الأحد، 3 مايو 2015

نشأة البنيوية :

نشأت البنيوية في فرنسا، في منتصف الستينيات من القرن العشرين عندما ترجم (تودوروف) أعمال الشكليين الروس إلى الفرنسية. فأصبحت أحد مصادر البنيوية.

ومن المعلوم أن مدرسة (الشكليين الروس) ظهرت في روسيا بين عامي 1915 و1930، ودعت إلى الاهتمام بالعلاقات الداخلية للنص الأدبي، واعتبرت الأدب نظاماً ألسنياً ذا وسائط إشارية (سيميولوجية) للواقع، وليس انعكاساً للواقع. واستبعدت علاقة الأدب بالأفكار والفلسفة والمجتمع. وقد طورت البنيوية بعض الفروض التي جاء بها الشكليون الروس.

المصدر الثاني الذي استمدت منه البنيوية هو (النقد الجديد) الذي ظهر في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين في أمريكا، فقد رأى أعلامه "أن الشعر هو نوع من الرياضيات الفنية" (عزرا باوند)، وأنه لا حاجة فيه للمضمون، وإنما المهم هو القالب الشعري (هيوم)، وأنه لا هدف للشعر سوى الشعر ذاته (جون كرو رانسوم).

والألسنية هي المصدر الثالث الذي استمدت منه البنيوية، ولعلها أهم هذه المصادر، وعلى الخصوص ألسنية فرديناند دي سوسير (1857-1913) الذي يُعد أبا الألسنية البنيوية، لمحاضراته (دروس في الألسنية العامة) التي نشرها تلامذته عام 1916 بعد وفاته. وعلى الرغم من أنه لم يستعمل كلمة (بنية) فإن الاتجاهات البنيوية كلها قد خرجت من ألسنيته، فقد مهد لاستقلال النص الأدبي بوصفه نظاماً لغوياً خاصاً. وفرق بين اللغة والكلام: (فاللغة) عنده هي نتاج المجتمع للملكة الكلامية، أما (الكلام) فهو حدث فردي متصل بالأداء وبالقدرة الذاتية للمتكلم.[1]



و كما أسلفنا ؛ ففي نهاية العقد الثاني من القرن العشرين التقت آراء العالم السويسري (فردنياند سوسور) بالتيارات النقدية السائدة في اوربا ليبرز تيار الفكر البنيوي في الدرس النقدي المعاصر والحديث . والحقيقة ان “الجذور البنيوية تضرب بعيداً في القدم منذ ارسطو والجاحظ والعسكري والجرجاني وقدامة وابن طباطبا وهيغل وماركس ، حتى اشتهر قال بعضهم :”لنقل صريحاً: البينوية ليفي شتراوس” علماً عليها ليفي شتراوس وعرف بها فوكوهو ولاكان والتوسير وجان بياجيه وغيرهم. [2]

ففي القرن التاسع عشر نادى الباحث الاجتماعي اليهودي دوركايم بالنظرية المسماة "العقل الجمعي"، ودعا إلى دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها "أشياء مستقلة"، وتبعاً لذلك ظهر الباحث اللغوي السويسري "فرديناد دي سوسيور " بنظريته في "ظاهرة اللغة"، حيث جرد اللغة من دلالاتها الإشارية المألوفة وعدها نظاماً من الرموز يقوم على علاقات ثنائية، ومن هنا ظهرت فكرة "البنية".[3]

مفهوم البنيوية و مدارسها :

ومن أبرز ما قرره سوسيور بقوة مبدأ "اعتباطية الرمز اللغوي" وهو ما يعني أن أشكال التواصل الإنساني ما هي إلا أنظمة تتكون من مجموعة من العلاقات التعسفية أي: العلاقات التي لا ترتبط ارتباطاً طبيعياً أو منطقياً أو وظيفياً بمدلولات العالم الطبيعي" وأن "كل نظام لغوي يعتمد على مبدأ لا معقول من اعتباطية الرمز وتعسفه" أي: تماماً كما يعتبط العقل الجمعي عند "دوركايم " ويتعسف فيفرض على الناس ما هو خارج عن ذواتهم، ومن هنا انبعثت فكرة "السيمولوجيا" أي علم الدلالة، أو العلامة والإيحاء، وتطورت فيما بعد .




, و يعد( جاكبسون ) من المدرسة الروسية الشكلية التي من أهم آرائها "تحرير الكلمة الشعرية من الاتجاهات الفلسفية والدينية والانطلاق من "دراسة العمل الأدبي في ذاته"، فهي تؤكد "أن العمل الأدبي يتجاوز نفسية مبدعه، ويكتسب خلال عملية الموضعة الفنية وجوده الخاص المستقل" .

وتؤكد أن "العمل الفني لا يتطابق بشكل كامل مع الهيكل العقلي للمؤلف ولا المتلقي"، أو كما يقول: "موخارو فسكي : "فإن الأنا الشاعر لا ينطبق على أية شخصية فعلية ملموسة، ولا حتى شخصية المؤلف نفسه، إنه محور تركيب القصيدة الموضوع.

و تعني البنيوية عند جورج لوكاش : استخدام اللغة بطريقة جديدة بحيث يثير لدينا وعياً باللغة من حيث هي لغة، ومن خلال هذا الوعي يتجدد الوعي بدلالات اللغة، هذا الوعي الذي تطمسه العادة والرتابة .

و قد حدد لوسيان جولدمان (1913-1970) وهو فرنسي من أصل روماني البنوية التوليدية على أنها المنهج الذي يحلل النص الأدبي بوصفه بنية إبداعية تخبئ تحتها بنية اجتماعية،. وقد أصدر جولدمان عدداً من الكتب المتصلة بقناعاته البنيوية منها: الإله الخفي وعلم اجتماع الإبداع الأدبي ومن أجل علم اجتماع الرواية .[4]

و نرى أن ثمة علاقة بين العلوم المختلفة و البنيوية , خاصة الاجتماع و النفس و اللسانيات ,

بالإمكان اختصار مفهوم البنيوية في مقولة ميشيل بريكس : أما المنهجية البنيوية الشكلانية فتهتم فقط بالنسيج اللغوي للنص وتدرسه بذاته ولذاته مهملة صاحبه أو مؤلفه. وهي تنطلق من القناعة التالية: النص هو وحده المهم ولا يفيد في شيء أن نتعرف على حياة مؤلفه لكي نفهمه. وهذا الموقف المتطرف في النقد الأدبي ساد في فرنسا لفترة ولكنه تراجع وانحسر الآن. [5]

