الاثنين، 22 يوليو 2013

المتعالقات النصية Transtextualité
د. حسيب الياس حديد
المتعالقات النصية (وتسمى ايضا بالمتعاليات النصية) 
 عبارة عن مجموعة من العلاقات النصية المتناظرة المباشرة وغير المباشرة. وتم تعريف  المتعالقات النصية بكونها كل ما يجعل نصَ يتعالق مع نصوص اخرى بصورة صريحة او ضمنية. او كل ما يجعل نصا ما في  علاقة ظاهرية او ضمنية (خفية) مع نصوص اخرى. ويتضمن التعالق النصي عادة التداخل اي عندما نقوم بالاستشهاد بابيات شعرية او نص معروف او مثل  من  الامثال يتم وضع الاستشهاد او الاقتباس بين قوسين. وهناك من عرف المتعالقات النصية بانها علاقة حضور متزامن بين نصين او عدة نصوص عن طريق الاستحضار. وتتخذ عادة صيغة حضور نص داخل نص  اخر ولا يعد ذلك سرقة ولكن من الممكن اعتباره قرضا غير مصرّح به. ولا يمكن ملاحظته بسهولة الا من قبل القارئ النابه والذكي وكثير الاطلاع والذي لديه رصيد معرفي واسع وغزير. وينبغي عدم الخلط بين المتعالقات النصية والتناص مع العلم ان خطوط التماس بينهما وبين المصطلحات الاخرى الخاصة بالمتعالقات النصية وثيقة يصعب فصلها الا بدقة كبيرة. فالتناص علامة توجد بين نص ادبي مع اخر سابق له ويبدو الاخير جزء من الاول اما المتعالقات النصية فانها تعالق نص مع نصوص اخرى ويتم وضع الاستشهاد او الاقتباس بين قوسين.
اطراس الحوارية
التناص  Intertextualité
      يعرّف التناص بكونه العلاقة التي توّحد نصاًَ ادبياً مع نص اخر سابق الوجود له او حضور نص في اخر مثل الاستشهاد بمقولة او بيت شعري او اي نص اخر. ويتم تعريفه ايضا بانه يتضمن بنية نصية ما مأخوذة من اكثر من بنية  نصية سابقة وتدخل معها في علاقة وتبدو وكأنها جزء من ذلك. او عبارة عن مجموعة نصوص يمكن تقريبها من النص سواء أكانت في ذاكرة الكاتب او القارئ ام في ذاكرة الكتب. وبذلك يكون التناص عبارة عن نص يستوعب عدداً من النصوص. ومن المهم ان نشير الى ان مصطلح التناص ورد باللغة العربية بمصطلحات مختلفة الا ان دلالتها واحدة فقد ورد بالمصطلحات الاتية:  التناص والمتناصة والتناصية والنصوصية والتفاعل النصي.
المتعالقات النصية
جوليا كريستيفا وجيرار جينيت([*])
النص وتناسل النصوص
        شهد النصف الثاني من القرن العشرين تطورات مثيرة ومتسارعة في مجال الدراسات النقدية والادبية اذ ظهرت مدارس وتيارات نقدية وروى جديدة لم يكن لها وجود في السابق ولم يتطرق اليها احد من النقاد من قبل. وكان لدراسة النص الادبي حظه الوافر في هذه التطورات. فلم يعد النص بمعناه العام والمجرد الذي كان يتناوله النقاد بدراسة عامة والاكتفاء بكلمة النص Texte وانما توسع ذلك واصبح متعدد الانواع. ونتج عنه ما اكد عليه جيرار جينيت عام (1983) في كتابه (الاطراس) بالمتعالقات النصية وحسب سياقاته حدد خمسة انواع هي : التناص Intertextualité والمتناص Métatextualité والمتعالقات النصية Transtextualité والمناص Paratextualité ومعمارية النص Architextextualité- فضلا عن وجودhypertextualité    التنصيص او المتشعب.
