الأحد، 15 فبراير 2015

1- في مفهوم التناص :                                                                                          
لقد حدّد باحثون كثيرون مثل "كريستيفا" و "ريفاتير" مفهوم التناص ، غير أنّ أيّ واحد منهم لم يضع تعريفا جامعا مانعا له ، وهذا راجع لكون مصطلح "تناص" تتغيّر دلالته من باحث إلى آخر توسيعا وفهما بالعلاقة مع المفهوم الذي للباحث عن النص ذاته ، فللنص تعاريف عديدة تعكس توجهات معرفية ونظرية ومنهجية مختلفة ، فهناك التعريف البنيوي وتعريف اجتماعيات الأدب والتعريف النفساني وتعريف اتجاه تحليل الخطاب ، ومن دون شك فإنّ هذه الاختلافات ستؤطِّر كل تعريف يقوم به هذا الباحث أو ذاك .
فسعيد يقطين ربطه بِ "نصية النص" ، يقول : « إنّ جزءاً من نصية النص تتجلى من خلال "التناص" كممارسة تبرز عبرها قدرة الكاتب على التفاعل مع نصوص غيره من الكتاب وعلى إنتاجه لنص جديد ، هذه القدرة التي لا تتأتّى إلا بامتلاء خلفيته النصية بما تراكم قبله من تجارب نصية وقدرته على تحويل تلك الخلفية إلى تجربة جديدة قابلة لأن تسهم في التراكم النصي القابل للتحويل والاسترار بشكل دائم» .
ويطرح "يوري لوتمان" مفهوما للنص يعلق وجوده فيه على مفهوم التناص ، لأنه يجعل العلاقة بينهما كالعلاقة بين الكلام واللغة في مفهوم "دي سوسير" ، وبالتالي يجعل كلاّ من المفهومين قاعدة لتأسيس إشارية العمل الأدبي . فالتناص حسبه هو الذي يهب النص قيمته ومعناه ، ليس فقط لأنه يضع النص ضمن سياق يمكننا من فض مغاليق نظامه الإشاري ويهب إشارته وخريطة علاقاته معناها ، ولكن هو الذي يمكننا من طرح مجموعة من التوقعات عندما نواجه نصا ما ، وما يلبث هذا النص أن يشبع بعضها وأن يولد في الوقت نفسه مجموعة أخرى .
وهكذا نكتشف البؤرة المزدوجة للتناص ، إنه يلفت اهتمامنا إلى النصوص الغائبة والمسبقة ، وعلى التخلي عن أغلوطة استقلالية النص ، لأنّ أي عمل يكتسب ما يحققه من معنى بقوة كل ما كُتِبَ قبله من نصوص . كما أنّه يدعونا إلى اعتبار هذه النصوص الغائبة مكوِّنات لشفرة خاصة يُمَكِّنُنا وجودُها من فهم النص الذي نتعامل معه وفض مغاليق نظامه الإشاري ، وازدواج البؤرة هنا هو الذي لا يجعل التناص نوعا من توصيف العلاقة المجددة التي يعقدها نص ما بالنصوص السابقة ولكنه يتجاوز ذلك إلى الإسهام في البناء الاستطرادي والمنطقي لثقافة ما ، وإلى استقصاء علاقاته بمجموعة من الشفرات والمواصفات التي تجعله احتمالا وإمكانية داخل ثقافة ما ، والتي تبلور احتمالات هذه الثقافة .
وحدّدت "جوليا كريستيفا" المجال التناصي بقولها :« إنه مهما كانت طبيعة المعنى في نص ما ، ومهما كانت ظروفه كممارسة إشارية فإنه يفترض وجود كتابات أخرى .. وهذا يعني أنّ كل نص يقع من البداية تحت سلطان كتابات أخرى تفرض عليه كونا أو عالَماً بعينه ». ولا بدّ هنا من التنبيه إلى أنّ الوقوع تحت سلطان الكتابات السابقة لا يعني بالضرورة الخضوع التام والمطلق لها ، إنّ النص وهو يقيم علاقة مع نصوص سابقة أو يقع تحت سلطانها فإنّ درجة الاستسلام والانقياد لهذا السلطان مختلفة من نص إلى آخر ، لأنّ التناص يزوِّدنا بالتقاليد والمواصفات والمسلَّمات التي تمكِّننا من فهم أي نص نتعامل معه والتي أرستها نصوص سابقة ، ويتعامل معها كل نص جديد بطريقته ، يحاورها ، يصادر عليها، يدحضها ، يقبَلها ، يرفضها ، يسخر منها أو يشوهها ، وهو في كل حالة من هذه الحالات ينميها ويرسخها ، ويضيف إليها . وهذا ما يقودنا إلى تحديد بعض مظاهر التناص .
2-مظاهر التناص :
2-1- النص الغائب :
يورد "صبري حافظ" مثالا من خلال تجربته الشخصية ، وفحوى هذا المثال أنه لم يطّلع على كتاب "فن الشعر" لأرسطو إلا بعد تجربة ثقافية معيّنة ، ولكنه عندما قرأ هذا الكتاب لم يجد فيه شيئا مثيرا أو جديدا ، لأنّ معظم الأفكار الواردة فيه سبق للناقد أن تعرّف إليها في مطالعاته المختلفة ، ولهذا صرّح صبري حافظ قائلا: « وقد أدهشتني هذه الظاهرة وقتها ، ولم أعرف ساعتها أنني كنت أعيش أحد أبعاد الظاهرة التناصية دون أن أدري . فقد كان كتاب "أرسطو" العظيم بمثابة النص الغائب بالنسبة للكثير من الأعمال النقدية التي قرأتها وتفاعلت معها ، وحاورتها وتأثرت بها . النص الذي ذاب في معظم ما ما قرأت من أعمال نقدية وأصبح من المستحيل فصله عنها أو عزل أفكاره عن سدى أفكارها أو لحمتها ، لأن رؤاه وأحكامه قد صارت نوعا من البديهيات الأساسية التي تصادر عليها معظم الكتابات النقدية التي قرأتها ، وبالتالي قاعدة غير مرئية ينهض عليها البناء النقدي لهذه الكتابات ».
بمعنى أنّ هناك بعض النصوص تتسلل إلى مكوِّناتنا الثقافية من دون أن نمتلك القدرة على تحديد هذا التسلل وطبيعته ، كما أنّ هذه النصوص تكوِّن جانبا من القاعدة التي ننطلق منها في الحكم وتقييم النصوص التي ندرسها أو نتعامل معها إبداعا ونقدا .
2-2- الإحلال والإزاحة :
النص عادة لا ينشأ من فراغ ، ولا يظهر في فراغ ، إنه يظهر في عالم مليء بالنصوص الأخرى ، ومن ثمّة فإنه يحاول الحلول محلّ هذه النصوص أو إزاحتها من مكانها ، وعملية الإحلال لا تبدأ بعد اكتمال النص وإنما تبدأ منذ لحظات تَخَلُّق أجنته الأولى ، وتستمرّ بعد بعد اكتماله وتبلوره . قد يقع نص في ظل نص أو نصوص أخرى ، وقد يتصارع مع بعضها ، وقد يتمكن من الإجهاز على بعضها الآخر ، ولهذا تترك جدليات الإحلال والإزاحة بصماتها على النص ، وهي بصمات هامة توشك معها فاعلية النص المزاح ألا تقلّ في أهميتها وقوة تأثيرها عن فاعلية النص "الحالّ" الذي احتل مكانه أو شغل جزءا من هذا المكان .
2-3- الترسيب :
النص عادة ما ينطوي على مستويات أركيولوجية مختلفة ، على عصور ترسّبت فيه تناصيا الواحد عقب الآخر دون وعي منه أو من مؤلفه ، وتحوّل الكثير من هذه الترسبات إلى مصادرات وبديهيات ومواصفات أدبية يصبح من الصعب إرجاعها إلى مصادرها أو حتى تصوّر أنّ ثمّة مصادر محدّدة لها ، فقد ذابت هذه المصادر كليّة في الأنا التي تتعامل مع النص ، فالنص ينطوي على عدّة عصور ولا بدّ أن تتقبّل أي قراءة له هذه الحقيقة وتنطلق منها .
2- 4- السياق :
بدون وضع النص في سياقٍ يصبح من المستحيل علينا أن نفهمه فهما صحيحا ، وبدون السياق نفسها يتعذّر علينا الحديث عن الترسيب أو النص الغائب أو الإحلال لأنّ هذه المفاهيم تكتسب معناه المحدّد –كالنص تماما- من السياق الذي تظهر فيع وتتعامل معه .
والنص الأدبي لا يعرف واحدية السياق وإنما ينحو دائما إلى طرح مجموعة من السياقات التي قد تتباين وتتعارض أحيانا ، ولكنها في تباينها وتعارضها تتناظر مع مستويات النص وعصوره المختلفة ، كما أنّ السياق هو الذي يحدّد مجال التناص في حدّ ذاته .
2-5-المتلقي :
لم يعد القارئ تلك الذات السلبية والثابتة المدعوّة سلفا وببساطة " المرسل إليه" أي مفعولا به يقع عليه فعل الكتابة ، بل أضحى فاعلا ديناميا يؤثِّر بالنصِّ فيصنع دلالته ، وهكذا أصبحت سيرورة القراءة تُدْرَك كتفاعل مادي محسوس بين نص القاريء ونص الكاتب . فالقراء المتعاقبون هم الذين يحققون العمل الأدبي من خلال قراءاتهم المتعدِّدة والمتجددة له ، وعليه فهم يمنحون النص الأدبي حياة مستمرة ، وبهذا المعنى تصبح القراءة إعادة كتابة ، كتابة النص ، لا استهلاكا سلبيا لمُنْتَجٍ جاهز ونهائي . فالقاريء وهو يمارس فعل القراءة يتناص مع نصوص أخرى مثل الكاتب تماما ، هذه النصوص تحدِّد طبيعة العلاقة التي يقيمها مع النص المقروء .