و يرى جميل حمداوي أن البنيوية طريقة وصفية في قراءة النص الأدبي تستند إلى خطوتين أساسيتين وهما: التفكيك والتركيب ، كما أنها لا تهتم بالمضمون المباشر، بل تركز على شكل المضمون وعناصره وبناه التي تشكل نسقية النص في اختلافاته وتآلفاته. ويعني هذا أن النص عبارة عن لعبة الاختلافات ونسق من العناصر البنيوية التي تتفاعل فيما بينها وظيفيا داخل نظام ثابت من العلاقات والظواهر التي تتطلب الرصد المحايث والتحليل السانكروني الواصف من خلال الهدم والبناء أو تفكيك النص الأدبي إلى تمفصلاته الشكلية وإعادة تركيبها من أجل معرفة ميكانيزمات النص ومولداته البنيوية العميقة قصد فهم طريقة بناء النص الأدبي. ومن هنا، يمكن القول : إن البنيوية منهجية ونشاط وقراءة وتصور فلسفي يقصي الخارج والتاريخ والإنسان وكل ماهو مرجعي وواقعي ، ويركز فقط على ماهو لغوي و يستقرىء الدوال الداخلية للنص دون الانفتاح على الظروف السياقية الخارجية التي قد تكون قد أفرزت هذا النص من قريب أو من بعيد. و يعني هذا أن المنهجية البنيوية تتعارض مع المناهج الخارجية كالمنهج النفسي والمنهج الاجتماعي والمنهج التاريخي والمنهج البنيوي التكويني الذي ينفتح على المرجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتاريخي من خلال ثنائية الفهم والتفسير قصد تحديد البنية الدالة والرؤية للعالم [6]

و تقوم البنيوية على فكرة إعادة انتاج الواقع من خلال إقامة الأنموذج الذي يحدده المحلل نفسه، وهذا الأنموذج سيكون قابلاً للمقارنة مع الشيء الخاضع للدراسة، وإذا مضينا أكثر لتفهم البنائية فعلينا أن نلجأ إلى واحدة من الآليات التي تستخدمها وهي المقابلات الضدية.

يقرر صلاح فضل أن التعريف الأول للبنائية: "يعتمد على مقابلتها بالجزئية الذرية التي تعزل العناصر وتعتبر تجمّعها مجرد تراكب وتراكم، فالبنائية تتمثل في البحث عن العلاقات التي تعطي للعناصر المتحدة قيمة وضعها في مجموع منتظم [7]





أدبية الأدب : المبدأ الرئيس في البنيوية :

إن حركة الشعراء المستقبلين في روسيا، وكتابات الرومانسيين الألمان ستوجه اهتمام النظرية الأدبية نحو التركيز على جانب الانسجام الداخلي للنصوص الأدبية، وستفسح المجال للإعلان عن ميلاد علم للأدب، منذ أن طلق جاكبسون عام 1919 قولته التي أصبحت فيما بعد كبيان يختزل عمل الشكلانين والشعرين والبنيويين حيث قال " ليس موضوع علم الأدب هو الأدب وإنما الأدبية أي ما يجعل من عمل ما عملاً أدبياً . فما المقصود بالأدبية ؟ يجيب تودوروف في كتابه- الشعرية -عن تحديد هذا المفهوم المركزي بقوله " ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوع الشعرية، فما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي، وكل عمل عندئذ لا يعتبر إلا تجليا لبنية محددة وعامة، ليس العمل إلا إنجازاتها الممكنة ولكل ذلك فان هذا العلم لا يعنى بالأدب الحقيقي بل بالأدب الممكن،

وبعبارة أخرى يعنى بتلك الخصائص المجردة التي تصنع فرادة الحدث الأدبي، أي الأدبية .

يعد للمؤلف نفس الدور الذي كان يلعبه في النقد السيري، لأن ما يشكل موضوع الدراسة الأدبية ليس الأعمال الأدبية المفردة وإنما الأدبية، بحيث أن العمل الأدبي يرتبط بالنسق الأدبي بصورة عامة وليس بشخصية مؤلفة، فالشاعر في النظرية الشكلانية لم يعد ينظر إليه كصاحب رؤى أو عبقرية وإنما نظر إليه " كعامل ماهر يرتب، أو بالأحرى يعيد ترتيب المادة التي يصادق وجودها في متناوله، إن وظيفة المؤلف هي أن يكون على معرفة بالأدب، أما ما يعرفه عن الحياة أو ما لا يعرفه، فأمر غير ذي أهمية لوظيفته تلك ، إن هذا التصور يذكرنا بالمنجز النقدي العربي القديم خصوصا عند نقادنا الذين قالوا بأن الشعر صناعة وأن الشاعر يقوم بوظيفة السبك والصوغ ولا اعتبار بالمادة التي يصوغ فيها.[8]

و حول نظرية ( موت المؤلف ) التي تعوّل عليها البنيوية كثيرا ذلك في أن المنهج البنيوي يرفض النظرة التي ترى أن المؤلف هو منبع المعنى في النص ، وصاحب النفوذ فيه ، يرفض ذلك ويؤكد أن الكاتب لا دور له يذكر ؛ فلم يقم بعمل يستحق الثناء والمدح ، وكل ما قام به هو استخدام اللغة التي هي حق مشاع ، وأنه عندما أنشأ النص أنشأه على طريقة من سبقه ، فلم يأت بجديد بل قلد من سبقه في هذا الفن فهو اتجاه يركز على اللغة وكيفية عملها ودلالاتها ، وبذلك يخرج المؤلف خاوي الوفاض ، لا هو مبدع ولا هو عبقري ، وإنما هو مستخدم للغة لم يبتدعها ، وإنما ورثها مثلما ورثها غيره .


فمع انتشار الاتجاهات النقدية الجديدة مثل " البنيوية وما بعدها " لم يعد ينظر إلى المؤلف بوصفه منشئ النص ومصدره ، كما لم يعد هو الصوت المتفرد الذي يعطي النص مميزاته ، فالذي تتحدث وتنطق هي اللغة وليس المؤلف أو صوته .



من مناهج النقد البنيوي :

اهتمت الناقدة سيزا أحمد قاسم بالمنهج البنيوي كوسيلة لتحليل النص الروائي ،و تصرح في كتابها "بناء الرواية "منذ البداية بأنها تتبنى هذا المنهج في دراستها المقارنة" لثلاثية نجيب محفوظ " فتقول :"وفي ضوء التزامنا بالدراسة النقدية التطبيقية ،كان لابد لنا أن نستند إلى المنهج البنائي حيث أن السمات التي نريد أن نرصدها بين الأعمال موضوع الدراسة هي سمات تتعلق بالشكل والبناء وهذا المنهج سماه"رينيه ويلك"في كتابه نظرية الأدب المنهج الداخلي"

وتحدد المنهج الداخلي بالمنهج الذي يتعامل مع النص الأدبي مباشرة كبنية واحدة معزولة عن مؤلفها وبيئتها التي كتبت باعتبارها كيانا له عناصره الخاصة ،لابد للنقد التعامل معه على هذا الأساس.12وإذا اختارت المنهج البنيوي فلأنها لا تولي اهتماما لما سمته الناقدة يمنى العيد بالخارج وألحت على ضرورة دراسته،الخارج الذي يجعل من النص كائنا حيا متطورا بتعبير" سيزا قاسم" فرغم اعترافها بأهميته تبعده عن دراستها.