      ولعل جوليا كريستيفا الرائدة في هذا المجال اذ  انها تحدثت  عام 1966 حول مسالة التناص لاول مرة. ونظرا لتعقيد هذا الموضوع وتشعّبه وخطوط التماس بين كل هذه الانواع من النص كان لزاما علينا ان نقدم للقارئ الكريم ما يمكّنه التمييز بين هذه المصطلحات المتشابهة والمتناظرة والمختلفة في مدلولاتها لكي يكون على بينة من الرؤية الجديدة التي يمكن ان ندرس من خلالها النص الادبي.
معمارية النصarchitextualité
         وتعرف بانها مجموعة الخصائص العامة او المتعالقة التي ينتمي اليها كل نص بصورة مستقلة وهي عبارة عن علاقة صماء وضمنية او مختصرة لها طابع تصنيفي يختص  بنص ما. ويعد هذا النمط الاكثر تجريداً ويأخذ بعداُ مناصياُ. ويعرف هذا النوع ايضا بـ (جامع النص) الذي يتضمن مجموعة من السمات التي ينتمي لها كل نص في تصنيفه مثل الرواية او الشعر اوالمسرحية.
التشعب النصي Hypertextualité اي ان النص اللاحق يكتب النص السابق بطريقة جديدة او النصية المتفرعة او التنصيص وهي العلاقة التي من خلالها يمكن لنص ما ان يشتق من نص سابق عليه بواسطة التحويل البسيط او المحاكاة.
    واخيرا تستند الكتابة المبتكرة الى النصوص الادبية مع تطبيق التداخل النصي مع انتهاج منهج جديد يتمثل بالتاريخ الادبي اي تاريخ العمليات التي بواسطتها يتم اعادة الكتابة بالاعتماد على نصوص اخرى بحيث تسير العملية وفق حركة تتمثل بالتأويل والتقليد والمحاكاة والتحويل والتجاوز المتواصل.
الادب المقارن و المتعالقات النصية
          تهتم بحوث الادب المقارن مثلما تدل عليها تسميتها بكل ما يتجاوز حدود النص الادبي الفردي. وهذا بدوره يفتح افاقاً واسعة للبحث لاحدود لها. وفي خضم اعمال الحلقات الدراسية ليس من الممكن الاحاطة بكل انواع المتعالقات النصية ولعل مصطلح التناص يأتي على رأس قائمة هذه المتعالقات النصية. فان اول من استخدم هذا المصطلح جوليا كريستيفا (Julia Kristeva) منطلقة من فكرة مفادها ان اي نص ادبي لا يمكن كتابته من الصفر. وان كل نص من النصوص له سوابقه فهو تناص او نص متداخل يمثل جزءاً من شبكه متكاملة ومع ذلك يذهب التناص الى ابعد من ذلك اذ يمكن قراءة اي تاريخ كنص وان كل نص مادي لا يمكن ان يكون الا جزءاً من نص عام. وفي الحقيقة يقع هذا المفهوم الساحر في نقطة تحول من البنيوية الى ما بعد البنيوية. ومن جهته تقدم جيرار جينيت بمصطلح اخر ليخلف التناص فوضع المتعالقات النصية Transtextualté بغية بلورة اصطلاح اكثر دقة. وطبقا لراي جينيت فان المتعالقات النصية هي كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص اخرى سواء أكان هذا التعالق صريحاً ام ضمنياً. وفي سياق الاستعمال نلاحظ ان مصطلح التناص فرض نفسه على المجال العلمي. الا ان جينيت اقتفى طريقاً يتجاوز المستوى النصي مع البقاء متعلقاً بمفهوم النص. فالتناص عبارة عن تفاعل نصي واخذ الكثير من الحوارية (dialogisme) التي عرضها ميخائيل باختين الذي يعتبر الرواية عبارة عن فضاء متعدد الاصوات يتضمن مكونات لغوية واسلوبية وحضارية. اذن اقترض مصطلح التناص فكرة من باختين مفادها ان الادب يولد من تحول مختلف العناصر الحضارية واللغوية الى نص خاص.