المحاضرة الرابعة

السردية

حظيت القصة بمختلف أنواعها وبخاصة بدراسات كثيرة نشأ منها في عصرنا مبحث يسعى إلى الاستقلال بنفسه أو على الأقل إلى التخصص الدقيق والتميّز عن سائر البحوث التي يستعمل بعض أدواتها ومفاهيمها وطرائقها أحيانا ، وقد عُرِف هذا المبحث الجديد بِ"السردية" أو "علم السّرد" . وشمل في الأصل جميع ما هو متصل بالسّرد ، مع اهتمام خاص بالقصص الأدبي والفني ، ويمكن أن يُعرف هذا "العلم" بكونه فرعا من علم العلامات العام ( السياميائية) . وفيه يجتهد الدارسون لتحليل أنماط التنظيم الداخلي في بعض أنواع النصوص السردية ....
ومن هنا يحسن التمييز الدقيق بين أنواع النصوص ( نص سردي – نص حجاجي- نص وصفي) ، وأنواع الخطاب ( الرواية – الشريط السينمائي – الصور المتحركة) .
وتعود بدايات هذا المبحث الجادة إلى العشرينيات عندما انصرف اهتمام الشكلانيين إلى النصوص النثرية بعد أن كان اهتمامهم منحصرا في النصوص في النصوص الشعرية ، وفي هذا الإطار ظهرت الدراسة العلمية الدقيقة للقصة على يد "فلاديمير بروب" في كتابه "بنية الحكاية العجيبة" الذي أصدره سنة 1928 والذي عُدّ فتحاً مبينا في السردية . فقد خرج فيه صاحبه عن الدراسات العامة الرجراجة وتخصص تخصصا دقيقا في نوع قصصي كان يُعَدُّ في الغالب من أمر العامة لا من شواغل أهل العلم ، ثمّ أنّ "بروب" قد سما في كتابه عن الشواغل التاريخية وغيرها ورام ضبط نوع قصصي محدّد هو الحكايات الشعبية العجيبة وحدّد منهجا معيّنا لدراستها وهو الوصف العلمي القائم على تحديد المكونات ثم الملاحظة فالتحليل فالاستنتاج .
وبعد ثلاثة عقود تُرْجِم هذا العمل إلى الانجليزية سنة 1958 وبعدها إلى الفرنسية، فأثّر هذا البحث تأثيرا عميقا ومباشرا في البحوث القصصية التي جاءت بعده ، وتفاعل معه عالمان هما "كلود ليفي شتراوس" و "رومان جاكبسون" . كما أثّر عمل بروب في مجال تحليل الأساطير وكذلك في دراسة منطق القصة خاصة مع "كلود بريمون" الذي نشر مقالة بعنوان "الرسالة السردية" سنة 1964 ، ثم ظهر سنة1966 كتاب "قريماس" "الدلالة البنيوية" الذي عُدّ أول كتاب يؤسس لعلم العلامات السردي .
ثم تلاحقت الكتب والمقالات لبناء هذا المبحث "علم السرد" وتميزه عن سائر فروع العلوم المتصلة به .
وقد ظهر في دراسة القصة اتجاهان : اتجاه يركز على عمل النص ذاته وعلى طريقة اشتغاله ،أي على نموه وحركته ومآله وهو الاتجاه الذي استند إلى مباحث "بروب".
واتجاه ثان يركّز على وظائف النص خارج عالمه اللغوي أي على اندراجه في تفاعل متبادل مع ما هو خارج النص ، وهذا الاتجاه مثّلَه "باختين" وأعلام آخرون.
وقد بقي هذان الاتجاهان منفصلين لاختلاف الشواغل والمنطلقات والمصطلحات لدى كلّ ممثّل منهما ، وقد حاول "جيرار جينيت" أن يوفق بينهما في كتابه المشهور "صور iii ".

الآخر ، ولهذا تترك جدليات الإحلال والإزاحة بصماتها على النص ، وهي بصمات هامة توشك معها فاعلية النص المزاح ألا تقلّ في أهميتها وقوة تأثيرها عن فاعلية النص "الحالّ" الذي احتل مكانه أو شغل جزءا من هذا المكان .
2-3- الترسيب :
النص عادة ما ينطوي على مستويات أركيولوجية مختلفة ، على عصور ترسّبت فيه تناصيا الواحد عقب الآخر دون وعي منه أو من مؤلفه ، وتحوّل الكثير من هذه الترسبات إلى مصادرات وبديهيات ومواصفات أدبية يصبح من الصعب إرجاعها إلى مصادرها أو حتى تصوّر أنّ ثمّة مصادر محدّدة لها ، فقد ذابت هذه المصادر كليّة في الأنا التي تتعامل مع النص ، فالنص ينطوي على عدّة عصور ولا بدّ أن تتقبّل أي قراءة له هذه الحقيقة وتنطلق منها .
2- 4- السياق :
بدون وضع النص في سياقٍ يصبح من المستحيل علينا أن نفهمه فهما صحيحا ، وبدون السياق نفسها يتعذّر علينا الحديث عن الترسيب أو النص الغائب أو الإحلال لأنّ هذه المفاهيم تكتسب معناه المحدّد –كالنص تماما- من السياق الذي تظهر فيع وتتعامل معه .
والنص الأدبي لا يعرف واحدية السياق وإنما ينحو دائما إلى طرح مجموعة من السياقات التي قد تتباين وتتعارض أحيانا ، ولكنها في تباينها وتعارضها تتناظر مع مستويات النص وعصوره المختلفة ، كما أنّ السياق هو الذي يحدّد مجال التناص في حدّ ذاته .
2-5-المتلقي :
لم يعد القارئ تلك الذات السلبية والثابتة المدعوّة سلفا وببساطة " المرسل إليه" أي مفعولا به يقع عليه فعل الكتابة ، بل أضحى فاعلا ديناميا يؤثِّر بالنصِّ فيصنع دلالته ، وهكذا أصبحت سيرورة القراءة تُدْرَك كتفاعل مادي محسوس بين نص القاريء ونص الكاتب . فالقراء المتعاقبون هم الذين يحققون العمل الأدبي من خلال قراءاتهم المتعدِّدة والمتجددة له ، وعليه فهم يمنحون النص الأدبي حياة مستمرة ، وبهذا المعنى تصبح القراءة إعادة كتابة ، كتابة النص ، لا استهلاكا سلبيا لمُنْتَجٍ جاهز ونهائي . فالقاريء وهو يمارس فعل القراءة يتناص مع نصوص أخرى مثل الكاتب تماما ، هذه النصوص تحدِّد طبيعة العلاقة التي يقيمها مع النص المقروء .   (منقول) 