بناء على هذا الهدف الذي تسعى لتحقيقه ،وهو مقارنة رواية نجيب محفوظ بالرواية الفرنسية الواقعية من أجل كشف أوجه الشبه والاختلاف الخاصة بالتقنيات والأساليب و باقي أشكال السرد هذا الهدف تنشده باعتمادها على المقولات النقدية البنيوية كما جاءت عند" جرار جينيت "،واللغوية عند الروسي" بوريس أزبنسكي" إلى جانب الشكلانيين الروس.

وتختلف عن الناقدة" يمنى العيد " التي لم تكتف بتحليل العناصر البنائية للنص ورصد علاقاتها وراحت تربطها بالبنية الاجتماعية والثقافية ،محاولة كشفها داخل النص .بينما على العكس نجد "سيزا قاسم قد اختارت المنهج البنيوي توخيا منها الموضوعية وتجنبا الوقوع في الأحكام الجاهزة والانحراف بالتحليل إلى إطلاق الأحكام القيمية ،والتركيز على الوصف المقارن للرواية ،ليس من أجل قولبة نص نجيب محفوظ وجعله قالبا جاهزا استعاره الكاتب ثم أفرغ فيه حكاته، إنما الهدف كشف مدى تمثله الرواية الغربية وممارسة تقنياتها ،الأمر الذي يوضح علاقة الرواية العربية بالرواية الغربية عموما باعتبار نجيب محفوظ ممثلا للنص الروائي العربي خاصة الواقعي منه لهذه الأسباب تشرح رؤيتها المنهجية بقولها :"وقد استلزم ذلك البحث أدوات نقدية تساعدنا على تحليل العمل الروائي إلى عناصره الأولية وطبيعة العلاقات التي تقوم بين هذه العناصر،وبذلك يجمع بحثنا بين التحليل البنائي و النقد المقارن ".

ونفهم من كلامها أنها ستتعامل مع ثلاثية نجيب محفوظ كوحدة مستقلة تحلل من الداخل دون الالتفات إلى ما هو إبعيدا عن الأحكام القيمية .

و إذا كانت يمنى العيد تكشف عن المقولات البنائية التي ستنطلق منها في دراستها التي ذكرنا فإن الناقدة "سيز ا قاسم" تكتفي بالإشارة فقط إلى أنها ستعتمد "جيرار جينيت " و "أزبنسكي" ،دون توضيح كيفية ذلك أو تحديد المفاهيم التي تختارها كمنطلقات نقدية لعملها ،وقد لاحظ ذلك" حميد لحميداني " فراح يلومها متسائلا :"وقد كان على الناقدة أن تحدد بدقة ما هي الأطروحات البنائية التي تود تطبيقها ولا ينبغي الاكتفاء بالإشارة إليها ،بل تقديم الصورة الخاصة التي تمثلها بها ،ومما يجعل هذا الجانب ملحا هو أنها تقدم منهجا جديدا في العالم العربي خصوصا بالنسبة للقراء الذين ليس لهم القدرة دائما على الاتصال المباشر بالنقد الغربي بسبب عوائق اختلاف اللغة .

لكن الشيء الملاحظ هو كون الناقدة تعترف أنها لن تلجأ إلى مناهج أخرى لتستفيد منها ،بل اكتفت بالمنهج البنيوي على أساس أتخادها الوصف وسيلة تحليلها ،ثم رؤيتها المبنية على معاملة النص كبنية تدرس من الداخل ،غير أننا نلاحظ أن هناك تفاوت بين هذا الطموح وممارستها النقدية ،إذ نجدها أثناء تفسيرها للثلاثية بنصوص غربية تسترسل في التأويل الفلسفي والاجتماعي وحتى الأيديولوجي ،فتبتعد عما خططت له متأثرة بوجهة نظرها الفكرية [9]



البنيوية في العالم العربي :

لم تظهر البنيوية في الساحة الثقافية العربية إلا في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات عبر المثاقفة والترجمة والتبادل الثقافي والتعلم في جامعات أوربا. وكانت بداية تمظهر البنيوية في عالمنا العربي في شكل كتب مترجمة ومؤلفات تعريفية للبنيوية ( صالح فضل، وفؤاد زكريا، وفؤاد أبو منصور، وريمون طحان ، ومحمد الحناش، وعبد السلام المسدي، وميشال زكريا، وتمام حسان، وحسين الواد، وكمال أبوديب....) ، لتصبح بعد ذلك منهجية تطبق في الدراسات النقدية والرسائل والأطاريح الجامعية.

ويمكن اعتبار الدول العربية الفرانكوفونية هي السباقة إلى تطبيق البنيوية وخاصة دول المغرب العربي ولبنان وسوريا ، لتتبعها مصر ودول الخليج العربي.

ومن أهم البنيويين العرب في مجال النقد بكل أنواعه: حسين الواد، وعبد السلام المسدي ، وجمال الدين بن الشيخ، وعبد الفتاح كليطو، وعبد الكبير الخطيبي، ومحمد بنيس، ومحمد مفتاح، ومحمد الحناش، وموريس أبو ناضر، وجميل شاكر، وسمير المرزوقي، وصلاح فضل، وفؤاد زكريا، وعبد الله الغذامي.[10]





ختاما :

فالبنيوية كاتجاه نقدي , لم يكن إلا بعد توطئة معرفية علمية طويلة , كما أسلفنا , و كان يطبق في عصور ممتدة , حتى مضى عهده الزاهر , و أتت بعده مذاهب و اتجاهات أخرى , كالتشريحية أو التفكيكية , خاصة لما رأينا من جمود البنيوية في طبيعتها الصارمة و طريقتها التعسفية التي أبت إلا الأخذ بالداخل في النص دونما النظر إلى الخارج , في تجاهل صريح للمعطيات التاريخية و السياقية و المؤلف و ظروفه المؤثرة .. كل هذا أدى إلى البحث عن سبيل آخر لنقد النصوص , لكن مع كل هذا , إلا أن للبنيوية خطرها الكبير و أهميتها التي لا يمكن تجاهلها إذ كانت وليدة للفكر اللساني الذي يعد نقلة كبيرة في اللغويات العالمية ..

تمظهر العجائبي في النصوص السردية التراثية

الخامسة علاوي ـ الجزائر

تسعى هذه الدراسة المقتضبة إلى البحث عن صور متفرّقة للظاهرة الفانتاستيكية ( fantastique ) في بعض النصوص العربية القديمة، على اختلاف أنواعها وغاياتها وأساليبها. رغبة في التأصيل التراثي للمفهوم العجائبي الذي نتصور أنّه يبتعد بقرون عن كتاب تزفيتان تودوروف (المدخل إلى الأدب العجائبي) 1970.

وفي المستهل، لعله من الأهمية بمكان طرح السؤال الآتي: هل يمكن الحديث عن جينات مكتملة للعجائبي في النصوص السردية القديمة؟.

إن الإجابة عن هذا السؤال تستلزم استقراء تلك النصوص لإدراك مدى تمثلها للعجائبي كشكل تقني يعمد إليه الراوي في حكيه لغرض المتعة والتشويق وخرق قوانين الواقع. وبالاطلاع على تلك النصوص القديمة، ولاسيما التاريخية والجغرافية منها، تبين أنها ملأى بذكر العجائب والغرائب "التي ما تزال موضع إدهاش حتى يومنا هذا"( [1] ).