        وشهد مصطلح التناص تطورا جديدا خلال العقدين 1970 , 1980 اذ ان رولاند بارت اخذ هذا المصطلح في مقالة "نظرية النص" واكد على ان كل نص هو تناص وان جميع النصوص موجودة فيه بمستويات مختلفة وتحت صيغ معترف بها نوعا ما : نصوص الثقافة الماضية ونصوص الثقافة المحيطة. فان كل نص هو نسيج من اقتباسات متطورة.
    وتطور المصطلح وشهد توسعا اذ ظهرت اعمال ميخائيل ريفاتير Michael Riffaterre الذي بحث عن اثر التناص في سلم الجملة او النص. وحسب وجهة نظره يرتبط التناص بصورة جوهرية بآلية الخاصة للنص الادبي.
     اذ يجد القارئ ان النص ادبي لانه يلاحظ العلاقات بين الكتاب والكتب الاخرى التي سبقته او التي تبعته وجلب جينيت في كتابه (الاطراس) عام 1982 عنصرا رئيسا اطلق عليه تسمية التناص او التفاعل النصي (Intertexualité) وادخل هذا العنصر ضمن مجموعة اطلع عليها تسمية المتعالقات النصية (Transtextudalité) التي تحلل العلاقات التي تربط اي نص من النصوص بنصوص اخرى. وفي خضم هذه النظرية يتبقى مصطلح التناص مكرسا للحالة التي فيها نص فعلي داخل نص اخر. وبهذا الخصوص ميّز الاقتباس والاشارة او المرجعية الاقتراض الادبية الصريحة والانتحال والمرجعية الادبية الضمنية والتلميح (allusion). وفيما يتعلق بالاقتراض الصريح والضمني ينبغي على القارئ الذي ان يكشف ذلك.
    ويعد هذا المفهوم حديثاً واتخذ مكانته المهمة جداً في المجال الادبي وهو لايزال يشهد مزيداً من التطور والبلورة منذ عام (1970). ومن جهته يؤكد بيير – مارك دي بياس Pierre – Marc de Biasi ان مصطلح التناص لم يكتمل بعد ولذلك دخل في الوقت الحاضر في مرحلة جديدة في اعادة التعريف.
المشكلات المفهومية للتناص
      هنالك مفهومان متضادان بخصوص العلاقة بين التناص والادب. اذ يعتمد فريق من المؤلفين ان التناص يرتبط ارتباطا جوهريا بالجانب الادبي. ويسمح بتعريف ادبية اي نص من النصوص ضمن الاطار الذي باستطاعتة قارئ النص ان يميز بين النص الادبي والتناص او التفاعل النصي. في حين هناك فريق اخر من المؤلفين يعتبرون ان المفهوم ينبغي ان يشهد اتساعا فيما يخص مجموعة النصوص. وبناء على ذلك يعد التناص حالة خاصة من التفاعل الاستطرادي او الاستطراد المتداخل interdiscursvité اذ يعد ذلك ملتقى خطابات اة حوارية مثلما نظرها ميخائيل باختين.
البعد المتعالق والبعد التحويلي
      ثمة تبسيط معين للمفهوم ادى في بعض الاحيان الى تشخيص التناص والبحث عن اشارات الى نص سابق. وفي هذه الحالة لا يمكن ان يكون النص الا صيغة في نقد المصادر. ومثلما هو معروف ان التناص عبارة عن انتاج نص مرورا بتحول نصوص سابقة. وبهذا المعنى لا يكون التناص وبكل بساطة مجرد وجود اشارة الى نص اخر وانما طريقة حقيقية لانتاج النص ووجوده ولا يمكن فهمه الا بمقدار ما يحول في نصوص سابقة اي الا بمقدار ما يستطيع المؤلف في ان يقوم بعملية تحول لنصوص سابقة. وضمن هذا الاطار لا يمكن التفكير بالعلاقة بين النصوص بالمسار الاتي من النص الاصلي الى النص المدروس وانما من النص المدروس الى النص الاصلي. وفي الحقيقة عندما يتم استعمال نص سابق لا بد للمؤلف من ان يقوم ببعض التعديلات على حالة هذا النص اذن يتعلق الامر هنا يعملية معقدة تتجاوز كثيرا مسالة تطبيق الاقتباس او الاقتراض والمرجع الادبي.