السبت، 14 فبراير 2015

-كليلة ودمنة دراسة نقدية - منقول
مما لاشك فيه أن كتاب كليلة ودمنة هو أحد الكتب التي حظيت بالانتشار وديمومة التلقي والقراءة عبر توالي العصور ، مثله مثل المقامات الرائدة ( مقامات الهمذاني والحريري ) وألف ليلة وليلة ورسالة الغفران والحكايات الشعبية .
إن هذه النصوص الأدبية تجاوزت كينونتها الزمانية والمكانية إلى فضاء إنساني رحب تعالى على الخصوصية الضيقة . ولكل نص من تلك النصوص سماته التي عززت انتشاره وديمومته عبر التلقي المتنامي . إلا أن ذلك لا يعني ، بالضرورة ، تنوعا في أشكال تلقيها ، و إن تعددت القراءات ؛ لأن القراءة الغنية والمتنوعة مرتبطة بنوعية القارئ وموسوعته الثقافية وخلفياته النصية والأدوات المنهجية التي يتسلح بها ، وليس بالموضوع المتلقى فقط. وفي أشكال تلقي كليلة ودمنة ، موضوع بحثنا ما يوضح ذلك .
نشير بدءا إلى أن ديمومة تلقي كتاب كليلة ودمنة ، وحضوره المتعالي يرجع إلى مجموعة من الخصائص نجملها بما يلي :
1 ـ يرتبط الكتاب بالحكاية الشعبية ، و إن ظهر مكتوبا لدى العرب في القرن الثاني ا لهجري . لأن الحكاية المضمنة فيه هي تراث إنساني تمتد جذوره في الثقافة الإنسانية الفولكلورية الهندية واليونانية والفارسية والعربية . وهذه الخاصية تثير الجدل بشكل دائم حول جذورالحكاية المضمنة وأصولها ومؤلفها ومدلولاتها .
2ـ يعد كتاب كليلة ودمنة من النصوص المركبة ، فتنظيمه قائم على الاستطراد من حكاية إلى أخرى عبر التوالد المفضي إلى نص جديد قابل ، هو بدوره ، إلى توالد آخر، مثله مثل حكايات ألف ليلة وليلة في التراث الإنساني .
3ـ يقرأ كتاب كليلة ودمنة بوصفه نصا متكاملا ، تتداخل أجزاؤه لتغذي البؤرة الدلالية المركزية عبر التنويع والإبدال . كما يمكن أن يقرأ نصوصا منفصلة ومستقلة ومبتورة عن سياقها النصي لتغذي دلالة جزئية خاصة بها .
4 ـ إن فكرة الكتاب المتمثلة في الصراع بين الفوق (دبشليم الملك ) والتحت ( بيدبا الفيلسوف ) ومعالجتها بالتماثل المتكافئ ، أي قبول دبشليم الملك بنصيحة بيدبا وتنازله عن استبداده والأخذ بدور بيدبا في الحياة السياسية ، مما حقق توازيا في العلاقة بين الفوق والتحت ، إن هذه الفكرة هي فكرة متعالية على الزمان والمكان والثقافة المجتمعية الخاصة بشعب من الشعوب ، مما يجعل منها فكرة إنسانية شاملة ومخترقة لأي فضاء يحاول تحديدها و تأ طيرها .
إن تلك العناصر المشكلة لديمومة النص و عالميته ، ليصبح جزءا من التراث الإنساني وليس العربي أو الهندي أو الفارسي ، دفعت به إ لى التلقي بنمط واحد من القراءة تناسخ عبر القراء كتابا أو نقادا أو قراء مطالعين ، مع الاحتفاظ ببعض التمايز المحدود لكل قراءة . وسنوضح فيما يلي ذلك النمط من القراءة :
إن أغلب القراءات التي تطرقت إلى كليلة ودمنةـ قديما (1) وحديثا (2) ـ تلقت النص بوصفه مجموعة من الحكايات الشعبية ، بخاصة حكايات الحيوان ، أي بوصفه مجموعة من النصوص المنفصلة عن بعضها . ويجب قراءتها في البعد الرمزي لما ينطق به الحيوان في مقابل الدلالة الإنسانية .
يضاف إلى ذلك أ ن تلك القراءات بحثت ـ إيجازا أو تفصيلا ـ عن الأصول الهندية أو الفارسية أ و العربية لتلك الحكايات المنفصلة . وهو ترهين غير مجد ٍ؛ لأن الحكاية الشعبية هي ثقافة إنسانية شاملة ، ولا يمكن تأصيلها و إن توافرت القرائن البيئية والاجتماعية والجغرافية ، بحكم التناقل الشفوي وتشابه الأصول البشرية البدئية وطريقة توالد الحكايات . وحتى إ ن توصل باحث (3) إلى القطع ـ كما يرى ـ بأصل المادة الحكائية في كليلة ودمنة ، فإ ن القراءة بذلك المنحى ترهن المادة الحكائية بزمن ما ، وتغلقها على أصولها ؛ مما يمنع انفتاح النص على الحاضر والمســـتقـبــل والتلقي المتعدد الدلالات والحمولات التي تولد نصوصا جديدة .
وفي إطار هذا الشكل الوصفي في التلقي هناك القراءة السلبية المغلقة التي ظهرت شذراتها في كتب الموسوعيين والمصنفين العرب أمثال ابن النديم والحاجي خليفة وغيرهما . فقد رأوا في قصص كليلة ودمنة خرقا للمعيار الاعتباري الذي يجب أن يأخذ به المتن القصصي ، انطلاقا من أن الفن القصصي في العصر الإسلامي نشأ في بدايته في المساجد والحلقات الدينية بغاية اعتبارية . ويقوم على الإسناد الخبري والتوثيق التاريخي . ومع ظهور فئة القاصين المحدثين ابتعد القص عن الاعتبار الديني والأخلاقي وأخذ بأسباب المتعة والتسلية ،وتخلى عن الإسناد ومقولة الصدق ؛ مما دفع ا لخاصة إلى مقاومته وملاحقة القاصين ، واعتبار تلك القصص فنا هابــطا غايته عقل العامة والجمهــــور العريض ؛ مما أفسد الأخلاق وأســـاء إلى الدين (4) . وفي هذا النسق الثقافي قال ابن النديم وكان من يعمل الأسمار والخرافت على ألسنة الناس والطير والبهائم جماعة منهم عبد الله بن المقفع ) (5) .
وبتوسع أكبر في التوصيف ، مع التقييم الإيجابي لكليلة ودمنة بعد الانعتاق من تقييم النص على أساس قيم الاعتبار الديني ، نقرأ في الدراسات المعاصرة موقفا ينم عن الإعجاب بالنص ، ولكنه إ عجاب لا يخرج عن عباءة التوصيف ليصب في التحليل والتأويل ، و إن كانت تلك الدراسات تحض ـ لفظيا ـ بشكل دائم على ضرورة القراءة التأويلية . ونمثل لذلك بقراءة عزة غنام ( 6 ) التي نرصدها من خلال المحطات الآتية :
• رصدت الدراسة المواقف والآراء المتصلة بتأصيل الحكايات المضمنة ( حكايات الحيوان ) دون أن تبحث عن موقف من ذلك ، ودون الانتباه إلى أن تلك الحكايات المضمنة هي ليست أكثر من تنويع و إبدال للقصة الإطار .
• الإشارة إلى أن حكايات الحيوان في كليلة ودمنة جاءت على لسان الحيوان بديلا عن تمثيلها الإنساني تجنبا لقمع الحاكم وبطشه . مما يعني أن التأويل لا يتناول ـ في رأيها ـ الحكاية الإطار وما فيها من رموز دلالية ، مع العلم أن تجنب بطش الحاكم يرتبط بتفسير القصة الإطار .
• الإشارة إلى أن كليلة ودمنة قصة توالدية تقوم على التركيب الحكائي . وهذه رؤية إيجابية إلا أنها لم تعط ثمارها ؛ لأنها لم تتجاوز توصيف الإطار التنظيمي للنص إلى القراءة التأويلية الكلية له .
• الإشادة بالدور الريادي الذي تكتسبه كليلة ودمنة بوصفها قصة رمزية متكاملة على مستوى النثر العربي المنقول ، آخذة ـ الدراسة ـ بمقولة النقل مع التحفظ بحدوده ومستوياته .
إن هذه القراءة هي قراءة وصفية إيجابية ؛ ولكنها مغلقة أيضا على الحكاية المضمنة ، وتسير بالتوازي مع القراءات التي تقدم عرضا لمحتويات الكتاب وأهميته . أما الحض ـ
المنصوص عليه في الدراسة ـ على التأويل ، فهو لا يتجاوز الحض اللفظي ، لأننا لا نرى ما يجسده فعلا منجزا. ومبرر غيابه أنه لو أنجز سيكون من النتائج البدهية باعتباره يقصد سلوك الحيوانات وأقوالها في المقابل الإنساني ، وهذا ليس بجديد ؛ لأن كل حكايات الحيوان في الثقافة تحمل تمثيلا رمزيا للتحقق في عالم الإنسان.
إن ماهو ملفت للانتباه في أشكال تلقي نص ابن المقفع التي أشرنا إليها أو التي لم نفصل في طبيعتها أنها جميعا تصرح بضرورة القراءة التأ ويلية . ويقصد من وراء ذلك ، تحديدا ، أقوال الحيوانات وسلوكها باعتبار ذلك بديلا رمزيا للفعل الإنساني . وفي ذلك مجموعة من الملاحظات
1 ـ إننا لم نقع على دراسة تنجز ذلك التأويل للسبب المذكور سابقا . يضاف إلى ذلك أن إنجاز تأويل للحكاية المضمنة ينم عن خطأ فادح في فهم النص وتلقيه ؛ لأنه يفصل الحكاية المضمنة عن سياقها النصي المتكامل ، بوصفها جزءا إبداليا ، ويضعنا في سياق تأويلي للمدلول الرمزي في حكاية منفصلة ومفردة ، وبالتالي فإن التأويل لا يحمل خصوصية نص ابن المقفع بوصفه نصا واحدا . ونكون بذلك أمام تفسير للرموز الحيوانية بشكل عام ، إن كانت في كليلة ودمنة أو في غيرها ، وقراءة مسطحة لا تنتج نصا موازيا لنص كليلة ودمنة . كما أنها ستكون قراءة هيمنت عليها فكرة سابقة على النص للاعتقاد بأن كليلة ودمنة قصة جاءت على لسان الحيوان . وهذا خطأ شائع في فهم النص .
2 ـ إن تلك القراءات جاءت قراءات كسولة ، لم تخرج في مجمل آرائها وملاحظاتها عن القراءة الظاهرة للنص ، إن كان من حيث فكرة التركيب الحكائي أو من حيث رمزية حكاية الحيوان . ولم تستطع الانتباه إلى علامات ظاهرة تحتاج إلى التأويل ، إن كانت تلك العلامات مخلة في البناء التنظيمي الخارجي ، مثل موقع مقدمة ابن المقفع في الكتاب ، أو إن كانت تلك العلامات ذات وظيفة دلالية على مستوى البناء الداخلي كالمفارقات الزمنية الواقعة بين زمن القصة (قصة دخول ذي القرنين بلاد الهند) وزمن الحكي . ولذلك انصب اهتمام القراءات الوصفية على أمرين لا ثالث لهما . الأول تأصيل النص تاريخيا ، والثاني تأويل الرموز الحيوانية في مقابلها الإنساني .
وكان من نتائج ذلك القصور أن تصريح ابن المقفع في مقدمته حول ضرورة فهم نصه والتمعن فيه لم يتم تلقيه كما أراده ابن المقفع حتى الآن ، وبقي سر ابن المقفع مغلقا ، ولم يخرج إلى النور بعد .
يقول ابن المقفع : ( ينبغي للناظر في هذا الكتاب ومقتنيه أن يعلم أنه ينقسم إ لى أربعة أقسام وأغراض . إ حداها ما قصد من وضعه على ألسن البهائم غير الناطقة ليتسارع إلى قراءته واقتنائه أهل الهزل من الشبان فيستميل به قلوبهم ، ولأن هذا هو الغرض با لنوادر من حيل الحيوانات . والثاني : إظهار خيالات الحيوانات بصنوف الألوان والأصباغ ليكون أنسا لقلوب الملوك ، ويكون حرصهم أشد للنزهة في تلك الصور . والثالث : أن يكون على هذه الصفة فيتخذه الملوك والسوقة فيكثر بذلك انتسابه ولا يبطل فيخلـُــق على مرور الأيام ، ولينتفع بذلك المصور والناسخ أبدا . والغرض الرابع هو الأقصى مخصوص بالفيلسوف خاصة ) (7)
يصنف التصريح القراء إ لى أربعة أنماط نلاحظها على الشكل الآتي :
●النمط الأول ( القارئ الأول )
" ما قــُــصد فيه إلى وضعه على ألسنة البهائم غير الناطقة من مسارعة أهل الهزل من الشبان إلى قراءته فتستمال به قلوبهم ؛ لأن هذا هو الغرض بالنوادر من حيل الحيوان "
يحدد ابن المقفـــع القارئ الأول ـ الرتبة هنا ليست قيمة ـ بأهل الهزل من الشبان ، وليس كل الشبان أيضا ، و إنما أهل الهزل منهم ؛ لأنهم متسارعون في القراءة بقرينة لفظة " مسارعة " الواردة في النص . فهم غير قادرين على القراءة المتأنية التي تنم على الصبر و إعمال العقل والفكر . وهؤلاء تستميل قلوبهم ما وضعه على " ألسنة البهائم غير الناطقة " لما فيه من النوادر من حيل الحيوانات .
ولفهم القول يجب أن نسأل : ماذا وضع على ألسنة البهائم غير الناطقة ؟ والجواب أنه وضع البديل الرمزي للتمثل الإنساني . وأهل الهزل من الشبان هم الذين سيهتمون بتأويل ذلك البديل الرمزي الوارد في الحكايات المضمنة ( حكايات الحيوان ) المنزوعة من سياقها النصي والمجردة من وظيفتها الإبدالية . ويؤكد ذلك ما جاء في أسباب وضع كتاب " البنشاتنترا " و هو ( أن أحد ملوك الهند العظام كان له ثلاثة أبناء في منتهى البلادة ، فلما احتار في أمر تعليمهم أشاروا عليه بتسليمهم إ لى برهمي يدعى " وشنو شرما " فهو كفيل بذلك ، فأشرف البرهمي على تعلمهم ووضع لهم هذا الكتاب ليحببهم في المعرفة بطريقة مشوقة ) (8) ونقرأ من النص أن الأستاذ البرهمي وضع كتابا على ألسنة الحيوانات ليحبب التلميذ البليد في العلم والمعرفة . وهذا التلميذ هو ذاته القارئ الأول عند ابن المقفع ، وهو القارئ المتسارع الذي سينتبه إلى البديل الرمزي لسلوك الحيوان وقوله . أي أنه سيهتم بتأويل ما يرد في حكايات الحيوان وتمثلها الإنساني .
وهذا ما فعلته القراءات السابقة لكليلة ودمنة ،كما لاحظنا حتى الآن .أي أ ننا أمام قراءات لم تتعد القارئ الأول ، كما حدده ابن المقفع . وقرينة ذلك أن ابن المقفع في جزئه الأول من التصريح ذكر قصص الحيوان تحديدا " ما وضع على ألسنة البهائم ... الغرض بالنوادر من
حيل الحيوانات " فهو قد نص على نطق الحيوان بمقابله الإنساني ، كما نص على الحكاية المضمنة .
• النمط الثاني ( القارئ الثاني )
" والثاني إظهار خيالات الحيوانات بصنوف الأصباغ والألوان ليكون أنسا لقلوب الملوك ... ويكون حرصهم عليه أشد للنزهة في تلك الصور " . يقصد بالغرض الثاني الملوك بغاية النزهة في الصور التخييلية للحيوانات . ولكنه لايريد الملوك كلهم ، و إنما الباحثين عن التسلية والمسرة والمتعة ، وليس الباحثين عن التفكير والتأمل . فالنمط الأول من الملوك لا يؤمنون بدور المعرفة والحوار ، و إنما يقلبون الكتاب بحثا عن الصور التخييلية . وهم غير مقصودين بالفكرة العامة للكتاب أو ما سميناه بالتماثل المتكافئ الناتج من طبيعة الصراع بين دبشليم الملك وبيدبا الفيلسوف . فهم لايشبهون دبشليم الملك ، لأن من سمات خطاب دبشليم التأمل والتفكيـر . وهذا ما أحاله في أكثر من موقع إلى تمثل أقوا ل الحكماء كما دفعه إلى التماهي ببيدبا إذ أخذ بنصيحته وطلب منه تأ ليف الكتاب .
• النمط الثالث ( القارئ الثالث )
" الثالث أن يكون على هذه الصفة فيتخذه الملوك والسوقة فيكثر ا نتساخه ولا يبطل فيخلق على مرور الأيام . ولينتفع بذلك المصور والناسخ أبدا " . في هذا الغرض ـ وتأكيدا لمفهوم القارئ الثاني ـ يربط بين الملوك والسوقة من حيث النزهة في الصور التخييلية لألوان الحيوان ، مما يدفع إلى ا نتساخه وبقائه حيا متداولا .
●النمط الرابع ( القارئ الرابع )
"والغرض الرابع هو الأقصى المخصوص بالفيلسوف خاصة " . يحدد ابن المقفع هنا نوعية القارئ بالفيلسوف ، ويؤكد على الخصوصية " مخصوص بالفيلسوف خاصة " ولا يصرح بالفضاء القابل للتأويل ، كما فعل في الأغراض الثلاثة الأول ؛ ففي الأول حدده بما وضع على ألسنة البهائم ، وفي ا لثاني والثالث حدده بالصور التخييلية ، أما في الرابع فقال الغرض الأقصى . وهو فضاء إشاري لايكشف عن نفسه إلا بالقراءة التأويلية . ولايستطيع ابن المقفع التصريح به ؛ لأنه سره والجوهر الذي حاول بوسائل متعددة ستره وتغطيته ، و إيهامنا بغيره لحماية نفسه وديمومة خطابه . إلا أنه في الوقت ذاته دفع إلى قراءته مرات عدة . ولكن من ذا الذي يستطيع التوصل إليه ؟ لقد خصه ابن المقفع بصفة الفيلسوف المتأمل ، إنه المؤول الذي يستطيع إ نجاز نص جديد ، و إنه الحاكم الذي يستطيع أن يتماهى مع المثقف ، كما تماهى دبشليم الملك مع بيدبا الفيلسوف في معادلة ( الفوق × التحت ) لتكون العلاقة في إطار التماثل المتكافئ المؤدي إلى العدالة الاجتماعية .
نحن ، إذاً ، أمام أربعة أنماط من القراءة تتسق تراتبيا على الشكل الآتي :
1 ـ قراءة الفلاسفة والملوك المتماثلين معهم
2 ـ قراءة أهل الهزل من الشبان .
3 ـ قراءة الملوك الباحثين عن التنزه في الصور التخييلية
4ـ قراءة الملوك والسوقة المهتمين با قتنائه ونسخه.
وفق ذلك فإن التلقي السابق لنص ابن المقفع ـ على الرغم من تأكيد الدارسين على ضرورة التأويل ـ ينتهي في القارئ الثاني " أهل الهزل من الشبان " ظنا أن المراد بالتأويل ما وضع على ألسنة البهائم قصد التماثل مع البديل الإنساني لإنجاز الحكمة . ولكن ابن المقفع قال : إن هذا مخصوص بأهل الهزل . ولم ينتبه متلقو النص إلى ذلك ، وخلطوا بين القارئ الثاني والقارئ الأول ( الفيلسوف ) ونسبوا إلى القارئ الأول تفسير ما وضع على ألسنة البهائم باعتباره حكمة رمزية يجب تفسيرها ، وجردوا القارئ الثاني من تلك المهمة منجرفين وراء كلمة " الهزل " ومدلولها السلبي .
المعنى الأقصى
قبل أن نتلمس المعنى الأقصى علينا التعرف إلى موقعه أولا . وفي ذلك نقول إن كتاب كليلة ودمنة ينطوي بشكل عام ، وبعيدا عن التفصيل ـ لأن المقام لا يسمح به ـ على مستويين سرديين . الأول الحكاية الأم أو ما يسمى بالحكاية الإطار . والثاني الحكاية المضمنة أو المفرعة ، وتتمثل بالحكايات الداخلية ، وتسمى بحكايات الحيوان وإن لم تجر جميعها على ألسنة الحيوانات. ومن خلال قراءتنا السابقة لقراءات كليلة ودمنة وملاحظة مستويات القراءة عند ابن المقفع يتبين لنا ضرورة استبعاد الحكاية المضمنة من التأويل الطامح إلى المعنى الأقصى إلا في إطار الحديث عن التنويع والإبدال بوصفهما وظيفتين منوطتين بالحكاية المضمنة
في الحكاية الأم حدث تاريخي تخييلي يعود إلى فتوحات ذي القرنين لبلاد الهند ثم تعيين دبشليم ملكا على البلاد من قبل الشعب الهندي الذي طرد الحاكم المعين من قبل الإسكندر، ولكن الملك دبشليم طغى في حكمه وظلم الناس واستبد برأيه ، مما دفع الفيلسوف البرهمي المعاصر له بيدبا إلى العمل على الدخول عليه لنصحه وتقويم سلوكه مع عامة الناس . وحين ينصحه تلامذته بالعدول عن ذلك خوفا عليه من بطش دبشليم يرى في رأيهم جبنا يجب أن يبتعد عنه الفيلسوف الحكيم ، لما يتحلى من ثقافة ووعي وإقدام وتضحية وواجب أخلاقي تجاه عامة الناس . وحين يقدم على الملك دبشليم يغضب الأخير ويأمر بسجنه ثم قتله . وحين يعيد التفكير في كلام بيدبا يندم على تسرعه في الحكم ويعفو عنه ويقربه منه بل ويشاركه بالحكم من خلال وضعه كتاب كليلة ودمنة.
إن النص التخييلي الذي أنشأه ابن المقفع ولم يلتفت إليه النقاد والقراء من بعدهم ، وهو النص المتمثل بحكاية دبشليم الملك وبيدبا الفيلسوف غير موجود في نص البنشاتنترا الهندي ، كما أن فكرته لم يتطرق إليها المؤلَف . يضاف إلى ذلك أن الحض على التأويل غير مصرح به أيضا. ولأن كل ذلك من اختراع ابن المقفع فإن خطاب التأويل الذي يحض عليه مرتبط بنصه التخييلي المحمل بدلالات العلاقة بين المثقف والسلطة ؛ تلك العلاقة المشوبة تاريخيا بالأخذ والرد والقبول والرفض والتسامح والملاحقة والقتل . وهو الثمن الذي دفعه ابن المقفع على يد قاتله والي البصرة ؛ لأن الخليفة المنصور وصل إلى المعنى الأقصى في نص ابن المقفع التخييلي وأدرك أن ابن المقفع لا يكتب قصصا تدور على ألسنة الحيوان وإنما يكتب في أدبيات السياسة والسلطة ، ويحض المثقف على القيام بواجبه تجاه الناس في مناقشة السلطان ومحاسبته وحثه على العدل في شؤون الرعية .

