الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

المقدمة الطللية من العصر الجاهلي إلى نهاية العصر الأموي "دراسة أسلوبية "

الباحث: أ / سعيد محمود أحمد بايونس الدرجة العلمية: ماجستير الجامعة: عدن الكلية: التربيةالقسم: اللغة العربيةتاريخ الإقرار: 2006
الخاتمة:
بعد انتهاء البحث من رحلته الممتعة بين النصوص الطللية,لا يدعي البحث-هنا- بأنه قد أحاط بكل جوانب هذه النصوص وإيحاءاتها لأنه لو ادعى ذلك لكان بحثاً قاصراً.ولكن البحث يسجل في خاتمته ما أمكنته قدرته التي وهبه إياها الله معرفته,وهي بلا شك معرفة متواضعة,من خفايا هذه النصوص وأسرارها الجمالية والتأثيرية التي ظلت مختزنة في ثناياها كل هذا الزمن,دون أن تفقد شيئاً من شحنتها العاطفية ومن حرارتها الإبداعية.

ولقد سعى البحث إلى تبيان السمات الأسلوبية التي ينماز بها كلام المقدمات الطللية الجاهلية من كلام المقدمات الطللية في العصور اللاحقة لها,وتسجيل مقدار(إلاختيار)و(إلانزياح)لهذه النصوص وفقاً لمستويات الكلأم فيها إيقاعاٌ وتركيباً وصورة.

وقد اشتمل البحث على ثلاثة فصول,خلصنا من كل فصل إلى ما أتيح للبحث الوصول إليه من نتائج بعد طول طواف واستخدام ما أمكن من مناهج وإجراءات..ففي الفصل الأول,أنصبت إجراءات البحث فيه على (المستوى الصوتي) و من ثم احتوى تحليلاً لتجليات الإيقاع في شعر المقدمات الطللية.

فقد جاءت المقدمات الطللية ضمن أشكال مختلفة للنظم,تغيرت نسبتها من عصر لآخر,فعند الجاهليين كانت المقطوعات الطللية أكثر حضوراً,في حين انحسر حضورها في لوحات الطلل الأموية,مما يدل على أن المقدمة الطللية عند الجاهليين كانت واقعاً فنياً,أملاه الموقف الشعوري حقيقة.بخلاف الأمويين الذين استخدموا المقدمة الطللية حيلة أو حلية فنية لنبش الذكريات,وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة(النتف)الطللية في قصائدهم.

وقد جاءت البحور الشعرية في لوحات الطلل الجاهلية ولوحات شعراء صدر الإسلام(المخضرمين)تامة تنوعت فيها البحور الشعرية مما يدحض فكرة مناسبة البحور للأغراض الشعرية.أما المجزوء منها فقد دخل في لوحات الأمويين.مما يدل على تنوع إلايقاع وثرائه في ذلك العصر.

وكانت نسبة الطويل عالية تواتراً ونفساً,ويليه البسيط,فالوافر,فالكامل. ونتيجة لسيطرة هذه البحور وهيمنتها على المقدمات الطللية جميعها,قام البحث بدراسة(الزحافات)التي تصيبها لمعرفة نسبتها,واتضح للبحث أن الزحافات ظاهرة صحية تحسن النغم وتجوده,فلاحظ زيادتها كلما تقدمنا في الزمن.أما نسبة القوافي المقيدة فقد انعدمت عند الجاهليين في حين ارتفعت نسبتها عند المخضرمين وازدادت نسبة إلارتفاع عند الأمويين,مما يدل على أن الجاهليين منطلقون كالبيئة التي نشئوا فيها(الصحراء),منطلقة واسعة لا تحدها حدود,أما حظ القوافي من الحركات فقد جاء(الكسر)مهيمناً على اللوحات الطللية جميعها,ثم الضم,ثم الفتح,مما يدل على أن (الكسرة),وهي أثقل الحركات,تناسب الموقف الطللي والجو النفسي المسيطر على مبدعه.

