الخميس، 18 أغسطس 2011

التناص

كتبهاأحمد عادل القضابي ، في 15 ديسمبر 2010 الساعة: 01:29 ص

التناص







النص؛ هو كل بنية لغوية تتماثل في أفق الوعي، فتستثير الفهم، أو الحوار، أو الإضافة، أو التكملة، أو الجدل، أو التفرع، أو التكامل، أو كل ذلك مجتمعاً. وقارئ النص؛ هو من تفتّح وعيه للمُـدرَك المتاح ليعيد تشكيله بما أمكن، وهذا موقف لا يشترِط القراءة والكتابة، بقدر ما يشترط الدراية واليقظة([1])، لأن النص قد يكون شفوياً أو كتابياً. ويعرف الهمامي النص بأنه: "بنية لغوية مقفلة، مكتفية بذاتها في إنتاج المعني، لا تُحيل إلا عليها، طاقة تشتغل دونما حاجة إلي اعتبار سياق النشأة والتقبل."([2])

والنص اللغوي ليس بنية لغوية مُتَعَيَّنة في المطلق، بل هي بنية لغوية يحدها ويؤطرها بعدي: الزمان الذي أنتجت فيه، والمكان/البيئة التي أنتجت منها، وهما حدان/إطاران لا يمكن ـ بمكان ـ تجاهلهما، لأن البنية اللغوية للنص تتأثر في شكلها ومضمونها بالبنيات اللغوية السابقة عليها، وهذا ما يفتح بدوره أفق تداخل النصوص علي النص مهما كان قدم النص، ولعل عنترة العبسي ينطلق في معلقته من هذه الفكرة ذاتها، إذ يقول:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

فهو ـ كما جاء في الشروح ـ لم يكن يقصد ـ فقط ـ أن الشعراء لم يتركوا طللاً إلا بكوا عليه، بل كان يرمي إلي أنهم لم يتركوا ما قد يقال في هذا البكاء أيضاً.

والشواهد علي تداخل النصوص أكثر من أن نحصيها هنا، غير أن هذا التداخل قديم قدم النصوص ذاتها، فإذا ما رجعت نصوص العهد القديم ستجد أنها تعود إلي نصوص الأساطير السابقة عليها([3])، وفي الشعر الإسلامي الكثير من تداخل نصوص القرآنية والنبوية عليه.

ليس هناك أدل من أشعار حسان بن ثابت علي ذلك ، ومنها قوله :

ضاقَت بِالأنصارِ البِلادُ فَأَصبَحوا سوداً وُجوهُهُمُ كَلَونِ الإِثمِدِ

ومنها :

كَأَشقى ثَمودٍ إِذ تَعاطى لِحَينِهِ خَصيلَةَ أُمِّ السَقبِ وَالسَقبُ وارِدُ

ومنها :

عَزيزٌ عَلَيهِ أَن يَجوروا عَنِ الهُدى حَريصٌ عَلى أَن يَستَقيموا وَيَهتَدوا

ومنها :

سِوى مُلكُ رَبّي ذي الجَلالِ فَإِنَّهُ لَهُ المُلكُ يَقضي ما يَشاءُ وَيَقدِرُ

ومنها :

وَأَوصَدَ سَدّاً مِن حَديدٍ أَذابَهُ وَمِن عَينِ قِطرٍ مُفرَغاً لَيسَ يَظهَرُ

رَمى فيهِ يَأجوجاً وَمَأجوجَ عِنوَةً إِلى يَومِ يُدعى لِلحِسابِ وَيُنشَرُ

لكن؛ ما هي العلاقة التي تربط تداخل النصوص بعضها ببعض؟ وهي ما يمكن أن نطلق عليها مؤقتاً "العلاقة النصية" أو "تعالق النصوص".

إن تحديد "العلاقة النصية" بين نصين ـ أحدهما يأخذ عن الآخر ـ يمكن مبدئياً وصفها بأنها علاقة تخضع لأحد الآليتين التاليتين: آلية المصادفة؛ وآلية العمد.

فأما آلية المصادفة؛ فإنها تؤكد علي عدم الوعي بالعملية، وربما يمكن أن ندخلها تحت نمط العلاقات التأثرية التي تنبع من اختزان تتابعات معرفية غير منضبطة أثناء الكتابة. بينما آلية العمد؛ فتنبع من العلاقة الواعية، وهي التي تكون مبنية على استراتيجية فنية نابعة من روح العمل، مدركة لضروراتها ومبرراتها في إقامة "علاقة نصية" مع عمل أخر. وهاتين الآليتين قد ينفرد بإحداها نص دون أخر، كما قد يجتمعا في نص واحد بطرق عدة.



مفهوم السرقات الشعرية

البلاغيون العرب اهتموا اهتماماً متبايناً بموضوع السرقة، فـ "السرقة داء قديم وهي قاسم مشترك بين الشرق والغرب رمي بها جرير والفرزدق والأخطل وبشار وأبو نواس والبحتري وأبو تمام والمتنبي"([4])، ومن البلاغيين العرب من أفرد لموضوع السرقة مساحةً ليست بالضئيلة في مؤلفاته، ومنه من أشار إليه ومنهم من لم يشر إليه أصلاً. كذلك تباينت مواقفهم من السرقة؛ فابن قتيبة ـ مثلاً ـ نأى عن ذكر لفظ السرقة عن الشعراء المسلمين، مستبدلاً إياها بألفاظ مثل: الأخذ، والسلخ، والإتباع([5]). أما ابن سلاّم الجمحيّ؛ فاستخدم لفظي الاجتلاب والإغارة. أما الجاحظ فقد راوح استخدامه بين لفظي السرقة والأخذ. بينما تحدث الجرجاني حديثاً مختصراً مجملاً في كتابه "أسرار البلاغة" عن مفهوم الأخذ (السرقة) ـ في إطار وضعه لنظريته عن تقسيم المعاني إلي عقلية وتخييلية، وكلام الجرجاني يمكن اعتباره تأسيسياً في هذا الباب؛ إذ يقول الجرجاني:

"اعلم أن الُحكْم على الشاعر بأنه أخذ من غيره وسَرَق، واقتدى بمن تقدَّم وسبق، لا يخلو من أن يكون في المعنى صريحاً، أو في صيغة تتعلق بالعبارة."([6])

ثم يفرق؛ في موضعٍ أخر؛ بين نوعين من أنواع اتفاق المبدعين، فيجمل ذلك إجمالاً بيناً في قوله:

"اعلم أنّ الشاعرين إذَا اتفقَا، لم يخلُ ذلك من أن يكون في الغَرَض على الجملة والعموم، أو في وجه الدلالة على ذلك الغَرض، والاشتراك في الغَرَض على العموم أن يقصد كلُّ واحد منهما وصفَ ممدوحه بالشجاعة والسخاء، أو حُسن الوجه والبهاء، أو وصفَ فرسه بالسرعة، أو ما جرى هذا المجرى."([7])

ثم يفصل ذلك بعض الشيء، إذ يقول:

"فأما الاتفاق في عموم الغَرض، فما لا يكون الاشتراك فيه داخلاً في الأَخذ والسرقة والاستمداد والاستعانة، لا ترى مَنْ به حِسٌّ يدَّعي ذلك، ويأبَى الحكمَ بأنه لا يدخل في باب الأخذ، وإنما يقع الغلط من بعض مَن لا يُحسن التحصيل، ولا يُنْعم التأمُّل، فيما يؤدِّي إلى ذلك، حتى يُدّعَى عليه في المُحَاجّة أنه بما قاله قد دخل في حكم من يجعل أحد الشاعرَين عِيالاً على الآخر في تصوُّر معنى الشجاعة، وأنّها مما يُمدَح به، وأن الجهل مما يُذَمُّ به، فأمّا أن يقوله صريحاً ويرتكبه قَصْداً فلا، وأمَّا الاتفاق في وجه الدِّلالة على الغرض، فيجب أنْ يُنظَر، فإن كان مما اشترك الناس في معرفته، وكان مستقرّاً في العقول
والعادات، فإنَّ حُكْمَ ذلك، وإن كان خصوصاً في المعنى، حُكْمُ العموم الذي تقدَّم ذكره."([8])

ويُعد أبو هلال العسكري من أكثر البلاغيين العرب اهتماماً بالسرقة، فوضع لها فصلين في كتابه المسمى "الصناعتين"؛ أحدهما: "حسن الأخذ"، الآخر: "قبح الأخذ"، صنفهما في الباب السادس تحت مسمى "حسن الأخذ وحل المنظوم". ويصدر الفصل الأول منهما بقوله:

"ليس لأحد من أصناف القائلين غنىً عن تناول المعاني ممّن تقدّمهم والصعبّ على قوالب من سبقهم، ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظاً من عندهم، ويبرزوها في معارض من تأليفهم، ويوردوها في غير حليتها الأولى، وبزيدوها في حسن تأليفها وجودة تركيبها وكمال حليتها ومعرضها، فإذا فعلوا ذلك فهم أحقّ بها ممّن سبق إليها، ولولا أنّ القائل يؤدّى ما سمع لما كان في طاقته أن يقول، وإنما ينطقُ الطّفلُ بعد استماعه من البالغين."([9])

ويمكن إجمال نظرة العسكري في عدة نقاط؛ هي:([10])

1. أن المعاني المشتركة ملك للعامة.

2. إيمانه بتوارد الخواطر.

3. أن لا مفرّ للمحدثين من الاستفادة من سابقيهم في المعاني.

4. تفريقه بين السرقة، والسلخ؛ جاعلاً أساس التفرقة أخذ اللفظ مع المعنى أو تركه.

5. أن الأخذ القبيح (السرقة) يكون في أخذ المعنى بلفظه كاملاً، أو جزءاً منه، أو أن يأخذ المعنى جميلاً ثم يفسده.

إن البلاغيين العرب لم يكادوا يتفقوا في مصطلحاتهم سوي علي معني الأخذ (السرقة) والسلخ، وأنهم افترقوا غاية الفراق في باقي المصطلحات. غير أن ما يهمنا في هذا السياق؛ هو التأكيد علي قدم الظاهرة "العلاقة النصية" ـ تداخل النصوص ـ من حيث الممارسة والمصطلح، وإن اختلفت المسميات وتباين النقاد في ضبطهم للمصطلح.

إن كلام البلاغيين العرب كان منصرفٌ إلي الشعر في عمومه دون النثر، فيما عدا ما ذهب إليه القزويني في مصطلحي العقد والحل، وذلك راجع إلي أن الفترة التي شهدت هذه الكتابات كانت فترة سيادة للشعر وسلطانه، بينما مازالت فنون النثر تشق طريقها في العالم العربي.

إن كافة ما أطلقه البلاغيون العرب من مصطلحات في هذا الباب يندرج تحت استخدام آلية العمد، إلا ما أسماه ابن رشيق بـ "المواردة" فيتبع آلية المصادفة، مما يدلل علي أن "العلاقة النصية" في مجملها؛ في القديم؛ كانت علاقة واعية يدركها المبدع.

كما أخرجوا مجموعة من المصطلحات من دائرة السرقة؛ وهي: التوليد ـ عند ابن رشيق، والمشابهة والنقل والقلب ـ عند القزويني. وأنهم عندما تعاملوا مع قضية "العلاقة النصية" تحت ما اختاروه من مسميات، تعاملوا معها من حيث الشكل (البنية والمحتوي والتعبيرية) ومن حيث الآلية (الطريقة/الإجراء) دون أن يتطرقوا للقضية وظيفياً.



نقاد العصر الحديث (نهاية القرن العشرين) .

اعتبرت كل النصوص العربية الواردة إلينا منذ ما يسمي بـ "العصر الجاهلي" ـ في الدرس الأدبي ـ حتى نهاية ما يسمي بـ "العصر العباسي" نصوصاً تراثية (التراث العربي). وقد اختلف النقاد في تناولهم لمصطلح التراث، واختلافهم ناتج عن المنظور الذي يرون من خلاله المصطلح، فمنهم من يتعامل معه باعتباره خطاباً معرفياً، مثل الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور جابر عصفور والدكتور مصطفي بيومي الذي يعرف التراث بأنه:

"مجموع النصوص التي أنتجت في فترة تاريخية محددة، ومارست هذه النصوص سلطة معرفية علي عقل وارثها، فأصبحت جزءاً من وعيه وبنية تفكيره."([11]).