الخميس، 12 فبراير 2015


1- المناهج البنيوية : ( دراسة النصّ الشعري )
الأسلوبية : يمكن أن نعرّف الأسلوبيّة بأنّها علم لغويّ لسانيّ لم ينشأ في الأصل داخل علوم الأدب بل انتقل إليها بما هو تطبيق لعلوم اللسان على الخطاب الأدبي ، لذلك عدّت الأسلوبيّة شأنها في ذلك شأن اللسانيات التطبيقيّة من المناهج الوصفية التحليلية التي تدرس الظاهرة الأدبيّة ومميّزاتها اللغويّة ومقوّماتها الجماليّة القابلة للوصف والتحليل من زاوية نظر لسانيّة. و يمكن أن نعود إلى المصادر البلاغيّة القديمة التي اهتمّت ببلاغة النصّ و الخطاب و خاصّة نظرية النظم عند الجرجاني و سائر مصنّفات البلاغة السياقية ( مفتاح العلوم ) وإلى مفهوم العدول الكمّي و النوعي بما هو عصب الدراسة الأسلوبية في مصنّفات علوم القرآن عند الزركشي و السيوطي و كتب التفسير لنستخلص منها جذور التفكير الأسلوبي في الدرس البلاغي العربي القديم ) .

أـ أهداف الدراسة الأسلوبيّة :
جاءت الأبحاث الأسلوبية في أصولها البنيوية ( دراسة الشعر عند ريمون جاكوبسون ) للإجابة عن السؤال المنهجي الكبير الذي طرحه جاكوبسون نفسه و أطلق من خلاله مصطلح الأدبية ( littérarité) وهو : ما الذي يجعل من النصّ الأدبي أدبا ؟ ومن هذا المنطلق المنهجي فإنّ الدراسة الأسلوبيّة البنيويّة ترمي إلى دراسة النصّ دراسة نحويّة تركيبيّة في مجال الشعر على وجه الخصوص وذلك لإظهار القيمة الأسلوبيّة التي تتميّز بها نحوية الشعر من سائر ضروب الكلام ، ولإبراز أو لمعرفة السمات الأسلوبيّة والبلاغيّة المميّزة للنصّ ،و هي من نفس المنطلق تعمل على خدمة النقد لأنّها تسبقه فتيسّر له خطوات الحكم على النصّ.
ب ـ وسائل إجراء الدراسة الأسلوبيّة :

تستخدم الدراسة الأسلوبيّة عند طائفة من الأسلوبيين طرائق التحليل اللساني للظواهر اللغويّة فتقف على الظواهر المتكرّرة في النصّ أو في الجنس إذا كانت تعتني بأسلوب الجنس الأدبي ( السمات المميّزة – العدول الكمّي و النوعي )وتنظر مثلا في نظام الأفعال و استعمال المشتقّات و حروف الجرّ والمركّبات النعتيّة والحاليّة وغيرها ممّا يمكن أن نجده في دراسات كثيرة انتهجت الطريقة الأسلوبيّة ،واهتمّت بهياكل الكلام في المسموعات أو المرئيات . والأمثلة على تطبيق هذا المنهج كثيرة لعلّ من أهمّها خصائص الأسلوب في الشوقيات لمحمّد الهادي الطرابلسي ، وهي إذ تهتمّ بهذه المستويات اللغويّة لا تسعى إلى ربطها بظروف منشئها أو لا تحكم على النصّ أو له التزاما بالمبدأ اللساني القائل بأنّ الدراسة اللسانية دراسة وصفيّة غير معيارية ، و هي بذلك تتميّز من النقد و البلاغة لأنّهما علمان قائمان على التثمن والتقويم والتعيير والحكم ،وإن كان عدد من الأسلوبيين البنيويين مثل مايكل ريفاتار لا يتّفقون و رواد الأسلوبيّة و خاصّة جاكوبسون في اهتمامه الكبير بالقيمة النحويّة للظاهرة الأسلوبيّة و يدرجون ضمن وسائل الدراسة الأسلوبيّة عناصر أخرى تتّصل بردود فعل القارئ ومنها مثلا مفهوم المفاجأة المكبوتة أو المفاجأة الأسلوبيّة .


و تستخدم الدراسة الأسلوبيّة عند طائفة أخرى مسالك أخرى غير نحويّة منها دراسة الصور و الرموز . و لعلّ هذا المنهج البنيوي المنزع يلائم النصوص الأدبية ذات الصبغة الغنائية لنجاعة أدواته في تحليل الجوانب الموسيقية الإيقاعية، و لعلّه يلائم كذلك الدراسات التي تهتمّ بالبديع في كتابة النصّ القديم ، و يمكن أن نعتمد في إجراء هذا المنهج الدراسات التالية :


- المراجع القديمة


-عبد القاهر الجرجاني :


أسرار البلاغة ( في علاقة نظرية النظم بالدراسات الأسلوبية )
-السيوطي جلال الدين :
 الإتقان في علوم القرآن
 معترك الأقران في إعجاز القرآن
المراجع الحديثة
- سعد مصلوح:

الأسلوب : دراسة لغويّة إحصائيّة دار البحوث العلمية الكويت 1980 ، منشورات النادي الأدبي الثقافي جدّة 1991 .
 في النصّ الأدبي ، دراسة أسلوبيّة إحصائيّة ، النادي الأدبي الثقافي بجدّة 1991 .
في البلاغة العربيّة والأسلوبيات اللسانيّة آفاق جديدة مجلس النشر العلمي ،جامعة الكويت 2003 .
- عبد الله صولة:
 الأسلوبية الذاتيّة أو النشوئيّة ، مجلّة فصول عدد خاصّ ؤ بالأسلوبية مجلّد 5 العدد 1 ، 1984 .
فكرة العدول في الدراسات الأسلوبيّة المعاصرة ،مجلّة دراسات لسانيّة سيميائيّة أدبية عدد 1 فاس 1987 .
- محمد عزّام : الأسلوبية منهجا نقديّا وزارة الثقافة دمشق 1989 .