أجل ما تزال تطرح السؤال ذاته، الذي طُرح منذ قرون مضت، ما تزال تثير الحيرة والتردد، تبعث على الشك في كل ما يُروى، فتنهال الأسئلة على العقل: أكانت تلك العجائب المروية حقائق واقعية؟ أم أنها مجرد خيالات وصور ابتدعتها المخيلة المتعالية داخل محيط اجتماعي وسياسي، وخرافات عالقة بالأذهان توارثتها الأجيال؟ فأصبح ـ كما يقول الغرناطي ـ الذكي العاقل هو القادر على التصديق( [2] )، هو وحده الذي بوسعه أن يعرف "أين ينتهي الواقع؟ وأين يبدأ الخيال؟ فالخيال واقعي، والواقع خيالي، إنه خيال يستعمل الواقع ذريعة، ونقطة انطلاق، وتتداخل الغربة والغرابة ويصبح الغريب غير عادي أي عجيباً"( [3] )، عجيباً في ذاته وصفاته، عجيباً لأننا ـ كما يقول القزويني ـ أصبحنا عاجزين عن الوقوف على أسباب حدوثه، أو لم نأنس مشاهدته( [4] )، ومتى سقط السببان عدنا إلى المألوف.

فهل يمكن عدُّ تلك العجائب والغرائب، بكل ما تحمله من معاني التهويل والخرق للعادات المألوفة، جينات مكتملة للأدب العجائبي عند العرب؟.

ثمة كمٌ هائل من الخرافات والأساطير العربية القديمة التي عجت بها كتب الرحلات والجغرافيا والتاريخ وهي أساطير جميلة، يتجلى جمالها في أنها "تقرب البعيد، وتبعد القريب وتنفي الثابت وتثبت المنفي أي أنها ترفض بطبيعتها المستحيل، بل قصاراها التعامل معه والتمكين له"( [5] ).

لكن، هل يمكن عدّها بهذه المواصفات أدباً عجائبياً؟! أم هل هي مجرد جينات غير مكتملة له على مستوى التكوين والتوظيف، خاصة إذا علمنا أن هناك من النقاد المحدثين من رد العجائبي إلى الذهنية البدائية وإلى التقاليد الشفوية والفلكلور. فهذا شارلز شيل " Charals Schee l" يقول: إن "العجائبي هو عرف في الحكايات يمتحُ من التقاليد الشفوية والفلكلور"( [6] )، وذاك روجيه كايوا ـ حسب تحليلات " Valerie tritter " لنظريته ـ يقدم الأدب ضمن نظرة خطية بحيث يغدو العجائبي فيها استمرار للحكاية السحرية (المدهشة) وهي حكايات الجن( [7] ) (من الموروث الشعبي القديم)، وذاك محمد برادة يصنف العجائبي "ضمن تراث الأساطير والفلكلور لمختلف الثقافات"( [8] ) ذلك أن العجائبي في أوربا وبظهوره في القرن الثامن عشر استعاد "تمثل العناصر التقليدية والعجيبة في الموروث الثقافي الشعبي، ثمَّ صياغة كل ذلك صياغة جديدة، وبرؤية فلسفية جديدة، ومحاولة صبّ ذلك في الحياة الفردية والجماعية"( [9] ).

وبتقصي مراتع الكتاب العرب في الأدب العجائبي يظهر أنهم ينهلون من التراث العربي القديم؛ فهذا إبراهيم الغيطاني حين سئل عن مكونات خطابه الروائي في علم الأخرويات، ردها إلى الأجزاء المتخيلة في أسفار التاريخ العربي التي تحاول تسجيل الزمن الذي شهد خلق العالم والمسافات الزمنية التي كانت مجهولة لأولئك المؤرخين مضافاً إليها الأساطير العربية وحكايات الفلكلور والحكايات الشعبية، وكل عناصر ما يمكن تسميته بالثقافة التحتية( [10] )، والتي يشعر بعض المثقفين بالتعالي عليها ولا يلتفتون إليها في الوقت الذي ينبهرون فيه بكتاب من الدرجة الثانية لمجرد أنهم من الغرب( [11] )، دون أن ينسى كتب العجائب التي كانت في معظمها محاولة لتفسير بعض الظواهر الطبيعية التي كان الذهن البشري يعجز عن تفسيرها ككتاب "خريدة العجائب" لعمر بن الوردي و"مختصر العجائب" لإبراهيم بن مصيف شاه( [12] ) وغيرهما، إيماناً منه "بالذاكرة والماضي والأحلام، وهي تتلاقى مع الوعي، ذلك أن هناك اختزانات قديمة في أعماق الأديب أو الكاتب عندما تصعد من اللاوعي يمكن أن تتجلى في شكل رؤيوي جميل وعذب، لكنّها غير خارجة كلياً عن سيطرة الوعي..."( [13] )، كما يؤكد ذلك حيدر حيدر في حوار له مع مجلة المسيرة. فهذا الاعتراف من جمال الغيطاني الصريح يؤكد أنّ النصوص النثرية القديمة كانت ملأى بالعناصر العجائبية، أحداثاً وشخصيات وفضاءات...، على الأصعدة السردية الآتية:

1 ـ القصص الشعبي:

مما لا ريب فيه أن كتاب "ألف ليلة وليلة" يعد من أشهر الكتب ذات الطابع الشعبي والبنية التعجبية حيث يقوم على وصف عوالم فوق طبيعية داخل عالم طبيعي مألوف وشخوص يتخذون هيئات كثيرة، أي يطالهم الامتساخ والتحول، مما يدعو إلى الحيرة والتردد في نفس المتلقي، وتلك أهم خصائص الأدب العجائبي عند تودوروف ومن أمثلة هذا القصص أيضاً، سيرة عنترة بن شداد، وسيف بن ذي يزن، الأميرة ذات الهمة... الخ، بالإضافة إلى العدد الذي لا يحصى من السير الأخرى والشخصيات الأسطورية التي أثرت الخيال العربي وميَّزت دروبه، ودلت على "عظمة هذا الأدب الذي تنتمي إليه وكذا إنسانيته"( [14] ).

فالمبدع الشعبي لم يكترث لتوجيهات النقاد التي كثيراً ما كانت متسمة بالأبوية والتعليمية كما يشير إلى ذلك عبد الملك مرتاض، وظل يبتكر المزيد حتى اكتظ الأدب الشعبي بالخوارق والأعاجيب وامتلأ بالأساطير الجميلة، المغرقة في "عوالم جديدة لا مكانة فيها للعقل، ولا سلطان فيها للمنطق، وإنما السلطان كله للخيال المجنح يحلق إلى أقصى الحدود ولكن في فضاء دونما حدود"( [15] ).

غير أن مجيء الإسلام أضفى على العقلية العربية نوعاً من الواقعية، إذ حاول وبشتى الطرق محو الكثير من المعتقدات التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية معتبراً إياها أباطيل وأساطير الأولين، ومما يشوش على العامة عقائدهم.

