذه العناصر تركزت عليها الدراسات الأسلوبية الحديثة، وقد كان هناك شبه توافق بين الدارسين العرب عليها، مثل: المسدي، وشكري عياد. انظر: إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص40.

([27]) هذا تأكيد على دور اللسانيات في توجيه الدراسات الأسلوبية، وهي من نتاج (دي سوسير) الذي أثر في المدارس اللغوية، وفي طريقة نظرتها إلى اللغة. انظر: إبراهيم خليل: في اللسانيات ونحو النص: دار المسيرة: عمان- الأردن: 2007م: ص22، وما بعدها. وانظر: سامي عبابنة: التفكير الأسلوبي، رؤية معاصرة في التراث النقدي والبلاغي، في ضوء علم الأسلوب الحديث: عالم الكتب الحديث، جدارا للكتاب العالمي: عمان/إربد-الأردن: 2007م: ص12 وما بعدها.

([28]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: الدار العربية للكتاب: ليبيا- تونس: 1977م : ص33.

([29]) ربما لم يغب ذلك عن بال المسدي، إذ أعقب كتابه نفسه، ملحقاً بالمصطلحات، معرفاً بكل مصطلح، وقد وضع في موقعه في النص نجمة تشير إلى الكلمات التي ترجم لها في ملحق المصطلحات.

([30]) منذر عياشي: الأسلوبية وتحليل الخطاب: مركز الإنماء الحضاري: 2002م: ص27.

([31]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص35.

([32]) شكري عياد: اتجاهات البحث الأسلوبي: دراسات أسلوبية: اختيار وترجمة وإضافة، دار العلوم للطباعة والنشر: الرياض: 1985م: ص84.

([33]) صلاح فضل: علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2: 1985م: ص73.

([34]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: 38.

([35]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص35.

([36]) منذر عياشي: الأسلوبية وتحليل الخطاب: ص31.

([37]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص37 وما بعدها.

([38]) بالي: " لساني سويسري (1865- 1947) اختص باللغة السنسكريتية واليونانية، وتتلمذ على يد سوسير. يعد رائد الأسلوبية التعبيرية، وهو من أرسى قواعد علم الأسلوب الحديث الغربي. من مؤلفاته: مصنف الأسلوبية الفرنسية. اللغة والحياة." انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص188.

([39]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص85.

([40]) انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص29 وما بعدها.

([41]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: دار النحوي للنشر والتوزيع: 2003م: ص65.

([42]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص60.

([43]) المصدر نفسه: ص63.

([44]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص41.

([45]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص60.

([46]) أحمد الشايب: الأسلوب، دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية: ط6: 1966م: ص40.

([47]) بيفون: "عالم في الطبيعيات، وأديب في الوقت نفسه. عاش بين سنتي 1707-1788. اهتم كثيراً بقيمة اللغة التي تكتب بها الآثار بعامة…من أبرز مؤلفاته: مقالات في الأسلوب" انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: دار الكتاب الجديدة: بيروت: ط5: 2006: ص190.

([48]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص61.

([49]) فلوبير: "كاتب فرنسي(1821-1880) حاول وصف النفس البشرية في تقلباتها. ونظريته في الكتابة تتلخص في اعتباره أن العبارة كلما قاربت الفكرة التصقت بها، وكلما التصقت بها ازدادت جمالاً. من أبرز مؤلفاته: " مدام بوفاري(1857)" والتربية العاطفية(1869)". انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص198.

([50]) بروست: "أديب فرنسي(1871-1922) تعاطى الشعرأولاً فنشر:" الملذات والأيام(1896م)، وحلّت به نكبات صحية وعائلية، فانطوى على ذاته ولاذ بالأدب، فكتب:" في البحث عن الزمن الضائع" وهي محاولة ما ورائية عبر إحياء التجربة الإنشائية بغية إدراك جوهر الواقع المدفون في خبايا اللاوعي". انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص189.

([51]) مونان: "فرنسي ولد سنة 1910م، وهو لساني ناقد. تعد مؤلفاته مداخل إلى قضايا اللسانيات العامة والمختصة. ومن تلك المؤلفات: "المشاكل النظرية في الترجمة(1963م) " ," مفاتيح اللسانيات(1968م)"، "مفاتيح علم الدلالات(1972م)" ". انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص202-203.

([52]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص70. وانظر: عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص65.

([53]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص67.

([54]) يوسف اليوسف: مقالات في الشعر الجاهلي: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي: دمشق: 1975م: ص195-196. وانظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية،
لأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص67.

([54]) يوسف اليوسف: مقالات في الشعر الجاهلي: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي: دمشق: 1975م: ص195-196. وانظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص67-68.

([55]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص68. وانظر: لطفي عبدالبديع: التركيب اللغوي للأدب، بحث في فلسفة اللغة والأستطيقا: القاهرة: 1970م: ص89.

([56]) نقلاً عن أ. د/ مصطفى محمد السيوفي، في إحدى محاضراته في مساق الاتجاهات الحديثة في النقد الأدبي لطلبة الماجستير في كلية أصول الدين الجامعية/ عمان- الأردن: الفصل الثاني2007/2008م. وانظر كتابه: النقد الأدبي الحديث: 2006م.