المناص Paratextualité
     يعرف المناص بكونه بنية نصية تشترك مع بنية نصية اصلية مقام وسياق معينين والعمل على مجاورتهما من اجل المحافظة على البنية الكاملة والمستقلة وهذا واضح في المعارضات الشعرية مثلا. ونجد المناص عادة في المقدمات العناوين والخاتمة. وكلمة الناشر والصور وافضل مثال على ذلك رواية جيمس جويس "اوليس", اذ اعطى جويس عناوين فرعية لكل فصل من الفصول علما ان هذه الطريقة تخلى عنها في الطبعة الثانية ولكن على الرغم من ذلك بقيت في مخيلة القارئ والناقد على حد سواء.
ومن الاهمية بمكان ان المناص عرف ايضا بالتوازي النصي ويمثل في هذه الحالة العلاقة التي يقيمها النص مع محيطه النصي المباشر مثل العنوان والعنوان الفرعي او العناوين الفرعية والعناوين الداخلية والتنبيه والملاحظات وغيرها.
وتعد هذه اشارات تكميلية ترتبط ارتباطا وثيقا بالنص الاصلي. وتكون هذه الاشارات عادة داخل النص او تتقدم عليه او تتاخر عنه الا انها في جميع الاحوال تقع في محيطه.
الميتانص métatextualité  ما وراء النص
     الميتانص عبارة عن علاقة التفسير التي تربط نصا من النصوص بنص اخر ادانه يتحدث عنه دون ان يلفظ به بالضرورة. عرفة جيرار جينيت بانه عبارة عن علاقة النص بالنصوص التي تحلله اي النصوص النقدية التي تتناول النص الاصلي بالتحلل والتفسير. وعنه البعض الاخر انه علاقة التعليق التي تربط نصا باخر يتحدث عنه دون ان يذكره في بعض الاحيان. ويأخذ الميتانص بعداً نقدياً محضا في علاقة نصية وهي التحليل مع بنية نصية تتمثل بالنص الاصلي واكد حينيت ان بعض الكتاب يعطون تلميحاً بطريقة مبهمة وغير جلية اي كتاب اخر دون ذكره بصورة صريحة.


[*] -    Julia Kristeva: Sémiotik,Le Seuil,1969
    -  Gérard Genette: Palimsestes-La littérature au second degré

د. حسيب الياس حديد
المتعاليات النصية / مجلة الثورة
ملحق ثقافي
16/2/2010

المؤلف:أحمد أنيس الحسون:التناص مصطلح يرادفه «التفاعل النصي – المتعاليات النصية» وقد شاب هذا المفهوم إشكالية في المصطلح، قدّمت له المدارس النقدية في نشاطها نظرياً وتطبيقياً.