2 ـ كتب الفتوح والمغازي:

وقد استمدت مادتها من تاريخ المسلمين إبان الفتوحات الإسلامية، وهي عبارة عن حكايات شعبية ذات أصول تاريخية، "تجاور فيها الواقعي والعجائبي سواء على مستوى الحدث أو الشخصية، أو الزمان والمكان، الشيء الذي يعني أن المتخيل العربي الإسلامي ساهم بشكل كبير في صياغتها وإنتاجها"( [16] )، وإن كان هذا النوع من الكتابة لم يحظ بقبول السلف الذين اعتبروه من العلوم التي لا أصل لها معتمدين في ذلك على حديث رواه أحمد بن حنبل يقول فيه: "ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم والمغازي" كما يروي ذلك السيوطي في الإتقان( [17] ).

ومن أمثلة هذا النوع السردي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ غزوة وادي السيسبان التي تحكي جانباً من سيرة علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ ومغامراته في وادي السيسبان؛ إذ على الرغم من كون النص "يستمد شرعيته من مادة إسلامية، فإنه يتحرر من مختلف سماتها ويتعامل معها بشكل طليق: فهناك العديد من المغالطات التاريخية والجغرافية التي يتنبه لها كل من له إلمام ولو بسيط جداً بتاريخ صدر الإسلام"، وتبدو هذه المغالطات التاريخية واضحة على صعيد الحدث والفضاء والشخصيات. فبعض الشخصيات الإسلامية (كحمزة) يعاصر خالد بن الوليد ويشارك معه في عدة معارك، كما أن حمزة يمتد العمر به طويلاً في الإسلام، كما تحضر بعض الأمكنة في شبه الجزيرة موصوفة كما لو أنّها بعض الجزر في كتب العجائب"( [18] ).

ومما لا ريب فيه أنّ هذا النوع السردي الخاص الإنتاج؛ لتعدد أبعاده واختلافها من حيث طبيعة المادة الحكائية له متلقٍّ خاص، وهو "موجود دائماً، ويشهد بذلك استمرار مثل هذه النصوص، مطبوعة، أو مروية، والطبعات الشعبية كثيرة ومتداولة وفي مختلف البلاد العربية"( [19] ).

3 ـ كتب الصوفية:

من المحاور التي كان للمتصوفة الحديث فيها، التصرف في العوالم بأنواع الكرامات وهي بالنسبة إليهم مقابلة للمعجزات التي لا يختص بها إلا الأنبياء، وتقوم هذه الكرامات على مبدأ استعمال الخوارق من الأمور، إن على مستوى السفر إلى الله وما فيه من مقامات وأحوال لأن "الصوفي عند أهل التصوف هو الذي هو فانٍ بنفسه باقٍ بالله تعالى مستخلص من الطبائع متصل بحقيقة الحقائق"( [20] )، أو على مستوى زيارة العوالم العليا والحديث عن لقاءات عجائبية خاصة وغريبة، ثم صدور ألفاظ موهومة الظاهر عن هؤلاء المتصوفة والتي تعرف في اصطلاحهم بالشطحات( [21] ).

وعموماً فقد "ارتبطت خوارقهم بالحلم والهذيان، وبقوة نفسانية يمكن القول بأنها كانت تتماس من بعيد أو قريب ـ مع الخصوصية ـ ( [22] ) مع ما كان يسلكه البوذيون، وجماعات هندية أخرى"( [23] ). وإن كنا نودّ التوقف عند المقطع الأخير من عبارة شعيب حليفي لأن ما يسلكه هؤلاء هو نوع من الشعوذة والدجل الذي لا يفتأ العقل البشري أن يضع له الحدود.

4 ـ الخطابات الأليغورية الرمزية:

وتسمى رمزية تجاوزاً كما يقول شعيب حليفي ذلك أن شخوصها اختيرت من الحيوانات ومن نموذجها "كلية ودمنة"، التي حاولت تصوير فضاء حيواني عجائبي، ولا يختلف كثيراً عن عجائبية بعض الأعمال الفنية التي ظهرت في القرن التاسع عشر.

ومن هذه الخطابات الرمزية ما يعتمد على الحلم كرسالة الغفران؛ ذلك أن "الحلم شغل دوراً كبيراً في إخصاب المخيلة العربية، وإعطاء العمل الإبداعي بعداً موحياً وفريداً"،( [24] ) وقد تحمل هذه الخطابات معنى أخلاقياً أو دينياً غير المعنى الظاهري( [25] ).

5 ـ كتب التاريخ والجغرافية والرِّحلات:

تضمنت كتب التاريخ أخباراً وحكايات غريبة تعود في معظمها إلى مخيلة المؤرخ أو الجغرافي أو الذاكرة الشعبية، ولا أدل على ذلك مما ورد في مروج الذهب عند المسعودي، وما رواه كل من وهب بن منبه القرشي وكعب الأحبار من الأخبار والقصص والأساطير التي امتلأت بها كتب الجغرافيا والرحلات والعجائب، من هذه الأساطير التي سُوِّدت بها الكتب القديمة ما تعلق بالغول، وهو كائن خرافي ظل العرب يعتقدون بوجوده، ويدل على ذلك ما أورده المسعودي من أن الفلاسفة أنفسهم ظلوا يعتقدون بوجود الغول، وقد حكى بعضهم "أن الغول حيوان شاذ من جنس الحيوان مشوّه لم تحكمه طبيعة، وأنه لما خرج منفرداً في نفسه وهيئته توحش في مسكنه، فطلب القفار وهو يناسب الإنسان والحيوان البهيمي في الشكل"( [26] ) وقد ذكر جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه شاهد ذلك في بعض أسفاره إلى الشام، وأن الغول كانت تتغول له، وأنه ضربها بسيفه وذلك قبل ظهور الإسلام"( [27] )، كما زعم تأبط شراً أنه لقي الغول في مكان بالحجاز يدعى رحا بطان وجرى بينه وبينها محاربة، وأنه قتلها وحمل رأسها إلى الحي، وعرضها عليهم حتى يعرفوا شدة جأشه وقوة جنابه( [28] ).

وقد تخرج الغول للمسافر فتعبث به إذا اعتزل ببيداء أو انفرد في مكان قفر، فلا يأمن أن تُضله الطريق، وتزعم العرب قبل الإسلام "أن الغيلان توقد بالليل النيران للعبث والتحيل واختلال السابلة، قال أبو المطراب:

فلله در الغول أي رفيقة



لصاحب قفر حالف وهو معبر

أرنَّت بلحن بَعْد لحن وأوقدت



حواليَّ نيراناً تلوح وتزهر"( [29] )




كما لا ننسى الأساطير المتعلقة بزواج السعالي( [30] ) بالرجال من الإنس ومن أشهر هذه الأساطير زواج عمر بن يربوع بن حنظلة بالسعلاة التي بقيت معه زمناً، وولدت منه حتى رأت ذات ليل برقاً على بلاد السعالي فطارت إلى أهلها الذين كانوا زعموا له أنّه سيجدها خير امرأة ما لم تر برقاً. وكانوا يزعمون أن السعالي تمقت البرق فتفرّ منه( [31] ).