1-مكرّر- المناهج البنيوية : (الدراسات السردية )


هي منظومة المناهج التي تساعد الباحث على دراسة الخطاب الأدبي دراسة نسقيّة داخليّة بصرف النظر عن صلته بمنتجه و عن سياقه الخارجي و عن متلقّيه . و هي مناهج تستخدم أساسا لدراسة الخطاب السردي خاّصة و تقسّمه مستويين كبيرين : الخبر أو الحكاية أو المضمون و الخطاب أو المظهر اللغوي و الشكلي . ويمكن تطبيق هذه المناهج على أنظمة السرد القديمة و الحديثة ( القصص المثلي – أيّام العرب – المقامات – أدب السير – الأساطير – الرواية – القصّة القصيرة – السيرة الذاتية ). و تقدّم هذه المناهج للباحث الأدوات الإجرائية الضرورية لدراسة المكان و الزمان و أنماط الرؤية أو وجهات نظر الراوي و المروي له و أنظمة الأعمال و الفواعل العلاقات بينها و الحركة السردية و غيرها ممّا يمكن العودة إليه في المراجع التالية

- عبد الله ،إبراهيم: السرديّة العربيّة ، المركز الثقافي العربي بيروت 1992 .
- جمال الدين بن الشيخ :الشعرية العربية في طبعات مختلفة ( تستعمل الشعرية فى دلالتها الأرسطية "البوييطيقا " و هي القواعد المتحكّمة في صناعة الأقاويل الشعرية ).
- تزيفتان طودوروف : الشعريّة تعريب شكري المبخوت.دار توبقال للنشر الدار البيضاء 1987 .
 نظرية الشكلانيين الروس تعريب إبراهيم الخطيب مؤسّسة الأبحاث العربيّة بيروت 1983 .
- جيرار جينيت : أشكال 1-2-3 .في طبعات مختلفة .
عودة إلى خطاب الحكاية
- محمّد عزّام : تحليل الخطاب الأدبي على ضوء المناهج النقديّة الحديثة ، منشورات اتّحاد الكتّاب دمشق 2000 .
- محمّد القاضي : تحليل النصّ السردي دار الجنوب للنشر تونس 1997 .
 الخبر في الأدب العربي ،دراسة في السرديّة العربيّة ، كليّة الآداب تونس
و دار الغرب الإسلامي بيروت 1998

2- المنهج التحليلي النفساني :
تتراكم المعارف النظرية المتّصلة بهذا المنهج من سيقمان فرويد الذي طبّق المفاهيم النفسية الأساس على نصوص أدبية من قبيل مسرحية الملك أوديب و هاملت إلى جاك لاكان والرسالة المسروقة لإدقارآلان بو و قد سعى من خلال دراستها إلى تطبيق اللسانيات التوليدية على نصّ أدبي محلّلا ما يتضمّنه النصّ من أنظمة رمزية دالّة على حركة اللاوعي الجماعي و على العلاقات الذاتية المتبادلة ، و ربط لاكان بين فكر فرويد النظري و الإنتاج الأدبي الذي يسمح بفهم أحلام اليقظة في الكتابة المتخيّلة ، إلى نويل بلمون الذي وضع الأسس العلمية لدراسة لاوعي النصّ . و تستند هذه المناهج إلى جملة من المفاهيم في دراسة العوالم الشعريّة : منها العناصر الأربعة الماء و الهواء و التراب و النار و تستغلّ أنظمتها الرمزية في دراسة المكان في الشعر أو الأجناس السردية – و الزمن الشعري – والمفارقة في النصّ الشعري –و في فهم تمثّل الشعراء للعوالم المتخيّلة ( المرأة في الشعر- الغربة و الحنين - "الأنا " في الشعر أو الذات في الشعر... التعويض – التصعيد الفنّي – أنظمة اللغة المبنية على اللاوعي الفردي و الجمعي ) و يمكن أن يساعد هذا المنهج على دراسة الموضوعات الشعرية ذات الصلة بقضايا التصعيد الفنيّ كشعر الشكوى و الهجاء و الرثاء ، أو الدراسات المتّصلة بالتعويض و النرجسيّة كالسيرة الذاتية و كتابة الماضي وأدب الذكرى . وفي بعض الدراسات العربيّة التي سعت إلى الاستفادة من المنهج النفساني في صيغته الأولى مع سيقمون فرويد أو في صيغه المتأخّرة و خاصّة صيغة كارل قوستاف يونغ ما يمكن أن نعدّه نماذج ناجحة في نقل الأصول النظرية و في تطبيقها على النصوص الأدبيّة العربيّة ،و يمكن أن نذكر في هذا السياق على سبيل التمثيل لا الحصر تحليل مصطفى ناصف للصورة الأدبيّة في الشعر العربي ، فقد ميّز ناصف ببراعة نادرة الخيال البياني أو التركيبي أو الصناعي من الخيال الشعري أو الإبداعي ،بين الأدبين القديم و الحديث في الاتجاه الإحيائي و الرومانسي ، وسعى إلى النظر في نماذج من الشعر القديم و الحديث من خلال استغلال الطراز النفساني على وجه لا يخلو من نفس تأصيلي لافت للانتباه ، وفي الفصل السادس من كتابه الصورة الأدبيّة تحليل تأليفي رصين لإحدى قصائد إلياس أبو شيكة وازن فيه الباحث بين نظام الصور في القصيد و نظام الرموز التي تحيل عليها و منها على وجه التخصيص إحالة هروب الفتاة التي يتحدّث عنها الشاعر إلى البحر على رغبة الشاعر في العودة إلى الرحم باعتباره حلما من أحلام الفرد بإزاء قيم الجماعة (مصطفى ناصف الصورة الأدبيّة منشورات دار الأندلس د-ت ص ص 177- 180 ).
و قد كان مصطفى ناصف على وعي تامّ بحدود هذا المنهج فختم تحليله بقوله :" و أنا حريص على ألاّ يحيل التطبيق النصّ الأدبي إلى وثيقة تخضع طائعة أو كارهة لنظريات معيّنة فإنّ النص ّدائما ذو كيان فردي و إضافة جديدة و كثيرا ما لا ينتهي إلى نقطة حاسمة في أمر التطبيق ولن يؤدّي إلى زعزعة طائفة من المثل الأولى للتجربة " (م.ن ص 180 )
و من أهمّ المراجع الممكن اعتمادها :
- قاستون باشلار :  جماليات المكان تعريب غالب هالسا المؤسّسة الجامعيّة للدراسات و التوزيع و النشر بيروت 1987 .
 شاعريّة أحلام اليقظة تعريب جورج سعد ، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات و التوزيع و النشر بيروت 1991 .
-عبد القادر فيدوخ : الاتجاه النفسي في نقد الشعر ، دار الصفاء للنشر و التوزيع عمّان 2009 .
- مدخل إلى مناهج النقد الأدبي : تعريب رضوان ظاظا ، سلسلة عالم المعرفة الكويت عدد221 لسنة 1997 ( مقال النقد التحليلي - النفسي ص ص 49- 94 و مقال النقد الموضوعاتي ص ص 95- 142 ) .
- مصطفى سويف : الأسس النفسية للإبداع الفنّي دار المعارف القاهرة 1962 .
فضلا عن المؤلّفات الرائدة مثل التفسير النفسي للأدب لعزّ الدين إسماعيل ،وإن كان هذا الكتاب لا يخلو من خلط بين التحليل النفسي
و النقد التعبيري ، و يمكن أن نعود في هذا السياق إلى م. هـ. أمبراز المدارس النقدية الحديثة تعريب عبد الله معتصم الدبّاغ ( الفصل الخاصّ بالنقد التعبيري ) للتمييز بين الاتّجاهين.