وكلمة "استلهام" لا ترد في المعاجم الأدبية واللغوية القديمة والحديثة بالمعنى المتداول الشائع استخدامه في الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة، وهي ترد بصفة حصرية في اشتقاقات معاني كلمة "لهَمَ" من الإلهام Inspiration المتصل بالغيب أو بالقدرة الإلهية العظمى. وفي أغلب هذه المعاجم، إن لم يكن كلها، يأتي المعنى للدلالة على الطلب بالدعاء من الذات الإلهية أن تلهم الإنسان أمراً. والإلهام من الأمور المتعلقة بالإنسان والفكر الإنساني علي العموم، غير أنها لندرتها
تطلب، فيؤتي بالألف والسين والتاء الدالين علي الطلب في اللغة ويصدر بها الفعل "لهم" ليطلب الإنسان الإلهام.

وعندما ترد كلمة الإلهام؛ فإن الفكر يذهب مباشرة إلى الناحية الروحية من شخصية الإنسان. فقديماً ربط أفلاطون الشعر بقوى خارجة عن الطبيعة الإنسانية عندما أكد أثر الإلهام في الشعر، وقد رفض أرسطو هذا المنطق تماماً حيث قال بأن الشعر مصدره أعماق الطبيعة الإنسانية، ويبقى هذا الجدل محتدماً حول صلة الإبداع بالشعور واللاشعور. وتذهب نظريات المنهج النفسي ـ التي ُتماهي بين الشعور واللاشعور في الإبداعي ـ إلي إن للإلهام وجوده لكنه لا يكفي لتفسير الإبداع، وليست ميزة الفنان أن يقف مسلوب الإرادة أمام وابل الإلهام، بل لعل ميزته الكبيرة أنه يستطيع أن يمسك بهذه الإشراقات ويتأملها.

تتجلي أزمة المصطلح النقدي في الكتابات العربية خلال بحثنا عن تعريف لمصطلح "الاستلهام" في الكتابات النقدية العربية، وذلك لأن الكُتَّاب يميلون إلي التعميم وعدم التدقيق في المصطلح المستخدم حيال حديثهم عن استخدام الكاتب للمادة التراثية في نصوصه، فمنهم من يقول توظيف، ومنهم من يقول استخدام، ومنهم من يقول استلهام دون أن يوضح معنى هذا الاستلهام بأن يضع له تعريفاً ضابطاً، وذلك راجع إلي عنايتهم بالإجراء علي حساب التنظير في هذه الممارسة النقدية.

لقد بذل أبو هيف جهداً قليلاً في محاولة ضبط المصطلح في سياق حديثه عن استخدام التراث في أدب الأطفال بعد أن عاب علي الكُتَّاب ذلك، فعرف الاستلهام بأنه:

"الاستلهام يشير إلى جهد الكاتب المبذول في إبداع عمل أدبي جديد يستند في شكله أو محتواه، أو في الاثنين معاً إلى التراث."([12])

وفي محاولة منه لوضع حدود لمصطلح الاستلهام، يقول أبو هيف:

"أن الاستلهام يفيد الاستعادة، بينما لا يتعدى الإعداد أو التحويل أو التقديم حدود الإعادة على سبيل الشرح أو التعريف."([13])

ثم يذهب في محاولة استجلاء المصطلحات الأخرى التي يري أنها علي شاكلة مصطلح الاستلهام؛ بمعنى؛ أنها من أشكال الاستلهام، والتي منها مصطلحات: الإعداد أو الاقتباس ـ علي حد قوله، والتحويل، والتقديم، والاستدعاء، والتضمين، بأن حاول أن يضع تعريفاتٍ ضابطة لكل منها، وقد جاءت كالتالي:



1. الإعداد أو الاقتباس: "نقصد بالإعداد أو الاقتباس، إعادة سبك عمل فني لكي يتفق مع وسط فني آخر"([14])؛ ويوضح ذلك بقوله:"كأن تعاد كتابة حكاية في الفن الروائي، أو أن تعاد كتابة سيرة شعبية في شريط سينمائي، أو أن تعاد كتابة سيرة تاريخية في ثوب قصصي."([15])

2. التحويل: "ونقصد بالتحويل، نقل مادة أدبية أو جنس أدبي إلى جنس أدبي آخر"([16])؛ ويوضح ذلك بقوله: "فقد تكون القصة على سبيل المثال، محولة عن خبر أو مثل أو نادرة أو حديث تاريخي أو مقالة أو شعراً أو تمثيلية أو قصة للكبار."([17]) .

3. التقديم: "يفيد التقديم معنى الاختيار على سبيل الشرح أو التعريف"([18]).

4. الاستدعاء: "وهو استحضار الشخصيات أو الأحداث أو المراحل التاريخية في عمل أدبي جديد، ويكون الاستحضار جزئياً أو كلياً، وتصريحاً أو تلميحاً، تعبيراً مباشراً أو تعبيراً فنياً"([19]).

5. التضمين: "أستعمل التضمين كما هو الحال، في النقد الحديث، حيث يضمن الكاتب كتابته شحنة تراثية تقيم علاقة ما داخل العمل الفني وقد يكون التراث فيها إطاراً أو محتوى، لتعزيز الصلة بالواقع أو لتكريسه لنفح قيمة وتجربة أو الاقتصار على صوت أو نبرة أو دلالة"([20]).

وإذا ما أُمعن النظر في تلك المصطلحات وتعريفاتها لوجِد أنها تختلط خلطاً شديداً في دلالتها، مما يجعلها مضطربة. فالكتابة من وسيط فني إلي وسيط فني أخر يطلق عليه أبو هيف "الإعداد" تارةً و"التحويل" تارةً أخري.