‏‏
يعتبر رولان بارت حامل لواء النقد الجديد، ذلك أن كتابه «عن راسين» كان حدثاً مهماً لاكتشاف النقد الجديد بعدما دارت حوله نقاشات وسجالات عديدة. وهناك جماعة اسمها «تيل –كل» باسم المجلة التي التفوا حولها، وقد كان لها مكان مرموق في النقد أثارت فيه جدلاً في النقد المعاصر، حيث استقطبت عدداً من المفكرين.ونشرت مجلتها التي أصدرها فيليب سولرز 1960 م في باريس، وكانت السمة العامة لهذه المجلة رفض المناهج التقليدية، والإيمان بخلق نقد علمي يتخطى الحرفي والشكلي والبنيويي، وتخلّى كتّابها عن المفهوم المهيمن بإظهارشخصية المبدع وإبراز عالمه الواقعي، لأن الكتابة في وظيفتها الإبداعية ليست تمثيلاً. فاللغة على حدّ تعبير جوليا كريستيفا ذات طابع غير قواعدي.‏‏
يرجع السبق والأولوية في ولادة مصطلح «التناصّ» إلى جوليا كريستيفا 1969 م. وقد استنبطته من باختين في دراسته لدوستيوفسكي 1963م ورابليه 1965م. ومن ثم احتضنت هذا المصطلح البنيوية الفرنسية وما بعدها من اتجاهات سيميائية وتفكيكية في كتابات كريستيفا ورولان بارت وتودوروف...إلخ وجاء القول بالتناصية بعد تراكمات نقدية أثارها نقاد أفادوا أن دراسة الأدباء لا يمكنها أن تفي بالغرض في إطارهم وحدهم، فمعرفة الجديد مرتبطة بمعرفة القديم، وأكثر المبدعين أصالةً من كان في تكوينه رواسب من الأجيال السابقة. فأتت الدراسة التناصية لمعرفة الماضي الممتد في النص والحاضر المتسرّب إليه. ففي الحدث الأدبي ثلاثة عناصر: «الفاعل –الكاتب والفاعل –المتلقي والنصوص السابقة التي تحدّد الفضاء المنتمي ٍإلى نص ما» فكل خطاب يكرر آخر، ويشير أن الفضل في بزوغ هذه الظاهرة يعود إلى الشكلانيين الروس، ويعتبر تودروف أن الخطاب الذي لا يستحضر شيئاً ممن سبقه هو خطاب أحادي القيمة، والخطاب الذي يستحضر شيئاً في بنائه من نماذج سابقة هو خطاب متعدد القيمة.‏‏
يأتي التناص صوتاً لنصوص سابقة، بحيث يكون النصّ المتناصّ خلاصته نصوص تنمي الحدود بينها، ويتم صياغتها بشكل جديد. فهو علاقة تفاعل بين نصوص سالفة أو معاصرة ونصّ ماثل.أو هو تعالق نصوص مع نص. يقول تودوروف: إن كلّ نص هو امتصاص وتحويل لكثير من النصوص، والنصّ الجديد إعادة إنتاج لنصوص وأشلاء نصوص معروفة، سابقة أو معاصرة قابعة في الوعي واللاوعي الفردي والجماعي. إن علاقة النص بما سبقه تضاعف العلاقة بين الكاتب والقارئ بحيث يهتم القارئ بالحوار الذي بدأه المؤلف مع أعمال معاصريه أو سابقيه، وعندما يبدو صوت المؤلف المصدر الوحيد لما يقوله فإن النص ينتصر، فلم يبق من النص السابق إلا المادة وغاب الأصل الذي لا يدركه إلا ذوو الخبرة والمران في قراءة النصوص. يقول ليتشر: إن النص ليس ذاتاً مستقلة، إنما سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى، فشجرة نسب النص غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً ولا شعورياً. من قول ليتش السابق نلاحظ أن النص هو تداخله مع نصوص أخرى فلا حدود للنص، ولا حدود بين نص وآخر –فالكاتب يكتب نصّه- على حد تعبير هارولد بلوم- تحت تأثير الهوس