وقد تعرض عبد الملك مرتاض لهذه الأسطورة بالتحليل في كتابه (الميثولوجيا عند العرب) معتبراً إياها من الأساطير المغرقة في الخرافية، إن على مستوى الشخصية المعرّف بها، أو على مستوى الحدث في ذاته وهو زواج "امرأة قوية قادرة على التحليق والطيران (...) بأعرابي جلف قاصر ذهنياً إلى حد ما، بالقياس إليها، كان يجوب الفيافي ويضرب مغامراً في القفار"( [32] )، كما طرحت هذه الأسطورة أسئلة كثيرة حاول مرتاض الإجابة عنها في كتابه مؤكداً أن الرواة تعمدوا تقديم هذه الأسطورة "خاماً لتكون أبهر، ولتكون أدعى إلى التساؤل، ولتكون أدنى إلى الحيرة والاعتقاد جميعاً. فليس هناك خيط واحد يمكن التمسك به من أجل الوصول إلى حقيقة ما، إلا حقيقة الأسطورة"( [33] )، وهي بذلك تعد بأحداثها وشخصياتها، وفضاءاتها، بل وحتى لغتها مغرقة في التغريب والتعجيب( [34] ).

كما لا ننسى الشق وهو الآخر كائن غير محكم الخلق يخرج للمسافر إذا كان وحده، يقول المسعودي: "وقد كانت العرب قبل ظهور الإسلام تقول: إن من الجن من هو على صورة نصف الإنسان، وأنه كان يظهر لها في أسفارها وحين خلواتها"( [35] ).

ومما ترويه العرب أنّه وقع قتال بين علقمة بن صفوان بن أمية بن محرب الكناني جد مروان بن الحكم لأمه والشق، حيث إن علقمة خرج في بعض الليالي يريد مالاً له بمكة فانتهى إلى موضع يعرف بحائط حرمان، فإذا بشق قد ظهر له وأخذ ينشد له:

علقم إني مقتول



وإن لحمي مأكول

اضربهم بالمسلول



ضرْب غلامٍ مشمول


رحب الذراع بهلول







فرد عليه علقمة:

شقُّ، مالي ولك



واغمد عني مُنْصُلَكْ


تقتل من لا يقتلك؟







فقال الشق:

علقم، غنيت لك



كيما أبيح معقلك


فاصبر لما قد حُمَّ لَكْ







وضرب كل واحد منهما الآخر فماتا معاً( [36] ).

ومما يُروى عن العرب أن الجن قد قالت شعراً في حرب بن أمية حين قتلته وهو:

وقبر حرب بمكان قفر



وليس قرب قبر حرب قبر




مستدلين على أن هذا الشعر من قول الجن، بأن أحداً لا يستطيع أن ينشده ثلاث مرات متتاليات دون أن يتعتع فيه( [37] )، ومنذ ذلك الحين اعتبر الشق رمزاً للشخصية الشريرة التي تظهر ولا ترحم.

وقد تصدى عبد الملك مرتاض لمناقشة هذه الأسطورة أيضاً بشيء من التفصيل والتحليل في كتابه السابق الذكر، مبتدئاً بالتشكيك في طريقة وصول تلك الأرجاز التي رواها كل مِنْ علقمة والشق، متسائلاً عن مُوصِلِها إلينا؟.... الخ، مبيناً أننا إذا تغاضينا عن كل الأسئلة وعاودنا الرجوع إلى الأبيات التي رواها الشق حسب ما روي عند المسعودي، فإن محتوى هذه الأبيات لا يحمل معنى المهاجمة من الشق لعلقمة ولا يبدي أية عداوة أو بغضاء( [38] )....

وغير بعيد عن الشق والسعلاة والغول هناك النَّسْنَاسُ الذي اكتفى المسعودي بالإشارة إلى موطنه (اليمن) في "مروج الذهب" محيلاً على أنه ذكره في كتابه "أخبار الزمان"( [39] ) الذي لم يتسنَّ لنا الإطلاع عليه. أما القزويني فقد حكى في كتابه (آثار البلاد وأخبار العباد) أن الله مسخ أهل وبار فجعلهم نسناساً، ووبار هي "أرض بين اليمن وجبال يبرين من محالِّ عاد (...) كانت أكثر الأرضين خيراً وأخصبها ضياعاً وأكثرها شجراً ومياهاً وتمراً، فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم، وكانوا ذوي أجسام فأشرَّوا وبطروا، ولم يعرفوا حق نعم الله عليهم، فبدّل الله تعالى خلقهم وصيّرهم نسناساً، لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ورجل واحدة، فخرجوا يرعون في تلك الغياض إلى شاطئ البحر كما ترعى البهائم (...)، يفسدون الزرع ويصيدهم أهل تلك الديار ويُنَفِّرونهم عن زروعهم وحدائقهم"( [40] ).

ويذهب عبد الملك مرتاض إلى أن أصل هذا المعتقد ربما يعود إلى الأساطير التي نشأت عن هلاك قوم عاد مستدلاً على ذلك بحديث رواه ابن منظور في لسان العرب فحواه: "أنّ حياً من قوم عاد عَصوْا رسولهم فمسخهم الله نسناساً، لكل إنسان منهم يد ورجل من شَقِ واحد ينقزون كما ينقز الطائر ويرعون كما ترعى البهائم"( [41] ). فالنسناس ـ بناء على هذا النص ـ كائن ممسوخ، و"أما ما يذكره المفسرون، نسبة إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه في الغالب، من أمر يأجوج ومأجوج، وأنهما من الخلق المشوه، ومن أكلة لحوم البشر، وممن يتصفون بالقامات الطويلة والأجسام الضخمة حتى إنه يمكن تشبيههم بشجر الأرز، فإن ذلك ليس إلا أساطير. وقد استبعده ابن كثير نفسه( [42] )، وقد أوردنا في تحليل رحلة ابن فضلان( [43] ) بيان انتقال هذه الصورة ليأجوج ومأجوج إلى الآخر بعد أن كانت من المعتقدات العربية السائدة في جزيرة العرب.

وقد كانت هذه المعتقدات قائمة على أشدها في الذهنية العربية البدائية (قبل ظهور الإسلام بزمن قد يكون طويلاً)، حتى إن صورها كانت دقيقة مما يجعل المتلقي يتردد في كثير من الأحيان بين التصديق والتكذيب.

لاشك أن هذه المعتقدات الشعبية قد أثرتها المخيلة العربية القادرة على إنجاب أجمل الأساطير، من مجرد إشارات قرآنية، لم تشف غليل القوم، فراحوا ينسجون الأساطير من حولها نسجاً مثيراً، يبعث التردد والحيرة في نفوس المتلقين. وعليه فالبعد العجائبي كان حاضراً وبقوة في كل هذه المعتقدات الشعبية.

ويذكر كراتشكوفسكي أن السنوات العشر الأولى للخلافة انتعش فيها نمط من الجغرافيا يطلق عليه "الجغرافيا الأسطورية"( [44] )، هذا النمط الذي يمكن عده شكلاً من أشكال العجائب والغرائب التي ملئت بها كتب الرحلات خصوصاً.