ويمكن للباحث رصد مجموعة المصطلحات التي استخدمها الدكتور مراد عبد الرحمن عبر مصنفه "العناصر التراثية في الرواية العربية في مصر"، وساوي بينها في دلالتها عنده؛ وهي: استلهام ـ استدعاء ـ توظيف ـ استيحاء.

ولا يذكر مراد عبد الرحمن تعريفاً للاستلهام أو غيره من المصطلحات، وهو يقسمها إلي نوعين؛ هما: الاستلهام التسجيلي، والاستلهام التعبيري؛ إذ يقول "والتراث الذي استلهمه الكتاب في رواياتهم نوعان : نوع تسجيلي…. ونوع تعبيري "([21]). وقد عرف الاستلهام التسجيلي بأنه: الذي يقف فيه الكاتب عند حد رصد وتسجيل النمط التراثي ليعبر من خلاله عن الرغبة في بعث أمجاد الماضي([22]). كما عرف الاستلهام التعبيري بأنه: أن يكون التراث أداة تعبيرية عن الواقع المعاش([23]).

وعند تحليلنا لرؤيته لوظيفة وآلية وشكل الاستلهام؛ فسنجد أن:

1. الوظيفة: وهي الهدف من استلهام التراث، فحددها بأنها كانت "بقصد بعث هذا التراث والتغني بأمجاده، وإما باتخاذه مادة تعبيرية عن الواقع الحاضر"([24])، وكانت هناك عدة عوامل وراء ذلك، حددها بأنها عوامل فنية للهروب من الأشكال الأوربية التي سيطرت علي الأشكال الأدبية العربية، وعوامل سياسية باستمداد القوة من التراث بعد هزيمة 1967، وعوامل قومية.

2. الآلية: وهي كيفية استلهام التراث، فرصد آليتين في التعامل مع عناصر النص التراثي هما؛ التسجيلية والتعبيرية. وأجري هاتين الآليتين علي عناصر: الشخصيات واللغة والشكل/القالب.

3. الشكل: وهو القالب الذي استلهمه الكتاب من التراث لأعمالهم؛ "ولعل حرص الكاتب علي استلهام الشكل الشعبي، وعلي استلهام السمات الأصلية للسيرة، جعل الرواية مليئة بالأحداث الفرعية التي لم تضف جديداً لبناء الرواية خاصة المغامرات البطولية الخارقة للعادة "([25]).



كتابات معاصرة متأثرة بالغرب ونظرياته

"لقد كان (التناص) أحد مقترحات نقاد ما بعد البنيوية الذين شعروا بأن تأمل بنية النص علي النحو الذي أرادته البنيوية يغلق أفق القراءة، ولا يفتح النص علي سياقات، لها أهميتها في تحليل النص وادراكه"([26])

وكانت البلغارية (جوليا كريستيفا:J,Kristeva) أول من ابتدع هذا المصطلح في دراساتها النقدية بين سنتي 1966و1967م، مع أنها أشارت إلى استعارتها له من باختين إذ اعترفت بفضله في التنظير النقدي له في إطار الشكلانية الروسية، بينما كان بارت وكريستيفا يستعملان هذا المصطلح في سياق نظري عام متصل بالكتابة النصية. "وكان باختين قبل كريستيفا، قد تحدث في علاقة النص بسواه من النصوص دون أن يذكر مصطلح التناص. بل استخدم مصطلح (الحوارية) لتعريف العلاقة الجوهرية التي تربط أي تعبير بتعبيرات أخري. فكل خطاب علي رأي باختين يعود إلي فاعلين وبالتالي إلي حوار محتمل"([27]). ثم توالت الجهود التي فعلت هذا الحقل عند الناقد الفرنسي رولان بارت الذي أثرى هذا المصطلح في دراسات كانت إرهاصات بتبلوره في الثقافة الغربية في عام 1973م؛ ولاسيما في كتابه "لذة النص"؛ وتعد دراساته إحدى أبرز علامات تبلوره في الثقافة الغربية. وأخيراً حاول الفرنسي جيرار جينيت أن يحول هذا المصطلح إلى منهج بعد أن جمع أطرافه وفصل القول فيه، وذلك باعتماده على جهود سابقيه.

وكان لازدهار الحركة النقدية في النقد الغربي وتنامي الجهود حول التناص Intertextuality أثرها الإيجابي في النقد العربي، فقد تضاعفت الجهود العربية في إثراء هذا المصطلح عبر النقل والترجمة من اللغات التي نما فيها. وفي ظل هذه المتابعة الحثيثة أنتجت دراسات نظرية كثيرة، وأنجزت دراسات تطبيقية على نصوص أدبية مختلفة، وخصصت دوريات نقدية أعداداً خاصة لمعالجته، فقد خصصت دورية "ألف" القاهرية عدداً خاصاً للتناصية هو: عددها الرابع في 1984م، كما أسهمت مجلة "الفكر العربي المعاصر" بعدد خاص عن التناصية في عددها الصادر في يناير 1989م.

وكان المصطلح التناص قد لقي؛ في الغرب؛ عدداً من الاختلافات المنهجية وكثرة التعاريف منذ لحظة انطلاقه مع رؤية كريستيفا، وذلك لكثرة الأقلام التي تلقفته في النقد الغربي فأشاعت فيه التعدد غير النهائي. إن هذا الاختلاف والتعدد، ويبدو ذلك أمراً طبيعياً إذا عرفنا أن من أبرز ملامح هذا المصطلح في ذاته اللانهائية وعدم البراءة.

مفهوم التناصIntertextuality يدل على وجود نص أصلي في مجال الأدب أو النقد على علاقة بنصوص أخرى، وأن هذه النصوص قد مارست تأثيراً مباشراً ـ أو غير مباشر ـ على النص الأصلي في وقتٍ ما. جوليا كرستيفا عرفت التناصIntertextuality بأنه التفاعل النصي في نص بعينه، فهو: "التفاعل النصي داخل النص الواحد وهو دليل علي الكينونة التي يقوم بها النص بقراءة التاريخ والاندماج فيه"([28])، ويعرفه ميشيل ريفاتير بأنه "هو إدراك القارئ للعلاقات الموجودة بين عمل وأعمال أخرى سبقته أو جاءت تالية عليه"([29])، أما جيرار جنيت فيعرف "العبر نصية" أو "التعالي النصي" Transtextuality بأنه "كل ما يجعل النص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى"([30]) ، ثم أضاف جيرار جينيت ـ إضافةً هامة ـ بأن حدد أصنافاً للتناص.