أما الحروف التي جاءت روياً فقد تنوعت بين الشدة والرخاوة والتوسط ,وكانت سيطرة الحروف الشديدة على روي لوحات الطلل الجاهلية دالة على التناسب مع طبيعتهم.أما في اللوحات الطللية لشعراء صدر الإسلام وشعراء العصر الأموي فقد سيطرت عليها الحروف المتوسطة,في حين ضؤلت نسبة الحروف الرخوة في اللوحات الطللية جميعها,وقد كثر دوران (الميم,واللام) حرفي روي في اللوحات جميعها.في حين اختفى(الياء)من لوحات الجاهليين,و(الميم)في لوحات المخضرمين.

وأما من حيث الجهر والهمس فقد تساوت اللوحات جميعها,من حيث حروف القافية كانت القافية المطلقة المردفة أكثر شيوعاً في لوحات الجاهليين والمخضرمين في حين كانت القافية المطلقة المجردة أكثر شيوعاً في لوحات الأمويين,مما يدل على ضآلة النغم فيها.

هذا في إطار(الإيقاع الثابت),أما(الإيقاع غير الثابت),فهو متعدد ويصعب حصره لسمة التجريد التي يتسم بها,ولذلك تخير البحث معطيات من تكوينه المتعدد,لما لها من الظهور و الدوران بكثرة في شعر المقدمات الطللية,منها(التكرار الصوتي) وما يتفرع عنه,,و(الجناس)و(التصدير) والأشكال التي وردا فيها.

والنتيجة المستخلصة من بحث هذه المسألة,أن هذه التقنيات الصوتية جاءت طبعاً عند الجاهليين و المخضرمين,وصناعة عند الأمويين,فقد تفاوت حظها في الظهور من عصر لآخر,ولكنه عند الأمويين أبرز لتعمد(الباث)في ذلك.

وجاء الفصل الثاني موسوماً ب(المستوى التركيبي)وفي المبحث الأول فيه (التركيب المتغير والدلالة),قام البحث بدراسة ثلاثة مظاهر للتركيب المتغير هي(التقديم,والتأخير) و(الفصل) و(الحذف) وهي مظاهر خبرية,وأظهر الدرس والتحليل مدى ارتباط الكلام بمقتضيات الحال التي تنوعت ما بين التعلق بسياق المبدع,والتعلق بسياق العمل الإبداعي,والتعلق بسياق المتلقي.وفي المبحث الثاني(التركيب المستقر والدلالة) ذهب البحث إلى دراسة الدلالات المتحصلة من التركيب المستقر, وأبرز كذلك المقتضيات التي جاء من أجلها,وقد اشتمل على دراسة(الترادف,والتقابل اللفظي,والتجاور اللفظي,وتوالي الصفات,والقوالب اللفظية),إضافة إلى أن هذه الدراسة قد بينت مدى التراكيب المتكررة ودورانها عند الشعراء الإسلاميين إتباعا لما ابتدعه الجاهليون.وكانت الأساليب الإنشائية موضوع المبحث الثالث وقد تخير البحث منها(الاستفهام,والنداء) لدورانهما في هذه المقدمات.

وقد خلص البحث من دراسة الفصل الثاني إلى إبراز المقتضيات المعنوية والصوتية التي ألجأت(الباث) إلى مثل تلك المتغيرات الأسلوبية,وقد مزج الشعراء بين الأسلوبين(الخبري,والإنشائي) لتوصيل رسائلهم الشعرية,ولعل موضوع (الطلل) فرض على مبدعيه (الخبرية),ولكنها ليست في درجة الصفر,بل نوَع مبدعوها بتغيير في تراكيب الكلام أو المزاوجة بين الألفاظ (الثنائيات),مما جعلها بثاً ونجوى,وجاءت (الإنشائية) تفريغاً لانفعالات مبدعيها كلما تكاثفت آلامهم وهمومهم,كما أظهر التحليل ذلك.

وولج الدرس الأسلوبي إلى الفصل الثالث,الذي حمل عنوان(الصورة البيانية) محاولاً تحليل الصورة من خلال بناها وأنماطها,وينابيعها التي استقت منها.فدرس في المبحث الأول(الصورة التشبيهية) موضحاً علاقة المشابهة التي تفرزها من خلال البنى الآتية:

*بنية التشبيه المفصل:وقد قلَ ورودها في شعر المقدمات,في حين كثر دوران بنية التشبيه المجمل,أما بنية التشبيه المؤكد فقد انحصرت على شعر الأمويين.