الذي يمارسه النصّ السابق كعقدة أوديبية تدفع الكاتب إلى السير على منوال النص الأول والتمرّد عليه في آن. ويطرح التناصّ مسألة استقلالية النص أو تبعيته، وقد ركّز النقد الغربي على تبعية النص لسياقه النفسي والتاريخي والاجتماعي، فجاء النقد المعاصر ليؤكد عدم استقلال النص الأدبي، لكنه لا يمارس التبعية بالمعنى التقليدي، فالنص له صلة بنصوص سابقة، لكنه لا يسعى إلى كشفها. ويتحدد التناص في الشكل والمضمون معاً. وهو نوعان: داخلي وخارجي، فالداخلي هو حوار النص في تناسله، ففيه المنطلقات والأهداف والحوار المباشر وغير المباشر.‏‏
‏‏
أما التناص الخارجي فهو حوار بين نص ونصوص أخرى متعددة المصادر والوظائف. لقد اعتبرت البنيوية النص بنية مغلقة، وجاء التناص ليقرَّ بالبنية المفتوحة والمتحركة والمتجددة، وتحطيم بنية النص ونظمه اللذين قالت بهما البنيوية، فقد ركّزت البنيوية على ثنائية «القارئ/الكاتب» والكاتب الفعلي للنص هو القارئ. لكن التناصّ فكّ هذه الاشتباكات وحدد الأصوات المترددة في جنبات النص وتراكيبه، وأعادها لأصحابها السابقين أو المعاصرين. لكنّ هذا لا يعني أن البنيويين تمسكوا بالمغلق تماماً. فمنهم من تخطّى هذه الممارسة النقدية إلى مجال أرحب مثل تودروف، رولان بارت، ريفاتير...وغيرهم مثل آريفيي الذي تبنّى مقولات الشكلانيين الروس والبنيويين بعدم مرجعية النص، وقال بتعديل هذه الحقيقة، لأن النصّ يملك دليلاً مرجعياً وهناك علاقات مع الواقع الخارجي. فالنص يحمل في طياته نصاً آخر. وتبنّى تودوروف التناصَّ كمرتبةٍ من مراتب التأويل.‏‏
ويرى رولان بارت أن كل نصّ هو تناصّ، فكل نص نسيجٌ من استشهادات سابقة والتناصية هي قَدَرُ كل نص مهما كان جنسه. أشرنا أن كريستيفا كان لها السبق في ولادة مصطلح التناص على الرغم من أنه ورد لدى باختين الذي يسميه «التفاعل السوسيولفظي»، لكنها «كريستيفا» أعطت لهذا المصطلح بُعده النقدي والأدبي في كتاباتها التي نشرتها مجلة «تيل – كل» وأعيدت في كتابيها: «السيمياء – نص الرواية» معتمدة على دراسة باختين لدوستيوفسكي ورابليه، ففي النص تناص يمارسه الكاتب بوعي أولا وعي، كما أن القراءة تثير لدى المتلقي خبراته وذكرياته السابقة، وهذا الحوار بين النص وكاتبه والنص ومتلقيه «الديالوج» والبيشخصية «ما يدور بين شخصين أو أكثر» تسميه كريستيفا بـ «التناصّ أو التناصيّة».‏‏
لقد أفادت كريستيفا من دراسات «باختين» الذي ميّز بين محورين «الحوار – التضاد» اللا مميّزين لها بدقّة، فالتناص كما أشارت هو تلاقي النصوص وكل نص هو قطعة فسيفسائية من الاقتباسات والاستشهادات، وكل نص هو امتصاص وتحويل لنصوص ٍ أخرى. كما أفادت كريستيفا من دي سوسور في البحث عن النص الغائب في فضاء اللغة الشعرية وقد أسماه: «القلب المكاني أو البراغرام».‏‏
