الأحد، 11 سبتمبر 2011

عبدُ السلام المســـدّي

عبدُ السلام المســـدّي ساعياً نحو تأسيس أسلوبية عربية جديدةٍ
التاريخ: 11-2-1429 هـ
الموضوع: ثقافية


فريد أمعضشـو لقدِ انفتح النقد المغاربي المعاصر على النقد الغربي ،بوضوح، منذ أواسط القرن المنصرم؛ فاستفاد من مناهجه العلمية و من آلياته القرائية

في مقاربة الظاهرة الأدبية المتّسمة بتعقدها، و استثمر ما قدّمه نقاد الغرب من مفهومات و مصطلحات نقدية في الاشتغال على النصوص على اختلاف ألوانها. و من المناهج النقدية التي ولجت ساحة النقد المغاربي في العقود الماضية، و وُجد من ناقدينا مَن روّج لها و طبّقها في تحليل الخطاب الأدبي و معالجته نجد الأسلوبية. و ممَّن تأثر بها كثيرا في أبحاثه نلفي الناقد التونسي الكبير الدكتور عبد السلام المسدّي الذي كتب جملة دراساتٍ في هذا الإطار تنظيراً و/أو تطبيقاً، منها كتابُه ذو الطابع التنظيري "الأسلوبية و الأسلوب" (1977)، و كتابه ذو الطابع العملي الإجرائي "قراءات مع الشابي و المتنبي و الجاحظ و ابن خلدون" (1981)، و كتابه "النقد و الحداثة - مع دليل ببليوجرافي" (1983) الواقع في خمسة فصول - و التي هي ،في الأصل، أبحاث و مقالات نشرها صاحبها قبْلاً أو شارك بها في مناسباتٍ علمية-، و الجامع بين النظري و التطبيقي. و لم يكتفِِ المسدي في كتاباته هذه بتطبيق مبادئ الأسلوبية ،كما لدى الغربيين، في مقاربة النص الأدبي العربي القديم و الحديث، بل إنه اجتهد و قدّم جملة من الإضافات النوعية المهمة، رغم المآخذ المسجَّلة عليها من قبل عدد من الدارسين. و لإبراز ذلك و تجليته، نقف ،تحديداً، عند رابع فصول كتابه "النقد و الحداثة" الذي أفْرده المسدي لقراءة قصيدة أحمد شوقي (ت1932م) الرائعة "وُلد الهدى". فقد استهله بإثبات نصّ القصيدة كاملاً (131 بيت)، ثم أعقبه ببيان منهاجه في التناول و طريقته في التحليل التي يعتزم سلوكها في تشريح هذه القصيدة. و نفهم منها جلياً أن منطلقاته المنهاجية في الدراسة نصّانية في المحلِّ الأول، تقوم على تجريب الأسلوبية بوصفها منهجاً نقدياً حَداثياً أثبت فعاليته الإجرائية في مُدارسة عددٍ من النصوص لدى الغربيين و غيرهم. وأشار الباحث إلى أن الأسلوبية سلكت في تطورها ونموها سبيلين متوازيتين؛ هما: سبيل الاستقراء (الأسلوبية التطبيقية)، وسبيل الاستنباط (الأسلوبية النظرية). وإذا كانت وجهات النظر موحدة-نسبيا- في الأسلوبية النظرية، فإنها في الأسلوبية التطبيقية تتجاذبها عدة مشارب أوجزها المسدي في منزعين بارزين اصطلح على تسميتهما " بأسلوبية التحليل الأصغر" و" أسلوبية التحليل الأكبر"، أو "بأسلوبية السياق"و "أسلوبية الأثر"... إن مجال الأسلوبية السياقية هو الحدث الفردي في النص، ومناطها الواقعة الفنية في إطارها الضيق؛ لذا، يسميها المسدي باصطلاح" أسلوبية الوقائع". على حين أن الأسلوبية الأثرية تحرص على استكشاف الظاهرة الفنية من خلال المثال الذي يمثلها في الأثر الذي ترد فيه، لذا، يسميها المسدي "أسلوبية الظواهر". ويخلص المسدي من ذلك كله إلى صوغ منهج شخصي يطلق عليه اسم " أسلوبية النماذج"؛ وتندرج -هي الأخرى- تحت راية الأسلوبية التطبيقية، وتقوم بين طرفي الأسلوبيتين التطبيقيتين المتقدمتين. يقول عنها الرجل:" وإذ قد بان أن مرامنا هو كشف النموذج الأسلوبي من خلال النموذج النصاني فلنسَمِّها "أسلوبية النماذج" حيث تقوم معدلا تطبيقيا بين أسلوبية الوقائع وأسلوبية الظواهر، فتكون بذلك "أسلوبية النص" مثلما كانت الأخريان "أسلوبية السياق" و"أسلوبية الأثر". وستكفل إمداد جهاز الأسلوبية النظرية بمكتسبات مدققة يستخلص منها روادها مقومات الثبات وحوافز التعديل وستعين المنظرين على تجميع النماذج الإبداعية فيستكنهون حقائق الإبداع ويمسكون بزمام أدبية الخطاب الفني عسى أن