وقد ارتبط هذا النمط ببعض الأماكن الأسطورية كجبل "قاف" الذي يقول فيه القزويني: "قال المفسرون إنه جبل محيط بالدنيا وهو من زبرجدة خضراء منه خضرة السماوات ووراءه عالم وخلائق لا يعلمهم إلا الله"( [45] )، وعلى الرغم من غياب أية إشارة قرآنية إلى هذا الجبل، فإن المفسرون حاولوا أن يبصروا إشارة إليه في الحرف الغامق "ق" في أول سورة "ق" ولم يقفوا عند ذلك بل قاموا بوصف الجبل استناداً إلى بعض المرويات، بل وحتى وصف المواضع التي تحول دونه فلا يمكن عبورها، والتي تحيط بالأرض على طريق طوله أربعة أشهر، وأيضاً للبلاد الواقعة خلفه. حتى إن بعض الجغرافيين ذهبوا إلى تحديد مكانه "بالقوقاز"( [46] ).

ومن الموضوعات التي وردت في القرآن الكريم ودارت حولها الأساطير سد يأجوج ومأجوج الذي أمكن للرسول r بفضل ما تمتَّع به من نفاذ البصيرة ـ التي تعبر المسافات الشاسعة ـ أن يبصر ما طرأ عليه من تصدع فأخبر بذلك في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده "إن يأجوج ومأجوج ليَحْفِرنَّ السد"( [47] ).

وقد كان للرحلات العربية اتجاه إلى مكان هذا السد وذلك في عهد الخليفة العباسي الواثق بالله (227 ـ 232 هـ) حيث رأى هذا الخليفة في منامه أن السد الذي بناه ذو القرنين ليَحُول دون تسرب يأجوج ومأجوج قد انفتح، فبعث بسَلام الترجمان إلى مكان السد (بحر قزوين) في الأصقاع الشمالية لينظر في الأمر فعاد له بوصف شامل للسد وللحصون التي مرَّ بها قبل الوصول إليه، محدداً في كل مرة حتى المسافة بين الحصن والحصن، والحصن والسد. وقد حكى سلام رحلته لابن خرد ذابة الذي قيدها في كتابه (المسالك والممالك) بكل أمانة( [48] )، ذلك أنه "يؤكد في آخر روايته أنه قد سمعها في بداية الأمر من سلام ثم أمليت عليه من التقرير الذي رفعه سلام إلى الخليفة"( [49] ).

وقد رأى البعض أن رحلة سلام أسطورة خيالية وكفى، أوهى مجرد تضليل مقصود كما (يقود) سبنجر " Spenger " ويؤيده غريغور رييف " Grigoriev ".

أما مينورسكي فقد اعتبرها مجرد حكاية تنتشر فيها بضعة أسماء جغرافية، بينما يذهب فاسيلييف " Vasiliev " عالم البيزنطيات إلى أن سلاماً قد نقل إلى الخليفة الروايات المحلية التي سمعها في الأماكن التي زارها. وإلى هذا الرأي الأخير يميل كراتشكوفسكي لأنه ـ على حد زعمه ـ لا يخلو من الوجاهة( [50] ).

وبغض النظر عن أسطورية المادة التي رويت في هذه الرحلة الواقعية، فقد نالت القصة انتشاراً واسعاً في الأدب الجغرافي العربي ورواها الجغرافيون المتقدمون مع تفاوت في التفاصيل من أمثال القزويني( [51] )، وياقوت الحموي( [52] )، وأبي حامد الغرناطي( [53] )والمسعودي الذي يذكر في (مروج الذهب) أنه ذكر في الكتاب الأوسط خبر السد الذي بناه ذو القرنين( [54] )... الخ.

إذن فالرحلة في ذاتها واقعية كما أكّد ذلك أحد كبار العلماء المحدثين في الجغرافيا التاريخية لأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، رغم أنّ الدافع إلى إرسال هذه السفارة كان خيالياً بحتاً وهو ذات الدافع الذي جعل الخليفة يبعث بمحمد بن موسى الفلكي لتقصي خبر أهل الكهف الذي أورد في القرآن قصتهم في سورة الكهف؛ هذه القصة التي تباينت حولها الروايات ونسجت حولها الحكايات، على نحو ما يذكر الغرناطي: "في طريق قونية غار تحت الأرض يسكنه جماعة، وفيه بيت كبير، فيه رجال موتى، بعضهم قيام، وبعضهم ركوع، وبعضهم سجود، فلا يدري من أي أمة هم، وعليهم ثياب لا تبلى، والنصارى والمسلمون يتبركون بهم وأمرهم شائع يراهم الناس"( [55] ).

ولم يكتف الغرناطي بذكر حكايته هذه التي أخرجت القصة عن حيّزها الجغرافي المعروف من جهة، وجعلتها القاسم المشترك بين المسلمين والنصارى من جهة ثانية بل راح يؤكد صحتها بما رواه له رجل من أهل باشغرد اسمه داود بن علي، من أنّه دخل ذلك الغار ورأى فيه الرجال، فلما اقترب من راكع منهم وأخذ بأسفل عنقه ورفعه استوى الرجل قائماً، فلما تركه عاد راكعاً كما كان. غير أن داود بن علي هذا يذكر أنّ الموتى في الغار كثر، منهم امرأة عندها مهد فيه طفل، قد انحنت عليه كأنها ترضعه وهي ميتة لم يسقط من جسدها شيء( [56] ).

فهذه حكاية من الحكايات الكثيرة المحبوكة حول أهل الرقيم حوتها كتب المتقدمين من أمثال المسعودي( [57] )، والقزويني( [58] )، وابن خرداذبة وياقوت( [59] ) والغرناطي الذي ارتأينا رواية حكاية أخرى له عن هؤلاء الفتية مفادها أن مدينة دقيانوس( [60] ) كانت هي غرناطة، وبالقرب من المدينة بثلاثة فراسخ مدينة صغيرة يقال لها لوشة وإلى جانبها جبل صغير في حضيضه مثل الغار (كهف)، الشمس تزاور عن بابه ذات اليمين وإذا غربت تقرضه ذات الشمال، وفي داخله فتية، عددهم سبعة موتى، ستة منهم نيام على ظهورهم، وآخر نائم على يمينه وعند أرجلهم كلب، لم يسقط من أعضائهم ولا شعورهم شيء، والناس يغطونهم بأنواع الثياب، ويزورونهم من جميع البلاد، وعلى الكهف مسجد، ولهم هبة عظيمة وعلى الكهف نور كثير، والدعاء عندهم مستجاب. وهذه كرامة الله ظاهرة لعباده في الدنيا تدل على إكرام الله تعالى لأرواحهم في الآخرة( [61] ).

وربما كان طابع القداسة الذي أضفاه الغرناطي على القصة منذ البداية (يكفي أنّه روى القصة باللفظ القرآني) أحد أهم الأسس التي استند إليها الرحالة لإقناع المتلقي بما يأتي من الدعاء المستجاب في مسجدهم والنور الساطع على جبلهم، وغيرها من الكرامات التي مُنِحوها رغم أنهم أموات عند ربهم يرزقون.