واعتبرت أن الملفوظ الشعري مجموعة ثانوية من بين مجموعة أكبر هي فضاء النص،والمدلول الشعري تلتقي فيه أنماط متعددة، وقد مثّلتْ للتناص الشعري بلوتريامون مشيرةً إلى أن اللغة الشعرية لا نهائية الشيفرة بخلاف الكاتب الذي هو نهائي ومغلق، والنص الأدبي مزدوج «كتابة/قراءة».فالمكتوب مقروء، ثم يتحوّل المقروء إلى مكتوب، ويتشكّل التحاور النصي بين الاثنين معاً مما ينتج نصوصاً جديدة. وقد اعتنى «جيرار جينيت» بالتعالي النصي. كنوع من المعرفة الذي يرصد العلاقات الخفية والواضحة لنص مع نصوص أخرى. وهذا التعالي النصي يعني عنده الوجود اللغوي ويضّمن المحاكاة وعلاقة التغيير والمعارضة والمحاكاة الساخرة. وينحصر التناصّ عنده في نمطين: الأول عفوي، والثاني يعتمد على الوعي والقصد، فتأتي الإشارة إلى النص الآخر إشارة واضحة تصل إلى درجة التنصيص. وقد حدّد جينيت التعالي النصي في خمسة أنماط: 1-التناص: العلاقة بين نصين أو أكثر. 2- الميتا نص: ما وراء النص، وفيه يتم الحديث عن نص آخر دون ذكره 3- النص الأعلى: علاقة تحويل ومحاكاة بين نص أعلى ونص أسفل 4- المناصّ: في العنوانين والمقدمات، وكلمات الناشر والصور.. 5- جامع النصّ: يتضمن مجموعة الخصائص التي ينتمي إليها كل نص «رواية، قصة، شعر..». وقد أفرد كتاباً مستقلاً لكلّ نمط من الأنماط السابقة، فالنمط الأول-مثلاً- في كتاب «معمارية النص» 1986م..‏‏
لقد عنيت الدراسة الأدبية والنقدية بمصطلح التناص، وهاجر في بداية السبعينيات إلى أمريكا. وتبنّى المنتدى الدولي للبويطيقيا بإسهام «ريفاتير» 1979م مصطلح التناص، إلا أن كريستيفا قد انصرفت عن الاهتمام بالواقع التاريخي للخطاب وتخلّت عن مصطلح التناص 1985م واستخدمت مصطلحاً بديلاً أسمته: «المناقلة أو التنقليّة» تقول: بما أنّ هذا المصطلح «التناص» استخدم في المعنى المبتذل «نقد مصادر نص ما» فإننا نفضّل عليه مصطلح المناقلة. وقد وردت عدة مفاهيم لمصطلح التناص نوردها كما يلي:‏‏
1- التناص: ولد على يد كريستيفا في مجلة «تيل- كل»‏‏
2- التفاعل النصي: يتم بين بنية النص والبنيات النصية، وقد يكون ضمنياً. 3- المناص: يوجد في العنوانين، وكلمات الناشر، والصور، والمقدمات.. 4- التناصّية: تنبني العلاقات على أمور تتعلق بالبنية والفضاء الإبداعي. 5- البنيات النصية: يأتي النص ضمن بنية نصية سابقة أو معاصرة للكاتب. 6- التعالق النصي: النص اللاحق يكتب السابق بطريقة جديدة. 7- المتناصّ: يستوعب النص عدداً من النصوص سواء كانت في ذاكرة الكاتب أو القارئ.‏‏
8- المصاحبات الأدبية: استشهادات تدخل في بنية النص.‏‏
9- المتعاليات النصية: ما يجعل نصاً يتعالق مع نصوص أخرى بشكل مباشر أو ضمني.‏‏
حذفت المراجع لضرورات النشر‏‏

الاثنين، 15 يوليو 2013

العجائبي Fantastic مفهوم نقدي من مفاهيم السرد الحكائي. أفرد له الناقد البلغاري (ترفيتان تودوروف) كتاباً خاصاً ظهر بالفرنسية عام 1970بعنوان: Introduction á la Littérature Fantastique. والذي صدرت له، عام 1973، ترجمة إنكليزية قام بها (ريتشارد هاورد) بعنوان: The Fantastic:A Structural Approach to a Literary Genre، فيما تأخرت الترجمة العربية الكاملة للكتاب حتى سنة 1994 وكانت تحمل عنوانا هو: «مدخل إلى الأدب العجائبي» للصدّيق بوعلام. لاتوجد في المعاجم العربية الفاظا تقابل