*ومن جهة أركان التشبيه فقد ورد (المشبه) حسياً و(الأداة) تنوعت ما بين اسم,وفعل,وحرف,واحتلت الأداة (الكاف) المرتبة الأولى من حيث الاستعمال,وجاء (المشبه به) نمطاً يكاد أن يكون مكرراً للنسخة الجاهلية فتشبيه الطلل لا يعدو أن يكون تشبيهاً(للخط الدارس,أو الوشم,أو الثوب الخلق) وكذلك تشبيه كل عناصر الطلل الأخرى.أما(وجه الشبه) فقد ورد(صفة) أو أكثر.أما في بحث(الصورة الاستعارية) ,وهو موضوع المبحث الثاني,فقد أفضى إلى وجود علاقتين هما:

*علاقة مماثلة جسدتها بنية التشبيه البليغ,وبينة إلاستعارة التصريحية,وقد وردت هذه البنية في هيئات تركيبية منها ما هو(فاعل) أو(جملة اسمية)أو(مفعول به),كما جاء منها(المجرد) و(المرشح).

*علاقة (تماه) جسدتها بنية إلاستعارة المكنية,وقد غلب استخدام الاستعارة ذات المركب الفعلي مقارنة بالاستعارة ذات المركب الاسمي ليضمن مبدعوها لصورهم الحيوية والحركة.

أما المبحث الثالث فقد اختص بدراسة (ينابيع الصورة وأنماطها),فقد جاءت ينابيع الصورة عند الجاهليين والمخضرمين نقلاً أميناً لمشاهد البيئة المحيطة ولهذا جاءت صورهم أكثر دقة وصدقاً,أما عند الأمويين فكانت تكلفاً وصنعة للمفارقة الواقعة بين المحيطين؛إذ جاءت صورهم بدوية لم تمسها يد الحضارة,وعموماً فقد تنوعت صورهم في أخذها من موجودات البيئة ما بين (الحيوان) و (النبات) و (المجتمع الإنساني) و (المصدر المصنوع).
وقد جلا البحث من أنماط الصورة الآتي:

*الصورة الحسية,وقد جاءت أكثرها معتمدة على حاسة (البصر) ويبدو أن لموضوع الطلل يداً في ذلك,وتأتي بعدها الصورة الحسية المعتمدة على حاسة (السمع) ثم الصورة الحسية المعتمدة على (اللمس) وأخيراً الصورة الحسية المعتمدة على (الذوق).

ومن أنماط الصورة كذلك (الصورة التشخيصية),وقد اعتمد عليها في نقل المشاهد الخارجية,أما ما يدور في أعماق الذات المبدعة فقد عوَل على (الصورة التجسيدية) لأداء هذه المهمة,ومن أنماط الصورة التي جلاها البحث ( الصورة الإيحائية)

و زبدة ما خلص إليه البحث أن المقدمة الطللية لم تشهد تطوراً فنياً,وكأن العصر الجاهلي يمثل قوة تطورها ثم تبدأ بالانحدار بعد ذلك ,فعلى المستوى الصوتي ظلت المقدمة تقال على البحور الجاهلية نفسها,بل إن دخول البحور المجزوءة بعد ذلك أساء إلى قدسيتها.

وعلى المستوى التركيبي ظلت هياكل الكلام وأساليبه هي نفسها التي بناها الجاهليون,إذ تكررت القوالب اللفظية,والصفات بالطريقة نفسها.
وعلى مستوى الصورة كذلك,تكررت الصورة الجاهلية في شعر الإسلاميين فيما بعد.
ولأن النقص سمة بشرية فحتماً ستكون هذه السمة رفيقة هذا البحث,ولكن هذا جهد البحث وصنعته آملاً من الله أن يوفقه إلى سواء السبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, والصلاة و السلام على أشرف المرسلين.

ليست هناك تعليقات:

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...