3- المنهج الحواري : هو منهج ينهض على دراسة تعدّد الأصوات في الكلمة الأدبية ، وهو مشتقّ من أعمال ميخائيل باختين و تلاميذه ، إذ هذا يرى العالم أنّ الجنس الروائي جنس حواري بالضرورة ، و لا يعني بالحوارية تعدّد الأصوات النصيّة فحسب بل يعني كذلك تعدّد سجلاّت التعبير عن الأصوات التي تؤلّف الثقافة الاجتماعية ، فالكلمة الأدبية في الجنس السردي عموما كلمة غيرية تسكنها أصوات قديمة و يعاد سبكها و نسجها وفق عمليات إبداعبة مختلفة مثل المحاكاة الساخرة وتقليد الأسلوب و القلب و التضخيم و غيرها من الآليات التي تعرف بالتناصّ فحين نعود إلى مراجع من قبيل المبدأ الحواري لتزفيتان طودوروف و التناصّ عند مايكل ريفاتار و جوليا كريستيفا ،و مفهوم النصّ
و الكتابة عند رولان بارت ، نتبيّن أن الأجناس الأدبية لا تنمو ولا تتطوّر إلاّ إذا انفتحت على بعضها بعض ،بل إنّ الجنس الأدبي لا يمكن أن ينغلق على بنيته اللغوية، فهو ضرب من الكتابة الحوارية، أي الكتابة التي تحيلُ على أنظمة من النصوص اللغوية وغير اللغوية:النصوص اللغوية من جهة انفتاح النصّ على السجلات التعبير ذات البعد الاجتماعي و المهني و الإيديولوجي و غيرها ، والنصوص غير اللغوية من جهة انفتاح النصّ على كافة الأصوات الثقافية وسجلات التعبير الفنّي من رسم و موسيقى و معمار وغيرها . و استوحى الدارسون العرب رأي ميخائيل باختين الذي مؤدّاه أنّ الكلمة الأدبيّة مسكونة بالكلمة الغيرية و أنّ الشعر جنس مونولوجيٌّ، بخلاف الرواية، فهي بمقتضى ما توفّره من إحالة على مرجعٍ اجتماعي أو نفسي، ينهض على حوارية الكلمة و تعدّد الأصوات بالضرورة.
وفعلا فإنّ باختين لم ينظر إلى اللغة الطبيعية نظرة ساكنة أو مثالية مغلقة ،ولم ينظر إليها نظرة بنيوية، بل عدّها جزءا من تاريخ الثقافة فهي عنده قيمة حوارية تسكنها تجربة الإنسان و تقاليده الفكرية و الثقافية .
وقد ميّز ميخائيل باختين كتابة النوع الديالوجي من النوع المونولوجي . أمّا النوع المونولوجي فهو الذي يسيطر فيه الكاتب على الشخصية القصصية فلا يفسح لها المجال كي تعبّر عن فكرتها، أي التي لا يترك لها الراوي ومن ورائه الكاتب أن تعبّر عن صوتها، فإذا أسند الكلمة إلى شخصية معلّم أو موظف أو سائق قطار..،أو أيّة شخصية اجتماعية أخرى لا يترك لها فرصة أن تتكلّم بلغة الثقافة التي تنتمي إليها بخصائص تفكير تلك الشخصية أو أن تستعمل معجم المهنة التي تمتهنها تلك الشخصية بل ينطقها بلغته . أمّا الأسلوب الديالوجي فهو بخلاف الأسلوب المونولوجي يحمل بنى لغوية خلافية و تضمّن فيه الملفوظات الكلمة الغيرية بالضرورة و يعبّر عن الدور التداولي الذي تضطلع به الشخصية في مجتمعها و ضمن سائر الأصوات الاجتماعية ، فالشخصية الديالوجية هي الصوت المعبّر عن الحوار الاجتماعي الحقيقي ، ويكون كلام تلك الشخصية وأسلوبها في التفاعل الحواري منفتحا على نصوص أخرى ( نصوص عالمة و نصوص اجتماعية غير عالمة ) ويكون العالم الروائي في النوع الديالوجي نسيجا من صدى الأصوات المحيطة بالرواية.
4- منهج الموضوعات : يختلف المنهج الموضوعات( التيماتيك )عن المنهج النفساني رغم ما بينهما من الصلات ،يقول دانايل برجيز في تفسير صلة القرابة و التنافر بين المنهج الموضوعاتي و النقد النفساني :"و في الحقيقة فإنّ نقاط الالتقاء بينهما مهمّة فهناك الاهتمام المميّز ذاته بالصور و الرغبة ذاتها بتجاوز المعنى الظاهر للنصوص و اعتماد القراءة العرضانية للأعمال الأدبيّة ( أي قراءة العمل قراءة أفقيّة ) و هي قراءة تسمح بعقد المقارنات و إظهار التشكيلات التصويريّة و الترسيمات الغالبة ....لكنّ هاتين المقاربتين تتعارضان جذريّا في مسألة العلاقة بين الذات المبدعة و عملها الأدبي إذ يميل التحليل النفسي إلى اعتبار العمل الأدبي جملة معقّدة تحيل على وضع نفسي سابق و تلعب دورا تصعيديّا ، فالفنّ عن طريق الإيهام يدفع بالرغبة المكبوتة إلى التعبير عن ذاتها ،و على العكس من ذلك يرى باشلار ( وهو رأس منهج الموضوعات) أنّه لا يجب ردّ الصورة إلى تكوّنها و ربطها بما يسبقها بل التقاطها عند ولادتها و معايشتها في صيرورتها "(نقد الموضوعات ضمن مدخل إلى مناهج النقد الأدبي لمجموعة من الكتّاب تعريب رضوان ظاظا سلسلة عالم المعرفة 221 ص 105 )
و نلحظ من جهة أخرى أنّ كثيرا من الباحثين يخلطون بين دراسة الموضوعات والنقد الغرضي ( الغرض قوة قولية ناظمة للموضوع ) ،يخلطون بين الدراسات التي تتناول الأدب في موضوعاته مثل الزمن عند الشعراء العرب في قبل الإسلام لعبد الإله صائغ (ط بغداد 1986 ) أو الإحساس بالزمان في الشعر العربي من الأصول حتّى نهاية القرن الثالث لعلي الغيضاوي ( ط / كلية الآداب منوبة تونس 2001 ) و الدراسات الغرضيّة وهي التي تحمل في عناوينها أسماء الأغراض كالمدح أو الهجاء أو الغزل أوالاعتذار أو نحوها من الأغراض الرئيسة أو الفرعيّة . يقول الباحث أحمد الجوّة :" إنّ النقد الأغراضي قد شهد مع قاستون باشلار تطوّرا ملحوظا لمّا أبان هذا الفيلسوف القنوات الأغراضيّة و أوضح أشكالها و تحوّلاتها و عقد صلتها بمتخيّل المؤلّف " ثمّ أضاف " و مع أنّ الغرض في أجناس الأدب يبدو أمرا واضحا فإنّ السمة متعدّدة الأشكال للأغراض تمثّل سبب التباس مصطلحي إذا اعتبرنا علم الأغراض علما مازال حديث العهد و اعتبرنا تطوّره مساعدا على إثارة العلاقة بين اللون و الغرض و الموضوع المشترك (من الإنشائية إلى الدراسة الأجناسية منشورات كلية الآداب صفاقس تونس 2007 ) و لئن استشهد الباحث بدراسة محمّد هشام الريفي عن الغرض وهي من الدراسات المهمّة في التمييز بين الغرض و الموضوع فإنّه سار على خطاه في الخلط بين الغرض و الجنس الأدبي . و إنّنا نذهب إلى أنّ فهم أصول الدراسة الغرضيّة على تواضع الحاصل المعرفي في مجالها لا يمكن أن تستوي دون الربط المحكم بين هذا المنهج و سائر الدراسات النفسانيّة( انظر فصل غرض في معجم الأجناس و المفاهيم الأدبية لفيرونيك كلوبار Veronique Klauber بالفرنسيّة ) و ذلك لأنّ زاوية النظر التي تعنينا في هذا المقام هي إبراز حاجة الدراسة الأدبيّة إلى قراءة جانب مهمّ من الخطاب الأدبي في ضوء نظرية الموضوع باعتباره مقولة نفسيّة بالدرجة الأولى . يمكن أن نعود بالإضافة إلى المراجع التي ذكرنا إلى :
– عمر أوكان : اللغة و الخطاب منشورات إفريقيا الشرق بيروت لبنان 2001
5- المنهج الغرضي :
يمكن أ، نعدّ مقدّمة الشعر الشعراء لابن قتيبة أولى لبنات المنهج الغرضي في تاريخ الفكر الأدبي و هو منهج جامع في أصوله النظرية بين الاهتمام بالبعد النفسي في دراسة الأدب والاستناد إلى البعد اللغوي البنائي، و هو من المناهج المهمّة الممكن الاستناد إليها في دراسة القصيد القديم بما هو جنس شعري غرضي : فالطاقة الموجّهة لشعريّة القصيد هي أوّلا الغرض الشعري و هي طاقة نفسيّة و نيّة قول أو مقصد قول يتمّ تصريفها لغويا وفق الأعمال القوليّة المكوّنة لكلّ غرض.و يكون كلّ غرض عنصرا من عناصر هذه الطاقة العامّة و يكون فاعلا فيها بالقدر الذي يخدم الوجهة العامّة للقصيد .
و إذا تناولنا على سبيل المثال الفخر بما هو غرض نفسي عامّ و سلوك لغوي و ثقافي شائع في البيئة القديمة ومحرّك للقصيد في أغلب بناه الأغراضية فإنّنا نلحظ أنّ عامّة الشعر العربي البدوي في أنواعه المختلفة المتقاربة : شعر القبائل و أصحاب المعلّقات و شعر الجوّالين المتردّدين على ملوك بصرى الشام و الحيرة و شعر المراثي و شعر القرى و شعر الصعاليك هي جميعها تستند إلى قوّة قوليّة واحدة هي قوة الغرض الفخري . ولهذا الغرض بعد اجتماعي متلوّن لا محالة بتلوّن الغرض الفرعي لكنّه في جميع الأحوال لا يعتني بالجميل من القول بقدر ما يعتني بالنافع و المحققّ للقوّة النفسيّة داخل المجتمع أو خارجه ( شعر الصعاليك )،هو القوّة القولية المثبّتة للقيم وقد ألحّ ابن طباطبا في عيار الشعر مثلا على الصلة الوثيقة بين المباني و المعاني و على تأثير الغرض في الوجهة الفنيّة للقصيد ،وقد بنيت أصنافيّة الشعر عندهم على الغرض العامّ ( الرغبة و الرهبة و الطرب و الغضب )الباعث على الأغراض الفرعيّة الناظمة للمعاني وفق المباني المؤلّفة للعبارة الشعريّة.إنّ العودة إلى أصول هذا التيّار الأدبي تساعدنا على تأصيل هذا المنهج و إثرائه بمقولات النقد الغرضي في العصر الحديث . و فعلا فإنّ هذه المقولات تعارض النظرة النصّانية للأدب وقد استند أصحابها مثل جورج بولي (Gorges Poulet)و جان روسي ( Jean Rousset)جان ستاروبنسكي( Starobinski)إلى أعمال قاستون باشلار وتذهب هذه الرؤية الغرضية إلى أنّ الكتابة الأدبيّة ليست بصناعة لفظيّة أو أسلوبيّة على نحو ما يرى الشكلانيون و أصحاب النقد الجديد و عامّة البنيويين من إنشائيين و نصّانيين و إنّما الكتابة الأدبيّة أو القول الأدبي عموما هي أوّلا تجربة نفسيّة أو روحية . و يمكن أن نعود إلى:
- ابن قتيبة : مقدّمة الشعر ة الشعراء
-ابن طباطبا عيار الشعر في طبعات مختلفة ( مثلا تحقيق عبد العزيز المانع ط الرياض 1985 .
- حازم القرطاجنّي : منهاج البلغاء و سراج الأدباء ( تعريف الغرض بما هو قوّة قولية ، و تعريف منازع الشعر ) .
- أبي هلال العسكري : الصناعتين (فصل الاستعطاف مثلا )
.- مبروك المناعي : الشعر و المال ،منشورات دار الغرب الإسلامي 1998 .
- محمّد عبد السلام ، تعليق على بانت سعاد و معنى الوعد ضمن مشكل الجنس الأدبي في الأدب العربي القديم منشورات كلية الآداب منوبة تونس 1994
- محمد هشام الريفي : في الغرض الأدبي م. ن




6- المنهج الاجتماعي :
ينهض هذا المنهج على دراسة الظواهر الأدبيّة في صلتها بالظواهر الاجتماعيّة و قد عرف هذا الاتجاه بالنقد الاجتماعي ،وارتبط ظهوره وشيوعه بتطوّر العلوم الاجتماعية في المجالات الثقافية العامّة ولكن تاريخ هذا الظهور في مجال الأدب العربي كان متأخّرا نسبيا بالقياس إلى الفترة التي نشأت فيها الرؤية في سائر الدراسات العالمية، فللمنهج الاجتماعي منذ أوائل القرن الثامن عشر أصول فكرية نشأت حين شرع كتّاب الرومانسية، ثم الواقعية يثيرون مسألة اختلاف النظرة الكلاسيكية للأدب عن نظرتهم التاريخية المتّسمة بالإصغاء للتاريخ ومراعاة حركته ، وهم يعيبون على الفكر الأدبي الكلاسيكي إهماله الصلة الحميمة بين الأشكال التعبيرية والسياق التاريخي الذي تنشأ فيه . ويساعد هذا المنهج على تحليل الخطاب الأدبي ذي الدلالات الاجتماعيّة التداوليّة مثل الخطابة و القصيد المعبّر عن الوجدان الجماعي عند الإحيائيين ( معروف الرصافي ) و يساعد هذا المنهج كذلك على دراسة الدلالات الاجتماعية في السرديات القديمة مثل المقامة و البطل الإشكالي المكدّي و أنظمة الحياة الاقتصادية في البيئة العربية القديمة من خلال قصص الأيّام و الأمثال وقصص العشّاق النثرية ، و يعين كذلك على دراسة القضايا الاجتماعية التي يسهم الأدب في صياغتها و توجيهها كالشعوبيّة: في الشعر و السخرية في الأدب - والقيم في ا قصيد القديم - والشرق و الغرب في الرواية – وصورة المغترب في القصّة - و الموضوعات الوطنيّة في الشعر الإحيائي ...) . القضايا الاجتماعية في السرديات الحديثة و على دراسة الوعي الاجتماعي و الرؤية الحضارية في الأجناس الأدبية ذات الصبغة الواقعية كالرواية و المسرح الاجتماعي.
- مدخل إلى مناهج النقد الأدبي تعريب رضوان ضاضا عالم المعرفة 221
( مقال النقد الاجتماعي 133- 166 ) .
- حميد لحمداني : الرواية المغربية و رؤية الواقع الاجتماعي ، دار الثقافة الدار البيضاء 1985 .
7- المنهج التداولي : ليتأمّل القارىء قول ابن جنّي في الخصائص : " اعلم أنّ أكثر اللغة مع تأمّله مجاز لا حقيقة ، و كذلك عامّة الأفعال نحو قام زيد و قعد عمر و انطلق بشر و جاء الصيف فقولك قام زيد معناه كان منه القيام و كيف يكون ذلك و هو جنس والجنس يطبق جميع الماضي و جميع الحاضر و جميع الآتي ، الكائن من كلّ من وجد منه القيام ، و معلوم أنّه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت و لا في مئة ألف سنة مضاعفة القيام كلّه الداخل تحت الوهم ، هذا مجال عند كلّ ذي لبّ ، فإذا كان ذلك علمت أنّ قام زيد مجاز لا حقيقة و إنّما هو وضع الكلّ موضع البعض للاتّساع و المبالغة و تشبيه القليل بالكثير " (الخصائص )
يجدر بالدارس قبل أن ينظر في مجال انفتاح الدرس الأدبي على المراجع التداولية أن يحدّد دلالة هذا المفهوم الرائج استعماله بين المتخصّصين في هذه الأيّام .إنّ الخطاب العلمي العربي يستعمل عبارة التداوليّة منذ عقدين تقريبا ،و لكنّ نظائرها في اللغات العالميّة تستخدم في الدرس الأدبي و في تحليل الخطاب و في الدرس النحوي
و في علوم الدلالة منذ أكثر من ثمانية عقود (الفرنسية ِapproche pragmatique والأنقليزية pragmatic approach .