وقد كانت إضافة جيرار جينيت بأنه حدد أصنافاً للتناص؛ حيث "ميّز "جينيت"، سنة 1982، بين خمسة أنواع للتفاعل النصّي: "التناص" الذي يعني حضور نص في آخر دون تحويل له أو محاكاة، و"المناص"(Paratexte) الذي يجمع بين مختلف النصوص، والذي يتجلّى من خلال العناوين، والعناوين الفرعية، والمقدّمات، والذيول، والصور، وكلمات الناشر، و"الميتانص" (Métatextualité) الذي يعني تضمين النصّ وحدات نصيّة سابقة عليه دون تنصيص عليها، و"النص اللاحق" (Hypertexte) الذي يعني تحويل نص سابق أو محاكاته، و"معمارية النصّ" التي تحدّد الجنس الأدبي للنصّ: شعر، رواية، قصة. وبتتبّع تجليات هذه الأنواع الخمسة في مصادر الدراسة يخلص المرء إلى أنّ ثمّة نوعين رئيسيين فحسب: "التناص"، و"الميتانصّ"، لأنّ "المناصّ"، كما يبدو من تعريف "جينيت" له، فعالية خارج نصيّة، بسبب وقوعها خارج المتن الحكائي للنصّ، ولأنّه لا يعني نصاً من دون آخر بل يشمل الإبداع الروائي بعامّة، كما يشمل مختلف الأجناس الأدبية الأخرى أيضاً"([31])، ويمكن إجمال هذه الأصناف علي أنها:([32])

1. التناص : ويحصره جنيت في حالات حضور فعلي لنص في نص أخر.

2. المناص أو البارانص (النصية الموازية): وهي العلاقة التي يقيمها النص مع محيطه النصي المباشر. ويتكون من إشارات تكميلية مثل العنوان، المدخل، التعليقات… إلخ.

3. الميتانص (العلاقة النقدية): هي العلاقة الواصفة، علاقة التفسير والتعليق التي تربط نصاً بآخر يتحدث عنه دون الاستشهاد به.

4. الهيبرنصية (النصية المتفرعة): علاقة تجمع نص لاحق (متفرع أو متسع) مع نص سابق (أصل أو منحسر).

5. النصية الجامعة (معمارية النص): وهي علاقة تسمى العلاقة البكماء بين إشارة واحدة من النص الموازي، وهي إشارة الانتماء التصنيفي لصنف عام مثل (رواية، شعر… إلخ.

وينتقد جان ماري شافر الأصناف التي حددها جيرار جينيت للتناص؛ فيقول :

" إذا اتبعنا المصطلحات التي اقترحها "جيرار جينيت"، فإن الأجناسية (المسماة: النصية الجامعة) ليست سوى إحدى مظاهر "التعالي النصي" التي تضم كذلك "المصاحبة النصية" (علاقة النص بعنوانه وعنوانه الفرعي، وبصورة أعم بسياقه الخارجي)"([33]).

ويبين شافر حدود الفوارق بين المصطلحات التي اقترحها جنيت مكملاً انتقاده لمصطلح "النصية الجامعة"؛ فيقول:

" يوجد فارق حاسم بين النصية الجامعة والأشكال الأخرى للتعالي النصي: كل نص لاحق يمتلك نصه السابق له، ولكن متناصّ نصه المذكور، ولكل مصاحب نصي النص الذي يحويه، ولكل نص بعدي نصه/المادة، بينما إذا كانت هناك بالفعل نصية جامعة، فبعكس ذلك، لا يوجد نص جامع، اللهم إلا علي معنى الاستعارة. إن مقولات المتناصّ والمصاحب النصي، والنص البعدي، والنص اللاحق، تعين أزواجاً علائقية للنصوص، بينما لا أثر لذلك في وضعية النصية الجامعة."([34]).

وقد حاول النقاد العرب تحديد أشكال للتناص؛ هي:

1. التناص القرآني : وفيه يقتبس الأديب نصاً قرآنياً، ويذكره مباشرة، أو يكون ممتداً بإيحاءاته وظله على النص الأدبي، حيث يعمد إلي جزءٍ من قصةٍ قرآنية، أو عبارةٍ قرآنيةٍ فيدخلها في سياق نصه.

2. التناص الوثائقي: وفيه يحاكي النص نصوصاً رسمية كالخطابات، والوثائق، أو أوراق أخرى كالرسائل الشخصية الإخوانية؛ ليكون نصوصه أكثر واقعية.

3. التناص والتراث الشعبي: وتكون المحاكاة فيه على مستوى اللغة الشعبية، إضافةً إلى الاستفادة من توظيف القص الشعبي، والحكايات القديمة، والموروث الشعبي.

وكذلك حصر أنواعه، بأنها:

1. تناص مباشر: ويدخل تحته ما عُرف في النقد القديم بالسرقة والاقتباس، والأخذ والتضمين، فهو عملية واعية تقوم بامتصاص وتحويل نصوص متداخلة، ومتفاعلة إلى النص. ويعمد الأديب فيه أحياناً إلى استحضار نصوص بلغتها التي وردت فيها، كالآيات القرآنية، والحديث النبوي، أو الشعر والقصة. وتذكر نهلة فيصل الأحمد؛ "أن التضمين والاقتباس لا يسمحان بالتفاعل بين النصين أو بالانصهار، والتفاعل النصي يقتضي إلغاء التراتبية بين النصوص، أو تجاورها المحض غير الانصهاري، فمع التفاعل النصي يتطلب الأمر ما فعله فلوبير إذ هو أول من ألغي المعقفات التي تشير إلي التضمين الحرفي، وصار ينسب لسواه أقوالاً يصوغها بأسلوبه الخاص ضمن ما يُدعى بالنقل أو الاستشهاد غير المباشر."([35])، ثم تذكر أن آنيك كوزيك بوياجي في أطروحتها الجامعية المعنونة بـ "الممارسة التناصية عند مارسيل بروست، في روايته "البحث عن الزمن المفقود": مجالات الاقتباس"؛ قد أوضحت "إمكانية تنظيم مجالات تعريف الاقتباس التناصي عن طرق تقاطع مفهومي: "الحرفي" و"الواضح" وفق ما يلي:

1 ) الاستشهاد: هو اقتباس حرفي وواضح.