وكلها معتقدات شعبية استفحلت بين العامة والخاصة حتى أنه لم يعد يقدر أحد من العلماء على دفعها كما أشرنا إلى ذلك سلفاً، وهي مما يغذي البعد العجائبي في أدب الرِّحلات.

ومهما كانت الأحداث، والشخصيات، والفضاءات مرجعية فإن العناصر العجائبية تتدخل لإضفاء بعض السمات العجائبية عليها فتغدو عجائبية محضة. ولربما ضاعت مرجعيتها التاريخية بين مجموع الحكايات التي تطبعها بالطابع العجائبي، الذي يجعل المتلقي في حيرة من أمره أيصدق كلَّ ما يقال أم يكذب، فيصبح الذكي العاقل هو القادر على التمييز بين الأمرين كما يقول الغرناطي، ولاسيما إذا تعلق الأمر بشيء من أمور الدين.

ولم تنحصر تلك الحكايات والقصص فيما ذكرنا فحسب، بل إنّ كتب الرِّحلات البرية منها والبحرية قد عجّت بقصص ومغامرات طريفة وغريبة في الآن نفسه، كانت أكثر التصاقاً بالرحلات البحرية التي كانت وجهتها الأصقاع البعيدة، كالهند والصين، وسواحل إفريقيا الشرقية خاصة بلاد الزنج المشهورة، وهي تنطبق بوجه خاص على "زنجبار" الحالية.

وفي هذه السلسلة يشغل كتاب عجائب الهند لبُزْرُج بن شهريار الذي تم تأليفه سنة 324 هـ/953م مكانة مرموقة، والذي يرى فيها فيران أن بعض قصصه يرجع إلى أواخر القرن العاشر. ومما يتميز به هذا الكتاب أن قصصه لا تدور حول قصة واحدة متماسكة الأطراف كما هي الحال مع كتاب أبي زيد السيرافي ولكنه يتناول مجموعة من القصص المتفرقة المختلفة طولاً وقصراً تتراوح بين عشر صفحات وبضعة أسطر، ومما تتميز به مادتها التنوع، فتارة يقابلنا وصف قصير لنبات أو سمك أو عجائب، وطوراً وصف لحادث في البحر أو البر قد يتحول إلى قصة مغامرات...، وتمثل هذه المجموعة القصصية لبزرج مصنفاً أدبياً ممتازاً ـ كما يشهد بذلك كراتشوكوفسكي ـ لا يقل أهمية عن أفضل مواضع أسفار السندباد بل ويفوقها أحياناً( [62] ).

وربما كانت القصة التي رواها شوقي ضيف في كتابه (فنون الأدب العربي ـ جزء الرحلات ـ ) خير دليل على ذلك؛ إذ يروي أحد الملاحين عن أبيه قائلاً:

"أسْرَيْتُ في مركب لي كبير، ونحن طالبون، جزيرة قِنْصور( [63] ) (...) وأدْخَلنا التيار بين جزائر، فأسندنا المركب إلى واحدة منهن. على ساحلها نسوة يعمن ويسبحن ويلعبن فأنسنا بهن، ولما قربن منهن تهاربن في الجزيرة.

وتمضي الحكاية فتزعم أنّ هذا الملاح ومن معه من التجار بادلوا أهل الجزيرة عروضهم من الحديد والنحاس والكحل، والخرز والثياب بما عندهن من الأرز والغنم والدجاج والعسل والسمن، ثم طلبوا بضائع منهن يشترونها، فقلن ليس عندنا إلا الرقيق فاشتروا طائفة كبيرة، ولكن لم يكادوا يمضون في البحر حتى تطاير هذا الرقيق تطاير الجراد والمركب تجري في موج كالجبال، وكانت لا تزال بين القوم ضاربة في قاع السفينة فأمسك بها الملاح وأقعدها وأقامت معه ثماني عشرة سنة مقيدة، واستولدها ستة أولاد كان منهم راوي القصة! ويزعم أنه مات أبوه ففكوا عن أمهم قيودها رحمة بها وإبراراً لها وحنواً عليها، يقول: فخرجت كأنها الفرس السابق، وانطلقنا خلفها، فلم ندركها، وقال لها بعض من قرب منها: تمضين وتخلين أولادك وبناتك، فقالت: ما أعمل لهم وطرحت نفسها في البحر،وغاصت كأقوى حوت يكون، يا سبحان الخالق البارئ المصور"( [64] ).

وللعلم فقد جعل بعض الكتاب العرب هذه الجزيرة من بين جزر "واق واق" التي كانوا ولا يزالون يقصون عنها الأساطير الكثير، وقد قدّم "بزرخ" تعليلاً لاختصاص هذه الجزيرة بالنساء، إذ يحكي أنّ الرجل سأل المرأة التي أخذها معه عن سر تلك الجزيرة وعن سرهن في الانفراد بالجزيرة دون الرجال فقالت:

"نحن أهل بلاد واسعة ومدن عظيمة محيطة بهذه الجزيرة، ومسافة ما بين كل بلد من جميع بلادنا وبين هذه الجزيرة ثلاثة أيام بلياليها، وكل من في أقاليمنا ومدننا من الملوك والرعايا يعبدون النار التي تظهر لهم في جزيرتنا، ويسمونها بيت الشمس، لأن الشمس تشرق نم طرفها الشرقي وتغرب في جانبها الغربي فيظنون أنها تبيت في هذه الجزيرة (...) فيعبدونها ويقصدونها بصلاتهم وسجودهم من سائر الجهات. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل المرأة في بلادنا تلد أول بطنٍ ذكراً، وثاني بطن أنثيين، وكذلك باقي عمرها، مما أقل الرجال في بلادنا، وأكثر النسوان! فلما كثرن وأردن أن يغلبن على الرجال صنعوا لهن المراكب وحملوا منهن آلافاً، وطرحوهن في هذه الجزيرة، ويقولون للشمس: يا ربهن أنت أحق بما خلقت، وليس لنا بهن طاقة (...) وإن بلادنا في البحر الأعظم تحت سهل لا يقدر أحد أن يجيء إلينا (...) خوفاً من أن تشربه البحار.."( [ 65] ).

وقد ظلت هذه الجزيرة موضوع حكايات تنسج من بنات خيال البحريين خصوصاً، رغم البعد الجغرافي الوهمي الذي تُوسم به.

ومما تقدم يتضح أن العجائبي في التراث العربي تمظهر في الأسطوري والفلكلوري، وفي المحكيات الشعبية الشفوية، وكل ما هو سحري مقترن بالذاكرة في إطار كلية المتخيل، وكل ما له اتصال بالملل والنحل والمعتقدات المختلفة، إضافة إلى مزج اللغة المتداولة بالخطاب الصوفي وهذيان الشعر من خلال بعض الصور التي تبتدعها المخيِّلة، بما فيها تجاوُز للمألوف والآني، مستشرفة آفاق الغريب والعجيب عن طريق تلاقح مستويات مثقلة بالدلالة( [66] ).

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...