و العبارة مصدر صناعي من تداول الكلام تبادله ،و من هذا المعنى اللغوي الأوّل جاءت دلالة الاشتقاق الاصطلاحي ،فاللغة في التصوّر البنيوي عند سوسير و تلاميذه جهاز أو مؤسّسة مثاليّة لم تدرس في مقامات التلفظ بها ،ولم يهتم ّ اللسانيون البنيويون بالأبعاد الإنجازيّة للغة أي باللّغة بما هي فعل اجتماعي و إنشاء و تواصل

و تخاطب , و قد جاءت الأفكار التداوليّة في مدرسة أكسفورد
و عند إيميل بنفنيست [1]و سورل و عند سائر علماء اللغة الاجتماعيين و سائر المناهضين للبنيوية ،لتؤسّس مجتمعة أهمّ مقوّمات المنهج التداولي الذي ينتقل فيه الاهتمام من المتكلّم و المخاطب إلى المتخاطب [2] ،و من الجملة المجرّدة إلى القول و الخطاب بما هو حامل لخصائص المقام و التلفّظ و من الإخبار إلى الإنشاء و إلى الضمني
و المسكوت عنه ،و قد استند التداوليون أوّلا إلى التراث الأرسطي فأرجعوا إليه ما كان يتّسم به من انفتاح على البلاغة التداوليّة أي البلاغة التي لا تهتمّ بالعبارة و الأسلوب فقط بل تهتمّ كذلك بخطط القول و بالمواضع و الحجج و القياس الخطابي و غير ذلك من مستويات الخطاب في بعده التداولي الحيّ ،و طبّق المنهج التداولي على أنواع كثيرة من النصوص الأدبيّة و الفكريّة ،و لكنّ نتائجه الإجرائية كانت أكثر ثراء حين طبّق على الأجناس الخطابيّة و المراسلات و عامّة الأنواع الحواريّة و الشعر الاجتماعي ذي الصبغة الإقناعية والحكمية .

أمّا استفادة دارسي الأدب العربي من المنهج التداولي فهي محدودة لا محالة نظرا إلى انصراف الدارسين عن الاهتمام بتداوليّة الأجناس الأدبيّة ،و لكن المسالك البحثيّة التي تفتحها هذه المراجع تبدو في تقديرنا ذات قيمة علميّة عالية، و قد أعاد الباحثون في لغة الرواية من الناحية التداولية النظر في صلة المجاز و التخييل بالأجناس الأدبيّة و مدى نصيبها منه في هذا الجنس الأدبي ، وشكّكوا في قيمة المقولة القديمة التي تزعم أنّ الأساليب المجازيّة هي المقوّم المميّز للشعر من النثر، و من الدراسات الممكن قبولها نماذج تمثّل استفادة الدرس الأدبي من منهج التداولية نذكر دراسة الباحث عبد الله صولة بعنوان : كتاب الأياّم لطه حسين خطابا حجاجيا فقد أقامه صاحبه على قراءة القصّة بما هي أطروحة حجاجيّة أراد بها طه حسين إقناع أبناء جيله بقدرته على تحدّي الصعاب ،و إلى حملهم على الانخراط معه في الاعتقاد في أنّ قيمة التعليم هي القيمة العليا التي مكّنته من الارتقاء اجتماعيا [3] .
و اللافت للنظر في هذه الدراسة و فيما يشبهها من البحوث التي تناولت الأدب من وجهة نظر المنهج الحجاجي أنّ الخطاب الأدبي المدروس بأنماطه الثلاثة : السرد و الوصف و الحوار يتحوّل إلى متتاليات حجاجيّة منتظمة في أقيسة حجاجيّة أي في مقدّمات و نتائج بعضها مذكور و بعضها مضمر . و يعامل النصّ الأدبي في هذا المنهج بما هو جملة من العلاقات القائمة بين الأقوال أو بالأحرى بين الأعمال القوليّة أو المقدّمات و النتائج الحجاجيّة التي تقتضي دراستها النظر في مظاهر انسجام النصّ و تماسكه من جهة ستعمال الروابط المنطقيّة
و العوامل الحجاجية . و يعمل التحليل الحجاجي إلى إبراز الأطروحة التي ينهض عليها الخطاب وعلى دراسة الروابط و العوامل الحجاجية و طرائق بناء الأقوال و استخدام التوجيه الحجاجي و ما بتطلّبه من أدوات حصر و توكيد و قصر و شرط و تبرير و غيرها ممّا لا يمكن اسستقصاؤه بغير هذا المنهج .
إنّ المنهج التداولي يعيد النظر أوّلا في وظائف اللغة ، و ينظر إليها نظرة تجاوز التقسيم البنيوي الذي وضع أسسه ريمون جاكبسون وهو ينهض على ستّ وظائف :
- الوظيفة الإخباريّة ( الإخبار )
-الوظيفة المرجعيّة ( اللغة تنقل المرجع و تتحدّث عن الأشياء في غيابها فتعوّضها ).
- الوظيفة الماورلغويّة أو الانعكاسيّة ( اللغة تتحدّث عن ذاتها فهي أداة وموضوع" علوم اللغة")
- الوظيفة التعبيرية ( اللغة تعبّر عن الأحاسيس و الانفعالات و العواطف ).
-الوظيفة التنبيهيّة ( اللغة تنبّه إلى اتّصال التواصل و التفاعل بين المتخاطبين " النداء – عبارات التنبيه مثل تسمعني ..أفهمتني ..؟").
-الوظيفة الأدبيّة أو الشعريّة .
فقد أعاد الفكر التداولي النظر في هذه الوظائف، و كان لجهود إيميل بنفينيست دور حاسم في تجديد البحث في وظائف اللغة فكان البعد الإنشائي و الإنجازي للّغة موضوع التعديل و التنسيب في تعريف الوظيفة الأولى : إنّ اللغة في هذا المستوى لا تخبر فحسب بل إنّها تنجز أعمالا لغويّة للتعبير عن بعض الأعمال باستعمال المسكوت عنه و الضمني و غيرهما من أشكال التواصل ، فاللغة في تعريف أوزولد ديكرو (Oswald Ducrot)لا تستعمل الأقوال بشكل يدلّ على المعنى مباشرة و إنّما تنزع اللغة إلى إخفاء الدلالات و تمريرها باستعمال المقتضيات و المتضمّنات [4]. و إنّ هذا التعريف الجديد للوظائف التواصليّة للغة هو المدخل الرئيس إلى قراءة الخطاب الأدبي قراءة تداوليّة . و إذا كان تعريف اللغة بكونها إنجازا مدخلا مهمّا إلى قراءة الأدب تداوليّا فإنّ الانتقال من الاهتمام بالجملة إلى الاهتمام بالقول لا يقلّ تأثيرا في مناهج الدراسة الأدبية ، و في هذا السياق كان كذلك لبنفينيت دور هامّ إذ نراه ينتقل باللغة من نظام علامات و جمل مجرّدة من سياقها التلفّظي إلى أقوال منجزة حاملة آثار التخاطب و التلفّظ أو آثار المتكلّم و مقامات القول ، فاللغة في تعريف علماء لسانيات التلفّظ أداة تواصل تتجسّم في الخطاب من خلال نظام من الأعمال القولية التي تتطوّر بدورها و تتفرّع إلى أجناس قوليّة عامّة و أجناس أدبيّة بوجه خاصّ .و لا يخفى أنّ "التمييز بين الجملة باعتبارها شكلا نظريا مجرّدا والجملة باعتبارها صيغة منجزة أنجزها متكلّم في سياق معيّن"[5] هو المسلك الذي سيمهّد لظهور الدراسات الأدبيّة التداوليّة .

إنّ المزاوجة بين قراءة الخطاب التراثي في مختلف علوم العربيّة

و الحاصل المعرفي الحديث في مجال الحجاج يمكن أن يفضي بالدرس الأدبي العربي إلى الإسهام في تأصيل المنهج التداولي و استغلاله في قراءة الخطابات الأدبيّة ذات القيمة التداوليّة .

المراجع الممكن اعتمادها :


- ابن الأثير المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر( خاصّة الجزء الثاني ) - أرسطو:الخطابة - بدر الدين الزركشي : البرهان في علوم القرآن


- ابن سنان الخفاجي : سرّ الفصاحة


- السيد الشريف الجرجاني : التعريفات


- عبد القاهر الجرجاني : دلائل الإعجاز


- محمد الخطابي : لسانيات النصّ


- محمد الشاوش : أصول تحليل الخطاب



[1] راجع خاصةكتابه مشاكل اللسانيات العامة معرّب عن الفرنسيّة في طبعات مختلفة .

[2] مصطلح المتخاطب هو المصطلح الواجب استخدامه في دراسة النصّ الأدبي دراسة تداولية لأنّه ينهض على التصوّر التداولي للتواصل بين المتكلّم و المخاطب ،فكلّ متكلّم يراعي في إنشاء خطالبه مخاطبا خصوصا و هو يتحوّل في أغلب مقامات التخاطب إلى مخاطب وفق قاعدة تبادل المواقع المستمرّ بين المتخاطبين ، و كلّ مخاطب هو أيضا متكلّم لأنّه يتبادل كذلك موقعه و المتكلّم الأوّل ، و كلّ متكلّم يوجّه المخاطب إلى استعمال بنية كلاميّة مخصوصة فعندما يطرح سؤالا عن حال من الأحوال يكون الجواب حاملا لدلالة الكيفية التي يتضمّنها الحال .


[3]انظر المفال ضمن أعمال ندوة صناعة المعنى و تأويل النصّ ، منشورات كلية الآداب منّوبة تونس 1992.

[4] انظر تحليله للبعد التداولي في اللغة ضمن ما يسمّى باللسانيات التداولية الإدماجيّة :Dire et ne pas dire collection Savoir Paris 1980.

[5] انظر محمّد الشاوش أصول تحليل الخطاب في النظريّة النحويّة العربيّة ،منشورات كليّة الآداب جامعة منّوبة تونس 2001 . ص 58.

الأحد، 1 فبراير 2015

لهجات العرب


ظواهر لهجية عربية قديمة
رُوي عن الأصمعي قال: " قال مُعاوية يوماً لجلسائه: أيّ الناس أفصح؟ فقال رجلٌ من السِّماط: يا أميرَ المؤمنين، قوم قد ارتفعوا عن رُتَّة العراق، وتياسَرُوا عن كَشْكشة بكر، وتيامَنُوا عن: شَنْشَنة تَغْلب، ليس فيهم غَمْغمة قُضاعة، ولا طمطمانيّة حِمْير.
قال: مَن هم؟ قال: قومُك يا أميرَ المؤمنين قُريش؛ قال: صدقتَ، فمن أنت؟ قال: مِن جَرْم قال الأصمعيّ: جَرْم فُصْحَى الناس."[1]
جاء في المزهر للسيوطي‏:‏ كانت العربُ تحضر المَوسِم في كل عام وتحجُّ البيتَ في الجاهلية وقريشٌ يسمعون لغاتِ العرب فما اسْتحسنوه من لغاتهم تكلّموا به فصاروا أفصحَ العرب وخلَتْ لغتُهم من مُستبْشع اللغات ومُستقبَح الألفاظ من ذلك‏:‏

الاستنطاء في لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار تجعل العين الساكنة نوناً إذا جاورت الطاء كأنْطي في أعْطِي‏.‏ ومن شواهده قراءة (إنا انطيناك الكوثر). ويذكر رمضان عبد التواب أن هذا الإبدال شائع حتى اليوم في العراق، والتوزيع الجغرافي يوضح أن له علاقة بطرق القوافل من الجنوب إلى الشمال. وهذه الظاهرة ليست عامة في كل  ع ساكنة جاورت ط وإنما هو خاص بكلمة (أعطى) ومشتقاتها. وقلب الـ ع  إلى ط ليس له تفسير صوتي لبعد مخرجيهما. ويربط رابين بين هذا الفعل والفعل العبري (نطى) "مد يده" ويربطه رمضان عبد التواب بالفعل العبري (نتن) "أعطى" والفعل السرياني (نتل) "يعطي."[2]

التضجع: يعزى إلى قيس، ولم يُفسر، وربما يعني التباطؤ والتمهل.وفي اصطلاحات ويطلق اصطلاح إضجاع الحركات في كتب النحو والقراءات على الإمالة، ولكنها لاتعزى إلى قيس وحدها، بل يشاركها فيه عـامة أهل نجـد.[3]

التلتلة: كسر حرف المضارعة: أن إعلم أنت تكتب، وتعزى إلى قيس وتميم وأسد وربيعة وعامة العرب. أما أعجاز هوازن وأزد السراة وهذيل فيفتحون حرف المضارعة.
وهي ظاهرة سامية قديمة توجد في العبرية والسريانية والحبشية، وهذا من الركام الباقي من هذه الظاهرة في العربية.