2 ) الانتحال: هو اقتباس حرفي غير واضح.

3 ) الايحاء: هو اقتباس غير حرفي وغير واضح."([36]).

2. التناص غير المباشر: فينضوي تحته التلميح؛ وهو عملية لا شعورية ينتجها الأديب من النص المتداخل معه.

ويشير الدكتور محمد مفتاح إلي أن دراسة التناص ـ في الأدب الحديث ـ قد انصبت أول الأمر في حقول الأدب المقارن والمثاقفة، كما فعل عز الدين المناصرة في كتابه "المثاقفة والنقد المقارن: منظور شكلي"، ثم دخل الباحثون العرب في إشكالية المصطلح نتيجة لاختلاف الترجمات والمدارس النقدية، فمحمد بنيس يطلق عليه مصطلح "النص الغائب"، ومحمد مفتاح يسميه بـ "التعالق النصي" حيث عرفه بأنه: "التناص هو تعالق - الدخول في علاقة- نصوص مع نص حدث بكيفيات مختلفة". وقد أضاف النقاد العرب الكثير من الإضافات ـ التي تتسم بالارتباك الاصطلاحي ـ حول مصطلح التناص ضمن جوهره، فعرفه محمود جابر عباس بإسهاب بأنه: "اعتماد نص من النصوص على غيره من النصوص النثرية أو الشعرية القديمة أو المعاصرة الشفاهية أو الكتابية العربية أو الأجنبية ووجود صيغة من الصيغ العلائقية والبنيوية والتركيبية والتشكيلية والأسلوبية بين النصين". وقد توسع أيضا بذكر التحولات التي تحدث في النص الجديد نتيجة تضمينه للنص الأصلي مع احتفاظ كل نص منهما بمزاياه وأصدائه. وعرفه الدكتور أحمد الزعبي بأنه: "أن يتضمن نص أدبي ما نصوصاً أو أفكاراً أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين أو الإشارة أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلي وتندغم فيه ليتشكل نص جديد واحد متكامل"، وتعرفه نهلة فيصل الأحمد بأنه: "هو التفاعل النصي الصريح مع نصوص بعينها، واستحضارها استحضاراً واضحاً، وتضمينها في النص عن طريق آليات كثيرة ظاهرة كـ (الاستشهاد) وأقل وضوحاً كـ (الإلماح).. وهكذا"([37])، وتعريفات التناص Intertextuality كما بينها النقاد الحداثيين كثيرة جدا ومتشعبة وكلها تدول حول جوهر التناص الذي يصب في النهاية في كونه تأثر نص بنص سابق، دون وجود تعريفاً جامعاً ضابطاً.

فمثلاً؛ تتحدث نهلة فيصل الأحمد عن العبر نصية Transtextuality؛ فتذكر:

"العبر نصية تظهر بدورها انفلاقات عميقة بين مختلف أشكال العلاقات التي يمكن لنص أن يقيمها مع نصوص أخرى"([38])

وهي بهذا الرأي تذهب إلي أن أصناف التناص التي حددها جيرار جينيت تندرج تحت مفهومها للعبر نصية. ولا تلبث نهلة فيصل الأحمد إلا أن تكشف عن فهمها الملتبس للمصطلح؛ رغم محاولتها المضنية لضبطه والبحث في أصوله لدي المفكرين والكُتاب الغربيين؛ فتورد تنبيهاً يكشف بنفسه عن هذا الخلط في استخدام المصطلح، إذ تقول:

"بقي أن أنبّه إلي أنني استخدم مصطلح التفاعل النصي أو (التناصية) بديلاً مقابلاً للمصطلحين الأجنبيين: (Intertextualityو Transtextuality)، التفاعل النصي أو التناص كما هو عند كريستيفا والتعالي النصي كما هو عند جيرار جينيت.

وأري أنه الأقرب للمقصود من المصطلح الأجنبي ونستبعد ترجماته العربية التي لا تخلو من مزاجية مبكرة. مثل (هجرة النصوص، والتعالق النصي، النص الغائب والأخر.. إلخ)"([39])

وتري أن أسباب ذلك العدول الاصطلاحي؛هي:([40])

1. إن ما يحدث بين النصوص من علاقات لتشكيل نص جديد هو عملية تفاعل أي ممارسة اندماجية ومزج كيميائي بدرجات متفاوتة.

2. أن باختين وهو يبحث عن شعرية منفتحة يتجاوز فيها شعرية الشكلانيين والألسنيين المنغلقة، اختار مصطلحاً من الحقل الماركسي هو "تفاعلية" واستخدمه لضبط شعرية دستويفسكي في كتابيه "شعرية دستويفسكي" و"الماركسية وفلسفة اللغة"، وهو المصطلح الذي أخذته كريستيفا وبحثت في البداية في مصطلح قريب من مصطلح باختين ينطلق مثله من الماركسية هو "إنتاجية" ثم سمته تناص كما نقله العرب الأوائل الذين فرغوا إلي ترجمته ومن ثمَّ عرفته "بالتشرب والتحويل" وكأنها تصف معادلة كيميائية.

وتقدم نهلة فيصل الأحمد اقتراحاً بتقسيم ما اصطلحت عليه ـ في تصورها المتداخل ـ بـ "التفاعل النصي"، إلي "تفاعل نصي عام" و"تفاعل نصي ذاتي"، وتحدد "التفاعل النصي العام" بأنه: "يحدث بين النص ونصوص جنسه من جهة وبين النص والأنواع المختلفة (من غير جنسه) من جهة ثانية."([41])، ثم تعرض لقائمة من التفاعلات النصية المحتملة لأي نص، وهي:([42])

ـ التفاعل النصي مع الأسطورة (حدثاً وجواً).