مصطلح fantastique/fantastic المعروف في النقد الغربي، لذلك شاع استعمال مصطلح العجائبي لقربه منه نظرا لاشتراكهما في الدلالات كالعجب والاندهاش والخيال والخارق وغير الواقعي. والمصطلحان القريبان منه هما: حكاية الخوارقcontes merveilleux والحكاية الغريبة conte étrange لما لهما من خصوصيات دلالية وبنيوية وتداولية. هذا، ويستند الأدب الفانطاستيكي/ العجائبي إلى تداخل الواقع والخيال، وتجاوز السببية وتوظيف الامتساخ والتحويل والتشويه ولعبة المرئي واللامرئي، دون أن ننسى حيرة القارئ بين عالمين متناقضين: عالم الحقيقة الحسية وعالم التصور والوهم والتخييل. فهذه الحيرة هي التي توقع المتقبل بين حالتي التوقع المنطقي والاستغراب غير الطبيعي أمام حادث خارق للعادة لايخضع لأعراف العقل والطبيعة وقوانينهما. و من خلال هذا ، ينقسم الأدب العجائبي إلى : أ‌- التعجيب ويتم حينما نكون أمام حدث يترك أثرا إيجابيا على نفسية المتلقي؛ لأن المتعجب منه مستحسن يثير الاندهاش، والإعجاب لروعته وخروجه عن المألوف الذي لا يثير فضوله، كتحول البطل إلى سوبرمان لإنقاذ شاحنة تكاد تسقط في النهر. ب‌- الغريب:(حالة سلبية) ويتم التغريب حينما نكون أمام حدث يترك أثرا سلبيا على نفسية المتلقي؛ لأن الحدث مستهجن إما لغرابته وإما لشذوذه وإما لما يبثه من هلع وخوف ورعب إلى درجة القلق مثل: تحول الشخصية العدائية إلى شيطان أمرد أو قرد ممسوخ. وبناء على ماسبق، فلقد فضلنا استخدام مصطلح العجائبي ترجمة لمفهوم (الفانطاستيك) الغربي، علما بقصور هذا المصطلح العربي بالمقارنة بنظيره الأجنبي. فالعجيب يختلف إلى حد ما عن الغريب. فالعجائبي هو( حالة التردد التي يشعر بها القارئ تجاه الأحداث والأفعال، فحالما يحسم أمره ويهتدي إلى الحل الذي يرى أن الأمر لايعدو أن يكون وهم الحواس ونتيجة الخيال وأن قوانين العالم لم تتغير، يدخل حينئذ مجال الغريب الذي يخضع دائما إلى تفسير عقلي ومنطقي). أخذالعجائبي زخماً جديداً مع الأمريكي (إدغار ألان بو)، الذي ترجم له (شارل بودلير) قصص غير عادية، خلال عقد الخمسينيات من القرن التاسع عشر، وكانت هذه القصص ـ وهي تستلهم الرواية القوطية الإنكليزية ـ منغمسةً في مناخ داكن ومظلم ومتابعة لإدغار آلان بو تغذت قصص النصف الثاني من القرن التاسع عشر من التقدم الحاصل في الأمراض النفسية، ومن الأبحاث ماوراء النفسية والفراديس الاصطناعية. وفي الحقيقة تجدد هذا الجنس، في سبعينيات القرن التاسع عشر، عن طريق ميادين جديدة للبحث العلمي مثل الأمراض النفسية، والاهتمام بالأمراض العقلية والتنويم والمغناطيسية، والاكتشافات المتعلقة بالكهرباء وانتشار الضوء، وكذلك الملاحظات بخصوص ملامح للحياة في الكواكب البعيدة. وبهذا الصدد فقد لعبت قصة (هورلا le Horla (1887) لغي دو موباسان Maupassant) دوراً كبيراً، وهي تضع في المشهد راوياً هو ضحية الجنون.

 النص وتعدّد القراءات محمد محمود إبراهيم تبدو السمة الأساسية للقراءة هي الاختلاف والتباين بين أنماطها، فليس هناك قراءة وحيدة للنص، وإنما هنا...