يقبضوا يوما على أعنة أدبية الأدب بإطلاق"1. وفي ضوء هذا التأسيس المنهجي الشخصي، أخذ المسدي في معالجة أسلوب نص شوقي. يتبع الناقد الأسلوبي في قراءته للنص خطْوات منهاجية عدة، أولاها الحدْس أو الإحساس الباطني، الذي يتيح له معاينة ظاهرة لسانياتية لافتة للنظر، واتخاذها مجالا لقراءته2. مؤدى هذا أن منهاج التحليل الأسلوبي انتقائي، يركز على سمة لغوية ذات قيمة أسلوبية، فيعمد إلى مدارستها. لقد اختار الباحث أن يعالج قصيدة شوقي انطلاقا مما أسماه "التضافر الأسلوبي". و"مفهوم التضافر عند المسدي قريب إلى حد ما من مفهوم "النظم" عند الجُرْجاني".3 إن قيام الناقد بعملية استقراء أولي لأشكال الصوغ الإبداعي في القصيدة الشوقية المدروسة، سمح له بالتوقف عند أربعة أنماط انتظامية تحكم أسلوبها. أولها نمط التفاصل، والذي تأتي الخصائص الأسلوبية بموجبه متمايزة تتباين في مواطنها على السلسلة الأدائية في ضرب من التخالف الموضعي. وثانيها نمط التداخل، وتتوارد فيه الأجزاء في تواتر دوري. وثالثها نمط التراكب، ويقتضي توزع المجموع إلى طوائف ترتصف فيها الأجزاء بكيفية متناظرة تتقابل فيها الصور بشكل متتال. ورابع الأنماط التضافر، وهو" أن تنتظم العناصر انتظاما مخصوصا يسمح باستكشافها طبق معايير مختلفة بحيث كلما تنوعت مقاييس الاستكشاف حافظت العناصر على مبدأ التداخل"4. وقد خلص المسدي - بعد طول تأمل ومدارسة للقصيدة- إلى أن هذه القصيدة منبنية على النمط الانتظامي الرابع الذي اغتدى" "مفتاح سرها الشعري"5. وحاول الباحث توضيح ذلك من خلال أربعة معايير استكشافية. فأما أولها فهو معيار المفاصل الذي يقتضي توالج مواطن الانتقال من وحدة دلالية إلى أخرى. وبموجبه، توصل المسدي إلى تقسيم نص شوقي تقسيما ثُمانيا باعتبار الجانب التيماتي (thématique)، وترتبط هذه الأقسام أو اللوحات وفق سبعة مفاصل. على أن الملاحظة البارزة التي سعى الباحث إلى إثباتها هي وجود تضافر على مستوى هذه المفاصل. وأما ثانيها فهو تضافر المضامين داخل قصيدة شوقي، ويتمثل ثالث هذه المعايير بتضافر القنوات، ويقصد به المسدي إلى "مجاري الأداء الإبلاغي مما يتخذه الشاعر مرتكزا حواريا يصنع به التواصل حيث لا تواصل"6. وفي هذا النطاق، يتحدث الرجل عن المفارق التضافرية الرابطة بين الوحدات النصية في القصيدة المعالَجة، وعن كيفية انتقال شوقي من شحنة إخبارية إلى أخرى (الضمائر، أسلوب الالتفات، تغيير الدلالة...). ويعد تضافر الأبنية النحوية والتركيبية المعيار الاستكشافي الرابع الذي اعتمده المسدي لتسويغ انبناء نص شوقي على نمط التضافر الأسلوبي، وبواسطته درس الناقد مظاهر التوازي النحوي والتركيبي، وأصناف الجمل التي ترين على أسلوبية النص. ويخلص المسدي -بعد هذا كله-إلى تأكيد أهمية المنهاج الذي ركبه وفعاليته الإجرائية (أسلوبية النماذج)، وإلى أن " إبداعية أي نص أدبي لا يفسرها إلا الاهتداء إلى النموذج الأسلوبي الثاوي وراء بنيته الصياغية والذي يستصفى من خلال مراتب البناء بدءا بالأصوات والمقاطع والألفاظ وختما بالمضامين الدلالية بعد المرور بالتراكيب النحوية المعقدة"7. وينهي المسدي مقاربته التحليلية القيمة لمطولة شوقي بسرد الخلاصات التي توصل إليها. يقول: "لقد رأينا كيف انبنت قصيدة" ولد الهدى "على نموذج أسلوبي مداره ظاهرة التضافر التي تحققت في المفاصل والمضامين، وأجريت في القنوات الأدائية، ثم تشكلت في البناء التركيبي. فجاء النص نسيجا لحمته الائتلاف، وسداه الاختلاف. فلا التكثيف بمفض إلى الإشباع ولا الإطراء ببالغ حد الرتابة. فإذا التضافر صورة للتعدد في صلب الوحدة، وإذا به مفتاح تنكشف به إبداعية الشعر في إحدى اللوحات الروائع التي خطتها ريشة أمير الشعر
.

ليست هناك تعليقات:

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...