الرتة:  تعني قلب اللام ياء وهي عيب كلام لا يمكن أن يكون شائعا في لهجة كاملة، وتعني أيضا العجلة في الكلام، وفي هذا تشبه اللخلخانية وهي تنسب إلى أهل العراق، ومن ظواهرها قصر الحركات وحذف الهمزة، في مثل: (مشا لله كان)

الشَّنشنة في لغة اليمن تجعل الكاف شيناً مطلقاً كلبَّيْش اللهم لبَّيْش أي لبيك‏.‏
ويبدو أنها ناتجة من تحول الصوت المزدوج ch إلى أحد مكونيه وهو ش، وهي ظاهرة مصاحبة للأصوات المزدوجة.

الطُّمْطُمانيَّة تَعْرِض في لغة حِمْيَر وطي والأزد كقولهم‏:‏ طاب أمْهَوَاء‏:‏ أي طاب الهواءُ‏.
        وتفسيره أن اللام والميم من الأصوات المائعة (liquids) وهي ل م ن ر وهي أصوات يُبد بعضها من يعض.
العَجْعَجَة في لغة قضاعة، يجعلون الياء المشدَّدة جيماً يقولون في تميميّ تميمِجّ‏.‏
المطعمون اللحم بالعشجّ
وقد سهل إبدال الياء بالجيم اتحادهم في المخرج وهو الغار وكونهما مجهورين والفارق بينهما أن الجيم انفجاري احتكاكي والياء لينة. لذا نجد عكس هذه الظاهرة وهو إبدال الجيم ياء فيقال صهريّ بد صهريج.

العَنْعََنة وهي في كثير من العرب في لغة قيس وتميم وأسد. وهي قلب الهمزة عينا، وقد خصها ثعلب والفراء بأنّ المفتوحةفي مثل قولهم: أشهد عنّك رسول الله. أما السيوطي فلم يخصصها بأن المفتوحة وإنما أطلقها في كل همزة مبدوء بها فعزا إليهم قولهم: في أنك عنّك وفي أسْلم عَسْلم وفي أذُن عُذُن‏. ولقب هذه الظاهرة مأخوذ من قولهم عنّ.
‏وسبب القلب تجاور المخرجين فالهمزة حنجرية مهموسة والعين حلقية مجهورة

الفَحفَحة في لغة هُذَيل يجعلون الحاء عَيْناً‏.‏ وقد وردت به قراءة (عتى حين)، ويبدو أن هذا خاص بـ (حتى) بدليل عدم قلب (حين). وذُكر أنه يقابل (حتى) العربية (عد) في العبرية والآرمية والأكادية والسبئية.

الفراتية: راجع الرتة واللخلخانية

القطعة: تعزى إلى طيئ، وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فهي نوع من الترخيم ، مثل قولهم (يا أبا الحكا) بدل (يا أبا الحكم)، وذكر عبد التواب أنها شائعة في مصر في بعض الألفاظ مثل (ياولَ) (يا ولد)، سلخي (مساء الخير)

الكَسْكَسة وهي في ربيعة ومُضر وعزي أيضا إلى بكر وهوازن وتميم، لأنهم يتبعون  كافِ المخاطبة سيناً. وقد اختلفوا في طبيعة ذلك:
إبدال كاف المخاطبة سينا
اتباع كاف المخاطبة سينا
اتباع كاف المذكر سينا عند ربيعة ومضر (الفراء)
الكشكشة:  إبدال كاف المخاطبة في الوقف شينا أو إلحاقها شينا. وهي تعزى إلى ربيعة ومضر وإلى بكر وبعض تميم  وأسد. ومن أمثلتها: (جعل الله البركة في دارش) و (ويحك مالش). ووردت في غير الوقف:
فعيناش عيناها وجيدش جيدها  ولكن عظم الساق منش دقيق
وقد قرئ بها (قد جعل ربش تحتش سريا).
ويبدو أن ما حدث كما بين رمضان عبد التواب هو تغير الكاف في الكسكسة إلى حرف مزدوج من الكاف والسين تس يشبه الحرف الألماني في كلمة Leipzig ، وتغيره في حال الكشكشة إلى حرف مزدوج من الكاف والشين يشبه الصوت الإنجليزي  ch في children. ويفسر هذا التغير بأنه ناتج عن قانون الأصوات الحنكية حيث تميل أصوات أقصى الحنك وهي الكاف والجيم غير المعطشة بمخرجها إلى نظائرها من أصوات أمامية حين تليها الكسرة لأنها تجذبها قليلا إلى الأمام.[4]

اللخلخانية: راجع: الرتة

الوتم قلب السين تاء عند بعض العرب حيث ينطقون الناس النات.‏ ويمكن تفسير هذا الإبدال من الناحية الصوتية، فالحرفان متشابهان في المخرج لأنهما من الحروف الأسنانية اللثوية، كما يتفقان في الهمس والترقيق. والفرق الوحيد بينهما أن السين صوت احتكاكي صفيري fricative sibliant  والتاء  صوت شديدة انفجارية  plosive stop

الوكْم في لغة ربيعة وهم قوم من كَلْب يقولون‏:‏ عليكِم وبكِم حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة‏.‏ وهذه ظاهرة حادثة بسبب المماثلة بين الأصوات المتجاورة، فقد تأثرت ضمة الكاف بكسرة الباء فجعلت مكسورة لتنسجم مع ما قبلها.

الوهْم في لغة كلْب يقولون‏:‏ منهِمْ وعنهِم وبينهِمْ وإن لم يكن قبل الهاء ياءٌ ولا كسرة‏.‏
والفصحى تبقي الضم في مثل منهُم وصاحبُهم وقائدهم إلا إذا وقع بعد فتحة قصيرة أو طويلة أو ياء مثل: بجانبهِم، راعيهِم عليهِم.
اللَّخْلَخَانيَّة تَعْرِض فِي لغة أعراب الشِّحْر وعُمان كقولهم‏:‏ مَشَا اللّه كان يريدون‏:‏ ما شاء اللّه كان‏.‏
حرف بين القاف والكاف في لغة تميم  وهذا هو صوت g  المتغير عن ق.
حرف بين الجيم والكاف في لغة اليمن.

أفصح العرب
وأفصح العرب قريش قال ابنُ فارس في فقه اللغة‏:‏ باب القول في أفصح العرب أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد مولى بني هاشم بقَزْوين قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن محمد بن عباس الحشكي قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن أبي عبيد اللّه قال‏:‏ أَجْمَع علماؤنا بكلام العرب والرُّواة لأشعارهم والعلماءُ بلُغاتهم وأيامهم ومحالِّهم أن قُرَيْشاً أفصحُ العربِ أَلْسِنَةً وأَصْفَاهُمْ لَغةً وذلك أن اللّه تعالى اختارَهم من جميع العرب واختارَ منهم محمداً ، فجعلَ قريشاً قُطَّانَ حَرَمه ووُلاَةَ بَيْته فكانت وفودُ العرب من حجَّاجها وغيرهم يَفِدُونَ إلى مكة للحج ويتحاكمون إلى قريش في دارهم وكانت قريشٌ مع فصاحتها وحسْن لُغاتها ورِقَّة أَلْسِنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخَيَّرُوا من كلامهم وأشعارهم أحسنَ لُغَاتهم وأصْفَى كلامهم فاجتمعَ ما تخَيَّرواْ من تلك اللغات إلى سلائقِهم التي طُبعوا عليها فصاروا بذلك أفصحَ العرب‏.‏
لغة القرآن الكريم
وروى أبو عبيد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن على سبع لغات منها خمسٌ بلغة العَجُز من هوازن وهم الذين يقال لهم عُلْيا هوازن وهم خمس قبائل أو أربع منها سعد بن بكر وجُشَم بن بكر ونَصْر بن معاوية وثقيف‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ وأحسب أفصحَ هؤلاء بني سعد بن بكر وذلك لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنا أفصح العرب بَيْدَ أني من قريش وأني نشأْتُ في بني سعد بن بكر‏.‏
وكان مُسْتَرْضعاً فيهم وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء‏:‏ أفصحُ العرب عُلْيا هَوازن وسُفْلَى تميم‏.‏
وعن ابن مسعود‏:‏ إنه كان يُسْتَحَبُّ أن يكون الذين يكتبون المصاحفَ من مُضَر.
وقال عمر‏:‏ لا يُمْلِيَنَّ في مصاحفنا إلا غِلْمان قريش وثقيف‏.‏
وقال عثمان‏:‏ اجعلوا المُمْلِي من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف‏.‏
قال أبو عبيدة‏:‏ فهذا ما جاء في لغات مضر‏.‏
وقد جاءت لغاتٌ لأهلِ اليمن في القرآن معروفةٌ، ويروى مرفوعاً‏:‏ نزل القرآن على لغة الكَعْبَيْن كعب بن لُؤَيّ وكعب بن عمرو وهو أبو خزاعة‏.‏
وقال ثعلب في أماليه‏:‏ ارتفعت قريشٌ في الفصاحة عن عَنْعَنَةِ تميم وتَلْتَلةِ بَهْرَاء وكَسْكَسَة ربيعة وكَشْكَشَةِ هَوَازن وتضجع [قيس] وعجرفيه ضبّة، وفسّر تَلْتَلَة بَهْرَاء بكسر أوائل الأفعال المُضَارعة‏.‏
وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمّى بالألفاظ والحروف‏:‏ كانت قريشٌ أجودَ العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النُّطْق وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانَة عمّا في النفس، والذين عنهم نُقِلت اللغة العربية وبهم اقْتُدِي وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربيٌّ من بين قبائل العرب هم‏:‏ قيس وتميم وأسد فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثرُ ما أُخِذ ومعظمه وعليهم اتُّكل في الغريب وفي الإعراب والتَّصْريف ثم هذيل وبعض كِنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم‏.‏
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضَريٍّ قطّ ولا عن سكَّان البَرَاري ممن كان يسكنُ أطرافَ بلادِهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم فإنه لم يؤخذ لا مِنْ لَخْم ولا من جذَام لِمُجاوَرتهم أهل مصر والقِبْط ولا من قُضاعة وغَسَّان وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية ولا من تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس ولا من عبد القيس وأَزْدعُمَان لأنهم كانوا بالبحرين مُخالطين للهِند والفُرس ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجّار اليمن المقيمين عندهم ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدؤوا ينقلون لغةَ العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت أَلسِنتهم والذي نقل اللغةَ واللسانَ العربيَّ عن هؤلاء وأَثْبَتها في كتاب فصيَّرها عِلْماً وصناعة هم أهلُ البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب‏.‏


[1]      ابن عبد ربه، العقد الفريد.
[2]      رمضان عبد التواب، فصول في فقه اللغة، 122، راجع, Lexicon Veterris Testaminti 642 .  Koehler
[3]      رمضان عبد التواب، فصول في فقه اللغة، 123.
[4]      عبد التواب، 140.

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...