ـ التفاعل النصي الديني.

ـ التفاعل النصي مع التوراة.

ـ التفاعل النصي مع الإنجيل.

ـ التفاعل النصي مع القرآن.

ـ التفاعل النصي مع الحديث الشريف.

ـ التفاعل النصي مع الصوفية (نصاً وأجزاء نصوص. حدثاً وثيمة، قصة وجواًَ، أسلوباً، لفظاً وتركيباً، إيقاعاً ورمزاً.. إلخ).

ـ التفاعل النصي مع الطقوس.

ـ التفاعل النصي مع الحكمة.

ـ التفاعل النصي مع المثل.

ـ التفاعل النصي مع النكتة.

ـ التفاعل النصي مع نثر الحياة اليومية.

ـ التفاعل النصي مع الوسيط العصري.

ـ التفاعل النصي مع السينما.

ـ التفاعل النصي مع الأغنية.

ـ التفاعل النصي مع الحكاية، والرواية، والمسرحية (حدثاً وأسلوباً، آلية وتقنية، لفظاً وتركيباً، جواً وموسيقى وإيقاعاً).

أما "التفاعل النصي الذاتي"؛ فتحدده بأنه الذي يحدث بين نصوص الكاتب نفسه، أي أن النصوص تقيم حواراً ذاتياً داخلياً([43]).

ثم تقدم سرداً لآليات "التفاعل النصي" ـ كما تراها ـ وتعتمد هذه الآليات علي آليتين كبيرتين تندرج باقي الآليات الأخرى ـ الفرعية ـ تحتها؛ وهاتين الآليتين الكبيرتين هما: الاستدعاء([44]) والتحويل.

ويمكن أن نخلص إلي أن النقاد العرب في هذه المنطقة تباين ضبطهم للمصطلح، وذلك راجع إلي تباين ضبط المصطلح في الكتابات الغربية ذاتها أولاً، وتعدد الترجمات ثانياً، وتباين استخدامهم ومفهومهم للمصطلح ثالثاً.

أنهم ميزوا بين آليتي العمد والمصادفة في معالجتهم للمصطلح ودلالته . كما أنهم اهتموا ـ كالكتاب الغرب ـ بالآلية والشكل دون الوظيفة في تناولهم للمصطلح .




--------------------------------------------------------------------------------


( 1 ) يعين جيرار جنيت كفاءة القارئ المحتملة أو المتغيرة بأنها " المتأتية من العادة ، والتي تمكنه من أن يسترمز بسرعة متزايدة الشفرة السردية عموماً ، أو الشفرة الخاصة بجنس أو عمل أدبي ما " .

راجع ؛ جيرار جنيت ـ خطاب الحكاية ـ ترجمة : محمد معتصم، عبد الجليل الأزدي، عمر حلي ـ المشروع القومي للترجمة ـ الطبعة الثانية ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ القاهرة ـ مصر ـ 1997 م ـ ص 84 .

( [2] ) د. الطاهر الهمامي ـ القارئ سلطة أم تسلط ـ مجلة الموقف الأدبي ـ العدد 330 ـ دمشق ـ سوريا ـ 1998 م ـ ص 23 .

( [3] ) راجع ؛ جميس فريزر ـ الفولكلور في العهد القديم ـ ترجمة : نبيلة إبراهيم ـ مكتبة الدراسات الشعبية ـ الأعداد : 22؛23؛24 ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة ـ مصر ـ 1998 م.

وراجع ؛ جيمس هنري بريستيد ـ فجر الضمير ـ ترجمة : د. سليم حسن ـ طبعة مكتبة الأسرة ـ القاهرة ـ مصر ـ 1999 م ـ ص 302 : 305 ؛ ص 390 : 414 ؛ ص 427 : 433.

( [4] ) د. عبده عبد العزيز قلقلية ـ النقد الأدبي في المغرب العربي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ مصر ـ 1988 م ـ
ص 380 .

( [5] ) د. مصطفي السعدني ـ التناص الشعري : قراءة أخرى لقضية السرقات ـ الناشر المؤلف نفسه ـ الإسكندرية ـ مصر ـ 1991 م ـ ص 53 .

( [6] ) عبد القادر الجرجاني ـ أسرار البلاغة ـ مطبعة وزارة المعارف ـ استانبول ـ بدون تاريخ ـ ص 241 .

( [7] ) المصدر السابق ـ ص 313 .

( [8] ) المصدر السابق ـ ص 313 و314 .

( [9] ) أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري ـ الصناعتين ـ عيسى الحلبي وشركاه ـ القاهرة ـ مصر ـ بدون تاريخ ـ
ص 202.

( [10] ) راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 202 و ما بعدها ؛ ص 235 وما بعدها .

( [11] ) د. مصطفي بيومي ـ دوائر الاختلاف : قراءات التراث النقدي ـ دار فرحة للنشر والتوزيع ـ القاهرة ـ مصر ـ بدون تاريخ ـ ص 12.

( [12] ) عبد الله أبو هيف ـ التنمية الثقافية للطفل العربي ـ مصدر سابق ـ ص 82 .

( [13] ) المصدر السابق ـ ص 82 .

( [14] ) المصدر السابق ـ ص 83 .

( [15] ) المصدر السابق ـ ص 83 .

( [16] ) المصدر السابق ـ ص 83 .

( [17] ) المصدر السابق ـ ص 83 .

( [18] ) المصدر السابق ـ ص 83 .

( [19] ) المصدر السابق ـ ص 84 .

( [20] ) المصدر السابق ـ ص 84 .

( [21] ) المصدر السابق ـ ص 23 .

( [22] ) راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 23 .

( [23] ) راجع ؛ المصدر السابق ـ ص 23 .

( [24] ) المصدر السابق ـ ص 24 .

( [25] ) المصدر السابق ـ ص 246 .