([57]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص101، وما بعدها.

([58]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص66.

([59]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص42. وانظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص77.

([60]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص41-42.

([61]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص67. وانظر: إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص41، وما بعدها.

([62]) ريفاتير: " أستاذ في جامعة كولومبيا، أهم جامعات نيويورك، اختص بالدراست الأسلوبية منذ مطلع العقد الخامس. أبرز مؤلفاته: "محاولات في الأسلوبية البنيوية". انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص194.

([63]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص42.

([64]) أندريه جيد: " أديب فرنسي (1869-1951) عالج في عدة مؤلفات قضايا الجنس والأخلاق وقضايا الفكر تجاه وضع الكائن البشري. من مؤلفاته: " غذاء الأرض-1895)". انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص193.

([65]) ستاندال: "أديب فرنسي (1783-1842) تغنّى بحساسية الجمال، وصور عبثية المواضعات الاجتماعية". انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص195.

([66]) جاكبسون: " ولد في موسكو سنة 1896. واهتم من سنه الأولى باللغة واللهجات، والفلولكلور. لديه منطلقات في علاقة الدراسة الآنية بالدراسة الزمانية، كما بحث في لغة الأطفال، وفي عاهات الكلام. من أبرز مصنفاته: (محاولات في اللسانيات العامة-1973م)" انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص192.



([67]) انظر: تفريق بالي بين الأسلوب والأسلوبية: ص8 من هذا البحث.

([68]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص92.

([69]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص45.

([70]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص66.

([71]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص24.

([72]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص66.

([73]) المصدر نفسه: ص66.

([74]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص70.

([75]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص180.

([76]) بارت: " فرنسي، ولد سنة 1915م، اهتم بالنقد الأدبي، وعمل على إرساء قواعد نقد حديث. اهتم بعلم النص، وعلم العلامات. من مؤلفاته: الدرجة الصفر في الكتابة(1953) فصول في علم العلامات(1964) ولذة النص(1973)." انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية: ص187.

([77]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص183.

([78]) الكتاب من نشر: مؤسسة علوم القرآن: عجمان: 1992م.

([79]) انظر: إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص177.

([80]) انظر: إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص176 وما بعدها.

([81]) عدنان علي رضا محمد النحوي: الموجز في دراسة الأسلوب والأسلوبية: ص74.

([82]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص15.

([83]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص40.

([84]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص40.

([85]) جبر عبدالنور: المعجم الأدبي: دار العلم للملايين: بيروت: ط2: 1984م: ص20 وما بعدها.

([86]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص21.

([87]) المصدر نفسه: ص22.

([88]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص24.

([89]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص41.

([90]) المصدر نفسه: ص41.

([91]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص41-42.

([92]) المصدر نفسه: ص43-44.

([93]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص51 وما بعدها.

([94]) إبراهيم خليل: النقد الأدبي الحديث، من المحاكاة إلى التفكيك: ص11.

([95]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص52.

([96]) المصدر نفسه: ص52.

([97]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص52.

([98]) المصدر نفسه: ص53 وما بعدها.

([99]) عبدالسلام المسدي: الأسلوب والأسلوبية، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص115.

([100]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص61 وما بعدها.

([101]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص122 وما بعدها.

([102]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص122.

([103]) المصدر نفسه: ص123.

([104]) المصدر نفسه: ص123.

([105]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص124.

([106]) المصدر نفسه: ص125.

([107]) المصدر نفسه: ص125. وانظر: شكري عياد: مدخل إلى علم الأسلوب: دار العلوم للطباعة والنشر: الرياض: 1982م: ص43.

([108]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص126.

([109]) المصدر نفسه:ص 126-127.

([110]) موسى سامح ربابعة: الأسلوبية، مفاهيمها وتجلياتها: دار الكندي: إربد: 2003م: ص45-46. وقد عدد له عبدالسلام المسدي أحد عشر مسمًى، هي: الانزياح، التجاوز، الانحراف، الاختلال، الإطاحة، المخالفة، الشناعة، الانتهاك، خرق السنن، اللحن، العصيان، التحربف. وقد عزى كل مصطلح للرجل الذي استحدثه. انظر: عبدالسلام المسدي: الأسلوبية والأسلوب، نحو بديل ألسني في نقد الأدب: ص96-97.

([111]) يوسف أبو العدوس: الأسلوبية، الرؤية والتطبيق: ص180.

([112]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص113.

([113]) المصدر نفسه: ص112.

([114]) موسى سامح ربابعة: الأسلوبية، مفاهيمها وتجلياتها: ص52.

([115]) إبراهيم عبدالجواد: الاتجاهات الأسلوبية في النقد العربي الحديث: ص115.

([116]) المصدر نفسه: ص116. بتصرف.

([117]) موسى سامح ربابعة: الأسلوبية، مفاهيمها وتجلياتها: ص56.

([118]) المصدر نفسه: ص56-59.

([119]) موسى سامح ربابعة: الأسلوبية، مفاهيمها وتجلياتها: ص 58. بتصرف

([120]) الإنترنت من موقع: القصة السورية/ WWW.SYRIANSTORIES.COM

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...