( [26] ) حاتم الصكر ـ ترويض النص : دراسة للتحليل النصي في النقد المعاصر : إجراءات .. ومنهجيات ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ مصر ـ 2007 م ـ ص 184 .

( [27] ) المصدر السابق ـ ص 184 .

( [28] ) جان إيف تادييه ـ النقد الأدبي في القرن العشرين ـ ترجمة : د. قاسم المقداد ـ الطبعة الأولي ـ منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ دمشق ـ سوريا ـ 1993 م ـ ص 318 .

نقلاً عن ؛ نهلة فيصل الأحمد ـ التفاعل النصي ـ ص 121 .

( [29] ) بيير مارك دوبيازي ـ نظرية التناصية ـ ترجمة : الرحوتي عبد الرحيم ـ مجلة علامات ـ الجزء 21 ـ مجلد 6 ـ جدة ـ المملكة العربية السعودية ـ سبتمبر 1996 م ـ ص 314 .

( [30] ) جيرار جينيت ـ مدخل لجامع النص ـ ترجمة : عبد الرحمن أيوب ـ الطبعة الثانية ـ دار توبقال ـ المغرب ـ 1986 م ـ ص 90 .

( [31] ) د. نضال الصالح ـ النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ سوريا ـ 2001 م ـ ص 213 .

( [32] ) راجع ؛ نهلة فيصل الأحمد ـ التفاعل النصي ـ مصدر سابق ـ ص 176 .

( [33] ) مجموعة كتاب ـ نظرية الأجناس الأدبية ـ ترجمة : عبد العزيز شبيل ـ كتاب النادي الثقافي بجدة 99 ـ الطبعة الأولي ـ النادي الثقافي بجدة ـ المملكة العربية السعودية ـ 4/11/1994 م ـ ص 146 .

( [34] ) المصدر السابق ـ ص 148 .

( [35] ) نهلة فيصل الأحمد ـ التفاعل النصي ـ مصدر سابق ـ ص 163 .

( [36] ) المصدر السابق ـ ص 177 .

( [37] ) المصدر السابق ـ ص 284 .

( [38] ) المصدر السابق ـ ص 176 .

( [39] ) المصدر السابق ـ ص 272 و273 .

وما تذهب إليه نهلة فيصل الأحمد ؛ لا يمكن إلا تسميته بالخلط البين بين المصطلحات ؛ للأسباب التالية :

1 ) أن البادئة Inter في مصطلح كريستيفا (Intertextuality ) تختلف من حيث كونها دالة لغوية عن البادئة Trans في مصطلح جيرار جينيت (Transtextuality) ، والتي هي بدورها دالة لغوية أخرى .

2 ) مفهوم المصطلحين متباين رغم ما قد يبدوا عليهما من تشابه ملبس ؛ فمفهوم مصطلح كريستيفا (Intertextuality )
يعني " التفاعل النصي داخل النص الواحد " مما يشي بعلاقة تاريخية وأخرى اندماجية .

راجع ؛ جان إيف تادييه ـ النقد الأدبي في القرن العشرين ـ مصدر سابق ـ ص 314 .

أما مفهوم مصطلح جيرار جينيت (Transtextuality) فيعني : " كل ما يجعل النص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص
أخرى " .

راجع ؛ جيرار جينيت ـ مدخل لجامع النص ـ مصدر سابق ـ ص 90 .

مما يجعل مصطلح جيرار جينيت أكثر اتساعاً من مصطلح كريستفيا .

3 ) تاريخ تدشين مصطلح كريستيفا سابق علي تاريخ تدشين جينيت لمصطلح ؛ ( كريستيفا 1966 ، جينيت 1982 ) ؛ مما يشي بمعرفة جينيت لمصطلح كريستيفا ، وأنه أراد بمصطلحه مصطلحاً مغايراً ـ كدال ـ في دلالته لمصطلح كريستيفا .

4 ) أن مصطلح كريستيفا (Intertextuality ) قد حل محل مفهوم التذاوت (الذاتية المتبادلة) (Intersubjectivity) ، وأن لهذا المصطلح أبعاده الخاصة بإنتاجية النصوص ومقروئيتها .

راجع ؛ د. عمر عبد الواحد ـ دوائر التناص : معارضات البارودي للمتنبي .. دراسة في التفاعل النصي ـ الطبعة الأولي ـ دار الهدي للنشر والتوزيع ـ المنيا ـ مصر ـ 2003 م ـ ص 13 .

5 ) أن جينيت يعرف مصطلح التناص (Intertextuality ) ؛ بأنه " علاقة حضور متزامن بين نصين أو عدة نصوص " بمعنى ، عن طريق الاستحضار (Eidetiqument) .

راجع ؛ د. عمر عبد الواحد ـ التعلق النصي : مقامات الحريري نموذجاً ـ الطبعة الأولي ـ دار الهدي للنشر والتوزيع ـ المنيا ـ مصر ـ 2003 م ـ ص 66 .

( [40] ) راجع ؛ نهلة فيصل الأحمد ـ التفاعل النصي ـ مصدر سابق ـ ص 273 و274 .

( [41] ) المصدر السابق ـ ص 277 .

( [42] ) المصدر السابق ـ ص 278 .

( [43] ) المصدر السابق ـ ص 279 .

( [44] ) تقع نهلة فيصل الأحمد في نفس الخطأ الاصطلاحي الذي سبقها إليه الدكتور أحمد مجاهد ؛ إذ اعتمد في دراسته المعنونة بـ "أشكال التناص الشعري" (1998) علي جعل الاستدعاء شكلاً من أشكال التناص ، وخص منها بدراسته استدعاء الشخصية التراثية ، دون أن يعتني بتقديم أي مجهود نظري ، قبل أن يشرع في عمله الإجرائي النقدي ، وكأنه يتحدث عن معلوم من النقد بالضرورة .

راجع ؛ أحمد مجاهد ـ أشكال التناص الشعري : دراسة في توظيف الشخصيات التراثية ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ مصر ـ 1998 م ـ ص 83 وما بعدها ؛ ص 87 : 89 ؛ ص 99 وما بعدها ؛ ص 353 : 355 .

ليست هناك تعليقات:

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...